فی تاریخ الطب فی الدولة الاسلامیة

اشارة

نام کتاب: فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة
نویسنده: نجار، عامر
تاریخ وفات مؤلف: معاصر
موضوع: تاریخ پزشکی
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: دار المعارف
مکان چاپ: قاهره
سال چاپ: 1994 م
نوبت چاپ: سوم

هویة الکتاب

فی تاریخ الطّبّ فی الدّولة الإسلامیّة تألیف الدکتور عامر النجار الطبعة الثالثة 1994 دار المعارف
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 2
الناشر: دار المعارف- 1119 کورنیش النیل- القاهرة ج. م. ع.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 3
إهداء إلی روح ابن عمی اللغوی المحقق الکبیر
الشیخ محمد علی النجار «رحمه اللّه»
أهدی عملی هذا
راجیا من المولی تعالی أن یجعل هذا العمل
متقبلا عنده إنه سمیع قریب
عامر النجار
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 5

المدخل

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم توطئة
تعوّد بعض الباحثین الأجلاء حین تناول تاریخ الطب فی دولة الإسلام تسمیة «الطب: فی الدولة الإسلامیة» بالطب الإسلامی أو «الطب العربی».
و قد یعنی هذا المفهوم من علمائنا الأجلاء أن هناک طبّا غیر إسلامی أو طبّا غیر عربی.
و الحقیقة أننا لا نمیل إلی التعمیمات، ذلک أن الإسلام العظیم هو الذی صنع عقول أبناء دولة الإسلام و صبغهم بصبغة العلم الصحیح ..
و فی العصر الذهبی للإسلام، نجد أن المسلمین فتحوا قلوبهم و عقولهم للثقافات و الحضارات المختلفة و استطاعوا أن یصهروها فی بوتقة الفکر الإسلامی الصحیح لیقدموا للإنسانیة حضارة إسلامیة فریدة رائعة قبلت کل فکر یتناسب مع عقیدتها و رفضت کل فکر یتعارض مع مبادئ العقیدة العظیمة. و لهذا کان هناک تقدم فی العلم و الطب فی دولة الإسلام الزاهرة نسمیه «الطب فی الدولة الإسلامیة» لا «الطب الإسلامی» فالطب أساسه واحد، و العلم مبادئه واحدة فلیس هناک طب یهودی أو طب مسیحی أو طب مجوسی. و إنما هو علم واحد.
و إذا کان «لوکلیر» یقول فی کتابه تاریخ الطب العربی «الطب العربی هو: کل ما کتب فی الطب و العلوم الملحقة باللغة العربیة إبّان الحضارة العربیة الإسلامیة. فإن من یقول «بالطب الإسلامی» عنده الرد علی «لوکلیر» و هو أن بعض علماء الطب العربی من أصل غیر عربی مثل الرازی و ابن سینا و علی بن عباس المجوسی.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 6
ثم إنه ما کان للعرب من دور یذکر فی صنع الحضارة الإنسانیة قبل الإسلام و قبل دولة الإسلام .. و لهذا فإننی أؤکد علی أهمیة التسمیة الموضوعیة: «الطب فی الدولة الإسلامیة».
و کل ما أرجوه من اللّه تعالی أن یجعل هذا العمل قربة من القرب إلیه. و أن یکون من العلم الذی ینتفع به، و العمل الباقی بعد أن تنقطع الأعمال بالموت، فقد أخرج مسلم عن أبی هریرة قول الحبیب المصطفی صلّی اللّه علیه و سلّم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ینتفع به، أو صدقة جاریة، أو ولد صالح یدعو له».
اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهک الکریم .. اللهم آمین.
عامر النجار
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 7

المبحث الأول مدخل إلی الطب

اشارة

.. تعد مهنة الطب من أشرف المهن و أعظمها منذ الخلیقة و إلی أن یرث اللّه الأرض و من علیها لأنها تقوم علی تخفیف آلام المتألمین و المکروبین و المرضی فی کل حین و مکان.
و الطّباب لغة العلاج، و الطّبابة: حرفة الطبیب، و طابّه: أی داواه و عالجه، و الطّب: الحذق و المهارة، و الطّب: علاج الجسم و النفس. و منه علم الطّب و کلمة طب فی أبسط معانیها تعنی فن معالجة المرضی و المتألمین و المصابین. و من هنا کانت مهنة الطب مهنة إنسانیة بالدرجة الأولی و لهذا فإن بعض من امتهنها کان یرید بها وجه اللّه تعالی و الإحسان إلی عبیده بعلاجهم من غیر أجر.
.. یقول ابن خلدون فی مقدمته.[1] «صناعة الطب تنظر فی بدن الإنسان من حیث یمرض و یصح، فیحاول صاحبها حفظ الصحة و برء المرض بالأدویة و الأغذیة، بعد أن یتبین المرض الذی یخص کل عضو من أعضاء البدن، و أسباب تلک الأمراض التی تنشأ عنها، و ما لکل مرض من الأدویة مستدلین علی ذلک بأمزجة الأدویة و قواها، و علی المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه و قبوله الدواء أولا فی السجیة (الطبیعة) و الفضلات و النبض، محاذین لذلک قوة الطبیعة، فإنها المدبرة فی حالتی الصحة و المرض، و إنما الطبیب یحاذیها و یعینها بعض الشی‌ء بحسب ما تقتضیه طبیعة المادة و الفصل و السّن و یسمی العلم الجامع لهذا کله علم الطب».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 8
.. أما حاجی خلیفة فی کتاب کشف الظنون عن أسامی الکتب و الفنون فیستعرض آراء ابن أبی أصیبعة فی طبقات الأطباء و ینقل عنه فیقول 2]: «اعلم أن تحقیق أول حدوث الطب عسیر لبعد العهد و اختلاف آراء القدماء فیه و عدم المرجح فقوم یقولون بقدمه. و الذین یقولون بحدوث الأجسام یقولون بحدوثه أیضا و هم فریقان. الأول یقول إنه خلق مع الإنسان. و الثانی و هو الأکثر یقول إنه مستخرج بعده إما بإلهام من اللّه سبحانه و تعالی کما هو مذهب بقراط و جالینوس و جمیع. أصحاب القیاس و شعراء الیونان 3].
.. و إما بتجربة من الناس کما ذهب إلیه أصحاب التجربة[4].
و ثاسلس المغالط و فیلن 5].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 9
.. و المقصود بأمر الحیلة أن ترد أشخاص العلل و مولداتها إلی الأصول الحاضرة الجامعة لها[6].
.. و قد جمع أصحاب ألحیل بین الطب و أقوال أصحاب الاتجاه الطبیعی و یذکر الدکتور جلال موسی أن أصحاب الحیل و یعنی بهم أصحاب الطریقة أو أصحاب الأصول الواضع لها اسقلبیاس الطبیب الیونانی الذی انتقل إلی روما حوالی 124 ق. م.
.. و قد ترک أصحاب هذه المدرسة القول بالأخلاط، و جمعوا بین الطب و أقوال الطبیعیین من أمثال دیموقریطس 7]. و لوقیبوس 8]. فی الجزء الذی لا یتجزأ، قالوا إن من اجتماع الأجزاء یترکب البدن و النفس و من حرکتها تنشأ الحیاة لدخولها و خروجها من البدن عن طریق المسام ففی حالة اتساعها یلزم تضییقها و بالعکس 9].
.. یقول ابن أبی أصبیعة[10]. فالذین قالوا إن الطب من اللّه تعالی قال بعضهم: هو إلهام بالرؤیا. و احتجوا بأن جماعة رأوا فی الأحلام أدویة استعملوها فی الیقظة فشفتهم من أمراض صعبة، و شفت کل من استعملها[11].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 10
.. و قال قوم ألهمها اللّه تعالی بالتجربة ثم زاد الأمر فی ذلک و قوی، و احتجوا أن امرأة کانت بمصر. و کانت شدیدة الحزن و الهم، و مع ذلک کانت ضعیفة المعدة و صدرها مملوء أخلاطا ردیئة، و کان حیضها محتبسا فاتفق لها أن أکلت الرّاسن مرارا کثیرة بشهوة منها له، فذهب عنها جمیع ما کان بها و رجعت إلی صحتها، و جمیع من کان به شی‌ء مما کان بها لما استعمله برأبه، فاستعمل الناس التجربة علی سائر الأشیاء.
.. و الذین قالوا إن اللّه تعالی خلق صناعة الطب، احتجوا فی ذلک بأنه لا یمکن فی هذا العلم الجلیل أن یستخرجه عقل إنسان، و هذا الرأی هو رأی جالینوس، و هذا نص ما ذکره فی تفسیره لکتاب الإیمان لأبقراط، قال: «و أما نحن فالأصوب عندنا و الأولی أن نقول إن اللّه تبارک و تعالی خلق صناعة الطب و ألهمها الناس، و ذلک أنه لا یمکن فی مثل هذا العلم الجلیل أن یدرکه عقل الإنسان، لکن اللّه تبارک و تعالی هو الخالق الذی هو بالحقیقة فقط یمکنه خلقه، و ذلک إنا لا نجد الطب أحسن من الفلسفة التی یرون أن استخراجها کان من عند اللّه تبارک و تعالی».
.. و وجدت فی کتاب الشیخ موفق الدین اسعد بن إلیاس بن المطران 12]. الذی و سمه ببستان الأطباء و روضة الألباء کلاما نقله عن أبی جابر المغربی و هو هذا، قال: «سبب وجود هذه الصناعة وحی و إلهام، و الدلیل علی ذلک أن هذه الصناعة موضوعة للعنایة بأشخاص الناس، إما لأن تفیدهم الصحة عند المرض، و إما لأن تحفظ الصحة علیهم. و ممتنع أن تعنی الصناعة بالأشخاص بذاتها دون أن تکون مقرونة بعلم أمر هذه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 11
الأشخاص التی خصت العنایة بها. و من البیّن أن الأشخاص ذوات مبدأ لوقوعها تحت العدد» و کل معدود فأوله واحد تکثر، و لا یجوز أن تکون أشخاص الناس إلی ما لا نهایة له لأن خروج ما لا نهایة له إلی الفعل محال. قال ابن المطران: «لیس کل ما لا یقدر علی حصره فلا نهایة له، بل قد تکون له نهایة یضعف عن حصرها.
.. قال أبو جابر: «و إذا کانت الأشخاص التی لا تقوم هذه الصناعة إلا بها ذوات مبدأ ضرورة، فالصناعة ذات مبدأ ضرورة. و من البیّن أیضا أن الشخص الذی هو أول الکثرة مفتقر إلیها کأفتقار سائرهم، و من البین أیضا أنه لا یأتی من أول شخص وجد علم هذه الصناعة استنباطا لقصر عمره و طول الصناعة. و لا یجوز أن یجتمعوا فی مبدأ. الکثرة علی استنباطها من أجل أن الصناعة متقنة محکمة. و کل أمر متقن لا یستنبط بالاختلاف بل بالاتفاق. و الأشخاص التی هی أول فی الکثرة لا یجوز أن تجتمع علی أمر متقن، من أجل أن کل شخص لا یساوی کل شخص من جمیع الجهات و إذا لم تتساو من جهة آرائها لم یجز أن تجتمع علی أمر محکم.
.. قال ابن المطران: هذا یؤدی أیضا فی باقی العلوم و الصناعات إلی أنها إلهام، لأنها ذوات إتقان أیضا «و قوله أیضا إن الأشخاص لا یجوز أن تجتمع علی أمر متقن، لیس بشی‌ء[13]. بل اجتماعها لا یکون إلا علی أمر متقن. و إنما الاختلاف یقع مع عدم الاتقان».
قال أبو جابر: «فقد بان أن الأشخاص فی مبدأ الکثرة لا یتأتی منها استنباط هذه الصناعة، و کذلک عند نهایة الکثرة لتباینهم و افتراقهم، و وقوع الخلف بینهم».
.. و نقول أیضا: یجوز أن یشک شاک فیقول: هل یتأتی عندک أن
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 12
یعرف إنسان من الناس أو کثیر منهم، منابت الحشائش و العقاقیر، و مواضع المعادن و خواصها، و قوی أعضاء سائر الحیوان و خواصها و مضارها و منافعها و یعرف سائر الأمراض و البلدان و اختلاف أمزجة أهلها مع تفریق دیارهم؟ و یعرف القوة التی ینتجها ترکیب الأدویة، و ما یضاد قوة من قوی الأدویة، و ما یلائم مزاجا مزاجا و ما یضاده، مع ما یتبع ذلک من سائر صناعة الطب فإن سهل ذلک و هونه کذب، و إن صعب أمره فی عمله من جهة المعرفة قلنا استنباط هذه الصناعة بقی أن تکون موجودة بطریق الوحی و الإلهام.
.. قال ابن المطران: هذا کلام مشوش کله مضطرب، و إن کان جالینوس قال فی تفسیر العهد: إن هذه الصناعة وحییة إلهامیة. و قال:
فلاطن فی کتاب السیاسة إن اسقلییبیوس کان رجلا مؤیدا ملهما.
.. لکن تبعید حصول هذه الصناعة باستنباط العقول خطأ، و تضعیف العقول التی استنبطت أجل من صناعة الطب. و لنتنزل أن أول العالم کان واحدا محتاجا إلی صناعة الطب کحاجة هذا العالم الجم الغفیر الیوم، و أنه ثقل علیه جسمه و احمرت عیناه و أصابه علامات الامتلاء الدموی، و لا یدری ما یفعل، فأصابه من قوته الرعاف 14]. فزال عنه ما کان یجده فعرف ذلک، فعاوده فی وقت آخر ذلک بعینه فبادر إلی أنفه فخدشه فجری منه الدم فسکن عنه ما کان یجده فصار ذلک عنده محفوظا یعلمه کل من وجده من ولده و نسله. و لطفت حواشی الصناعة حتی فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس.
.. و لو نزلنا لفتح العرق، آنا آخر، ممن هذه صفته، انجرح أو انخدش فجری منه الدم فکان له ما ذکرنا من النفع، و لطفت الأذهان فی استخراج 15]. الفصد جاز فصار هذا بابا من الطب. و آخر امتلأ من
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 13
الطعام امتلاء مفرطا فأصابه من طبیعته أحد الاستفراغین 16]، إما القی‌ء و إما الإسهال بعد غثیان و کرب و قلق و مغص و قراقر[17]. و ریح جواله فی البطن فعند ذلک الاستفراغ سکن جمیع ما کان یجده. و قد کان آخر من الناس عبث ببعض الیتوعات 18]. فمضغه، فأسهله و قیأه إسهالا و قیئا کثیرا، و صارت عنده معرفة أن هذه الحشیشة تفعل هذا الفعل، و أن هذا الحادث مخفف لتلک الأعراض مزیل لها، فذکره لذلک الشخص، و حثه علی استعمال القلیل منه لما تعوق علیه القی‌ء و الإسهال، و صعبت علیه الأعراض. و لطفت الصناعة و رقت حواشیها، و نظرت فی باقی الحشائش الشبیهة بتلک، ما منها یفعل ذلک، و ما منها لا یفعله، و ما منها یفعله بعنف، و ما منها یفعله بضعف.
.. و جاء صفاء العقول فنظر فی الدواء الذی یفعل ذلک أیّ الطعوم طعمه و أی الکیفیات یسبق إلی اللسان منه، و أیها یتبعها، فجعل ذلک سباره.[19]. و یستخرج منه و أعانته التجربة و أخرجت ما وقع له من القول إلی الفعل، و کذبت ما غلط فیه و صححت ما حدس 20]. علیه حدسا صحیحا حتی اکتفی من ذلک. و إذا نزلت أن مسهولا[21]. لا یعلم أی الأدویة و أی الأغذیة ینفعه أو یضره، استعمال بالاتقان «سمّاقا» (نبات طبی ینبت فی المرتفعات و الجبال) فی غذائه فانتفع به و دام علیه فأبرأه، فأحب أن یعلم بماذا أبرأه، فتطعمه فوجده حامضا قابضا، فعلم أنه لا یخلو من أن یکون حمضه نفعه أو قبضه، فذاق غیره مما فیه حموضة محضة فقط، و استعمله فی غیره ممن به مثل ما کان به، فوجده لا یفیده ما أفاده هو
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 14
فعمد إلی شی‌ء آخر طعمه قابض فقط فاستعمله فی ذلک الشخص بعینه، فوجد فائدته فیه أکثر من فائدة الحامض المطلق، فعلم أن ذلک الطعم مفید فی تلک الحالة و سماه قابضا، و سمی ذلک استفراغا، و قال إن القابض ینفع من الاستفراغ.
و لطفت الصناعة و رقت حواشیها فی ذلک حتی استخرجت العجائب، و استنبطت البدائع. و أتی الثانی فوجد الأول و قد استخرج شیئا جربه فوجده حقا، فاحتفظ به و قاس علیه، و تم حتی استکملت الصناعة. و لو نزلنا مجی‌ء مخالف وجدنا کثیرین موافقین، و إذا غلط متقدم سدد متأخر و إذا قصر قدیم تم محدث هکذا فی جمیع الصناعات.
.. و هم مختلفون أیضا فی المکان الذی ظهر فیه الطب و الدواء أول مرة بعضهم یقول إن أهل مصر استخرجوه و یصححون ذلک من الدواء المسمی بالراسن 22].
.. و بعضهم یقول إن هرمس 23]. استخرجه مع سائر الصنائع و الفلسفة و الطب. و بعضهم یقول إن أهل فولوس 24]. و قیل أهل مورسیا و أفروجیا و هم أول من استخرج الزّمر أیضا و کانوا یشفون بالألحان و الإیقاعات آلام النفس.
و قیل أهل قوّ[25]. و هی الجزیرة التی کان بها بقراط و أباؤه. و ذکر کثیر
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 15
من القدماء أنه ظهر فی ثلاث جزائر إحداها رودس 26]. و الثانیة تسمی قنیدس 27]. و الثالثة قو.
.. و قیل استخرجه الکلدانیون 28]، و قیل استخرجه السحرة من الیمن و قیل من بابل و قیل من فارس. و قیل استخرجه أهل الهند.
.. و قیل الصقالبة[29].
.. و قیل أهل أقریطش 30].
.. و قیل أهل طور سینا[31].
.. و قد یکون حصل للناس منذ القدم شی‌ء من الطب عن الأنبیاء و الصلحاء. روی ابن عباس رضی اللّه عنه أن النبی صلی اللّه علیه و سلّم قال: «کان سلیمان بن داود علیهما السلام إذا صلی رأی شجرة نابتة بین یدیه، فیسألها
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 16
ما اسمک؟ فإن کانت لغرس غرست و إن کانت لدواء کتبت.
.. و قال قوم من الیهود[32]. إن اللّه عز و جل أنزل علی موسی علیه السلام سفر الأشفیة.
.. و الصابئة[33]. تقول: أن الشفاء کان یؤخذ من هیاکلهم علی ید کهانهم و صلحائهم، بعض بالرؤیا و بعض بالإلهام.
.. و بالجملة فإنه کما یقول ابن أبی أصیبعة قد یکون مما دفع بالتجربة و الاتفاق و المصادفة أکثر ما حصلوه من هذه الصناعة ثم تکاثر ذلک بینهم و عضّده القیاس بحسب ما شاهدوه، و أدتهم إلیه فطرتهم فاجتمع لهم من جمیع تلک الأجزاء التی حصلت لهم بهذه الطرق المتفننة المختلفة أشیاء کثیرة. ثم إنهم تأملوا تلک الأشیاء و استخرجوا عللها و المناسبات التی بینها، فتحصّل لهم من ذلک قوانین کلیة و مبادئ منها یبتدأ بالتعلم و التعلیم و إلی ما أدرکوه منها أولا ینتهی. فعند الکمال و یتدرج فی التعلیم من الکلیات إلی الجزئیات، و عند استنباطها یتدرج من الجزئیات
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 17
إلی الکلیات، و أقول أیضا إنه لیس یلزم أن یکون أول هذا مختصا بموضع دون موضع، و لا یفرد به قوم دون آخرین إلا بحسب الأکثر و الأقل، و بحسب تنوع المداواة. و لهذا فأن کل قوم هم مصطلحون علی أدویة یألفونها و یتداوون بها، و أری أنهم إنما اختلفوا فی نسبة صناعة الطب إلی قوم بحسب ما قد کان یتجدد عند قوم فینسب إلیهم فإنه قد یمکن أن تکون صناعة الطب فی أمة أو فی بقعة من الأرض، فتندثر و تبید بأسباب سماویة أو أرضیة، کالطواعین المفنیة و القحوط المحلیة و الحروب المبیدة و الملوک المتغلبة، و السیر المخالفة. فإذا انقرضت فی أمة و نشأت فی أمة أخری، و تطاول الزمان علیها نسی ما تقدم، و صارت الصناعة تنسب إلی الأمة الثانیة دون الأولی و یعتبر أولها بالقیاس إلیهم فقط، فیقال لها مذ ظهرت کذا و کذا و إنما یعنی فی الحقیقة مذ ظهرت فی هذه الأمة خاصة و هذا مما لا یبعد. فإنه علی ما تواترت به الآثار، و خصوصا ما حکاه جالینوس و غیره، أن أبقراط لما رأی صناعة الطب قد کادت أن تبید، و أنه قد درست معالمها عن آل اسقلیبوس، الذین أبقراط منهم، تدارکها بأن أظهرها و بثها فی الغرباء و قواها و نشرها و شهرها بأن أثبتها بالکتب. فلهذا یقال أیضا علی ما ذهب إلیه کثیر من الناس، أن أبقراط أول من وضع صناعة الطب و أول من دونها و لیس الحق، علی ما تواترت به الآثار، إلا أنه أول من دونها من آل اسقلیبوس لتعلیم کل من یصلح لتعلمها من الناس کافة، و مثله سلک الأطباء من بعده، و استمر إلی الآن و اسقلیبوس الأول هو أول من تکلم فی شی‌ء من الطب علی ما سیأتی ذکره.
.. و هکذا خلق اللّه سبحانه و تعالی الإنسان فی کبد و نصب و ألم.
و منذ عرف الإنسان الألم فکر فی کیفیة إزالة هذا الألم عن طریق العلاج و الطبابة و لعل أول من مارس الطب هو سیدنا ادم علیه السلام عند ما ساعد أمنا حواء حین وضعها أول أبناء الإنسانیة.
.. و لعل أطباء مصر أول من برع فی صناعة الطب.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 18
.. و قد أشاد هومیروس فی «الأودیسا» بمهارة الأطباء المصریین و قال 34]: هیرودوت غیر مرة إنهم کانوا یعالجون أنواعا شتی من الأمراض یختص کل منهم بمرض یبرع فی علاجه، و روی أن قورش أرسل إلی مصر فی طلب طبیب للعیون، و أن «دارا» کان عظیم الإعجاب بهم و کان الاغریق یعرفون اسم أمحوتب رب الحکمة فی مصر القدیمة و نقلوا عن الطب المصری کثیرا من العقاقیر کما نقلوا آلات الجراحة بغیر تبدیل ..
.. و کانت أهم العلامات الممیزة للطب عند قدماء المصریین صلته بالدین 35]، فکان هناک عدة آلهة لشفاء الأمراض. و کان نصیر الأطباء هو الإله «توت» و کانت الإلهة «إیزیس» یتضرع إلیها لشفاء الأمراض المستعصیة. و قد امتدت عبادة ایزیس أیام الامبراطوریة الرومانیة و شملت العالم الغربی کله و کانت تمثل بشکل سیدة جالسة و أحیانا و هی تحمل ابنها حورس علی ذراعیها.
.. و إن المتصفح للبردیات الطبیة یظن لأول و هلة أن الطب المصری القدیم کان تحت تأثیر السحر و الرقی التعاویذ، نظرا لتکرار الأدعیة بها و لکن الحقیقة غیر ذلک، أنه لا یمکن قطعا علاج قدم به کسر بواسطة السحر و الرقی، إنما یمکن شفاء مرض باطنی بهذه الطریقة، لأن أی تغییر فی حالة المریض العقلیة تؤثر بدورها علی حیویة الجسم فی مقاومة المرض و بالتالی شفائه.
.. و کان الکهنة أول من مارس مهنة الطب، ثم نشأت فئة الأطباء من غیر رجال الدین، ثم انقسمت هذه الفئة إلی درجتین إحداهما وسیلتها السحر و الشعوذة، أما الثانیة فکانت تعتمد فی علاجها علی العقاقیر و الجراحة و ظهر فیها الأخصائیون.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 19
.. و إلی الکهنة یرجع الفضل فی إدخال کثیر من الوصفات الصحیة بحجة الدین مثل حظر أکل لحم الخنزیر و البجع و الصیام أربعون یوما کل عام مع تجنب العلاقات الجنسیة، و تعاطی السلامکی کشربة مرة کل شهر و الاستحمام یومیا و إزالة الشعر الذی ینمو علی الجسم .. و من أطباء مصر القدیمة المعروفین «امحتب» رئیس مهندسی العمارة فی عصر الملک «زوسر» أحد ملوک الأسرة الثالثة المصریة التی یرجع تاریخها إلی القرن التاسع و العشرین قبل المیلاد.
.. و علی ضفاف النیل سارت صناعة الطب بطیئة بعض الشی‌ء لکنها سرعان ما نمت فی عهد المملکة الوسطی و أول عهد المملکة الحدیثة، مما جعل العلماء یفدون إلی مصر لینهلوا من علمها و یطّلعوا علی المراجع الهائلة بمکتبة منف و من أبرز من زار مصر من العلماء و الأطباء و الفلاسفة أبقراط و فیثاغورث و أفلاطون.
.. و کان فی مصر عدد من الأطباء الجراحین. و لعل الجراحین المصریین کانوا أول من أجری عملیة الختان کما ثبت ذلک من الطقوس و النقوش 36].
.. و یقول الدکتور أبادیر[37]. و کانت الجروح النظیفة تعالج بالخیاطة و الأربطة اللاصقة و الجروح الأخری تعالج باللحم الطری أول یوم ثم بالعسل و الأعشاب القابضة. أما الکسور فقد عولجت بنجاح و استعملت الجبائر فی علاجها.
.. و کان لدی قدماء المصریین عدة طرق لتشخیص الحمل و معرفة نوع الجنین.
.. و بردیة إدون سمیث‌Edwin Smith [38] تعد وثیقة هامة للمعلومات
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 20
الطبیة القیّمة عند قدماء المصریین فقد تضمنت معلومات دقیقة عن وصف بعض الأمراض و طرق علاجها و فیها بدایات حقیقة أولیة لصناعة الطب و علم التشریح.
و یظهر من الرسالة علم مؤلف الرسالة بالتشریح 39] «فقد وصف المخ و أغشیته و السائل النخاعی المخی و وصف تعاریج المخ و شبهها بالنحاس المصهور و ذکر أن القلب تخرج منه الأوعیة إلی کل أطراف الجسم و وصف کسر الفقرات و أن إحداها تنغرز فی الفقرة التالیة کما تنغرز القدم فی الأرض المنزرعة و لا یمکن معرفة ذلک دون تشریح و وصف الفک الأسفل و شبهه بمخلب الطائر. أما علمه بوظائف الأعضاء فهو بالطبع أقل من علمه بالتشریح و مع ذلک فقد علم أن النبض یدل علی حالة القلب و هو ما لم یفطن له أبقراط و لم یعن به أحد حتی عهد أطباء الإسکندریة و کان یعلم أن إصابة الرأس تحدث شللا فی أحد نصفی الجسم.
.. أما علمه الإکلینیکی فهو موضع الدهشة و الإعجاب فهو یختار من الأعراض أهمها و له فی ذلک قدرة خارقة ثم هو لا یکاد یخطی‌ء فی تقدیر خطورة الأعراض الخطرة فهو واثق تمام الثقة أن الکسر المصحوب بجرح و حرارة أشد خطرا من الکسر الذی لیس فیه جرح و هو یعرف أعراض الإلتهاب و یصف الجروح فی أدوارها المختلفة وصفا دقیقا و یعلم أسباب کسر السلسلة الفقریة و ما یصحبها من شلل و هو یعلم أعراض الضغط علی المخ و ما یتبعه من فقد الوعی و الشلل و قد وصف أعراض تهیج المخ و إلتهاب الأغشیة و عرف أن شفاء المصاب أو موته یتوقف علی النبض داخل الجمجمة أ هو موجود أم غیر موجود و قد وصف «المعص» (جذع المفاصل) وصفا مدهشا حقا أنه انفصال عظام دون أن تتغیر علاقة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 21
بعضها ببعض و هو تعریف ظریف و فحصه للمریض کاف دون أن یکون مرهقا فهو یسأل المریض أسئلة قلیلة هامة و یلاحظ تهیجه و یصف الهیئات الخاصة التی تدل علی أمراض بعینها مثل وصفه المریض حین یمسح عینه بظهر یده و هو لا یدری ما یعمل و من وسائل فحصه المریض أن یضع إصبعه فی الجرح و یحس فرقعة الکسور و النبض و الحرارة و هو یصف تصلب الرقبة و النزیف تحت الملتحمة و النزیف من المنخرین و الأذنیین و یعلم بالضبط قیمة ذلک فی التشخیص و العلاج و هو یذکر الشلل النصفی و الجماعی و سیل البول و الإنتفاخ و غیر ذلک من العلامات العامة و لم یخطی‌ء مرة فی تقدیر علامة من علامات هذه الأمراض.
.. أما علمه بالعلاج و وسائله فهو أیضا مدهش حقا و علاجه فی أکثر الأحوال ینطبق علی العقل و یدل علی فهم للمرض و أثر العلاجات المختلفة فیه و هو یرد الخلع و یصلح من الکسور و یضع جبائر من الکتان الجاف الصلب و یضع قطعة أو أنبوبة من الخشب بین الفکین للتغذیة فی حالات لعلها التیتانوس أو الالتهاب السحائی و هو یخیط الجروح و یعلم إنها ستتقیح و إنها تحتاج بعد ذلک إلی الدهن و العسل و هو علاج یکاد یتفق و علاجنا الحدیث و لا یغیر من هذه الحقیقة إننا نضع الفازلین بدلا من الدّهن و نضع المحالیل القویة التی لا یختلف عملها فی الجروح عن عمل العسل و یضع قطع من الکتّان تقرب بین حافتی الجروح و یحرم وضعها عند ما تکون ملتهبة متقیحة و یربط جروحه إلّا فی حالتی ضغط المخ و شدة القیح حتی لا تظل الإفرازات داخل الجروح و یضع المکمدات علی الجروح الملتهبة و یضع علیها قبل إلتهابها أوراق الشجر الرطبة (کما نضع نحن تحت خلات الرصاص) أما وضعه قطعة اللحم علی الجرح فی أول یوم فغیر مفهوم بالضبط إلا أن یکون ذلک لیوقف النزیف و هذه الرسالة تدل علی مهارة صاحبها فی الطب و تدلنا علی عبقریته الفذة مع بواکیر الحضارة القدیمة و یتبین لنا مدی تفوقه فی الجراحة و التشریح کما بین لنا ذلک الدکتور محمد کامل حسین رحمه اللّه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 22
.. و کانت للمصریین مهارة معروفة فی التحنیط و التشریح و الجراحة ذلک أنهم کانوا یحنطون جثث الموتی من الناس و الحیوانات 40] .. و فی المومیاءات الباقیة آثار عملیات جراحیة کبیرة منها مثلا عملیة فی محجر ضرس فی الفک الأدنی قد ثقب لاستخراج الصدید من خراج کان فیه.
و کذلک کان الختان معروفا عندهم، و کانوا یعتقدون أنه یمنع عددا من الأمراض .. و عرف المصریون أن الشرایین و الأوردة تتوزع من القلب و لکن أساءوا فهم الوظیفة التی تقوم بها المجاری الدمویة.
.. و قد وصل إلینا کتاب فی الجراحة، من نحو عام 2000 ق. م فیه ذکر للدماغ و أنه یسیطر علی أطراف البدن، فإذا أصیب الدماغ بأذی فی مغرز متصل بأحد تلک الأطراف لحق بذلک الطرف ضرر. و قد استعمل أطباء مصر العدید من العقاقیر النباتیة و المعدنیة[41] فعرفوا الأعشاب الطبیة و الفواکه و الخضروات المفیدة کما استخدموا أملاح النحاس و القصدیر فی علاجاتهم المختلفة، و لکنهم کانوا یرکزون علی الأعشاب فی صنع العقاقیر الطبیة کما استخدموا المراهم المختلفة کعلاج لبعض الأمراض الجلدیة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 24

الطب فی وادی الرافدین (ما بین النهرین):

.. کان الطب القدیم عند البابلیین یشوبه شی‌ء من الکهانة و السحر لأن المرض عندهم کان یعتبر عقابا إلهیا علی ذنوب ارتکبها المریض، و لذلک لم یکن أحد لیحاسب الکاهن أو الساحر علی أی خطأ قد یرتکبه فی علاج مرضاه، بینما یعاقب الطبیب الجراح الذی یخطئ فی علاجاته و جراحاته لأنه یعمل بیدیه لا بقوة کهنوتیة أو سحریة کما یفعل السحرة و الکهنة. فشریعة حمورابی تنص علی أن الجراح إذا ما استعمل مشرطه البرونزی و أخطأ فی استعماله تقطع یده، و إذا تقاضی أجره أکثر مما یستحق یعاقب بالحبس و لقد نظمت شریعة حمورابی أسعار الخدمات الطبیة و أجور الأطباء و فرضت کذلک عقوبة علی الحاضنات و المراضع اللاتی یهملن العنایة بالرضع.
.. و قد عرف أطباء بابل التشریح معرفة جیدة و اهتموا بدراسة کبد
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 25
الإنسان لظنهم أنه رئیس جمیع الأعضاء و أنه مرکز العاطفة، کما أن القلب عندهم کان مرکز العقل.
.. و کان فی وادی الرافدین ثلاثة مذاهب للمعالجة: المعالجة بالنصح (الطب الوقائی)، و المعالجة بتشخیص المرض 42] و وصف الأدویة النباتیة و الحیوانیة و المعدنیة، و الطب المزاجی (الطبیعی)، و المعالجة بالسحر و الطلاسم (الطب النفسی)، و قد نفر الأطباء من تناول المسکرات و عالجوا بالمس، و عرفوا الجراحة و استخدموا الحشیش و الأفیون للتخدیر عند اجراء العملیات. و کان أهل المریض إذا عجز الأطباء عن مداواة مریضهم- یضعونه فی الأماکن العامة رجاء أن یمر به من کان قد أصیب بمثل ما به فیصف له العلاج الذی کان قد شفاه.
.. و من أغرب ما کان یتبع فی العلاج 43] «أن الساحر بعد أن یسیطر علی الروح المؤثرة فی المرض یحولها إلی مادة محسة ثم یقضی علیها، کأن یحوّلها إلی إناء به ماء ثم یکسر الإناء أمام المریض فیراق ما به من ماء أو یحولها إلی تمثال من الخزف یربط بجسم المریض ثم یرفع عنه و مما کان یتبع فی علاج عقدة اللسان أو التواء الأمعاء أن یؤتی بحبل عقدت فیه عدة عقد ثم یحلها الساحر واحدة واحدة و هو یتمتم تمتماته التی نعهدها فی المشعوذین. و قد برع البابلیون فی التنجیم و کانت لهم فیه الأسبقیة و اعتقدوا أن لحرکات الشمس و القمر و النجوم تأثیرا فی حیاة بنی الإنسان و لذا کانوا فی ذلک أساتذة الیونانیین واضعی علم الفلک و أساتذة أطباء العقول الذین قالوا بوجود علاقة بین المرض العقلی و حرکات الأفلاک و فی مقدمتهم باراسیلوس (1493- 1541 م) الذی قرر أن الطبیب الذی لا علم له بعلم الفلک لا یستطیع أن یعرف أسباب الأمراض و لا طرائق علاجها.
و أن الحیاة کلها صدرت عن الکواکب و أن الشمس هی المسیطرة علی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 26
الرأس و القمر هو المسیطر علی المخ و المشتری هو المسیطر علی الکبد و زحل هو المسیطر علی الرئتین و المریخ هو المسیطر علی الصفراء و الزهرة هی المسیطرة علی الظهر و أن للمغناطیس تأثیرا فی معالجة الأمراض.
.. لکن الملاحظ کما ذکرنا من قبل أن الطابع الغالب علی طب وادی الرافدین هو الکهنوت و السحر حیث کان یعتقد أن الأمراض الشدیدة تأتی نتیجة غضب الآلهة أو نتیجة السحر و تأثیره.
.. لهذا کان الساحر الطبیب یتمتع بنفوذ کبیر آنذاک لأنه کان یمثل الواسطة بین المریض و بین قوی الأرواح التی کانت تتحکم فی زعمهم فی التأثیر علی المریض و کان الطبیب الساحر یقدر علی طرد هذه الأرواح من جسم المریض. و لهذا کان الطبیب الساحر یتمتع بنفوذ عظیم لدی البابلیین کما ذکرنا من قبل و الواقع إن لممارسة السحر تاریخا طویلا[44] «فهو من الأعمال التی شاع أمرها بین الأمم البدائیة و قد ظل کثیر من الناس یمارسونه فی جمیع مراحل الحضارة و لا تزال آثاره باقیة حتی الآن فی عصرنا هذا.
«و یطلق السحر علی أی عمل من مجموعة کبیرة من الأعمال المختلفة التی تعزی إلی أسباب غامضة أو عوامل سریة أو قویة خفیة لا یعرفها عامة الناس».
و قد استمد الساحر قوته من الآلهة أو من أرواح تأتی من عالم الغیب فتحتل جسده و تساعده علی القیام بعمله و کثیرا ما کان السحرة یدعون أنهم یعملون أعمالهم السحریة بالاتصال بتلک الأرواح اتصالا یخفی أمره علی بقیة الناس.
و کان السحرة یستخدمون للوصول إلی أغراضهم وسائل کثیرة منها:
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 27
1- سلطان إرادتهم و مقدرتهم علی الإستهواء.
2- التمسک بعبادات و تقالید مفصلة معینة عند ممارسة السحر بالفعل کالإشارات و الحرکات التی کانوا یقومون بها للتأثیر فی نفوس الناس.
3- النطق بکلمات و عبارات مغلفة بکل جد و خشوع و توسل.
4- إحراق تمثال العدو أو إتلاف أی أثر من آثاره.
5- طرح النرد أو ما یسمی بطرق الحصی أو أخذ الفال.
6- قراءة سلسلة من الخطابات أو الرسائل لإستخراج صفات صاحبها و ممیزاته الشخصیة و من بین الأغراض التی یرمی إلیها الساحر:
1- محاولة تأویل الماضی و الإخبار بما غاب.
2- التأثیر فی مجری المستقبل.
3- ضبط قوی الطبیعة و التأثیر فیها.
4- القضاء علی المرض أو دفع الشر.
5- إعادة الصحة أو اجتلاب الخیر.
و قد اختلف أسماء الممارسین للأعمال السابقة و ما یشبهها باختلاف وظائفهم أو طبائع أعمالهم فکان منهم الساحر. و الکاهن، و المنجم و المشعوذ، و المتنبئ، و الحاوی» «و لم تکن أعمال السحرة و أقوالهم علی العموم خیالیة و لا وهمیة و لکنها مع ذلک تضمنت أمورا مبهمة تنقصها الدقة و الصراحة. بحیث تصلح لأن یؤولها کل شخص تأویلا مناسبا لحالته و یحول منها خیاله قصة کاملة یهشّ لها و یبشّ و بخاصة إذا کان غیر مثقف».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 28

الطب عند الاغریق:

.. دارت دورة الحضارة و الثقافة و العلم دورتها عند الإغریق قویة عظیمة شامخة بعد أن أخذ الإغریق من طب المصریین القدماء و استوعبوه و هضموه جیدا و أخذوا من الکلدان و السوریان و زادوا علی طب هذه الحضارات الشی‌ء الکثیر ذلک لأن العقلیة الیونانیة تمیزت بأنها عقلیة ترکیبیة نشطة.
.. و من المعروف أنه لما فقدت مصر و بابل استقلالهما بعد ظهور دولة الفرس و غزوها لمصر فی القرن السادس قبل المیلاد، انتهی بذلک العصر الشرقی المجید الذی بنیت علی أطلاله کل الحضارات التی تلته، ثم انتقل مرکز العلم إلی بلاد الإغریق.[45].
.. و هناک ظاهرة أخری اتسم بها الشعب الإغریقی و هی أن التعلیم الذی کان فی بدایة عهده سریا، شأنه فی ذلک شأنه فی سائر الحضارات التی عاصرته سرعان ما حطم قیوده، و تخطی الحدود التی کانت موضوعة له .. و إذا بالطائفة تتحول إلی مدرسة و إذا بالمریدین یتحولون إلی طلبة و إذا بفلاسفة أثینا یتجادلون أو یتفلسفون فی کل المناسبات کالحفلات و الولائم 46].
.. و لقد حقق الإغریق تقدما کبیرا فی الطب و یقول ألدومییلی 47] «و فی وسعنا أن نقرر أنهم رفعوا ذلک العلم الذی هو فن فی الوقت نفسه، إلی مستوی لم یتجاوزه الیوم، إلا فی الجزئیات و المعارف الخاصة.
و أن تلک الصیحة التی تدوی من وقت إلی آخر بین الأطباء «فلنعد إلی أبقراط، لتحدثنا عن کثیر فی هذا المقام، و أن منهج أبقراط لباق و سیبقی إلی الأبد، من أقوی أسس الفن الطبی».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 29
.. بید أن الطب الإغریقی لم یقف فی خطوات نموه- عند المبادئ العامة للتشخیص و التنبؤ بالأعراض، و الآراء الموجهة فی الجراحة، بل لقد عظمت ثروته بالاستکشافات العلمیة الخالصة، کالابتکارات فی التشریح و علم وظائف الأعضاء، التی هی أساس التفکیر الطبی الصحیح. و أنه إذا کانت حالة التأخر فی المعارف الطبیعیة- الکیمائیة قد عاقت- بلا ریب- تقدم علم وظائف الأعضاء، و إن یکن إلی حد معین فقط، فإن الاستکشافات التی تمت فی علم التشریح کانت- علی النقیض من ذلک- ذات أهمیة أساسیة، و لا سیما فی العصر المجید لمدرسة الاسکندریة.
.. و یمکن أن نقرر أن الاغریق نجحوا فی رؤیة کل ما أمکنت ملاحظته قبل اختراع المجهر (المیکروسکوب)، و أن الأخطاء التی وجدت عندهم کانت مقصورة علی أمور محتملة و حسبنا أیضا أن نتصفح کتب جالینوس فی علم التشریح، و التی لا یوجد لدینا إلا ترجمة عربیة لبعضها، لنقف علی دقة معلوماتها و غزارة مادتها فی هذه الدائرة.
.. و لقد حال بین أطباء عصر النهضة و بین إنصاف علماء التشریح العظام من الأغریق موقف هؤلاء الأطباء و علی الأخص «فیزالیوس» فی صراعه مع «جالینوس» و هی تلک المعارضة التی کانت ضرورة من ضرورات التقدم العلمی، فإن ذلک جعلهم یغالون فی بعض الأخطاء الحقیقیة، و ساقهم إلی القسوة علی أولئک العلماء الأغلاط التی کان من الیسیر الوقوف علی أصلها.
.. و أخیرا، فإن المناقشات التی کانت تنشب بین الأطباء الإغریق حول أسس لهم، کالمناقشة التی احتدمت بین أصحاب العقیدة و أصحاب التجربة کانت فاتحة للمناقشات التی لا تزال مستمرة بین أطباء العصر الراهن، و التی لا تختلف عنها اختلافا کبیرا. فبعض الأطباء یرید أن ینقاد لنتائج ترجع منطقیا إلی نهایة تستحق أن تکون أمرا مقررا، أو علی الأقل تستحق أن تعد دلیلا مرشدا، علی حین لا یثق آخرون إلا بالتجربة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 30
المکتسبة یوما بعد آخر علی رأس المریض. و هذا یرجع إلی اختلاف عمیق فی الأفکار.
.. و أن عدم المعرفة، أو عدم الإدراک للطب الإغریقی، سیکون معناه التنازل عن فهم التاریخ العام للطب و علی الأخص تاریخ الطب فی الدول الإسلامیة الذی نما و ترعرع- کما ذکرنا- فی جو من الإعجاب بأبقراط، و بإلهام مباشر مصدره جالینوس.
.. و منذ نحو عام 500 ق. ع. کان للطب فی الیونان مذهبان 48]:
مذهب یهتم بالعمل علی شفاء المریض بقطع النظر عن نوع المرض الذی یشکو منه المریض، لأن أصحاب هذا المذهب کانوا ینظرون إلی جمیع الأمراض علی أنها مرض واحد.
.. من أجل ذلک کانوا یهتمون بالتشخیص و معرفة المرحلة التی وصلت إلیها حالة المریض، و یمر المریض عند هؤلاء فی ثلاثة أدوار (دور الحضانة للمرض أو بدء ظهور أعراضه- البحران أو دوار اشتداد المرض- دور النقاهة الذی یمکن أن یؤدی إلی الشفاء أو إلی انتکاس حالة المریض).
.. ثم کان هناک مذهب الذین یهتمون بالتشخیص الوصفی أی (معرفة نوع المرض قبل البدء بمعالجة المریض).
.. و تقول الأساطیر الیونانیة القدیمة إن «اسکلیبیوس» هو طبیب الإغریق الأسطوری .. و تقول الاسطورة[49] أن «اسکلیبیوس» هذا هو ابن «أبولون» «و کورونیس» و کان خیرون الحکیم أول معلمیه. فلما مهر فی الطب حتی استطاعت إحیاء الموتی، قتله «زیوس» فحمل «أبولون» «زیوس» علی أن یجعل اسکلیبیوس إله الطب.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 31
.. کذلک عرف الإغریق الطب عن طریق ممارسة السّحر[50] «و کان علی الساحر أن یسلک مسلکا خاصا فی حیاته و یقوم بأعمال معینة قبل ممارسته السحر و فی أثنائه کان علیه أن یغتسل فی أوقات معینة و أن یدهن جسمه بالزیت و أن یتجنب تناول بعض الأطعمة و بخاصة السمک و أن یصوم فی بعض الأوقات و أن یلبس من الملابس الفضفاض الخشن الخالی من العقد أو الأزره و أن یکون مؤمنا ثابت العقیدة و أن یؤدی عمله بإخلاص و أمانة و أن یختار الوقت المناسب لعمله و کانوا یفضلون للأعمال السحریة اللیل و غروب الشمس و قبیل شروقها و حینما یکون القمر هلالا أو بدرا و کان الساحر یحمل بعض أشیاء تجعل لشخصیته شأنا و تسهل علیه الوصول إلی غرضه کأن یمسک بیده العصا السحریة و یعلق علی ملابسه مفاتیح و خیوطا مختلفة الألوان و قد یضرب بالکاسات لیؤثر بها تأثیرا موسیقیا. و کانوا فی بعض الأحیان یعدون المرضی إعدادا روحانیا فی بیئة روحانیة قبل معالجتهم و کان هذا یتبع عادة فی معابد «أسکلبیوس» و بخاصة فی معبده فی مدینة «ابیدوروس» التی کان المرضی یأوون إلیها من کل جانب جماعات متجشمین متاعب السفر من جهات نائیة و کانوا بمجرد وصولهم یقدمون القرابین الثمینة و الهدایا القیمة و یضعونها عند مدخل المعبد ثم یغتسلون بماء نافورة هنالک. و بعد تأدیة هذه المراسم کان یسمح لهم بدخول رواق المعبد لیناموا یوما أو أکثر و یستمعوا إلی ما یلقی علیهم من مواعظ و نصائح بلیغة و بعد هذا الإعداد الهام کان یسمح لهم بدخول المعبد نفسه و هناک یرون تمثال الإله (إسکلبیوس) مصنوعا من الذهب و العاج فیؤدون الصلوات و یتوسلون إلیه أن یشفیهم من أمراضهم و هناک أیضا یشترکون فی أداء صلوات و أدعیة عامة و بعد أن یصلوا إلی درجة ملحوظة من التأثر و الانتعاش الوجدانی یذهبون لیناموا علی جلود الحیوانات التی ضحوا بها أو علی جلود أخری تعد لهذا الغرض و یری کل مریض
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 32
فی نومه أن «أبولو» یعالج مرضه الخاص فإما أن یبرئه من مرضه و إما أن یطالبه بتقدیم ضحایا أخری.
.. و المعتقد أن عبادة أسکلیبیوس نشأت فی «تسالیا» بالیونان و قد أقیمت له معابد فی أماکن کثیرة، حیث کان المرضی یعالجون بالتدلیک و الحمامات. و کان الثعبان و الدیک مقدسین عنده.
.. أما الذین ادعوا أنهم من نسله أو اتبعوا تعالیمه، فیسمون الإسکلیبیین.
.. و قال أبو الحسن علی بن رضوان 51]: و کانت صناعة الطب قبل أبقراط کنزا و ذخیرة. یکنزها الآباء و یدخرونها للأبناء، و کانت فی أهل بیت واحد منسوب إلی اسقلیبیوس. و هذا الاسم أعنی اسقلیبیوس، إما أن یکون اسما لملک بعثة اللّه فعلّم الناس الطب، و إما أن یکون قوة للّه عز و جل علّمت الناس الطب. و أنّی صرفت الحال فهو أول من علم صناعة الطب. و نسّب المتعلم الأول إلیه علی عادة القدماء فی تسمیة المعلم أبا للمتعلم. و تناسل من المتعلم الأول أهل هذا البیت المنسوبون إلی اسقلیبیوس. و کان ملوک الیونانیین و العظماء منهم، و لم یمکنوا غیرهم من تعلیم صناعة الطب، بل کانت الصناعة فیهم خاصة یعلم الرجل منهم ولده أو ولد ولده فقط. و کان تعلیمهم بالمخاطبة و لم یکونوا یدونونها فی الکتب. و ما احتاجوا إلی تدوینه فی الکتب دونوه بلغز حتی لا یفهمه أحد سواهم، فیفسر ذلک اللغز الأب، للإبن. و کان الطب فی الملوک و الزهاد فقط یقصدون به الإحسان إلی الناس من غیر أجرة و لا شرط.
.. و لم یزل کذلک إلی أن نشأ أبقراط من أهل «قوّ»، و «دمقراط» من أهل «أبدیرا»، و کانا متعاصرین، فأما دمقراط فتزهد و ترک تدبیر مدینته، و أما أبقراط فرأی أهل بیته قد اختلفوا فی صناعة الطب، و تخوف
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 33
أن یکون ذلک سببا لفساد الطب فعمد علی أن دونه بألغاز فی الکتب.
و کان له ولدان فاضلان و هما «ثاسلس» و «ذوراقن» و تلمیذ فاضل و هو «فولوبس»، فعلمهم هذه الصناعة و شعر أنها قد تخرج عن أهل اسقلیبیوس إلی غیرهم، فوضع عهدا استحلف فیه المتعلم لها علی أن یکون لازما للطهارة و الفضیلة.
.. و یقول الدکتور عمر فروخ 52].
.. أول من وصل إلینا اسمه من أطباء الیونان اسقلیبیوس الذی بلغ أشده فی القرن السابع قبل المیلاد. و کان اسقلیبیوس موفقا فی التطبیب فوثق به الناس و اشتهر أمره بینهم.
.. و اتخذ اسقلیبیوس رمزا لصناعة الطب: عصا من الخطمی متعرجة تلتف علیها حیة. أما العصا من الخطمی فلأن الخطمی کثیر المنافع (القاموس: 4: 108) و أما تعرج العصا فللدلالة علی کثرة الأمراض و کثرة طرائق المداواة و أما الحیة فللدلالة علی الحکمة و الیقظة اللتین یجب علی الطبیب أن یتحلی بهما، و هاتان صفتان موجودتان فی الحیة. ثم إن الحیة طویلة العمر، و سمها یدخل فی علاج عدد من الأمراض.
.. و علم استقلیبیوس أبناءه صناعة التطبیب و أمرهم بأن یکتموها عن الناس. و لم یدون استقلیبیوس و لا خلفاؤه صناعة الطب إلا فی أوراق یسیرة رمزا لا یفهمه إلا الذی یقرؤه علی الذین دونوه.
.. و فی القرن الخامس قبل المیلاد ظهر أبقراط الذی یعد من أمهر أطباء الیونان. و یقال إن أباه کان من آل «اسقلیبیوس» و أمه من آل «إیراقلیس».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 34
.. و قد تعلم صناعة الطب من والده إیراقلیدس و من جده أبقراط اللذان علماه أصول الصنعة و أسرارها. و یقال إن أبقراط من تلامیذ اسقلیبیوس الثانی.
.. و یعد أبقراط (460- 370 ق. م) من أعظم أطباء العالم فی کل زمان و مکان لأنه أول من أنشأ المستشفیات و أول من وضع قواعد و أصول صحیة و غذائیة فهو یعتبر بحق بأبی الطب 53].
و کان یهتم للغایة بمراقبة أحوال مریضه حتی یعرف علامات المرض کالتعبیر المرتسم علی الوجه عند دنو الأجل و هو ما یعرف للآن «بالوجه الأبقراطی».
.. و کان أبقراط یری أن المرض عارض طبیعی ورد فعل من جانب الجسم و أعظم ما یقدمه الطبیب لمریضه هو معاونة قوی الجسم الدفاعیة- علی مقاومة المرض. و کان یعتبر أن ارتفاع الحرارة دلیل علی مقاومة الجسم للمرض.

قسم أبقراط

.. قال أبقراط[54]:
«إنی أقسم باللّه رب الحیاة و الموت، و واهب الصحة، و خالق الشفاء
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 35
و کل علاج و أقسم باسقلیبیوس. و أقسم بأولیاء اللّه من الرجال و النساء جمیعا. و أشهدهم جمیعا علی أنی أ فی بهذه الیمین و هذا الشرط و أری أن المعلم لی هذه الصناعة بمنزلة أبائی، و أواسیه فی معاشی، و إذا احتاج إلی مال واسیته و واصلته من مالی».
«و أما الجنس المتناسل منه فأری أنه مساو لإخوتی، و أعلمهم هذه الصناعة إن احتاجوا إلی تعلمها بغیر أجرة و لا شرط. و أشرک أولادی و أولاد المعلم لی و التلامیذ الذین کتب علیهم الشرط أو حلفوا بالناموس الطبی فی الوصایا و سائر ما فی الصناعة. و أما غیر هؤلاء فلا أفعل به ذلک، و أقصد فی جمیع التدابیر، بقدر طاقتی، منفعة المرضی».
و أما الأشیاء التی تضر بهم و تدنی منهم بالجور علیهم فأمنع منها بحسب رأیی. و لا أعطی إذا طلب منی دواء قتالا، و لا اشیر أیضا بمثل هذه المشورة. و کذلک أیضا لا أری أن أدنی من النسوة فرزجة[55] تسقط الجنین و أحفظ نفسی فی تدبیری و صناعتی علی الزکاة و الطهارة، و لا أشق أیضا عمن فی مثانته حجارة، و لکن أترک ذلک إلی من کانت حرفته هذا العمل. و کل المنازل التی أدخلها إنما أدخل إلیها لمنفعة المرضی، و أنا بحال خارجة عن کل جور و ظلم و فساد إرادی مقصود إلیه فی سائر الأشیاء و فی الجماع للنساء و الرجال، الأحرار منهم و العبید. و أما الأشیاء التی أعاینها فی أوقات علاج المرضی أو أسمعها فی غیر أوقات علاجهم فی تصرف الناس من الأشیاء التی لا ینطق بها خارجا فأمسک عنها، و أری أن أمثالها لا ینطق به.
.. فمن أکمل هذه الیمین و لم یفسد شیئا کان له أن یکمل تدبیره و صناعته علی أفضل الأحوال و أجملها، و أن یحمد، جمیع الناس فیما یأتی من الزمان دائما، و من تجاوز ذلک کان بضده.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 36

ناموس الطب لأبقراط

.. و هذه نسخة ناموس الطب لأبقراط. قال أبقراط:
«إن الطب أشرف الصنائع کلها إلا أن نقص فهم من ینتحلها صار سببا لسلب الناس إیاها، لأنه لم یوجد لها فی جمیع المدن عیب غیر جهل من یدعیها ممن لیس بأهل للتسمی بها إذ کانوا یشبهون الأشباح التی یحضرها أصحاب الحکایة لیلهوا الناس بها، فکما أنها صور لا حقیقة لها، کذلک هؤلاء الأطباء، بالاسم کثیر، و بالفعل قلیل جدا.
و ینبغی لمن أراد تعلم صناعة الطب أن یکون ذا طبیعة جیدة مؤاتیة، و حرص شدید و رغبة تامة، و أفضل ذلک کله الطبیعة لأنها إذا کانت مؤاتیة فینبغی أن یقبل علی التعلیم و لا یضجر لینطبع فی فکره و یثمر ثمارا حسنة، مثل ما یری فی نبات الأرض. أما الطبیعة فمثل التربة، و أما منفعة التعلیم فمثل الزرع، و أما تربیة التعلیم فمثل وقوع البذر فی الأرض الجیدة. فمتی قدمت العنایة فی صناعة الطب بما ذکرنا، ثم صاروا إلی المدن لم یکونوا أطباء بالاسم بل بالفعل و العلم بالطب کنز جید و ذخیرة فاخرة لمن علمه، مملوء سرورا، سرا و جهرا، و الجهل به لمن انتحله صناعة سوء، و ذخیرة ردیة، عدیم السرور، دائم الجزع و التهور. و الجزع دلیل علی الضعف، و التهور دلیل علی قلة العلم بالصناعة».

وصیة ابقراط

.. و هذه نسخة وصیة أبقراط المعروفة بترتیب الطب. قال أبقراط:
«ینبغی أن یکون المتعلم للطب، فی جنسه حرا، و فی طبعه جیدا، حدیث السن، معتدل القامة، متناسب الأعضاء، جید الفهم، حسن الحدیث،
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 37
صحیح الرأی عند المشورة، عفیفا شجاعا، غیر محب للفضة مالکا لنفسه عند الغضب، و لا یکون تارکا له فی الغایة، و لا یکون بلیدا.
.. و ینبغی أن یکون مشارکا للعلیل مشفقا علیه، حافظا للأسرار، لأن کثیرا من المرضی یوقفونا علی أمراض بهم لا یحبون أن یقف علیها غیرهم.
.. و ینبغی أن یکون محتملا للشتیمة، لأن قوما من المبرسمین 56].
و أصحاب الوسواس 57]. السوداوی یقابلونا بذلک، و ینبغی لنا أن نحتملهم علیه و نعلم أنه لیس منهم، و إن السبب فیه المرض الخارج عن الطبیعة.
.. و ینبغی أن یکون حلق رأسه معتدلا مستویا، لا یحلقه و لا یدعه کالجمة و لا یستقص 58]. و ینبغی علیه قص أظافر یدیه، و لا یترکها تعلو علی أطراف أصابعه.
.. و ینبغی أن تکون ثیابه بیضاء نقیة لینة، و لا یکون فی مشیه مستعجلا، لأن ذلک دلیل علی الطیش، و لا متباطئا لأنه یدل علی فتور النفس. و إذا دعی إلی المریض فلیقعد متربعا و یختبر منه حاله بسکون و تأن، لا بقلق و اضطراب، فإن هذا الشکل و الزی و الترتیب عندی أفضل من غیره».
.. قال جالینوس، فی المقالة الثالثة من کتابه فی أخلاق النفس:
«إن أبقراط کان یعلم مع ما کان یعلم من الطب من أمر النجوم ما لم یکن یدانیه فیه أحد من أهل زمانه. و کان یعلم أمر الأرکان التی منها ترکیب أبدان الحیوان، و کون جمیع الأجسام التی تقبل الکون و الفساد. و هو أول من برهن ببراهین حقیقة هذه الأشیاء التی ذکرنا.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 38
و برهن کیف یکون المرض و الصحة فی جمیع الحیوان و فی النبات. و هو الذی استنبط أجناس الأمراض و جهات مداواتها».
.. «أقول فأما معالجة أبقراط و مداواته للأمراض فإنه أبدا کانت له العنایة البالغة فی نفع المرضی و فی مداواتهم. و یقال إنه أول من جدد البیمارستان 59] و اخترعه و أوجده. و ذلک أنه عمل بالقرب من داره فی موضع من بستان کان له موضعا مفردا للمرضی، و جعل فیه خدما یقومون بمداواتهم، و سماه «اخسندوکین» أی مجمع المرضی- و کذلک أیضا معنی لفظة البیمارستان، و هو فارسی و ذلک أن البیمار بالفارسی هو المرضی، و ستان هو الموضع، أی موضع المرضی.
.. و أبقراط من الذین تابعوا فکرة الطبائع الأربع و هی أن فی الجسم أربع طبائع (البرودة و الحرارة و الیبوسة و الرطوبة)، تمثلها الأخلاط الأربعة (البلغم و الدم و السوداء و الصفراء) مقارنة للعناصر الأربعة. فما دامت هذه الأخلاط متکافئة فی الجسم، فمزاج الجسم معتدل و الجسم صحیح. أما إذا غلب أحد هذه الأخلاط علی غیره، فإن المزاج حینئذ ینحرف و یصبح الجسم کله منحرف المزاج. مریضا. و قد ثبت خطأ هذه النظریة.
و الحق أنه لیس فی مجموعة رسائل أبقراط إلا القلیل مما ثبت صحة نسبته إلیه مثل کتاب (الحکم الأبقراطیة) و (الأهویة و المیاه و الأماکن) و کلها مترجمة إلی لغات عدة.
.. و لما توفی ابقراط خلف من الأولاد و التلامیذ من آل «اسقلیبیوس» و غیرهم أربعة عشر. أما الأولاد فمنهم أربعة: ثاسلوس، و دراقن و ابناهما: أبقراط بن ثاسلوس، ابن ابقراط، و ابقراط بن دراقن بن أبقراط. فکل واحد من ولدیه کان له ولد سماه أبقراط باسم جده ..
.. و أما تلامیذه من أهل بیته و غیرهم فهم عشرة: لادن،
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 39
و ماسرجس، و میغانوس، و قولویس و هو أجل تلامیذه و خلیفته من أهل بیته، و أملانیسون، و اسطات، و ساوری، و غورس، و سنبلفیوس، و ثاثالسس:
.. هذا قول یحیی النحوی.
.. و قیل إن أبقراط کانت له أبنة تسمی «مالاناأرسا»، و کانت لها براعة و دقة فی صناعة الطب و ذکر أنها کانت أبرع من أخویها.
.. و من فلاسفة الإغریق الذین اهتموا بالطب إلی حد ما سقراط و أفلاطون ...
کذلک عرف عن سقراط و أفلاطون اهتمامهما بالنفس و الدراسات النفسیة ... أما أرسطو فقد کان متعمقا فی الدراسات البیولوجیة و الطبیة تعمقا کبیرا. و کان أرسطو یؤمن بأن الطبیعة لا تعتمد فی خلقها علی الصدفة و بأن کل عمل لها یؤدی حتما إلی غایة معینة[60]. و نری أرسطو یقسم الترکیب إلی درجات ثلاث:
أولاها: الترکیب الذی یتناول الأرکان الأولی، و هو الذی یمنح کلا من هذه العناصر خواصه الطبیعیة.
و الثانیة: ترکیب الأنسجة المتجانسة مثل العظم أو اللحم.
و الثالثة: ترکیب الأعضاء غیر المتجانسة العناصر مثل الیدین و الوجه و غیرهما، مما یحتوی أنسجة مختلفة مثل اللحم و العظم و الأوعیة ... إلخ.
و فی هذا أول أساس لتقسیمنا الجسم إلی أنسجة و إلی أعضاء. و لا یقتصر أرسطو فی دراسته علی مقارنة الأعضاء ذاتها فی مختلف الحیوانات، کالرئة مثلا فی مختلف الأجناس، و إنما یهتم کذلک بدراسة الأعضاء المتقابلة فی الحیوانات المختلفة الترکیب مؤسسا بذلک علم التشریح المقارن. ثم یدرس
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 40
تطور نمو الجنین فی البیضة مؤسسا بذلک علم الأجنة.
.. و من استنتاجاته التی تضاهی أحدث التعمیمات أن خلو جسم الإنسان من الشعر أو من أی غطاء آخر، و عدم تخصص أعضائه تخصصا ضیقا لهما میزتان هامتان علی سائر الحیوانات، إذ أنهما یسمحان له بتنوع کبیر فی أسالیب الوقایة و الهجوم و الدفاع کما یعینانه علی التأقلم فی محیطه، کأن یده مثلا تقوم مقام النعل و الحافر و القرن، و کذلک السیف و الرمح و غیرها من الأسلحة مجتمعة لما وهبته یده من قدرة علی کل منها.
و قد جمدت الدراسات الطبیة فی بلاد الیونان بعد ذلک ردحا طویلا نتیجة الاکتفاء بتفسیر النصوص و الجدل و عدم الاهتمام بالتجربة العلمیة و المعملیة فاضمحل الطب اضمحلالا ملحوظا فی بلاد الیونان لیأخذ دورته من جدید فی مدرسة الإسکندریة البطلمیة.

مدرسة الإسکندریة فی عهد البطالمة:

.. فتح الإسکندر المقدونی مصر و أسیا و أنشأ مدینة الإسکندریة عام 323 ق. م. و أصبحت الإسکندریة مرکزا للنور و الحضارة فی العالم حین أنشأ بطلیموس الثانی جامعة الإسکندریة و مدرستها الطبیة الشهیرة و أصبحت الإسکندریة أیضا مرکز التجارة فی البحر المتوسط[61]. فازدادت ثروة البطالمة و ازدانت عاصمتهم بعلم الإغریق و فلسفتهم و فنهم، فقد استقدمت هذه الأسرة الفلاسفة و العلماء، و جمعت التحف، و کونت مجموعة ضخمة من مؤلفات المصریین و الإغریق و غیرهم. و إذا بالإسکندریة تفخر فی ذلک الوقت بأمثال إقلیدس و أرشمیدس و غیرهما.
.. و بالکشوف التی وصلوا إلیها فی علوم الفلک و الجغرافیة و الهندسة و الریاضة، و إذا بالأذهان تنشغل بالبحث عن علة الوجود و مظاهر الحیاة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 41
المختلفة، و تنفتح إلی أدیان جدیدة و عقائد غریبة تثیر مناقشات لا تنقطع حول الفلسفة و تفسیر النصوص. و لذا فقد تمیزت هذه الحقبة بالصراع المستمر بین الواقعیة و الصوفیة من ناحیة و بین التشکک و الإیمان بأعجب الخرافات من ناحیة أخری.
.. و قد عاد الطب تحت ظل البطالمة من الیونان إلی موطنه الأول بمصر. و لما کانت لغة البطالمة هی الإغریقیة و هی لغة العالم المتمدین فی ذلک الوقت و لئن أصبحت تلک اللغة کذلک لغة مصر الرسمیة، و اتخذ علماء مصر لأنفسهم أسماء ذات رنة إغریقیة، ثم إن أغلبیة السکان الساحقة فی مدینة الإسکندریة کانوا من المصریین الأصلیین، الواثقین من عراقة أصلهم و أصالة محتدهم وثوقا یجعلهم یفخرون بتراث ماثل فی أذهانهم، و بذلک تشهد ثوراتهم العنیفة ضد بیزنطة، و انشقاقهم علی مذاهبها الرسمیة، و اعتناقهم المذهب الیعقوبی القائل بتوحید الطبیعة، و تحملهم فی أثر هذا أشنع اضطهاد، بل إن الدین المصری القدیم اکتسح فی الإسکندریة الدین الوثنی الیونانی و جعل منه خلیطا تغلب فیه الصبغة المصریة[62].
.. و قد لعبت مدرسة الإسکندریة دورا کبیرا فی تطور، الطب بخاصة التشریح فالمدرسة القدیمة بالإسکندریة التی ازدهرت فی عهد البطالمة الأولین (النصف الأول من القرن الثالث قبل المیلاد) هی التی جعلت من الممکن لأول مرة إجراء فحص شامل لبناء الجسم البشری.
.. فلقد سبق أن قام أبقراط و تلامیذه، و غیرهم من الأطباء ببحوث تشریحیة إلا أن بحوثهم لم تکن أبدا علی مثل ذلک الترابط و لا طریقتهم بمثل ذلک من الجودة، إذ امتاز عصر الإسکندریة بالحریة فی العلم و کان من المسموح به لعلماء التشریح أن یقوموا بالتشریح العملی بقدر ما کان یحلو لهم.
و کان العمل داخل معهد العلوم لا یخضع إلا لإشراف الملوک وحدهم
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 42
و یکاد یکون غیر معروف للعامة. و لذلک کانت حریة البحث تامة و لقد زاد تلک الفرصة الممتازة أمتیازا وجود رجلین عبقریین فنتج عن ذلک عصر ذهبی للتشریح هما هیروفیلوس الخالیکیدیسی 63]. و ارازیستراتوس الیولیسی الذی کان معاصرا لهیروفیلوس، الخالیکیدیس و من المحتمل أنه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 43
کان تلمیذا له أو علی الأقل مساعدا له فی دراساته التشریحیة[64].
.. و ممن درسوا فترة بمدرسة الإسکندریة و یعد من أبرز علماء کل
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 44
العصور فی الطب جالینوس (130- 200 م)[65] الیونانی الذی ولد فی برجاموس سنة 130 م و عمل جراحا لمدرسة المصارعین بعد أن انتهی من دراساته فی بلاد الیونان و آسیا الصغری و الإسکندریة و هو یعد من أنجب تلامیذ مدرسة الإسکندریة.
و ذهب إلی روما و أقام بها حیث اختاره مرقص أوریلیوس طبیبا لبلاطه و کان یهتم اهتماما بالغا بعلم التشریح و دراسة وظائف الأعضاء. و له کلام فی تشریح القلب و الدماغ مزج فیه العلم بالخیال 66]. و إن ظلت مؤلفاته فی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 45
التشریح من أکبر المراجع الأساسیة لعلم التشریح حتی ظهور فیسالیوس فی القرن السادس عشر المیلادی.
.. قال جالینوس فی صورة القلب: «إن فی القلب تجویفین أیمن و أیسر. و فی التجویف الأیمن من الدم أکثر من الأیسر و فیهما عرقان یأخذان إلی الدماغ، فإذا عرض للقلب ما لا یوافق مزاجه انقبض، فانقبض لانقباضه العرقان، فتشنج لذلک الوجه و ألم له الجسد، و إذا عرض له ما یوافق مزاجه انبسط، و انبسط العرقان لانبساطه».
.. قال: «و فی القلب عریق صغیر کالأنبوبة مطل علی شغاف القلب و سویدائه: (غلافه و حبته) فإذا عرض للقلب غم أنقبض ذلک العریق فقطر منه دم علی سویداء القلب و شغافه، فیعصر عند ذلک من العرقین دم یتغشاه، فیکون ذلک عصرا علی القلب، حتی یحس ذلک فی القلب و الروح و النفس و الجسم، کما یتفشی بخار الشراب الدماغ فیکون منه السکر».
.. و قیل: إن جالینوس أراد امتحان ذلک، فأخذ حیوانا ذا حس فغمه أیاما، و لما ذبحه وجد قلبه ذابلا نحیفا قد تلاشی أکثره. فاستدل بذلک علی أن القلب إذا توالت علیه الغموم، و ضاقت به الهموم، ذبل و نحل فحذر عندئذ من عواقب الغم و الهم.
.. و کان جالینوس طبیبا حاذقا ماهرا قال فی کتابه فی (محنة الطبیب الفاضل) ما هذه حکایته. قال و لم أعلم أحدا ممن بالحضرة إلا و قد علم کیف داوینا الرجل الذی کان یضره کل شیاف یکتحل به حتی برأ.
و کانت فی عینه قرحة عظیمة مؤلمة، و کان مع ذلک الغشاء العینی قد نتأ فتأنیت لذلک حتی سکن، و القرحة حتی اندملت من غیر أن استعمل فیها شیئا من الشیافات فاقتصرت علی أنی أهیئ له فی کل یوم ثلاثة میاه، أحدها ماء قد طبخت فیه حلبة، و الآخر ماء قد طبخت فیه وردا،
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 46
و الآخر ماء قد طبخت فیه زعفرانا غیر مطحون. و قد رأی جمیع الأطباء الذین بالحضرة و أنا استعمل هذه المیاه، فلم یقدر أحد منهم أن یتمثل استعمالی أیاها، و ذلک لأنهم لا یعرفون الکیفیة، و لا المقدار الذی یحتاج أن یقدر فی کل یوم من کل واحد من هذه المیاه، علی حسب ما تحتاج إلیه العلة. و ذلک أن تقدیر ما کان لتلک المیاه عند شدة الوجه و غلبته بنوع، و عند تقور النتؤ بنوع، و عند کثرة الوسخ فی القرحة أو الزیادة فی عفنها بنوع. و لم أستعمل شیئا سوی هذه المیاه و بلغت إلی ما أردت من سکون نتؤ الغشاء العینی الذی کان نتأ، و تسکین الوجع و تنقیة القرحة فی وقت ما کان الوسخ کثیرا فیها، و انبات اللحم فیها فی وقت ما کانت عمیقة، و اندمالها فی وقت ما امتلأت. و لست أخلو فی یوم من الأیام من أن أبین من مبلغ الحذق بهذه الصناعة ما هذا مقداره فی العظم أو شبیه به. و أکثر من یری هذا من الأطباء لا یعلم أین هو مکتوب فضلا عما سوی ذلک و بعضهم إذا رأی ذلک لقبنی البدیع الفعل، و بعضهم البدیع القول. مثل قوم من کبار أطباء رومیة حضرتهم فی أول دخلة دخلتها عند فتی محموم و هم یتناظرون فی فصده، و یختصمون فی ذلک. فلما أن طال کلامهم قلت لهم: إن خصومتکم فضل، و الطبیعة عن قریب ستفجر عرقا و یستفرغ من المنخرین الدم الفاضل فی بدن هذا الفتی، فلم یلبث أن رأوا ذلک عیانا، فبهتوا فی ذلک الوقت و لزموا الصمت، و أکسبنی ذلک من قلوبهم البغضة، و لقبونی البدیع القول.
و یقول .. حضرت مرة أخری مریضا و قد ظهرت فیه علامات بینة جدا تدل علی الرعاف، فلم أکتف بأن أنذرت بالرعاف حتی قلت إنه یکون من الجانب الأیمن. فلامنی من حضر ذلک من الأطباء و قالوا:
«حسبنا لیس بنا حاجة إلی أن تبین لنا» فقلت لهم: «و أراکم مع ذلک أنکم عن قریب سیکثر اضطرابکم و یشتد وجلکم من الرعاف الحادث، لأنه سیعسر احتباسه، و ذلک أنی لست أری طبیعته تقوی علی ضبط المقدار الذی یحتاج إلیه من الاستفراغ و الوقوف عنده. فکان الأمر علی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 47
ما وصفته و لم یقدر أولئک الأطباء علی حبس الدم، لأنهم لم یعلموا من أین بدایته حین ابتدأت حرکته، و قطعته أنا بأهون السعی، فسمانی أولئک الأطباء البدیع الفعل.
.. و حکی جالینوس أیضا من هذا الجنس مما یدل علی براعته و قوته فی صناعة الطب فی کتابه هذا ما هذه حکایته، قال: و قد حضرت مرة مع قوم من الأطباء مریضا قد اجتمعت علیه نزلة مع ضیق نفس، فترکت أولئک الأطباء أولا یسقونه الأدویة التی ظنوا أنه ینتفع بها، فسقوه أولا بعض الأدویة التی تنفع فی السعال و النزلة، و هذه الأدویة تشرب عند طلب المریض النوم، و ذلک أنها تجلب طرفا من السبات حتی أنها تنفع من به أرق و سهر. فنام لیلته تلک بأسرها نوما ثقیلا، و سکن عنه السعال و انقطعت عنده النزلة، إلا أنه جعل یشکو ثقلا یجده فی آلة النفس، و أصابه ضیق شدید فی صدره و نفسه فرأی الأطباء عند ذلک أنه لا بد من أن یسقوه شیئا مما یعین علی نفث ما فی رئته فلما تناول ذلک قذف رطوبات کثیرة لزجة. ثم إن السعال عاوده فی اللیلة، القابلة و سهر و جعل یحس القابلة بشی‌ء رقیق ینحدر من رأسه إلی حلقه و قصبة رئته فاضطروا فی اللیلة القابلة أن یسقوه ذلک الدواء المنوم فسکن عنه عند ذلک النزلة و السعال و السهرة، إلا أن نفسه ازداد ضیقا، و ساءت حالته فی اللیلة القابلة سوءا فلم یجد الأطباء معه بدا من أن یسقوه بعض الأدویة الملطفة المقطعة لما فی الرئة. فلما أن شرب ذلک نقیت رئته، إلا أنه عرض له من السعال و من کثرة الربو و من الأرق بسببها ما لم یقو علی احتماله. فلما علمت أن الأطباء قد تحیروا و لم یبق عندهم حیلة، سقیته بالعشی دواء لم یهج به سعالا و لا نزلة، و جلب له نوما صالحا و سهل علیه قذف رئته.
و سلکت بذلک المریض هذا الطریق فأبرأته من العلتین جمیعا فی أیام یسیرة علی أنهما علتان متضادتان فیما یظهر و یتبین من هذا لمن یریده. و أنا أول من استخرج استعمال هذه الأدویة و استعمال الأدویة التی تعالج بها القرحة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 48
العارضة فی الرئة من قبل نزلة تنحدر إلیها من الرأس. و غیر ذلک من أدویة کثیرة ذکرتها فی کتاب (ترکیب الأدویة).
.. و تعد کتابات جالینوس فی رأی الدکتور غلیونجی البلورة التی تجمد فیها الطب القدیم و یقول 67]: إن هذا العالم الجبار شید من الطب بناء متکاملا متناسقا یتفق من جهة مع الفلسفة الراوقیة الذی کان ینتمی إلیها، و من جهة أخری مع النظریة الغائیةTeleeological إلی الکون التی تری أن الطبیعة کلها حکمة، و أن کل جزء من الجسم خلق لغرض حدد له سلفا و أن هنالک علاقة کاملة بین السبب و الغرض تقوم دلیلا قاطعا علی کمال الطبیعة.
.. و قد راقت نظریات جالینوس فی أعین الکهنة المسیحیین، الذین أهملوا ما لا یتفق منها مع عقائدهم مثل وجود روح فی الکون، مکتفین بالترحیب بتوحیده، الدینی فأیدوه تأییدا مطلقا إلی حد أنه لم یجرؤ علی مناقشة أقواله حتی عصر النهضة الأوربیة إلا علماء معدودون لئلا یرموا بالهرطقة أو الجهل.
.. و قد قامت شهرة جالینوس علی أسس راسخة من الجدارة و کانت تعالیمه مبنیة علی کنز من المعلومات التی استنبطها من تشریح الحیوان و الأجنة و تفحص الجرحی و ملاحظة المرضی، و له من الکشوف الأخری ما یبعث أشد الدهشة و الإعجاب. إلا أن اتجاهه الفلسفی أضر بنتائجه العلمیة، إذ أنه نتیجة لآرائه السابقة للتجربة، أخذ یواصل البحث عن البرهان علیها، و کان یخضع نتائج تجاربه لها فزعم لتدعیمها من المزاعم ما لیس له أساس من الواقع مثال قوله: إن الأعصاب جوفاء لدی الأحیاء و تتصلب بعد الموت، و أن هناک منفذا بین بطینی القلب، و أن الرحم له قرنان، الأیمن لتکوین الذکور و الأیسر لتکوین الأناث، إلخ. کما
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 49
أخذت علیه مآخذ کثیرة، منها أنه کان یزعم الإلمام بکل شی‌ء و أنه لم یتحرج قط من إزجاء إجابة لکل سؤال و أنه لم یتورع عن التهکم علی زملائه بسخریة لاذعة.
.. و توفی جالینوس سنة 200 م علی وجه التقریب. و کان معنی انتصاره علی المدارس المتنازعة توحید الطب بشکل سیطر علی الفکر الطبی حتی أیام باراسلوس فی القرن السادس عشر المیلادی 68]. و لتلک السیطرة و لطول بقائها أسباب وجیهة منها أنه کان مبتکرا حقا، و أسباب أقل و جاهة کربطه الطب و الفلسفة بأواصر متینة، بل إنه مزجهما فی مرکب واحد، و هذا فی عصر کان مولعا بالفلسفة و إقامته الطب علی نظریة موحدة تفسر کل ظاهرات الصحة و المرض بطریقة تروق العقل المنظم.
إلا أن أتباعه صنعوا ما صنع أتباع أبقراط و تلامیذه هیروفیلوس و ایرازستراتوس فاکتفوا بالنقل و التصنیف. و لئن شایعوه أحیانا فی توصیته بالدأب علی التشریح فإنهم أجروا الصفات التشریحیة لمجرد رؤیة الأعضاء استنادا علی أقواله لا للتحقق منها أو الإضافة إلیها. و لذا فإن کتاباتهم تبدو منقولة عن أصل واحد و لا تظهر فیها أیة نزعة تمیز کاتبا عن کاتب.
.. و کانت تعالیم «جالینوس» تؤکد أن الطبیعة تعمل بحکمة عظیمة وراءها الخالق الأعظم و لهذا فإن أعضاء جسم الإنسان المختلفة قد شکلت بطریقة دقیقة حکیمة بالغة العظمة تتناسب مع عملها و لکل عضو من أعضاء الجسم فائدته و ضرورته و أهمیته، و من هنا کانت الصلة بین المسبب و النتیجة علی أدق و أعظم وفاق، و ذلک مما یدل علی وجود الخالق الأعظم و أنه وراء کل شی‌ء و محیط بکل شی‌ء.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 50
.. و قد نظر جالینوس إلی الروح علی أنها أساس الحیاة و إلی أن الجسم أداة الروح و من هنا فإن تعالیمه وجدت صدی عجیبا لدی رجال الدین الکنسی لأنها کانت تسایر عقائدهم، و لذلک فإن تعالیمه لاقت مساندة قویة و نفوذا عظیما ردحا طویلا من الزمن، کما أن اعتقاده فی اللّه و وجوده لاقت تقدیرا من المسلمین فیما بعد.
و هکذا فإن جالینوس أقام بحثه علی أساس نظام یوافق معتقداته التی برهنت علی أن لکل مخلوق، هدف معلوم و ینسب لجالینوس مؤلفات عدیدة بلغت خمسمائة کتاب، و قد بقی من مؤلفاته الطبیة حوالی ثلاثة و ثمانون کتابا علی الأقل أهمها کتاب التشریح الذی بین من خلاله أن الشرایین هی التی تحمل الدم لا الهواء ..
.. و قد ترجم حنین بن اسحق بعض مصنفات جالینوس و غیره إلی لغتنا العربیة.
.. یقول الدکتور فهیم أبادیر[69]. و بحوث جالینوس و غیره من نوابغ الطب الإغریقی 70]. شعاع مضی‌ء فی عالم الطب، ثم تدهور الطب حتی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 51
أصبح معظم الأطباء جهلة لا یبغون من صناعتهم سوی ابتزاز المال، و أصبحوا تجارا للمراهم و الّلبخ و جرعات الحب و القتل، و انتهی بسقوط الامبراطوریة الرومانیة فی أیدی البربر فی القرن الخامس المیلادی.

عهد الطب فی أوربا:

.. لم تساعد المسیحیة فی ذلک الوقت الروح العلمیة الصحیحة حیث اکتفی بتعالیم الکتاب المقدس و تطبیقها دون العمل علی البحث و الاستقراء و کان رجال الدین یعتبرون الأمراض عقابا لشرور الإنسان، فلم یسعوا إلی الخلاص منها جدیا، و لذلک عاشت أوربا فی ظلام دامس لقرون عدیدة، حتی جاء الإسلام و انتشر سریعا، و کان الخلفاء یعملون علی تشجیع العلوم و المعارف فظهرت بذلک حضارة جدیدة فی کل البلاد الإسلامیة، و رفع المسلمون وحدهم شعلة الثقافة و العلم فی العصور المظلمة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 52

المبحث الثانی الطب فی الدولة الإسلامیة

تمهید:

.. ساعدت البیئة العربیة الصافیة ذات الأعشاب الطبیة و بعض المناطق الرعویة بشبه الجزیرة العربیة علی إقامة الطب عند العرب علی أساس تجربة بعض النباتات و الأعشاب فی العلاج و لهذا فقد کان أبرز خصائص الطب عند العرب قبل ظهور الإسلام اهتمامه بالتجربة و بخاصة تجربة هذه الأعشاب و النباتات الصحراویة و استخدامها فی علاج بعض أمراض البیئة الصحراویة بشبه الجزیرة العربیة.
.. یقول الأستاذ عباس العقاد رحمه اللّه 71]. «یبدو لنا أن اشتغال العرب الطویل برعی الماشیة قد باعد بینهم و بین طب الکهانة و الخرافة و قارب بینهم و بین طب التجارب العملیة، لأنهم راقبوا الحمل و الولادة و النمو و ما یتمثل به من الأطوار الحیویة و شرّحوا الأجسام فعرفوا مواقع الأعضاء منها و عرفوا عمل هذه الأعضاء فی بنیة الحیوان نحوا من المعرفة السلیمة فاقتربوا من الإصابة فی تعلیل المرض و الشفاء».
.. و إلی جانب ذلک فإن بعض أطباء الجاهلیة قبل الإسلام عرفوا الکهانة و السحر[72] «و آمنوا بتأثیر الخرزات و الأحجار و الرقی و التمائم، و کانوا یستخدمونها لأغراض مختلفة منها:
1- التخلص من بعض الآلام أو الأمراض.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 53
2- اکتساب الثقة بالنفس عند مقابلة الحکام أو الخصوم.
3- التحبب إلی الناس.
4- تجنب الآفات عامة و إصابة العین خاصة.
فقد کانوا یعتقدون أن الرجل منهم إذا خدرت رجله ذکر من یحب، أو دعا فیذهب خدرها، و أن من اختلجت عینه إذا قال: «أری من أحب» فإن کان غائبا توقع قدومه و إن کان بعیدا توقع قربه- فیذهب اختلاج عینه.
.. و کانوا إذا خافوا علی الرجل الجنون أو تعرض الأرواح الخبیثة له نجسوه بتعلیق الأقذار علیه کخرقة الحیض و عظام الموتی.
و إذا ظنوا بالرجل مسا من الجن عالجوه بالنشرة و هی ضرب من الرقیة.
.. و کانوا یعتقدون أن تناول دم الرئیس یشفی من الکلب.
و أن العاشق إذا سقی من السلوانة یسلو. و السلوانة خرزة بیضاء شفافة أو هی- کما یقول اللحیانی- تراب من قبر یسقی به العاشق.
.. و من خرزاتهم التی اعتدوا بها (الخصمة) و هی خرزة للدخول علی السلطان أو الخصوم تجعل تحت فص الخاتم، أو فی زر القمیص، أو فی حمائل السیف. و کانوا یرون أن تعلیق الهنمة أو الفسطة، أو القبلة، أو الدردبیس یحبب الرجال فی النساء و هذه کلها أنواع من الخرز.
.. و کانوا یعلقون التمیمة- و هی خرزة خاصة- لمنع الآفات، و خرزة أخری سوداء تسمی الکحلة لدفع العین عن الصبیان و خرزة بیضاء تسمی القبلة تعلق فی عنق الفرس من العین».
.. و جاء الإسلام فقضی علی الکهانة و فتح الباب للطب الطبیعی علی مصراعیه لأنه أبطل المداواة بالسحر و الشعوذة و لم یحدث فی مکان
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 54
الکهانة طبقة جدیدة تتولی العلاج باسم الدین. بل سمح النبی صلی اللّه علیه و سلم باستشارة الأطباء و لو من غیر المسلمین، فلما مرض سعد بن أبی وقاص رضی اللّه عنه فی حجة الوداع عاده النبی و قال له: «إنی لأرجو أن یشفیک اللّه حتی یضرّ بک قوم و ینتفع آخرون» ثم قال للحارث بن کلدة الثقفی: «عالج سعدا ممّا به» و الحارث علی غیر دین الإسلام.
و کان الحارث بن کلدة بن عمرو بن علاج الثقفی طبیب العرب فی زمنه، و هو من ثقیف، من أهل الطائف رحل إلی بلاد فارس، و أخذ الطب عن أهل «جندیسابور»[73] و غیرها فی الجاهلیة، ثم عاد إلی الطائف.
.. و من أقوال الحارث بن کلدة[74]. «من أراد البقاء و لا بقاء أی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 55
(و لا خلود فی الدنیا فی الحقیقة). فلیجوّد الغذاء و لیأکل علی نقاء (أی لا یدخل طعاما علی طعام) و لیقل من شرب الماء، و یتمشی بعد العشاء، و لا یبیت حتی یعرض نفسه علی الخلاء».
.. و قال: «دخول الحمام علی البطنة (أی امتلاء البطن من الطعام) من شر الداء.
.. و بالإضافة إلی ذلک کله فإن المسلمین وجدوا فی قراءة القرآن الکریم الشفاء و الراحة و من هنا عرفنا الاستشفاء بالقرآن الکریم یقول تعالی وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ 15- التوبة، فِیهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ النحل 69. شِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ یونس: 57. وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ الإسراء 82 وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 56
الشعراء: 80 قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً وَ شِفاءٌ فصلت: 44.
و یقول الإمام الفخر الرازی فی تفسیره الکبیر المسمی «مفاتیح الغیب»[75] «و اعلم أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانیة، و شفاء أیضا من الأمراض الجسمانیة أما کونه شفاء من الأمراض الروحانیة فظاهر، و ذلک لأن الأمراض الروحانیة نوعان: الاعتقادات الباطلة، و الأخلاق المذمومة.
أما الاعتقادات الباطلة فأشدها فسادا الاعتقادات الفاسدة فی الإلهیات و النبوات و المعاد و القضاء و القدر، و القرآن کتاب مشتمل علی دلائل المذهب الحق فی هذه المطالب، و إبطال المذاهب الباطلة فیها. و لما کان أقوی الأمراض الروحانیة هو الخطأ فی هذه المطالب و القرآن مشتمل علی الدلائل الکاشفة فی هذه المذاهب الباطلة من العیوب الباطنة لا جرم کان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض الروحانی».
.. و أما الأخلاق المذمومة فالقرآن مشتمل علی تفصیلها، و تعریف ما فیها من المفاسد و الإرشاد إلی الأخلاق الفاضلة الکاملة و الأعمال المحمودة، فکان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض فثبت أن القرآن شفاء من جمیع الأمراض الروحانیة».
.. «و أما کونه شفاء من الأمراض الجسمانیة فلأن التبرک بقراءته یدفع کثیرا من الأمراض و لما اعترف الجمهور من الفلاسفة و أصحاب الطلمسات بأن لقراءة الرقی المجهولة و العزائم التی لا یفهم منها شی‌ء آثار عظیمة فی تحصیل المنافع و دفع المفاسد فلأن تکون قراءة القرآن العظیم المشتمل علی ذکر جلال اللّه و کبریائه و تعظیمه الملائکة المقربین و تحقیر المردة و الشیاطین سببا لحصول النفع فی الدین و الدنیا من باب أولی. و یتأکد ما ذکرنا بما روی أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال: «من لم یستشف بالقرآن فلا شفاه اللّه تعالی».
.. و منذ مطلع النبوة الشریفة کان هناک طب نبوی کریم و قد جمع
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 57
الإمام البخاری رضی اللّه عنه أحادیث نبویة صحیحة تؤلف کتابین من الجزء السابع من صحیح البخاری.
.. یبدؤها البخاری فی الکتاب الثانی بحدیث النبی صلی اللّه علیه و سلم «ما أنزل اللّه داء إلا أنزل له شفاء».
و الکتاب الأول یحوی ثمانیة و ثلاثین حدیثا، و الثانی یحتوی علی إحدی و تسعین حدیثا ..
.. و هناک کتب متعددة عن الطب النبوی منها کتاب الطب النبوی للذهبی و کتاب الأحکام النبویة فی الصناعة الطبیة للحموی، و کتاب الطب النبوی لشمس الدین محمد بن أبی بکر[76].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 58
.. و من أطباء العرب النضر بن الحرث بن کلدة الذی تعلم من أبیه الطب و حذق مهنة الطبابة. و کان النضر ممن ینقمون علی النبی صلی اللّه علیه و سلم و یکیدون له، و قتل النضر بن الحرث بن کلدة فی غزوة بدر بضرب عنقه 77].
.. و من الأطباء علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ابن أبی رمثه التمیمی 78]. و کان علی معرفة متواضعة بصناعة الجراحة.

الطب العربی فی العصر الأموی:

.. ظل الطب العربی بملامحه البسیطة المعتمدة علی الأعشاب و النباتات الطبیة و علی الکی و الحجامة أحیانا أخری حتی مطلع العصر الأموی. و فی العصر الأموی عرف العرب مدرسة الإسکندریة القدیمة فعرفوا[79] المؤلفات الیونانیة فی الطب و نقلوها إلی السریانیة ثم إلی العبریة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 59
و یقال إن أول نقل فی الإسلام کان علی ید خالد بن یزید. (ت 85 ه- 704 م).
.. و الحقیقة أنه مع بدایات الدولة الأمویة بدأ الطب العربی یتعرف علی المؤلفات الإغریقیة و غیرها .. و قد کان لمعاویة (ت 60 ه- 680 م) طبیبان نصرانیان دمشقیان: ابن آثال: الذی کان علی معرفة بالسموم و الأدویة .. و کان معاویة بن أبی سفیان یستخدمه فی التخلص من خصومه.
.. و الطبیب الآخر لمعاویة هو أبو الحکم الدمشقی و کان طبیبا أمینا ناصحا فاعتمد علیه معاویة فی علاج نفسه و أهل بیته و قد ترک ذریة من الأطباء المعروفین فی العصر الأموی.
.. و من أطباء العصر الأموی المعروفین «تیاذوق» (ت 90 ه) و کان فی أول دولة بنی أمیة. و کان تیاذوق صدیقا للحجاج بن یوسف الثقفی، و کان یثق فیه الحجاج ثقة تامة فضمه إلی خدمته و استعمله فی علاج أمراضه.
.. و من کلام تیاذوق للحجاج: قال «لا تأکلن حتی تجوع، و لا تتکارهن علی الجماع. و لا تحبس البول. و خذ من الحمام قبل أن یأخذ منک».
.. و وجد الحجاج فی رأسه صداعا فبعث إلی تیاذوق فقال: اغسل رجلیک بماء حار، و ادهنها. و خصیّ للحجاج قائم علی رأسه، فقال: و اللّه ما رأیت طبیبا أقل معرفة بالطب منک: شکی الأمیر الصداع فی رأسه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 60
فتصب له دواء فی رجلیه، فقال له: أما أن علامة ما قلت فیک بیّنة قال الخصیّ: و ما هی؟ قال نزعت خصیتاک فذهب شعر لحیتک.
فضحک الحجاج و من حضر.
.. و من طبیبات العصر الأموی البارزات زینب الأودیة طبیبة بنی «أود» و کانت کاحلة ماهرة بطب العیون 80].
.. و فی عهد الخلیفة الأموی عمر بن عبد العزیز (ت 101 ه- 720 م) أسلم الطبیب السکندری عبد الملک بن أبجر الکنانی علی ید العظیم الزاهد عمر بن عبد العزیز الذی صحبه و استطّبه.
.. و قد روی سفیان الثوری عن ابن أبجر أنه قال: المعدة حوض الجسد و العروق تشرع فیه، فما ورد فیها بصحة صدر بصحة، و ما ورد فیها بسقم صدر بسقم.
.. و قیل إن أول من بنی فی الإسلام مستشفی هو الخلیفة الأموی «الولید بن عبد الملک» توفی 88 ه.
.. و من أبرز أطباء العصر الأموی حکم بن أبی الحکم الدمشقی.
و کان مقیما بدمشق و عمّر طویلا و کان علی معرفة بالطب و کذا ولده عیسی بن حکم بن أبی الحکم الدمشقی صاحب الکناش الکبیر الذی یعرف به و ینسب إلیه و له أیضا کتاب منافع الحیوان.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 61
.. و کان الطبیب فی العصر الأموی ینظر إلی وجه المریض و إلی عینیه و لسانه و أظافره و یحبس نبضه و ینظر إلی قارورة الماء (البول).
.. و فی ولایة زیاد بن أبیه (ت 53 ه- 673 م) کثرت الکلاب السعیرة فی البصرة فکتب زیاد دواء للکلب فی صحیفة و علقها علی باب المسجد الأعظم لیعرفه جمیع الناس.
.. و مما یدل علی مهارة بعض أطباء العصر الأموی أنه خرجت للسیدة سکینة سلعة (غدة أو خراج) فی أسفل عینها ثم أخذت تنمو.
فقام الطبیب بدراقس بشق جلد وجهها و کشطه حتی ظهر أصل السلعة ثم نزع بدراقس السلعة و سل عروقها فعاد وجه سکینة إلی ما کان علیه سوی موضع الجرح 81]
.. و الحقیقة أن الطب العربی مرّ بمرحلتین أساسیتین:
الأولی: مرحلة الترجمة و تجمیع حصیلة الحضارات المجاورة و السابقة، و ذلک منذ القرن الثانی الهجری ..
و الثانیة: تمیزت بالأصالة و إضافة عصارة الفکر العربی إلی العلم الإنسانی منذ القرن الثالث الهجری مع ازدهار العلم فی العصر العباسی الذهبی.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 62

المبحث الثالث عصر الترجمة

اشارة

.. بدأ عصر نضج الطب و علومه بحرکة الترجمة الواسعة التی قادها بعض الخلفاء المستنیرین الذین أنشأوا فی مدن عدیدة مراکز للعلم و المعرفة و الترجمة.
.. و الحقیقة أن العرب عند ما فتحوا بلاد الفرس و الشام وجدوا بها خزائن العلم الیونانی و الرومانی و الفارسی منتشرة عدیدة فأمر الخلفاء المهتمین بالعلم بنقل بعضها إلی اللغة العربیة و بدأت حرکة الترجمة الواسعة للعلم الیونانی من الیونانیة إلی السریانیة و من السوریانیة إلی العربیة[82].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 63
.. و لعل أول ترجمة فی صدر الإسلام کانت فی عهد بنی أمیة فقد کان الأمیر خالد بن یزید بن معاویة بن أبی سفیان و الذی کان یائسا من تولی الخلافة فأنشغل عن الخلافة بحب الکیمیاء فاستخدم عددا ممن یجیدون الیونانیة فترجموا له بعض کتب الکیمیاء و الطب و الفلک.
.. و یقال إن من هؤلاء العلماء الذین استخدمهم خالد بن یزید عبد الملک ابن أبجر الکنانی الذی أسلم علی ید عمر بن عبد العزیز و الذی باشر التدریس فی «انطاکیة» «و حران». و یقال أیضا إن «ماسرجویه» و هو طبیب یهودی سریانی اللغة بصری الدار- نقل لعمر بن عبد العزیز کناشا (مجموعا) فی الطب. لکن فی الحقیقة أنه لم یصلنا من العصر الأموی کتابا منقولا و لا کتابا مؤلفا فی الطب.
.. و نلاحظ أن معظم الأطباء فی العصر الأموی و العباسی کانوا من النصاری الذین یجیدون السوریانیة و نسبة منهم کانوا ممن درسوا بمدرسة جندیسابور أو فی «الرها» و «نصیبین».
.. و یتحدث الجاحظ بأمانة علمیة بالغة عن ذلک الوضع فیقول 83] عن الطبیب البغدادی المسلم أسد بن جانی «و کان أسد بن جانی» طبیبا فأکسد مرة فقال له قائل السّنة وبئة، و الأمراض فاشیة، و أنت عالم، و لک بصر و خدمة و لک بیان و معرفة، فمن أین تؤتی فی هذا الکساد قال: أما واحدة فإنی عندهم مسلم و قد اعتقد القوم قبل أن أتطبب، لا .. بل قبل أن أخلق أن المسلمین لا یفلحون فی الطب. و اسمی ثانیة أسد، و کان
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 64
ینبغی أن یکون اسمی «صلیبا» «و مرایل» «و یوحنا» «و بیرا» و کنیتی أبو الحارث و کان ینبغی أن تکون أبو عیسی، و أبو زکریا، و أبو إبراهیم، و علیّ رداء قطن أبیض و کان ینبغی أن یکون رداء حریر أسود، و أخیرا لفظی لفظ عربی و کان ینبغی أن تکون لغتی لغة أهل جندیسابور[84].
.. و کانت شهرة مدینة جندیسابور فی میدان الطب عظیمة و کانت مدرستها لتعلیم الطب لها شهرة مدویة تحت إشراف النساطرة. و لهذا فإنه لما أصیب المنصور العباسی (158 ه- 775 م) بمرض فی مقدمه و لم یفلح فی علاجه أطباء بغداد استقدم عام 148 ه- 765 م جور جیس بن بختیشوع (ت 771 م) رئیس أطباء جند یسابور، و نجح فی علاج المنصور، و أصبح طبیبه الخاص و أصبح أحفاده أطباء الخلفاء العباسیین نحو ثلاثة قرون من الزمان.
.. و هکذا أصبحت بغداد مرکزا للطب و العلم و الترجمة و انتقل مرکز التعلیم الطبی من الإسکندریة فی عهد عمر بن عبد العزیز إلی إنطاکیة و منها إلی حران إلی جندیسابور إلی بغداد التی أصبحت من أهم مراکز الاشعاع و النور و العلم و الترجمة فی العالم آنذاک- فما أن جاء عام 900 م حتی کانت کتب أبقراط و جالینوس مترجمة کلها إلی العربیة و قد ترجم أهم ما تبقی من المجموعة البقراطیة ککتاب الفصل فی سبع مقالات، و کتاب البلدان و المیاه و الأهویة، و الامراض الحادة أو الوافدة، و مقدمة المعرفة، و الأرکان، و الأخلاط، و طبیعة الإنسان و الأزمنة. و الحق أن الکتب الیونانیة الأصل شملت معظم فروع الطب المعروفة آنذاک.
.. و قد اهتم العرب بترجمة مؤلفات جالینوس اهتماما کبیرا. و کانت کتب جالینوس فی الطب من العمد الرئیسیة عند الرازی و ابن سینا و ابن النفیس.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 65
.. و لعل أهم بواعث الترجمة و النقل فی الإسلام هی رعایة الخلفاء العباسیین للتراجمة فقد کان بعض الخلفاء یدفعون للناقل ثقل الکتاب المنقول ذهبا.
.. کما أن الخلیفة المأمون (ت 218 ه) أنشأ بیت الحکمة و ضم إلیه سائر المترجمین المتمیزین.
.. ثم إن هناک عامل آخر ساعد علی انتشار الترجمة فی العصر العباسی و هو أن الدولة العباسیة کانت تعتبر أن العلم و الترجمة مظهران هامان من مظاهر التقدم الحضاری و الثقافی و العمرانی للدولة العباسیة إبان قوتها و ازدهارها.
.. کما أن الخلفاء عملوا علی التعرف علی الثقافات و الحضارات القدیمة من خلال الاطلاع علی مؤلفاتهم المنقولة إلی السوریانیة ثم إلی العربیة حتی أن المأمون لما انتصر علی الروم سنة 215 ه- 830 م، و علم بأن الیونان- لما انتشرت النصرانیة فی أراضیهم- قد جمعوا کتب الفلسفة و العلم من المکتبات و ألقوا بها فی السرادیب فطلب المأمون من ملک الروم أن یعطیه هذه الکتب مکان الغرامة التی کان قد فرضها علیه فقبل «توفیل لیثوفیلوس» ملک الروم ذلک بل اعتبر ذلک راحة له و کسبا عظیما.
.. أما عن طرق الترجمة و النقل فقد کان للنقل طریقتان .. الطریقة اللفظیة و الطریقة المعنویة، و الطریقة اللفظیة طریقة مرهقة و غیر دقیقة لأنها تعتمد علی المرادف اللفظی، و هی طریقة «یوحنا بن البطریق»، و عبد المسیح ابن الناعمة الحمصی 85]، و ذلک أن یأتی الناقل إلی النص و ینظر فی کل کلمة بمفردها ثم یضع تحتها مرادفها من اللغة الأخری.
و هذه الطریقة ردیئة جدا لأن عددا کبیرا من الکلمات فی کل لغة لیس
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 66
لها مرادف فی لغة أخری. ثم إن المجازات و التشبیهات لا یمکن أن تنقل من لغة إلی لغة بالطریقة اللفظیة.
.. و کان فی هذه الطریقة اللفظیة مشکلة أخری تلک أن أصحاب هذه الطریقة کانوا أحیانا لا یجیدون اللغة الیونانیة کما کانوا أحیانا أخری لا یجیدون اللغة العربیة. فکان أحدهم ینقل الکتاب من اللغة الیونانیة إلی اللغة السوریانیة ثم یأتی آخر فینقله من السوریانیة إلی العربیة.
.. أما الطریقة المعنویة فهی طریقة حنین بن اسحق، و ذلک أن یأتی الناقل إلی الجمل فیحصل معناها فی ذهنه ثم یعبر عنها من اللغة الأخری بجملة تطابقها فی المعنی، سواء، استوت الجملتان فی عدد الکلمات أم اختلفتا.
.. و یقول الدکتور توفیق الطویل 86] و کان المترجمون فی العادة یجیدون اللغة التی ینقلون عنها إجادتهم للغة التی ینقلون إلیها مع إلمامهم التام بموضوعات ترجماتهم. و کان أغلبهم یلتزمون الدقة و یتوخون الأمانة فیما ینقلون. فکانوا فی العادة یحرصون علی أن تکون تحت ایدیهم نسخ الأصل الذی ینقلون عنه و ترجماتهم فی غیر العربیة- السریانیة- لیقابلوا بین بعضها و البعض الآخر و کانوا یقسمون الجمل إلی بنود و فصول و فقرات حتی یتیسر نقل معانیها إلی العربیة فی وضوح لا یحتمل اللبس کما کان یفعل ابن الأشعث فیما یروی ابن أبی أصیبعة. و شروحهم للأصل تشهد بأنهم کانوا علی إلمام دقیق بالتعبیرات الدارجة و المصطلحات المألوفة فی اللغة التی ینقلون عنها، و إن بدا أن بعض المترجمین کانوا علی عکس هذا یتوخون الترجمة الحرفیة. و قد أدی اختلاف التراکیب فی اللغات و عدم تکافؤ الألفاظ فیها إلی غموض المعانی فی الترجمة العربیة أحیانا. و لکن أکثر الترجمات التی جری أصحابها علی هذا النهج قد قام ترجمون ممتازون
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 67
بإصلاحها أو إعادة ترجمتها. و إذا کان ابن البطریق مثلا قد تصدی للترجمة عن الیونانیة و هو لا یجیدها برغم تمکنه من اللاتینیة فإن إسحاق بن حنین قد نهض بإصلاح أو إعادة ترجمة ابن البطریق من مؤلفات جالینوس. بل کان حنین یعید ترجمة ما سبق له أن نقله إلی العربیة فی صباه، و فعل فی ترجمات «اصطفان بن باسیل» مثل ما فعل فی ترجمات «ابن البطریق». و قد مکنه من ذلک أنه أی حنین کان یجید ثلاثة لغات غیر- العربیة- هی الفارسیة و الیونانیة و السریانیة. و کان حنین بشهادة المؤرخین جید الأسلوب واضح المعنی. و قد کان یستعمل المصطلحات العلمیة بألفاظها الأجنبیة- و قد أباح ذلک مجمع اللغة (العربیة) بالقاهرة فی أیامنا الحاضرة- و لکنه کان یتبعها بشرح معناها حتی یتحدد مدلول الکلمة فی العربیة. و کان حنین و مدرسته خیر من یمثل الثقافة الیونانیة و خیر من قدمها إلی قراء العربیة.
.. و علی الجملة کان أکثر المترجمین من العرب یتوخون فهم المعنی الذی تحمله کل جملة أو فقرة، و التعبیر عنه بما یجری مع الأسلوب العربی الفصیح مع الحرص علی الدقة و الأمانة فی التعبیر عنه.
.. و کان سخاء الخلفاء و أهل الیسار من محبی العلم فی معاملة هؤلاء المترجمین سخاء کبیرا، إلی حد أن حنین بن اسحاق کان یتقاضی وزن ترجماته ذهبا. و کان هذا خلیقا بأن یغری المترجمین بالتسرع فی الترجمة، و لکن هذا لم یحدث فی العادة. و ما بدا فی ترجمات العرب من أخطاء کان مرده فی رأی المستشرق «أولیری» إلی ثلاثة أمور:
(أ) أن الکثیر من کتب التراث الیونانی قد نقل إلی السریانیة، و وقع ناقلوه فی أخطاء. فلما نقل العرب هذه الکتب من السریانیة أو غیرها نقلوا هذه الأخطاء إلی لغة العرب، یقول أبو حیان التوحیدی (ت 400 ه- 1009 م) فی المقابسات: علی أن الترجمة من لغة الیونان إلی العبرانیة، و من العبرانیة إلی السریانیة، و من السریانیة إلی العربیة قد أخلت
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 68
بخواص المعانی فی إبدال الحقائق إخلالا لا یخفی علی أحد. و لو کانت معانی یونان تهجس فی أنفس العرب مع بیانها الرائع و تصرفها الواسع و افتنانها المعجز و سمعتها المشهورة لکانت الحکمة تصل إلینا صافیة بلا شوب و کاملة بلا نقص.
(ب) أن مترجمی العرب کانوا کثیرا ما یقنعون بنقی المعانی المهمة و إهمال ما عداها عن عمد، و لیس عن جهل، أو سوء فهم. و عدم تقیدهم بالنص جعل الترجمة فی بعض الحالات أوضح من الأصل الذی نقلت عنه.
(ج) أن أکثر المترجمین کانوا حریصین علی أن یشرحوا أثناء الترجمة، و أن یمحصوا و ینقدوا و أن یضیفوا إلی الأصل معانی هدفهم إلیها إضافة خبراتهم دون أن یهتموا بإرشاد القارئ إلی ما أضافوا إلی الأصل من معان و أفکار.
و فیما عدا ذلک اشتهر الکثیرون من مترجمی العرب من أمثال حنین و مدرسته، و ثابت بن قرة و قسطا بن لوقا بالأمانة و الدقة و القدرة علی فهم الأصل و التعبیر عنه بالعربیة الفصحی، حتی قال بعض المؤرخین من الغربیین: إن المقابلة بین کتابات جالینوس و کتابات ابن سینا تشهد بغموض أولهما و سوء ترتیبه، و وضوح ثانیهما و حسن تنسیقه، بل إن ترجمات العرب عن الیونانیة أو غیرها إلی العربیة و ترجمات الفرنجة من العربیة إلی اللاتینیة- فی صقلیة أو أسبانیا- تشهد بأن العرب کانوا أکثر أمانة و دقة و وضوحا، بل کان من المترجمین الفرنجة من لا یحسن العربیة أو لا یعرفها أصلا، مکتفیا بالنقل عن ترجمات عبرانیة سقیمة أو لغات دارجة، مما جعل نزاهتهم و دقتهم مثارا للریب.

طبقات التراجمة:

.. لعل أول ترجمة عربیة هی ترجمة الإنجیل و قد ترجع هذه الترجمة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 69
إلی العصر الجاهلی قبل الإسلام .. یقول کارل بروکلمان 87]. إذا صرفنا النظر عن ترجمات قدیمة للإنجیل قد ترجع إلی زمن الجاهلیة وجدنا أنه ترجع إلی العصر الأموی ترجمة «مفتاح أسرار النجوم» و هو کتاب هرمس فی التنجیم 88].
و قد ترجع إلیه أیضا کتاب تیوکروس‌Teukros و الذی أطلق علیه العرب اسم تنکلوشا.
.. و قد ترجع إلیه أیضا ترجمةGeoponika إلی العربیة بواسطة کتاب «ورزنامک الفارسی».
.. و قد طغت الترجمات التی عملت فی عصر المأمون و خلفائه المباشرین علی ترجمات المدارس الأقدام عهدا، فلم یصل إلینا سواها.

الترجمة من الیونانیة و السوریانیة:

.. و کان القرن الثالث الهجری أخصب القرون الفکریة فی العالم الإسلامی و یعد هذا القرن بحق قرن المترجمین و کان أبرز المترجمین علی الإطلاق هو حنین بن إسحق العبادی (ت 260 ه- 873 م). و قد ألف العدید من الکتب فی الطب و الفلسفة و ترجم الکثیر من الکتب الیونانیة و کان یساعده فی کتاباته و ترجماته ابنه اسحاق، و ابن أخته حبیش بن الأعثم و أصطفن بن بسیل 89]، و یحیی بن هارون، و کان یراجع أخطاءهم و یصححها، و عرف عنه الدقة فی ترجماته. لإجادته اللغات الأربعة السوریانیة و الفارسیة و الیونانیة و العربیة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 70
.. و کان حنین ینقل عادة من الیونانیة إلی السوریانیة ثم یقوم بالترجمة إلی العربیة أو یکلف أحدا من تلامیذه بذلک تحت إشرافه و مراجعته، و تمیز أسلوب حنین فی الترجمة بالدقة العلمیة و عدم الغموض.
.. و قد ترجم حنین إلی اللغة السوریانیة ثمانیة و خمسین مصنفا من مصنفات جالینوس، و إلی العربیة وحدها أثنی عشر مصنفا، و إلی السوریانیة ثم إلی العربیة اثنین و عشرین مصنفا[90].
.. و کان یراجع ترجماته القدیمة باستمرار و یعمل علی تنقیحها و إصلاحها. یقول عن کتاب الفرق لجالینوس ترجمته و أنا شاب من نسخة خطیة یونانیة مشوهة، ثم لما بلغت الأربعین من عمری طلب إلی تلمیذی حبیش أن أصلحها بعد أن کنت جمعت قدرا من المخطوطات الیونانیة و عند ذلک رتبت هذه بحیث نسقت منها نسخة صحیحة قارنتها بالنص السریانی ثم صححتها و تلک عادتی التی اتبعتها فی کل ما ترجمته 91].
.. و کان حنین یبذل قصاری جهده فی سبیل البحث عن أصول
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 71
الکتب و النسخ الأصلیة لها مثال ذلک کتاب «فی البرهان» لجالینوس الذی کان نادر الوجود فی القرن الثالث الهجری و الذی قال عنه حنین: إننی بحثت عنه بحثا دقیقا وجبت فی طلبه أرجاء العراق و سوریا و فلسطین و مصر إلی أن وصلت إلی الإسکندریة لکنی لم أظفر إلا بما یقرب من نصفه فی دمشق.
.. یقول ماکس مایرهوف 92]. و یری «برجستراس» الذی کان أستاذا للغات السامیة فی جامعة «میونخ» و أعظم حجة فی تراجم حنین العربیة:
إن حنینا و حبیشا أفضل تلامیذه: تجشما عناء کبیرا فی التعبیر عن معنی أصول الکتب الیونانیة بقدر ما یستطاع من الوضوح. و کانا یترجمان ترجمة حرفیة حتی و لو ضحیا فی ذلک بجمال اللغة و تنسیق دیباجتها. لکن تراجم حنین أفضل و دقتها أعظم. و مع ذلک فإن الإنسان یخیل إلیه أنها لیست مجهود صادق و لکن نتیجة تمکن وثیق من اللغة و حسن تصرف فی مذاهبها. و یتجلی هذا فی سلاسة التوفیق بین الیونانیة و العربیة و الدقة المتناهیة فی التعبیر مع الإیجاز. تلک هی ممیزات فصاحة حنین التی اشتهر بها.
.. و لقد أسهب «برجستراسر» فی دحض رأی «سیمون» من أن تراجم حنین و حبیش حافلة بالفقرات المنتحلة الغریبة عن الأصل، و یری أن طریقتهما فی التعبیر لیست علی الدوام جمیلة و لکنها علی الأقل حرفیة.
.. و رسالة حنین إلی علی بن یحیی کاتم سر المتوکل علی اللّه تقفنا علی عدد معین من تراجم حنین لکتب أبقراط. مثال ذلک: کتاب الفصول، مع تفسیر جالینوس علیه المترجم إلی السوریانیة و العربیة و کتاب الکسور و کتاب الخلع.
.. و لعله قد نسبت بعض التراجم إلی حنین خطأ و ذلک لنزعة بعض الناس إلی استعارة اسم حنین لمؤلفاتهم الزائفة.[93]

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة ؛ ص71
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 72
.. و حنین بن إسحاق هو صاحب کتاب المسائل فی الطب للمتعلمین 94]. و یبحث حنین فی هذا الکتاب 95]. المواضیع الأساسیة التی بنی علیها علم الطب النظری و العملی فی بحثهما فی الأمور الطبیعیة، کالأرکان، و الأمزجة، و الأخلاط و الأعضاء، و القوی و الأفعال، و الأرواح و ما یتسبب عن اعتدالها من صحة و عن اختلال اتزانها من مرض و أسبابه و دلائله و أحواله، ثم معالجته و تدبیر الأبدان الضعیفة، و تعدیل الأسباب الستة العامة المشترکة، کالهواء المحیط بأبداننا، و ما یؤکل و یشرب و النوم و الیقظة، و الاستفراغ و الاحتقان، و الحرکة و السکون، و الأحداث النفسانیة، من خوف و ذعر و غضب أو مزح و انشراح، یتبع ذلک ذکر استعمال الأدویة و الأغذیة للعلاج و حفظ الصحة موجودة و استردادها مفقودة و العقاقیر المفردة و المرکبة، و قواها و کیفیة و فائدة ترکیبها، و خزنها و أوزانها و امتحانها و کیفیة صرفها، و معرفة تأثیرها فی الإنسان فی حالتی الصحة و المرض و نفع التریاقات و کیفیة ترکیبها، و أعضاء البدن و علمی التشریح و الغرائز و الحمیات و الاستدلال من النبض و البول و غیرها.
.. أما کتابه کتاب العشر مقالات فی العین فیعدّ کما یقول طبیب العیون ماکس مایرهوف الذی حقق الکتاب أنه أقدم کتاب فی طب العیون ألف علی الطریقة العلمیة و قد أشاد بفضل حنین الدکتور یولیوس هیرشبرج أستاذ طب العیون فی جامعة برلین سابقا و الذی کان متفقها فی اللغات و مؤرخا محققا، مضی قرابة ربع قرن من الزمان فی کتابة مؤلفه تاریخ طب العیون الذی یقع فی سبعة مجلدات ضخمة.
.. و استطاع الدکتور هیرشبرج أن یؤکد أن سائر أطباء العیون
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 73
المتأخرین اقتبسوا من کتاب حنین «العشر مقالات فی العین» و شرحوه، و علی الأخص «علی بن عیسی» «و عمار بن علی»، «و أباروح بن منصور» الطبیب الفارسی المعروف باسم زرین دست و الغافقی طبیب العیون الأندلسی المغربی و خلیفة ابن أبی المحاسن «السوری» و القیسی و الأکفانی و الشاذلی من مصر.
.. و فی کتاب العشر مقالات فی العین لحنین بن اسحق نلاحظ أنه اتبع فی کتابته طریقة کتابات جالینوس.
.. و یشیر إلی ذلک حنین نفسه حیث یقول فی المقدمة إنه کتب هذا الکتاب علی ما بینه و شرحه جالینوس الحکیم.
.. و یبین لنا «مایرهوف» أهم موضوعات العشر مقالات فیقول 96]:
تبسط «المقالة الأولی» تشریح العین علی نحو ما جاء بالمقالة العاشرة من کتاب جالینوس المسمی فی منافع الأعضاء و تکرر بدقة آراء جالینوس فی الأسباب الأصلیة و هی أن کل شی‌ء فی الجسم و فی العین خلق لفائدة معینة. و بهذه الطریقة ردت جمیع أغلاط جالینوس التشریحیة التی شاعت مدة تزید عن ألف و أربعمائه عام دون أن ینقضها أحد. فمثلا وضعت عدسة العین «البلوریة» التی ترجمت فی اللغة العربیة تحت اسم «الرطوبة الجلیدیة» فی وسط المقلة خطأ و جعلت عضو البصر الرئیسی. و ظن أن أغشیة العین و سوائلها (رطوباتها) قد جعلت لحمایة و تغذیة عدسة العین.
و لوحظ أن الشبکة إنما هی إمتداد لنهایة العصب الباصر، و لکن طبیعتها الحقیقیة علی اعتبار أنها عضو الإبصار کانت لا تزال مجهولة. و وصف إتصالها بالمخ بواسطة «العصب الباصر». و لکن کان المظنون أن العصب الباصر مجوف لکی یسیر فیه روح البصر أو الروح النوری من المخ إلی العین و العدسة و إنسان العین. و أدمج وصفا للمخ علی نحو ما جاء بالمقالة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 74
الثامنة من کتاب (فی منافع الأعضاء) و وصف إنسان العین جیدا بأنه ثقب فی القذحیة. لکن الأخیرة لم تمیز من الجسم الهدبی و لکن قیل إنها تنقبض معه إلی الطبقة العینیة أو الغشاء العینی. أما المحفظة الأمامیة للعدسة مع المنطقة الهدبیة فقد وصفت بأنها غشاء مستقل و هو الطبقة العنکبوتیة.
.. و وصفت عضلات العین الست وصفا جیدا و لکن العضلة مسترجعة المقلة قد أضیفت إلیها مع أنها لا توجد فی الإنسان و لکن فی ضروب معینة من ذوات الثدی. و یجب أ لا یعزب عن بالنا أن الیونان و العرب ما کانوا یستطیعون تشریح الجثث الإنسانیة و ما کانوا یعرفون سوی تشریح الحیوانات الداجنة علی وجه الخصوص. و فیما کان یتعلق بالأخطاء التشریحیة المذکورة آنفا نجد أن فیزالیوس عالم التشریح العظیم فی کتابه المشهور ما برح یکررها فی منتصف القرن السادس عشر المیلادی. هذا و یرجع الفضل فی إقامة الدلیل علی عدم وجود العضلة مسترجعة المقلة فی عین الإنسان إلی فالوبیا الإیطالی (1523- 1562 م) و أظهر (فابرسیوس أب أکوابندنتی) حوالی سنة 1600 م لأول مرة أن العدسة موضوعة فی الجزء الأمامی من العین. و شرح یوهانس کیبلر حقیقة طبیعة العدسة و الشبکة و الانکسار البصری فی سنة 1604 م. و استکشف الطبیب الفرنسی (بیبر بریسو) طبیعة الکترکتا مدللا علی أنها عتم فی عدسة العین و کان ذلک بعد سنة 1706 م بقلیل.
.. و تتناول «المقالة الثانیة» وصف المخ علی نحو ما قرره جالینوس.
و مما هو جدیر بالذکر أن حنینا اعتمد فی هذه المقالة علی الباب الثامن من کتاب جالینوس المسمی: (فی منافع الأعضاء) و لم یعتمد علی کتاب جالینوس العظیم فی التشریح المسمی: (فی علاج التشریح) الذی ترجمه حنین نفسه و ترجمه إلی العربیة ابن أخته حبیش. و من المعلوم أن الترجمة العربیة جاءت متأخرة عن کتاب العشر مقالات.
.. «و المقالة الثالثة» مطولة جدا و هی تتناول الکلام علی العصب
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 75
الباصر و روح البصر کیف یکون. و قد اعتمد فیها حنین علی کتاب (فی منافع الأعضاء) من الباب الثانی عشر إلی الباب الخامس عشر من المقالة التاسعة و المقالة الثامنة من کتاب فی آراء بقراط و أفلاطون و ربما یکون قد اعتمد علی أجزاء من کتاب جالینوس المفقود الذی یسمی (فی البرهان) و الذی کان قد فقد جزء منه فی أیام حنین. و فی هذه المقالة نجد أن حنینا قد شغف بإتباع نظریات جالینوس بقسمیها بدقة. و هنا نجد بدایة میل العالم العربی و الأوربی فی الأیام المتأخرة إلی اعتناق المذهب المدرسی.
علی أن نظریة جالینوس فی الضوء تقتفی أثر نظریة أرسطوطالیس فی کتابه المسمی (فی النفس) و هی نظریة توسع حنین فی شرحها ضمن رسالة صغیرة أسماها: (فی الضوء و حقیقته).
.. أما النظریتان التی رفضهما حنین فهما نظریة امبدوقلیس الذی ظن أن (شعاعا ذا تماثیل) یترک الجسم و یلتقی بالعین و نظریة «أبقورس أو هیبارخس» الذی یظن أن (الشعاع البصری) یترک العین و یمتد إلی الأجسام و یلمسها.
.. علی أن أرسطو طالیس و جالینوس و حنینا أخذوا بنظریة أفلاطون التی تقول باجتماع الأشعة (اجتماع الضیاء الأفلاطونیة) أی أن النور المنعکس من الأشیاء یقابل شعاع البصر النوری الذی ینبعث من الروح النوری الذی یجری من المخ فی العصب الباصر و العدسة و إنسان العین (الحدقة) و کان المظنون أن الهواء یتوسط بین الشعاعین.
.. و فی «المقالة الرابعة» خلاصة بارعة من مختلف کتب جالینوس تحتوی بإیجاز علی جمیع آرائها فی علم ترتیب الأمراض و أسبابها و علاماتها.
و الکتب التی استعان بها حنین فی تألیف هذه المقالة هی: (کتاب فی الفرق) و (کتاب فی الصناعة الطبیة) و (کتاب فی التجربة الطبیة) و (کتاب فی حفظ الصحة) و (کتاب فی اختلاف الأمراض) و (کتاب فی أسباب الأمراض) و (کتاب فی أسباب الأعراض).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 76
.. «و المقالة الخامسة» تتناول الکلام علی أسباب أمراض العین.
و هی تترسم فی بدایتها خطی جالینوس علی نحو ما جاء فی کتابه (أسباب الأعراض) و تحتذی فی النهایة المقالة الثانیة من کتاب (آراء بقراط و أفلاطون). و تتضمن شرح الأمراض الافتراضیة (أغشیة العین الداخلیة و رطوباتها یعنی سوائلها) من الوجهة النظریة و هذه النظریة و شکل قصر النظر و طوله تمیز المیل المدرسی الذی اتجه فیه الطب منذ أیام جالینوس و بالأخص فی الکتب العربیة. و قد ردد هذه الأجزاء النظریة من کتاب حنین بنصها جمیع مؤلفی العرب و الفارسیین فی الطب و طب العیون و رددها الأتراک فیما بعد.
.. و «المقالة السادسة» هامة بوجه خاص لأنها لیس لها فی کتب جالینوس الموجودة نموذج أفرغت فی قالبه. و یرجع أن حنینا حذا فیها حذو جالینوس فی کتابه المفقود المسمی (فی دلائل علل العیون). و قد ألف جالینوس هذا الکتاب فی شبابه. و لم یصلنا شی‌ء منه حتی وقتنا هذا.
و لکن حنینا ذکر فی قائمته التی کتبها سنة 240 تحت رقم 54 و أضاف إلی ذلک أن سرجیوس الرأس عینی أحد مترجمی کتب الطب من السوریین فی القرن السادس المیلادی ترجمها إلی السریانیة. و الظاهر أن حنینا لم یکن لدیه متسع من الوقت لترجمتها إلی العربیة. و لم تذکر مثل هذه الترجمة فی کتب تواریخ الحیاة العربیة.
.. و أغلب الظن أنها تتضمن وصفا مقتضبا لأمراض العین مقتفیة أثر کتاب (دیموشینس فیلالیثیس) النفیس فی طب العین الذی ألفه ذلک الطبیب الیونانی الأخصائی فی أمراض العیون فی القرن الأول المیلادی.
و لا یوجد من هذا الکتاب سوی أجزاء منه فی ترجمة لاتینیة و قد اعتمد علیه جالینوس نفسه و جمیع الأطباء الیونانیین المتأخرین (ایتیوس و أوریباسیوس و بولس الأجنیطی).
.. أما عن محتویات مقالة حنین السادسة فإنها تبدأ بأعراض أمراض
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 77
الملتحمة التی یذکر منها سبعة. علی أنه قد أطال فی شرح الرمد بوصف أنه أکثر هذه الأمراض شیوعا و أفاض فی ذلک فی بقیة الأمراض و تتجلی هنا حقیقة جدیدة هی أن العتم الوعائی للقرنیة المعروف باسم السبل (بانوس) لم یلاحظه العرب أول الأمر و لکنه کان معروفا للیونان باسم (فیرسوفثالمیا) (دوالی القرنیة).
.. و قد ذکر حنین من بین أمراض الجفن تسعة و لا غیر، بینما ورد فی نبذة اقتبسها الرازی من هذه المقالة السادسة فی کتاب الحاوی ذکر أربعة أمراض أخری (الانتفاخ و الحکّة و السلعة و الدمل) علی أن الترجمتین اللتین لقسطنطین الأفریقی و دمیطریوس تتفقان مع النص و توردان تسعة أمراض. و یجی‌ء بعد ذلک ثلاثة أمراض تصیب القناة الدمعیة و ستة تصیب القرنیة التی تحتوی قروحها وحدها علی سبعة أنواع. و بعد أن تناول حنین انقباض و اتساع انسان العین تکلم حنین مع شی‌ء من التطویل علی «الکترکت» و تشخیصها. ثم یعقب ذلک شرح الأمراض الخفیة للعین بالأخص الاسترخاء و سد العصب البصری و الإصابات التی تلحقه. و أورد فی نهایة المقالة أمراض عضلات العین و شرحا نظریا لسیلان المواد إلی العین.
.. و یقول: «مایرهوف» و تتناول المقالة السابعة الکلام علی قوی الأدویة المفردة علی نحو ما جاء بالبابین الرابع و الخامس من کتاب جالینوس (فی قوی الأدویة المفردة) و هنا یعود حنین فیأخذ بتفسیرات الطبیب الیونانی العظیم- «جالینوس» النظریة بدقة مدرسیة و قد اضطرتنی الصعوبة- أی مایرهوف- التی نجمت من سوء جمع و ترتیب النص العربی إلی وضع حواش من نص کتاب جالینوس الأصلی باللغة الیونانیة.
.. و أثبت حنین فی «المقالة الثامنة» قائمة بأسماء الأدویة المفردة للعین و مزایاها متبعا فی ذلک ما جاء فی الباب الرابع و التاسع و غیرها من أبواب کتاب جالینوس فی قوی الأدویة المفردة. و الباب الرابع من کتاب جالینوس
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 78
فی ترکیب الأدویة بحسب المواضع و الأمکنة، و هذه المقالة تلخیص رائع لکتب جالینوس الفخمة.
.. و تحتوی «المقالة التاسعة» علی علاج أمراض العین و لکن بدون ترتیب مع الخوض هنا و هناک فی تفسیر الأمراض العامة من الوجهة النظریة. و تبدأ بالانتفاخات و الأورام (کتاب جالینوس فی الأورام) و علاجها و إنک لتجد فقرات تتعلق بعلاج الأورام فی هذه الرسالة مطابقة تماما المطابقة لفقرات فی المقالة الثالثة عشر و الرابعة عشر من کتاب (حیلة البرء) و المقالة الأولی و الثانیة من (کتاب إلی أغلوقن) و المقالة الأولی من کتاب (فی أسباب الأعراض) و المقالة الثانیة من کتاب (فی تعرف علل الأعضاء الباطنیة) و المقالة الرابعة من کتاب (فی ترکیب الأدویة بحسب المواضع). ثم یأخذ حنین فی وصف علاج الأمراض المذکورة فی المقالة السادسة بتوسع فی بعضها کما فعل فی علاج قروح القرنیة. أما فیما یتعلق بالکترکتا فهناک شرح قصیر لعلاجها الطبی. و فی نسخة تیمور باشا وصف منتحل و لکنه جید لعملیة (قدح الماء) أو تأبیر الکترکتا أو عملیة تنکیس الکترکتا. و هذا الوصف الذی یختلف عن سائر الأوصاف الکثیرة التی توجد فی الکتب العربیة القدیمة الأخری المؤلفة فی طب العیون لیست موجودة فی الترجمتین اللاتینیتین و لا هی موجودة کذلک فی النبذة التی اقتبسها الرازی فی کتاب الحاوی.
و الظاهر أنه مبتکر و ربما کان مقتبسا من مقالة حنین الحادیة عشرة المفقودة.
.. و مما لا شک فیه أنها وضعت فی غیر محلها فی المقالة التاسعة التی تتناول الکلام عن العلاج الطبی لا العلاج الجراحی لأمراض العین.
.. و تبدأ المقالة العاشرة بالعجالة التاریخیة الشیقة عن تکوین الکتاب و التی أوردناها فیما تقدم و هی مهداة إلی (رئیس الأطباء و الفلاسفة) المجهول
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 79
لنا و ربما کان «علیّ بن ربن الطبری» صدیق المتوکل الحمیم أو طبیبا آخر لم یذکر اسمه فی کتب التاریخ العربیة. ثم یتکلم حنین بعد ذلک عن تحضیر الشیفات (مراهم العین المرکبة) و أورد قائمة بأربعین مرکبا من مراهم العین الشیافات تقریبا، و أربعة أکحال نقلها عن جالینوس و أدویباریباسیوس و بولس الاجنیطی. و یقول مایرهوف و قد وفقت إلی تحقیق معظمها و الکشف عن جلیة الأمر فیها و تصحیح کثیر من الأسماء التی نقلت محرفة من الکتب العربیة المتأخرة مثال ذلک حرّف اسم طبیب العیون الرومانی «ایلیوس غالوس» إلی «أساس» و حرف اسم «فافیوس» إلی «قاقیاس».
و هذه الأسماء یمکن العثور علیها فی فهارس أسماء الأدویة العربیة الموضوعة فی القرن الحادی عشر. و یمکن تصحیح أغلاط کثیرة فی الفارما کوبیات المتأخرة بمقارنة النسخ العربیة بالأصل الیونانی.
.. و لدی الإمعان فی مجموع هذا الکتاب المبکر فی طب العیون نجد أن حکم بن أبی أصیبعة تتجلی صورته و ینهض البرهان علی تأییده، فطول المقالات لیس متناسقا و تختلف قیمة مادتها اختلافا عظیما و قد عالج حنین- طبقا لآرائه الفلسفیة و تأملاته- التشریح و علم وظائف الأعضاء و علم تقسیم الأمراض و الفارما کولوجیا فأسهب و أطال بینما الأجزاء المتعلقة بعلم الأعراض و العلاج العملی مقتضبة جدا و فوق ذلک فإنه اتبع الطریقة التی اتبعها الیونان من قبل و أوائل أطباء العرب الذین جاءوا بعده و نعنی بها الکتابة عن المرض الواحد مرات ثلاثا فی الفصول مقالات مختلفة فأولا یتکلم عن تشخیص المرض ثم یتکلم عن أعراضه و أخیرا یتکلم عن علاجه و قد اتبعت الطریقة التی یشرح بها المرض فی الفصل الواحد کما هو الحال فی کتب عصرنا الحاضر منذ القرن الرابع و نعنی بهذه الطریقة وصف تشخیص المرض و أعراضه و علاجه (إبتداء من علی بن عیسی و عمار) و مع ذلک فإن کتاب حنین أسمی بکثیر من کتاب أمراض العین المشوش الذی ألفه أستاذه «یوحنا بن ماسویة». و علی ذلک فإننا نصفه بأنه أقدم کتاب موجود فی طب العیون ألّف علی الطریقة العلمیة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 80
ثم کان هناک طائفة أخری من المترجمین من أصل صابی‌ء علی رأسهم ثابت بن قرة الحرانی 97]. و هو ممن مهّدوا لحساب النهایات و التّفاضل و التکامل، و هو صاحب کتاب الذخیرة فی الطب و هو کتاب یبحث فی علاج الأمراض.
.. و کذا ولداه إبراهیم و سنان و حفیداه «ثابت و إبراهیم» کانوا تراجمة معروفین ینقلون من السورانیة إلی العربیة.

الترجمة من الفارسیة:

.. کان للفرس تأثیر ملحوظ فی الکوفة و البصرة، کما کان للحضارة الفارسیة تأثیرها الواضح علی الحضارة العربیة إبان تشکیل الحضارة العربیة منذ القرن الأول الهجری. و ذلک لقرب هذه الحضارة من الحضارة العربیة[98].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 81
.. و لا شک أن «البرامکة» أصحاب الوزارة فی الدولة العباسیة لعبوا دورا هاما فی نشر الثقافة الفارسیة و یذکر ابن الندیم عند حدیثه علی کتاب «المجسطی» فی الفلک أن أول من أهتم بنقله و ترجمته «یحیی بن خالد» البرمکی الذی ندب لترجمته و تفسیره أبا حسان و سلمان صاحبا بیت الحکمة فاتقنا ترجمته و تصحیحه.
.. و لعل أشهر أسماء التراجمة من الفارسیة إلی العربیة کما ذکر صاحب الفهرست 99]. ابن المقفع، و آل نوبخت، و موسی و یوسف بن خالد، و کانا یخدمان داود بن عبد اللّه بن حمید بن قحطبة و ینقلان له من الفارسیة إلی العربیة، و التمیمی، و اسمه علی بن زیاد، و یکنی أبا الحسن، نقل من الفارسیة إلی العربیة و إسحق بن یزید نقل من الفارسی إلی العربی، فمما نقل کتاب سیرة الفرس المعروف «اختیار نامه».
.. و کما ذکرنا من قبل فإنه یحتمل أن تکون فی مقدمه الترجمات العربیة عن الفارسیة ترجمةGeoponika بوساطة کتاب ورزنامک الفارسی 100].
.. و یقول ابن الندیم 101]. و من المشهورین بالطب من الفرس ممن وصل إلینا تألیفه و نقل إلی العربی «تیادورس» و نقل له إلی العربیة کتاب «کناش» تیادورس.

النقل من الهندیة إلی العربیة:

.. زادت العلاقات التجاریة و الثقافیة بین المسلمین و الهنود خلال العصر الأموی حین فتح المسلمون السند عام 91 ه .. و زادت العلاقات قوة فی عهد العباسیین. و فی عهد المنصور سنة 154 ه 771 م نقل العرب کتاب السدهانتا «السند هند» إلی العربیة و ألف أبو إسحق إبراهیم
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 82
بن حبیب الفزاری کتابا بناه علی کتاب السند هند و استخرج فیه زیجا حول فیه سنی الهنود النجومیة إلی سنین عربیة قمریة و ترجم العرب کتاب الأرکند و کتاب الأزجبهر» و هما فی علم الفلک أیضا.
.. و قد نقل العرب عن الهنود بعض المصطلحات الریاضیة کلفظة الجیب فی حساب المثلثات 102].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 83
هذا و من المعلوم أن هناک تعاملا واسعا بین التجار العرب و التجار الهنود و کان العرب یبیعون السلع الهندیة بأسمائها الهندیة و قد ورد بعضها فی القرآن الکریم مثل «زنجبیل»، «و کافور».
.. و یقول صاحب الفهرست 103]. أن من أسماء کتب الهند فی الطب الموجودة بلغة العرب کتاب سسرد، عشر مقالات، أمر یحیی بن خالد بتفسیره لمنکه الهندی و یجری مجری «الکناش»، و کتاب «استانکر» الجامع تفسیر ابن دهن، کتاب «سیرک» فسره عبد اللّه بن علی من الفارسی إلی العربیة، لأنه نقل أولا من الهندی إلی الفارسی.
.. و من المشهورین من أطباء الهند شاناق و له کتاب السموم خمس مقالات، فسره من الهندی إلی الفارسی منکه الهندی. و قد نقله من
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 84
الفارسی إلی العربیة ابن حاتم الباجی فسره بأمر یحیی بن خالد البرمکی، ثم نقل للمأمون علی ید العباسی بن سعید الجوهری مولاه، و کان المتولی قراءته علی المأمون.
.. و یقال أن بعض الخلفاء العباسیین استدعوا أطباء هنود لعلاجهم مثلما استدعی هارون الرشید منکه الهندی لعلاجه من علة شدیدة.
.. و هکذا تعرف علماء العرب علی طب یونان و فارس و الهند من خلال الترجمة و استوعبوا تماما طب یونان 104]. و لما استوثق الأطباء العرب من علمهم بالطب الیونانی و أصبحوا یتحدثون بطلاقة عن الطب و علموا أنهم أدرکوا کل ما فی ذلک الطب من أسرار، رأوا أن یؤلفوا کتبا علی غرار المؤلفات الیونانیة لا تکون منقولة عنها.
.. و کان أول المؤلفین العرب الذین نهجوا هذا المنهج علی بن ربن الطبری 105].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 85
.. و کتب کتابه الذی سماه «فردوس الحکمة»[106]. و هو یدل علی ثقة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 86
المؤلفة بعلمه و کانت هذه الکتب شیئا جدیدا علی الثقافة العلمیة و العربیة.
.. و مهد عصر الترجمة ثم التألیف إلی العصر الذهبی للطب فی الدولة الإسلامیة و کان هذا الکتاب ممهدا أیضا لمن جاء بعده و اقتفی أثره من أمثال أبی بکر الرازی و علی بن عباس المجوسی و ابن سینا.
.. و «فردوس الحکمة»[107] یعد أقدم کتاب جامع لفنون الطب و الصیدلة وصل إلینا من کتب العلماء العرب، قد اعتمد علی أهم الکتب الطبیة و المعاصرة له، و أورد فی مقاله منه کلیات الطب الهندی عند کل من «شرکا»Charka و سسرتاSusruta و نداناNidana و اشتانقریردی‌Ashtangahradaya .
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 87

المبحث الرابع العصر الذهبی للطب فی الدولة الإسلامیة

اشارة

.. بدأت حرکة الترجمة و التأیف تؤتی ثمارها المرجوة فی القرن الثالث الهجری «و استوعبت الحضارة العربیة الناشئة جمیع الحضارات السالفة، و بنهایة هذا القرن أصبحت اللغة العربیة هی لغة العلم و المعرفة لقرون طویلة تلت، و عمت النهضة الحضاریة العالم الإسلامی بأکمله، و ظهر فی هذه الحقبة و ما تلاها أعظم فلاسفة العرب و مفکریهم و علمائهم، و بفضل جهودهم و مؤلفاتهم، وصل الطب العربی إلی ذروة عالیة، تمیزه عما سبقه، حتی أنه لیعد نسیج وحده، و ولید البیئة الجدیدة و الحضارة الإسلامیة التی نشأت و ترعرع فی أحضانها[108] و لکن التطور الطبی کان محدودا بالتقالید التی فرضتها الظروف آنذاک، فلم یکن التشریح مباحا، و ظل علماء التشریح و وظائف الأعضاء جامدین فی القالب الذی صبهما فیه أبقراط و جالینوس، و لکنه بالرغم من ذلک تقدم الطب فی اتجاهات أخری متعددة و هامة، منها الملاحظة السریریة «الاکلینیکیة» الدقیقة للمرض و وصف العلامات المرضیة للأمراض، و التدریس إلی جانب أسرة المرضی، و قد ساعد العرب فی ذلک کله معرفتهم للکیمیاء و النبات، و أصبحت کتبهم ملیئة بالمستحضرات و المرکبات المعدنیة و النباتیة و الحیوانیة و الأدویة المفردة و المرکبة.
.. و إذا کان الطب فی الدولة الإسلامیة قد اعتمد فی فترة من فتراته علی ترجماته و شروحه للتراث الطبی للیونان و فارس و الهند فمن الخطأ- کما
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 88
یقول الدومییلی-[109] «أن نظن أن العرب لم یضیفوا شیئا جدیدا إلی العلم الذی کانوا أوصیاء علیه، بل علی النقیض من ذلک و إذا کانت خطوات التنمیة و الإنضاج التی خطوها فی هذا السبیل کثیرا ما ضاعت و تفرقت فی الحشد الکبیر من الکتب التی ترکوها فلیست تلک الخطوات أقل أصالة و لا أبعد عن الواقع».
.. و إن ما استحدثه العرب من علاجات مختلفة للأمراض و ما استخدموه من أدوات جراحیة و ما کشفوا عنه من أسباب الأمراض لیدلنا دلالة واضحة علی مدی عمق و أصالة الطب فی الدولة الإسلامیة.
.. و کان الأطباء فی الدولة الإسلامیة من أوائل العلماء الذین عرفوا کیفیة تفتیت الحصاة فی المثانة قبل استخراجها، و استخدموا عددا من الآلات الجراحیة البسیطة و الدقیقة.
و الحقیقة أننا نلاحظ أنه منذ منتصف القرن الثالث الهجری- بدأ الترکیز علی الأخذ بالأسالیب العلمیة و الاهتمام بالتجریب العلمی و تحضیر الأدویة المستعملة فی علاج بعض الأمراض تحضیرا معملیا.
.. و قد نشأت مدارس للطب فی العالم الإسلامی کان فیها التدریس علی منهجین 110].
.. منهج نظری فی المدارس الطبیة «و منهج عملی للتدریب و التمرین یجتمع فیه الطلاب حول رئیس الأطباء فیرون کیف یفحص المرضی و ما یصف لهم من العلاج. و إذا أجاز الطلاب مدة الدراسة تقدموا للامتحان ثم أقسموا الیمین «عهد أبقراط» و نالوا الشهادة. ثم إذا هم بدأوا ممارسة التطبیب کانوا دائما تحت رقابة الدولة.
.. و قد کان فی العصر العباسی عدد کبیر من المتطببین «المتمرنین
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 89
الذین لا یحملون إجازات» و اتفق فی سنة 219 ه «921 م) أن أخطأ أحدهم فی معالجة رجل من العامة فمات الرجل فأمر الخلیفة المقتدر أ لا یتصدی أحدهم لمعالجة الناس إلا إذا أدی امتحانا، و جعل أمر هذا الامتحان إلی سنان بن ثابت بن قرة فامتحن سنان فی نواحی بغداد وحدها قرابة تسعمائة من المتطببین. أما الذین کانوا ذوی تقدم و شهرة فلم یمتحنهم.
.. و لعل أشهر أطباء المسلمین قاطبة و إمام الطب فی الدولة الإسلامیة هو أبو بکر محمد بن زکریا الرازی الذی یستحق منا أن نقف أمامه وقفة متأنیة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 90

ممثلوا عصر ازدهار الطب فی الدولة الإسلامیة

أولا: فی المشرق

أبو بکر الرازی

.. أبو بکر محمد بن زکریا الرازی .. واحد من أعظم أطباء القرون الوسطی و هو طبیب المسلمین بلا نزاع.
.. ولد أبو بکر الرازی فی مدینة الری جنوب طهران حوالی عام 250 ه- 864 م .. و قد اهتم بدراسة الطب و علومه و نبغ فی مهنة الطب نبوغا سریعا حتی أصبح رئیسا لمستشفی الری، ثم قدم إلی بغداد تلبیة لدعوة الخلیفة المنصور رئیسا للمستشفی الجدید بها.
.. و قد اختلفت الروایات حول تاریخ وفاته، و المشهور أنه توفی عام 320 ه، 932 م. إلا أن الصفدی فی «نکت الهیمان» یذکر أن الرازی توفی سنة 310 ه «922 م». بینما یذکر القفطی فی «أخبار العلماء بأخبار الحکماء» أن الرازی قد عاش حتی سنة 364 ه 974 م و أنه اتصل بابن العمید.
.. و لقد ترک الرازی وراءه عشرات الکتب و المؤلفات العلمیة و عرف فی أوربا باسم» Rhases «و ترجم کتابه الحاوی فی الطب إلی اللاتینیة بعنوان‌Liber Continens کما ترجم له کتاب فی الصحة العامة حیث ظهرت ترجمته اللاتینیة بعنوان» Mis Cellanea «.
.. و قد اهتم أبو الریحان البیرونی «362 ه- 973 م» «443
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 91
ه- 105 م» بحصر أعمال الرازی و کتب رسالة فیها أسماء أکثر من مائة و ثمانین مؤلفا علمیا.
.. و قد اعتنی بالرسالة المستشرق روسکا[111].
.. و لقد نشر فهرست کتب محمد بن زکریا الرازی بول کراوس 112].
هذا و قد ترجمت أکثر کتب الرازی إلی اللغة اللاتینیة[113]. و طبعت عدة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 92
مرات، و لا سیما فی البندقیة سنة 1508 و فی باریس سنة 1528 م و سنة 1745 م. و أعید طبع کتابه فی الجدری و الحصبة سنة 1745، و ظل مرجعا فی جامعة لوفان حتی فی القرن السابع عشر من المیلاد، کما ثبت ذلک من برنامجها لسنة 1617، و ظهر من هذا البرنامج، أن مؤلفات علماء الیونان الطبیة لم تنل من الحظوة إلا قلیلا، فقد اقتصر أمرها علی بعض جوامع الکلم لبقراط و بعض الخلاصات لجالینوس 114].
.. و کان کتاب الرازی فی أمراض الأطفال أول کتاب بحث فی هذا الموضوع.
.. و تقول المستشرقة الألمانیة زیغرد هونکة:
«الرازی هو أحد أعظم أطباء الإنسانیة إطلاقا .. و قبل ستمائة عام کان لکلیة الطب بباریس أصغر مکتبة فی العالم، لا تحتوی إلا علی مؤلّف واحد هو کتاب «الحاوی» فی الطب للرازی.
.. و کان هذا الأثر العظیم ذا قیمة کبیرة، بدلیل أن ملک المسیحیة الشهیر لویس الحادی عشر، إضطر إلی دفع اثنی عشر مارکا من الفضة و مئة تالر» Taler «من الذهب الخالص لقاء استعارته هذا الکنز الغالی، رغبة منه فی أن ینسخ له أطباؤه نسخة، یرجعون إلیها إذا ما هدد مرض أو داء صحته و صحة عائلته.
.. و کان هذا الأثر العلمی الضخم یضم کل المعارف الطبیة منذ أیام الإغریق حتی عام 925 بعد المیلاد. و ظل المرجع الأساسی فی أوربا لمدة تزید علی الأربعمائة عام بعد ذلک التاریخ، دون أن یزاحمه مزاحم أو تؤثر فیه أو فی مکانته مخطوطة من المخطوطات الهزیلة التی دأب علی صیاغتها کهنة الأدیرة قاطبة، و هو العمل الجبار الذی خطته ید عربی قدیر.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 93
.. و لقد اعترف الباریسیون بقیمة هذا الکنز العظیم و بفضل صاحبه علیهم و علی الطب إجمالیا. فأقاموا له نصبا فی وسط القاعة الکبیرة فی مدرسة الطب لدیهم و علقوا صورته و صورة عربی آخر هو «ابن سینا» فی قاعة أخری کبیرة تقع فی شارع سان جیرمان، حتی إذا ما تجمع فیه طلاب الطب وقعت أبصارهم علیها و رجعوا بذاکرتهم للوراء یسترجعون تاریخها».
.. و تقول هونکة[115]:
«لقد امتاز الرازی بمعارف طبیة واسعة شاملة لم یعرفها أحد قط منذ أیام جالینوس، و کان فی سعی دائم وراء المعرفة عابا منها کل ما یمکن عبه باحثا عنها فی صفحات الکتب و علی أسرة المرضی و فی التجارب الکیمائیة، قاطعا الآفاق من أجلها، و کان یزرع فی نفوس تلامیذه الفضیلة و حسن الأخلاق مؤکدا لهم قدسیة مهنة الطب، محاربا، قولا و عملا، کل أنواع الشعوذة فی أی مکان کانت و فی أیة صورة ظهرت. و کان یهتم بعلاج الفقراء و یهبهم بعد العلاج مالا فی الوقت الذی کان یعیش فیه شخصیا فی تواضع و بساطة لا مثیل لهما.
.. و إلی جانب حبه الشدید للطب فقد کان محبا للحکمة و الفلسفة و یدافع عن أحقیته فی إطلاق اسم الحکیم أو الفیلسوف یقول فی «کتاب السیرة الفلسفیة»[116].
.. أما فی باب العلم فلو قیل أنه لو لم تکن عندنا منه إلا القوة علی تألیف مثل هذا الکتاب لکان ذلک مانعا عن أن یمحی عنا اسم الفلسفة[117]. فضلا عن مثل کتابنا «فی البرهان» و «فی العلم الإلهی»
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 94
و «فی الطب الروحانی».
و کتابنا «فی المدخل إلی العلم الطبیعی الموسوم «بسمع الکیان»، و مقالتنا «فی الزمان و المکان و المدة و الدهر و الخلاء» و «فی شکل العالم» وو «سبب قیام الأرض فی وسط الفلک». و «سبب تحرک الفلک فی استدارة» ....
.. و کتبنا فی الطب ککتاب «المنصوری» و کتابنا «إلی من لا یحضره الطبیب» و کتابنا «فی الأدویة الموجودة» و الموسوم «بالطب الملوکی» و الکتاب
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 95
الموسوم «بالجامع» الذی لم یسبقنی إلیه أحد من أهل المملکة و لا احتذی فیه أحد بعد احتذائی و حذوی.
.. و کتبنا فی صناعة الحکمة التی هی عند العام الکیمیاء ..
.. و بالجملة فقرابة مائتی کتاب و مقالة و رسالة خرجت عنی- إلی وقت عملی هذه المقالة- فی فنون الفلسفة من العلم الطبیعی و الإلهی ..... فإن لم یکن مبلغی من العلم المبلغ الذی استحق أن أسمی فیلسوفا فمن هو لیت شعری ذلک فی دهرنا هذا».
و فی کتاب الطب الروحانی للرازی قدم من خلاله محاولة لإصلاح الأخلاق علی أسس تربویة و نفسیة و بعض أفکاره الفلسفیة و قد هوجم الرازی هجوما عنیفا من بعض الإسماعیلیة المتعصبین الذین اتهموه بالإلحاد و بخاصة أبی حاتم الرازی 118] فی کتابه أعلام النبوة و تلمیذه حمید الدین الکرمانی 119] الذی وضع کتابه الأقوال الذهبیة للرد علی الطب الروحانی للرازی و اتهمه بإنکار النبوة.
أما کتاب «أعلام النبوة لأبی حاتم الرازی فهو من الکتب التی تحویها خزائن الطائفة الإسماعیلیة البهرویة فی الهند و هو عبارة عن مناظرة دارت بینه و بین أبی بکر الرازی یتهم فیها «أبو بکر الرازی فی کتابه الطب الروحانی بإنکار النبوة و الأنبیاء. رغم أن کتاب الطب الروحانی، یکذب ادعاءات الإسماعیلیة. فلیس فیه أی إنکار للنبوة و الأنبیاء و لیس فی کتب الرازی الأخری أی إنکار للنبوة و الأنبیاء کما یدعی الإسماعیلیة. بل علی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 96
العکس کما یقول الدکتور عبد اللطیف العبد[120]: «إن الرازی یوجب احترام تعالیم الدین، و یحث الإنسان علی التمسک بها، لینعم فی الآخرة بالجنة، و یفوز برضوان اللّه تعالی. کما أوجب احترام الأنبیاء فی أشخاصهم الکریمة و سیرتهم العطرة».
.. و قد وصف الرازی دائما أنه 121]. «کان ذکیا فطنا مجتهدا هادئا رزینا یحب الرحمة و العدل، و النصح و العفة، و الإقلال من مماحکة الناس و مجاذبتهم، و کذلک کان برا حنونا یعطف علی الطلاب و المرضی و الفقراء».
.. و لقد عرف الخلیفة العباسی عضد الدولة مقامه و ذکاءه 122]. «و رأی أن یستغل مواهبه و نبوغه، فاستشاره عند بناء البیمارستان العضدی، فی بغداد فی الموضع الذی یجب أن یبنی فیه، و قد اتبع الرازی فی تعیین المکان طریقة مبتکرة یتحدث بها الأطباء و هی محل إعجابهم و تقدیرهم.
فوضع قطعا من اللحم فی أنحاء مختلفة من بغداد و لاحظ بسرعة سیر التعفن، و بذلک تحقق من المکان الصحی المناسب لبناء المستشفی. و أراد عضد الدولة أن یکون فی مستشفاه جماعة من أفاضل الأطباء و أعوانهم، فأمر أن یحضروا له قائمة بأسماء الأطباء المشهورین، فکانوا یزیدون علی المئة، فاختار منهم خمسین بحسب ما وصل إلی علمه من مهارتهم و براعتهم فی صناعة الطب، فکان الرازی منهم. ثم إنه اقتصر من هؤلاء أیضا علی عشرة کان الرازی بینهم و تبیّن له أن الرازی أفضلهم، فجعله رئیسا للبیمارستان العضدی».
.. و اتصف الرازی بالأمانة العلمیة فما یلخص نصا أو ینقله إلا نسبه دائما لصاحبه. فمثلا فی کتابه «الحاوی» فی الطب یقول «قال جالینوس سقط رجل عن دابة فصک صلبه الأرض، فلما کان الیوم
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 97
الثالث ضعف صوته و فی الیوم الرابع انقطع البتّة و استرخت رجلاه و لم تنل یدیه آفة لأن عصبهما یجیئها من نخاع العنق»[123].
.. ثم یقول فی صفحة أخری من نفس المصدر[124]. إن من عرف منابت العصب الجائی إلی عضو من الأعضاء سهل علاجه».
.. و ذلک قول جالینوس «افصد» أبدا عند بطلان جس عضو أو حرکة إلی أصل العصب الجائی إلیها»[125].
.. و کان ملما بعلوم عصره، واسع الإطلاع و الثقافة، لم یدخل علیه أحد إلا وجده قارئا أو کاتبا .. و کان یری أن صناعة الطب تحتاج إلی الإطلاع المستمر و الإقتداء بعلم العلماء السابقین و کان یقول:
«من قرأ کتب بقراط و لم یخدم، أفضل ممن خدم و لم یقرأ کتب بقراط»[126].
.. و کان فاهما لطب الفاضلین ابقراط و جالینوس فهما عمیقا مطلعا علی طبهم ببصیرة العالم الخبیر النافذ.
.. و أحیانا ما کان یخالفهما فی آرائهما فمما خالف فیه ابقراط و جالینوس قوله: جاء فی فصول بقراط: إذا عرض للمستسقی سعال بلا سبب موجب للسعال، کالنزل و غیره، و لکن من نفس علته لغلبة الماء و کثرته، فإنه هالک و ذلک أنه یدل علی أن الماء قد بلغ إلی قصب الرئة، و أشرف علی الاختناق».
.. و یذکر الرازی صراحة هنا أن رأی بقرط خطأ فیقول: «هذا قول سمج. و ذلک أن الماء تحت الحجاب، فکیف یبلغ قصبة الرئة؟ و لکن
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 98
الأولی فی ذلک أن کثرة الماء لما یزحم الحجاب جدا، فیضیق لذلک النفس و یهیج السعال 127].
.. و مم خالف فیه بقراط قوله: «جملة، البول فی الشتاء زیادة کثیرة، و الرسوب فیه یکون أکثر، لأن النضج فیه أکثر و أجود.
.. أما الرازی فیقول فی ذلک «أما کثرة کمیته عندی فلقلة العرق، و أما الرسوب فکما ذکر[128].
.. و لقد رفع أبو بکر الرازی من شأن العقل و اعتبره من أعظم نعم اللّه تعالی علی الإنسان فقال فی کتابه الطب الروحانی 129] «إن البارئ عز و جل إنما أعطانا العقل و حیاتنا به لننال، و نبلغ به المنافع العاجلة و الآجلة غایة ما فی جوهر مثلنا، أن یناله و یبلغه.
.. و إنه أعظم نعم اللّه عندنا و أنفع الأشیاء لنا و أجداها علینا نفعا.
فبالعقل فضلنا علی الحیوان غیر الناطق حتی سسناها و ذللناها و ملکناها و صرفناها فی الوجوه العائدة منافعها علینا و علیها.
.. و بالعقل أدرکنا ما یرفعنا و یحسن و یطیب به عیشنا و نصل إلی بغیتنا و مرادنا و إنا بالعقل أدرکنا صناعة السفن و استعملناها متی وصلنا بها إلی ما قطع و حال البحر و دوننا و دونها «و به نلنا الطب» الذی فیه الکثیر من المصالح لأجسادنا و سائر الصناعات العائدة علینا النافعة لنا. و به أدرکنا الأمور الغامضة البعیدة منا الخفیة المستورة عنا و به عرفنا شکل الأرض و الفلک و عظمة الشمس و القمر و سائر الکواکب و أبعادها و حرکاتها. و به وصلنا إلی معرفة البارئ جل و عز الذی هو أعظم ما استدرکنا و أنفع ما أحببنا.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 99
.. و فی الجملة فإنه الشی‌ء الذی لولاه کانت حالنا حال البهائم و الأطفال و المجانین و به نتصور أفعالنا العقلیة قبل ظهورها للحس فنراها کأن قد أحسسنا ما ثم نتمثل بأفعالنا الحسیة صورتها فتظهر مطابقة لما تمثلناه.
.. فإذا کان هذا مقداره و خطره و جلالته فحقیق علینا أ لا نحطه عن مرتبته و لا ننزله عن درجته و لا نجعله و هو الحاکم محکوما علیه و لا و هو الزمام مزموما و لا و هو المتبوع تابعا.
.. بل نرجع فی الأمور إلیه و نعتمد فیها علیه فنمضیها علی إمضائه و نوقفها علی إیقافه و لا نسلط الهوی الذی هو آفته و مکدره و الحائد به عن سننه و محجته و قصده و استقامته و المانع من أن یصیب به العاقل رشده و ما فیه صلاح عواقبه فی أموره بل نروضه و نذلله و نحمله و نجبره علی الوقوف عند أمره و نهیه فإنا إذا فعلنا ذلک صفی لنا غایة صفائه و أضی‌ء لنا غایة إضاءته و بلغ بنا نهایة ما قصد بلوغنا به و کنا سعداء بما وهب اللّه لنا من و منّ به علینا!!.
.. و إننا نجد فی الطب فی الدولة الإسلامیة مدرستین بارزتین:
الأطباء الفلاسفة و الفلاسفة الأطباء.
.. الأطباء الفلاسفة و یمثلهم أبو بکر الرازی، و الفلاسفة الأطباء و یمثلهم ابن سبنا ..
.. و کما یقول جورج سارتون: «و هما یمثلان مذهبیین مختلفین، ففریق المدرسیین «ابن سینا» درسوا الطب علی أنه جزء من المعرفة لا غنی عنه، أما فریق الممارسین «الرازی» فهم یهتمون فی المقام الأول بالمرض و التشخیص و العلاج، الفلسفة لدیهم مجرد وسیلة للوصول للغایة و أسلوب الفریقین یختلف: المدرسیون یعنون بالتنظیم و التقسیم المنطقی و الممارسون یعنون بالمشاهدات و الدلالات»[130].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 100

الرازی .. کأستاذ و معلم للطب:

یعد أبو بکر الرازی من معلمی الطب المتمیزین فکان من أقدر الأساتذة علی الشرح و التبسیط و النصح و الإفادة فهو مثلا کان ینصح المهتمین بالطب و دراسته إلی طریقة دراسة المرض و ذلک بطلب تعریفه أولا ثم معرفة العلة و السبب و هل ینقسم بسببه أو نوعه أم لا .. یقول الرازی «لطالب الطب: أطلب فی کل مرض هذه الرءوس 131]:
المسمی التعریف أولا،
.. و مثاله أن نقول: إن مرض «ذات الجنب» هو اجتماع- حمّی حادة مع و خز فی الأضلاع، و ضیق النفس، و صلابة فی النبض، و سعلة یابسة منذ أول الأمر.
.. ثم اطلب العلة و السبب.
.. و مثال ذلک: أن تعلم أن سبب ذات الجنب ورم حار فی ناحیة الغشاء المستبطن للأضلاع.
.. ثم اطلب: هل ینقسم لسببه أو نوعه أم لا.
.. مثال ذلک: تنقسم ذات الجنب إلی الخالصة، و غیر الخالصة ...
.. ثم اطلب تفصیل کل قسم من الآخر.
.. ثم العلاج ...
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 101
.. ثم الاستعداد، ثم الاحتراس، ثم الإنذار.
.. و کان یهتم بنصح طلبة الطب بضرورة الإطلاع و جمع کتب الطب و التدوین فیقول: «إن کنت معنیا بالصناعة «أی صناعة الطب، و أحببت أن لا یفوتک و لا یشذ علیک منها شی‌ء .. فأکثر جمع کتب الطب جهدک، ثم اعمل لنفسک کتابا تذکر فیه فی کل علة، ما قصر الکتاب الآخر و أغفله فی کل نوع من العلل و حفظ الصحة الرتبة، من تعریف أو سبب أو تقسیم أو علامة أو علاج أو استعداد أو إنذار أو احتراس.
فیکون ذلک کنزا عظیما، و خزانة عامرة»[132].
.. و لعل ذلک هو سر اهتمام الرازی بتفسیر کتب الطب و شرحها و التعلیق علیها فیقول 133]: «دعانی ما وجدت علیه فصول أبقراط من الاختلاط و عدم النظام و الغموض، و التقصیر عن ذکر جوامع الصناعة کلها أو کلها و ما أعلمه من سهولة حفظ الفصول و علقها بالنفوس، إلی أن أذکر جوامع الصناعة الطبیة و جعلها عن طریق الفصول .. لیکون مدخلا إلی الصناعة و طریقا للمتعلمین».

الرازی طبیبا حاذقا:

.. الرازی .. و طریقته فی التشخیص المقارن ..[134]
التشخیص المقارن نوعان:
النوع الأول: یتناول فیه الطبیب علامة من العلامات المرضیة و بعد ذلک یدرس أسبابها مع التمییز بین الأسباب المتعددة للمرض الواحد و ذلک عن طریق التقسیم الذی یفید الطبیب الممارس علی وجه الخصوص و مثال
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 102
ذلک ما یذکره الرازی فی احتباس البول و تقسیمه إیاه التقسیم الواعی الوافی التام فیقول:
1- البول یحتبس إما لأن الکلی لا تجتذبه، و علامته أن یکون البول محتبسا و لیس فی الظهر وجع ثقیل، و لا فی الخاصرة و الحالب، و لا فی المثانة متکورة، و لا فی عنق المثانة ضرب من ضروب السدة علی ما تستبین. و أن یکون مع ذلک البطن لینا، و قد حدث فی البدن ترهل و استسقاء و کثرة عرق.
.. و أما الذی یکون من الکی، فیکون محتبسا بتة و فیها المرض:
و ذلک إما لورم، أو حجر، أو علق دم، أو مدة. و یعمه کله أن یکون الوجع فی القطن: «أی فی أسفل الظهر» مع فراغ المثانة.
إلا أنه إن کان حصاة ظهرت دلائل الحصاة قبل ذلک.
و إن کان ورما حارا کان الوجع أشد.
و إن کانت أوجاع الکلی، فإنما هی ثقل فقط.
و إن کان ورما صلبا، لم یحتبس البول ضربه، لکن قلیلا قلیلا، و کان یشعر بثقل فقط.
و إن کان علق دم و مدة فیتقدمه قرحة.
و إن کان احتباسه من أجل مجاری البول من الکی، فتکون المثانة فارغة و الوجع فی الحالب حیث هذا المجری، مع نخس و وخز، فإن وجع المجری ناخس لا ثقیل. و عند ذلک استعمل سائر الدلائل فی الکلی:
.. و إن کان من قبل المثانة، فإما أن یکون لضعفها عن دفع البول، فعند ذلک فاغمز علیه، فإنه یدر البول، و المثانة متکورة، فإن لم یدر فالآفة فی رقبة المثانة. و حینئذ استعمل الدلائل المذکورة.
.. و إن کان لورم حار فی هذه المواضع، تبع ورم المثانة حمی موصوفة و ورم الکلی حمی موصوفة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 103
.. و قد ینضم مجری رقبة المثانة من انضمام یقع له و یکون من البرد و الیبس، و من ثؤلول یخرج فیه، و یکون قلیلا قلیلا. و قد تفسد هذه المجاری بخلط غلیظ.[135]
.. و عن الورم فی الکبد یقول: «تفقد فی علل الکبد حال البول فمتی رأیته قد احتبس أصلا فاعلم أن الورم بالکبد عظیم جدّا»[136].
و النوع الثانی: أن یتناول أمراضا متقاربة التشابه و یقارن بین علامات کل منها مقارنة دقیقة تفید الطبیب الممارس عند التشخیص الدقیق مثل معرفة العلامات التی تفرق و تمیز بین القولنج و حصاة الکلی و إیلاوس فیقول الرازی «یفصل القولنج من وجع الکلی بأنه مع القولنج مغصا، و انتفاخ المراق: (مراق البطن أی: مارق منه و لان فی أسفله و نحوها) و فساد الهضم، و التخم قبل ذلک، و استعمال الطعام الغلیظ البارد المنفخ. و أن یکون صاحبه ملیئا من ذلک.
.. و الوجع فی قدام، و ینتقل و یتحرک. وجع القولنج یأخذ مکانا أکبر، و وجع الکلی یحتبس معه البول.
أما المرض الذی یسمی فی الطب القدیم «إیلاوس» فیکون:
.. إما من ورم حار فی الأمعاء الدقاق، و یکون مع هذا حمی، و عطش و التهاب، و حمرة اللون.
.. و إما سدة تحدث من ثقل صلب، و یعرض معه تمدد مؤلم و انتفاخ و غثیان و إما من ضعف القوة الدافعة. و یتقدمه عدم الغذاء أو شرب الماء ... و یعم هذین الوجعین احتباس البطن فی الابتداء و الوجع الشدید ..
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 104
.. و الذی لا نشک فیه قط أن الرازی کان صاحب مقدرة عظیمة کطبیب ممارس و اکلینیکس قدیر .. نتیجة لتجاربه فی الممارسة و المقارنة الدقیقة ثم الاستنتاج الصحیح لحقیقة المرض و کیفیة العلاج.

أهم مجهودات الرازی الطبیة و العلمیة

اهتمام الرازی الکبیر بالملاحظات السریریة:

.. اهتم الرازی اهتماما بالغا بتدوین الملاحظات السریریة الخاصة بمرضاه فاهتم بمعرفة سیر المرض و دراسة أحوال مریضه فی نومه و حیاته و صحیانه و مزاجه و عمره و صناعته و الأمراض الوراثیة فی عائلته و أحوال أسرته الاجتماعیة و الاقتصادیة و عادات المریض فی التغذیة و أنواع الأطعمة التی یتناولها باستمرار و کان یقول: «استخرج سبب الوجع من التدبیر و السن و الزمان و المزاج»[137].
.. و یقول الرازی: «من أبلغ الأشیاء فیما یحتاج إلیه فی علاج الأمراض بعد المعرفة الکاملة للصناعة، حسن مساءلة العلیل و أبلغ من ذلک لزوم الطبیب العلیل و ملاحظة أحواله»[138].
.. و إلی جانب اهتمامه برعایة المریض و محاولة علاجه و برئه و وصف العلاج له کان یهتم برفع قوة العلیل من أجل رفع مقاومة الجسم للمرض و لهذا کان یقول: «القوة للعلیل کالزاد للمسافر و المرض کالطریق و لذلک ینبغی أن یعنی الطبیب کل العنایة أ لا تسقط القوة قبل المنتهی»[139].
.. کما کان یهتم بتاریخ المرض و معرفة تاریخ بدایة المرض و زیادته
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 105
و منتهاه و تاریخ تحسن حالة المریض أو انحطاطه و تدهوره متتبعا بدقة حالات سیر المرض و أوقات حدوث النکسات لمرضاه.
.. کما یستدل من البحران عن حال مریضه یقول 140]: الذی یریده الأطباء بالبحران هو تغییر سریع یحدث للمریض «ینبأ» عن حاله إما إلی ما هو أجود أو إلی ما هو أردأ.

الاهتمام بالجانب النفسی عند الرازی:

.. کان الرازی من الأطباء الذین یهتمون بالحالة النفسیة للمریض بل أنه کان یری أن بعض أمراض الجهاز الهضمی تکون نتیجة لأسباب نفسیة بالدرجة الأولی فیقول: «قد یکون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الکبد و الطحال منها حال الهواء و الاستحمام و نقصان الشرب و کثرة إخراج الدم و الجماع و الهموم النفسانیة»[141].
.. و یذهب الرازی إلی أن النفس هی التی لها الشأن الأساسی فیما بینها و بین البدن من صلات 142] فواضح أن ما یجری فی النفس من خواطر و هواجس، و ما تلاقیه من آلام و مآس إنما یطفو کل هذا، علی السطح من خلال الملامح الظاهرة، و من أجل هذا، رأیناه ینادی بأنه من الضروری علی طبیب الجسم أن یهتم بالجانب النفسی للمریض و لهذا قام بتألیف کتابه «الطب الروحانی» الذی یهدف من ورائه إلی إصلاح النفس.

اهتمامه بالجراحة:

.. و من أبرز مجهودات الرازی الطبیة اهتمامه بالجراحة و لعله من أوائل الأطباء فی الإسلام ممن أجروا العملیات الجراحیة و نجد فی کتابه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 106
الحاوی فی السفر الحادی عشر یختص هذا السفر بالجراحة[143] فیتحدث فی علاج المرضی و الفسخ الذی ینشق منه داخلا «فسخ المفصل: أی أزاله عن موضعه من غیر کسر»، و علاج القروح، و فی أعضاء التناسل و المقعدة، و جراحات العصب و العضل و الوتر و الأربطة، و فی علاج رض العصب و فی خیاطة جراحة البطن و المراق و الأمعاء و القرحة، و فی الثرب و القرحة التی إلی جانب الشریان، و فی إدمال العروق، و فی تولد العروق، و فی عسر التئام الجراحات و سهولتها بحسب الأعضاء و فی جراحات الدماغ و الخراجات الحادثة فی داخل الأذن، و فی قواعد علاج القروح الباطنة، و نزف الدم من باطن البوق، و فی نزف الدم الکائن عن فسخ العروق أو فتحها.
.. و للرازی وصف جید لعملیة إزالة جزء من العظام المریضة أو استئصالها کلها و استخدامه الماء البارد فی علاج الحروق. «و هی طریقة حدیثة جدّا لم یمض علیها غیر سنوات قلائل، و تستعمل فی الوقت الحاضر کإجراء إسعاف أولی لحروق الأطراف حیث یوضع الذراع أو الساق فی ماء بارد. لمدة دقیقتین و قد ثبت أن هذا یؤدی إلی تقلیل الألم و تقلیل فقدان البلازما و تقلیل نسبة الوفیات».
.. کما أن له وصفا ممتازا لعملیة خیاطة البطن «فی الجراحة الواقعة بالبطن و المراق و الأمعاء»، «إن انخرق مراق البطن حتی خرج بعض الأعضاء فینبغی أن تعلم کیف تضم المعی و تدخل، و إن خرج شی‌ء من الثرب 144]omentum فیحتاج أن تعلم هل ینبغی أن تقطع أو لا تقطع و هل ینبغی أن تربط برباط وثیق، و هل تخاط الجراحة أو لا، و کیف السبیل إلی الخیاطة ... فإن کانت الجراحة قد بلغت إلی ما یقرب من الأمعاء حتی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 107
یصل الخرق إلی تجویفه فالأمعاء الدقاق أعسر برءا و الغلاظ أسهل، و المعی الصایم لا یبرأ ألبته من جراحة تقع فیه لدقة جرحه و کثرة ما فیه من العروق و قربه من طبیعة العصب و کثرة انصباب الحرارة فیه و شدة حرارته لأنه قرب الأمعاء و الکبد، و أما الثرب فإن لم یخضر و یسود، فلیرد إلی مکانه، أما إن اخضر فلیستوثق بما دون الخضرة برباط لیؤمن من نزف الدم، فإن فیه عروقا ضوارب و غیر ضوارب، ثم اقطع ما دون الرباط وارم به، فإن منفعة الثرب فی البدن لیست منفعة جلیلة لازمة فی بقاء الحیاة».
.. و للرازی کتاب آخر اسمه المنصوری، و قد سماه علی اسم أمیر خراسان منصور بن إسحق الذی رعی الرازی فی أول عهده فی فارس، و فیه أفرد المقالة السابعة للجراحة «جمل و جوامع من صناعة الجبر و الجراحات و القروح و علاجاتها»، و هی من تسعة عشر فصلا.
و کان الرازی طبیبا اکلینیکیا کبیرا یهتم اهتماما بالغا بالتشخیص و المشاهدة الدقیقة لحالات مرضاه یقول الرازی: «کان یأتی عبد اللّه بن سواده حمیات مخلطة تنوب مرة فی ستة أیام و مرة غبا و مرة ربعا و مرة کل یوم، و یتقدمها نافض یسیر و کان یبول مرات عدیدة و حکمت أنه لا یخلو أن تکون هذه الحمیات ترید أن تنقلب ربعا و أما أن یکون به خراج فی کلاه فلم یلبث إلا مدّة حتی بال مدة أعلمته أنه لا تعاوده هذه الحمیات و کان کذلک و إنما صرفنی فی أول الأمر عن أن أبت القول بأن به خرّاج فی کلاه أنه کان یحم قبل ذلک «حمی غب» و حمیات أخر فکان للظن بأن تلک الحمی المخلطة من احتراقات ترید أن تصیر ربعا موضع أقوی و لم یشک إلی أن قطنه شبه ثقل معلق منه إذا قام و أغفلت أنا أیضا أن أسأله عنه و قد کان کثرة البول یقوی ظنی «بالخراج فی الکلی» إلا أنی کنت لا أعلم أن أباه أیضا ضعیف المثانة و یعتریه هذا الداء و هو أیضا قد کان یعتریه فی صحته فینبغی أن لا نغفل بعد ذلک غایة التقصی إن شاء
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 108
اللّه، و لما بال المدّة أکببت علیه بما یدر البول حتی صفی البول من المدة تم سقیته بعد ذلک «الطین المختوم» و «الکندر» و «دم الأخوین» و تخلص من علته و برأ برءا تاما سریعا فی نحو من شهرین و کان الخراج صغیرا و دلنی علی ذلک أنه لم یشک ابتداء ثقلا فی قطنه لکن بعد أن بال مدة قلت له هل کنت تجد ذلک قلت قال نعم فلو کان کبیرا لقد کان یشکو ذلک و أن المدة تبینت سریعا یدل علی صغر الخراج فأما غیری من الأطباء فإنهم کانوا بعد أن بال مدة أیضا لا یعلمون حالته البتة.
و یعلق العالم الکبیر الدکتور محمد کامل حسین علی هذه الفقرة قائلا:
«لو لم یکن للرازی غیر هذه الفقرة لعددته من أکبر الأطباء الإکلینیکیین و فیها الدلالة علی ما فی الأطباء من قوة و ضعف، فهو یلوم نفسه علی عدم معرفة المرض لأول وهلة، و کان یستطیع لو تقصی الحالة أن یصل إلی البت فیها، ثم هو یلتمس لنفسه العذر لأن المریض لم یذکر له العلامة الهامة، ثم یلوم نفسه علی أنه لم یسأل عن حالته قبل ذلک و حاله، أبیه، ثم یخرج من ذلک إلی خطوة أدق فی التشخیص مبینا سبب رأیه هذا، ثم یختتم کل ذلک اللوم و العذر و البحث بأضعف صفة فی کبار الأطباء دائما و هی شعورهم أن غیرهم لم یکن لیبلغ مبلغا یستطیع فیه حتی أن یخطئ خطأهم»[145].
و الحقیقة أن الرازی کان- بلا شک- طبیبا دقیقا فی کشفه و تقدیره لنوع المرض و تشخیصه تشخیصا جیدا.
.. و من أبرز مجهودات الرازی الطبیة أنه أول من وصف الرشح التحسسی فی التاریخ و قد عرف ذلک بالصدفة «عند ما عثرت المستشرقة الألمانیة فرید رون‌هاو بالصدفة ضمن مجموعة من المخطوطات علی رسالة الرازی «مقالة فی العلة التی من أجلها یعرض الزکام لأبی زید البلخی فی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 109
فصل الربیع عند شمّه الورود» فانتبه العلماء إلی أن الرازی کان أول من وصف الرشح التحسسی فی التاریخ»[146].
.. هذا و الرازی من أوائل العلماء الذین قالوا[147] «بالعدوی الوراثیة».
.. و کان الطبری أول من کشف الحشرة التی تسبب داء الجرب، و قد وصفها فی کتابه «المعالجة الأبقراطیة» و عن الکشوف و الجهود العلمیة للرازی یقول الدکتور توفیق الطویل 148]: «من کشوفاته العلمیة أنه کان السابق إلی استخدام أمعاء الحیوان فی التقطیب و الإکثار من استعمال الفتائل- و خیوط الجراحة و وصف جراحة استخراج الماء الأبیض «الکتارکتا»، و استخدام المحاجم فی علاج داء السکتة، و وصف الطاعون و ما نسمیه الیوم بحمی الدریس‌Hay Ferer . و کان أول من میز فی دقة بالغة بین الجدری و الحصبة و کانت رسالته فی ذلک أول دراسة علمیة فی الأمراض المعدیة، و کان أول من أدخل فی الصیدلة الملینات. و طبق فی الطب المرکبات الکیماویة، و استخدم الزئبق فی علاج الأمراض الجلدیة و سبق إلی الاهتمام بالأحوال النفسیة فی تشخیص الأمراض الباطنیة و علاجها. و کان من رواد الکتابة فی أمراض الأطفال و کان أول من فطن إلی الإصابة بدودةGuinea Warm و استخدام الحزام، و عدّ الحمی عرضا لا مرضا، و أدخل فی المداواة أسالیب جدیدة- کاستخدام الماء البارد فی الحمیات، و کان أول من کشف «البول السکری» إذ کان یطلب إلی المریض الذی یشتبه فیه أن یبول علی رمل و ینتظر قلیلا، فإذا اجتمع النمل فوق الرمل دل هذا علی أن البول سکری.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 110
و قیل إنه أعاد الحیاة إلی شخص فقد حسه فی الشارع. و ذلک بأن جلد جسمه و لا سیما قدمیه و مع ذلک قال فی رده علی الخلیفة الذی امتدح براعته أنه تعلم هذه الطریقة من أعراب البادیة. و إن فضله لا یعدو تشخیص المرض الذی یرجح أنه کان ضربة شمس.

اهتمام الرازی بالتجربة:

.. کان الرازی یؤکد علی أهمیة الممارسة و الخبرة و التجربة فی علاج المرضی، و الطبیب الممارس أفضل عنده ممن عرف الطب عن طریق الکتب فقط یقول الرازی: «إن من قرأ الکتب ثم زاول المرض یستفید من التجربة کثیرا»[149].
.. و یفضل الرازی الطبیب الذی یعمل فی العواصم و المدن الکبیرة الآهلة بالسکان حیث یکثر المرض و تزداد الخبرة و التجربة عن الطبیب الذی یعمل فی المناطق غیر الآهلة بالسکان فیقول: «ینبغی أن ینظر هل شاهد المرضی و هل کان ذلک منه فی المواضع المشهورة بکثرة الأطباء و المرضی أم لا»[150].
.. و حین یتعارض النظر مع التجربة و العمل فإنه یفضل دائما اختیار الطبیب المجرب «.... فإن لم یتهیأ له إلا أحد الرجلین فلیختر المجرب (أی الممارس) فإنه أکثر نفعا فی صناعة الطب من العاری عن الخدمة و التجربة البحتة»[151].
.. بل إن الرازی یعتبر أن التجربة علم له أصول و قواعد یجب علی الممارس إحکام أصولها.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 111
.. و لقد قام الرازی بنفسه بإجراء بعض التجارب علی الحیوانات کالقردة یقول فی خواص الزئبق: «أما الزئبق العبیط فلا أحسب أن له کثیر مضرة إذا شرب، أکثر من وجع شدید فی البطن و الأمعاء، و قد سقیت أنا منه قردا کان عندی فلم أره عرض له إلا ما ذکرت و خمنت ذلک من تلوّیه و وضع قدمه و یدیه علی بطنه، أما إذا صب فی الأذن منه فکان له نکایة شدیدة»[152].
.. و کان یجرب أحیانا بعض المواد و الأحماض و العقاقیر علی نفسه فیقول: «جربت فی نفسی و رأیت أن أجود ما یکون أن ساعة ما یحس الإنسان بنزول اللهاة و الخوانیق «یقصد الزور و اللوزتین». أن یتغرغر بخلّ حامض قابض مرات کثیرة»[153].
.. و لم تکن التجربة عند الرازی مجرد تجربة اتفاقیة بل کانت فی معظم الأحیان تجربة لها ضوابط و تجربة موجهة.
.. مثال ذلک أنه کی یتأکد من أثر الفصد لعلاج السرسام 154]. قسم مرضاه إلی مجموعتین یداوی إحدی المجموعتین بالفصد و المجموعة الأخری لا یفصدها. ثم یراقب النتیجة و یضبطها یقول عن حالة تؤشر بقرب الإصابة بمرض السرسام «فمتی رأیت هذه العلامات فافصد فی العضد فإنی قد خلصت جماعة به و ترکت متعمدا جماعة استدنی بذلک رأیا فسرسموا کلهم.
.. و داخل المعمل کان للرازی تجارب معملیة و کیمیائیة هامة[155].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 112
«و استحضر الرازی بعض الحوامض، مثل حامض الکبرتیک و قد سماه «زیت الزاج أو الزاج الأخضر» و نقله عن کتبه البیر الکبیر و سماه کبریت الفلاسفة.
.. و استخرج الرازی الکحول باستقطار مواد نشویة و سکریة مختمرة ..
و کان یستعمله فی الصیدلیات لاستخراج الأدویة و العلاجات حینما کان یدرس و یطبب فی مدارس بغداد و الری، .... و اشتغل الرازی فی حساب الکثافات النوعیة للسوائل «و استعمل لذلک میزانا خاصا سماه المیزان الطبیعی.

أهم الآثار الطبیة للرازی:

.. أضاف أبو بکر الرازی إلی المکتبة العربیة قرابة مائة و ثمانین مصنفا فی شتی العلوم و قد اهتم أبو الریحان البیرونی بحصر مؤلفات الرازی العلمیة و وضع رسالة صغیرة ذکر فیها إحصاء عاما بهذه المؤلفات 156].
.. و بالنسبة لمؤلفاته فی الطب و هی التی تهمنا فی هذا المقام فإن أهم هذه المؤلفات جمیعا کتابه «الحاوی»[157] الذی یتکون من قسمین کبیرین.
القسم الأول منه فی الأقراباذین، و القسم الثانی یبحث فی ملاحظات سریریة تهتم ببحث تطور المرض و سیره مع العلاج و سیره مع تتبع حالة المریض و نتیجة العلاج.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 113
.. و قد ذکر ماکس مایر هوف للرازی 33 ملاحظة سریریة مختلفة.
.. و فی هذا الکتاب نلاحظ وصف کل مرض علی حدة کما ذکر فی کتب الطب القدیمة عند الإغریق و السوریان و العجم و الهنود. و بعد ذلک یدون معلوماته و یدلی بمشاهداته و خبراته ثم یکوّن الرأی النهائی للمرض الذی بحثه.
.. و یکاد یکون هناک شبه إجماع بین العلماء علی أن کتاب الحاوی تم إنجازه علی ید تلامیذه بعد وفاته، لأنه توفی قبل استکمال کتابه هذا الموسوعی الضخم و قیل فی هذا أن ابن العمید طلب إلی شقیقة الرازی بعد وفاته إعطاءه مخطوطة الحاوی و أعطاها مالا کثیرا حتی استجابت، و بعد ذلک اجتمع تلامیذ الرازی و أکملوا الکتاب علی النحو المعروف به.
.. و لأن الکتاب «الحاوی»[158] قد حوی آراء الأطباء القدماء فإنه قد تضمن فیما تضمن الکثیر من خرافات الطب القدیم إلا أن أهم ما فی الکتاب تلک الملاحظات السریریة التی شملت ملاحظاته و خبراته الطبیة المتمیزة.
.. و لأن الرازی توفی قبل استکمال موسوعته و تنظیمها و تبویبها و ترتیبها فقد نشرت علی ید تلامیذه فی صورة غیر مرتبة ترتیبا دقیقا و إن کانت تستعرض کافة أمراض جسم الإنسان من الهامة إلی أخمص القدم مبینا فیها أسباب المرض و علاماته و طرق التشخیص و المعالجة مستعرضا آراء الأقدمین مبینا رأیه فی طرق العلاج القدیمة إما موافقا أو ناقدا و مقدما طرقا جدیدة للعلاج.
.. و طبعة الکتاب فی عشرة أجزاء فقط. الجزء الأول منه یهتم بأمراض الدماغ و قسمه إلی عشرة أبواب، الباب الأول منه یبحث فی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 114
السکتة، و الفالج، و الخدر، و الرعشة و ضعف الحس و بطلانه و الاختلاجات و علاج الرأس و المانخولیا.
.. و فی الباب الثانی تحدث عن الرعشة المبتدیة و الکائنة بعقب الأمراض و أوجاع العصب و استراخائه.
.. و الباب الثالث یتحدث من خلاله عن المانجولیا و الأغذیة الدوائیة و المضادة لها.
.. و فی الباب الرابع یتحدث عن اللقوة و انخلاع الفک و اشتباکه و اللّقوة: مرض یعرض للوجه یعوجّ منه الشّدق.
.. و فی السابع تحدث عن الصرع و الکابوس و التفزع من النوم.
.. و فی الثامن تحدث عن التشنج و الکزاز، و تعقد العصب و المفاصل و الکزاز: مرض قتّال یصیب المجروح إذا تلوثت جراحه بتراب الأرض المحتوی علی التتیانوس و بقیة أبواب القسم الأول تحدث من خلاله عن علاج الکثیر من أمراض الرأس.
.. و فی الجزء الثانی من الکتاب تناول أمراض العیون و أسبابها و تشخیصها و علاجها.
.. و نلاحظ أنه فی سائر الأجزاء العشرة لکتابه الحاوی یتناول عضوا أو أکثر من أعضاء الجسم و یتحدث عن طبه کطب الرأس و طب العین و طب الأذن و الأنف و الأسنان و هکذا.
.. و یعتمد علی الملاحظات السریریة و وصف الحالات المرضیة و علاجها من خلال علمه و ملاحظاته و تجاربه.
.. و الرازی یعد من أوائل من وصفوا بدقة تامة مرض الجدری و الحصبة و هو صاحب رسالة من أشهر الرسالات فی الجدری و الحصبة حیث فرق بین الجدری و الحصبة، و کشف عن أعراض کل مرض علی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 115
حدة. و تبین له من خلال الملاحظات الدقیقة أن ارتفاع الحرارة یساعد علی انتشار الطفح و هی ملاحظة قیمة[159].
.. و قد طبعت هذه الرسالة إلی الإنجلیزیة وحدها أربعین مرة بین سنتی 1498 و سنة 1866.
.. و کتاب الجدری و الحصبة للرازی یعد بحق من أفضل الکتب فی علم الأوبئة حیث لم یکتف فیه الرازی بوصف الطفح و علاقته بارتفاع الحرارة و انتشاره بل أشار أیضا إلی أهمیة فحص القلب و النبض و التنفس و البراز، و هی إشارات هامة لها أهمیة فی علم الأوبئة.
.. کما ذکر طرقا لوقایة العین و الوجه و الفم مع تجنب حدوث الندب العمیقة فی الوجه.
.. و من الکتب الطبیة للرازی کتابه «المنصوری»[160] و یقع المنصوری فی عشرة أجزاء تتناول الموضوعات الطبیة المتعددة کالجراحة و أمراض العیون و أمراض البطن.
.. و من آثاره الطبیة أیضا کتابه «فیمن لا یحضره طبیب» و قد أطلق بعض الباحثین علی مثل هذه المؤلفات لقب طب الفقراء و المساکین.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 116
.. و کتابه هذا یصف بطریقة بسیطة بعض الأمراض و طرق علاجها بالأغذیة الرخیصة بدلا من شراء الأدویة المرتفعة الثمن و التراکیب النادرة.
.. و له فی منافع الأغذیة کتاب «منافع الأغذیة» و یتکون هذا الکتاب من تسعة عشر بابا تتحدث عن منافع بعض الأغذیة کالحنطة و الخبز و الماء البارد و الماء الساخن و الثلج و الشراب المسکر و الأشربة غیر المسکرة و اللحوم الطازجة و اللحوم المجففة و الأسماک و أنواع البطیخ و الجبن و اللبن و البیض و البقول و التوابل و الفواکه الرطبة و الیابسة و الحلوی.
.. و یتحدث الکتاب أیضا عن أعضاء الحیوان و طبائعه و إلی جانب ذکره لمنافع کل غذاء من الأغذیة التی تحدث عنها فإنه یبین من جهة أخری مضار بعض هذه الأغذیة و الأحوال و الأوقات التی یجب فیها تناولها أو متی یتجنبها المریض للمساعدة علی برئه و شفائه.
.. و له فی علم الکیمیاء کتاب «سر الأسرار»[161].
.. و یشرح لنا من خلاله الأجهزة المعملیة التی کان یستخدمها مثل آلات الذوب و آلات تدبیر العقاقیر و المنفاخ و البوتقة و المرجل و المنخل و الهاون و القواریر و الخرطوم و الأقداح و المبرد و الغربال و المغرفة و المکثف.
.. و من الأطباء المعاصرین للرازی علی بن العباس المجوسی «ت 994 م». الذی عاش فی أواخر القرن العاشر من المیلاد.
.. و هو صاحب کتاب الملکی 162] الذی ألفه لعضد الدولة البویهی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 117
و لذا سماه الکناش الملکی. و الذی استند فیه إلی ملاحظاته السریریة فی المستشفیات لا إلی الکتب فاشتمل الکتاب علی الطب النظری و العملی، و نقد من خلاله الطب الإغریقی و بین بعض الأخطاء فی طب أبقراط و جالینوس و أریباسیوس و بولس الأجینی.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 118
.. و یری علی بن العباس أن یحیی بن سرابیون 163]. یجهل الجراحة، و إنه أغفل ذکر کثیر من الأمراض الهامة.
.. و من خلال کتاب الملکی نجد إشارات حقیقیة إلی وجود أوعیة شعریة بالجسم 164]. کما یشتمل الکتاب علی ملاحظات إکلینیکیة متواضعة.
و قد تمیز کتاب الملکی للمجوسی بحسن تقسیمه و تبویبه تبویبا یفید الدارسین.
.. و فی الکتاب الملکی لعلی بن العباس یقول کما تذکر هونکة[165]:
«إنی لم أجد بین مخطوطات قدامی الأطباء و محدثیهم کتابا واحدا کاملا یحوی کل ما هو ضروری لتعلم فن الطب. فأبو قراط یکتب باختصار، و أکثر تعابیره غامضة بحاجة إلی تعلیق ... کما وضع جالینوس عدة کتب لا یحوی کل منها إلا قسما من فن الشفاء و لکن مؤلفاته طویلة النفس و کثیرة التردید و لم أجد کتابا واحدا له، یصلح کل الصلاح للدراسة ....
و أما أنا فإنی سأعالج فی کتابی کل ما یلزم للحفظ علی الصحة و شفاء الأمراض، و المستلزمات التی یجب علی کل طبیب قدیر مستقیم أن یعرفها.
.. و قد قال أبوقراط و من جاء بعده 166].: بأن الطفل فی جوف الأم یتحرک بنفسه تلقائیا و یخرج بواسطة هذه الحرکة من الرحم. فجاء علی بن العباس لیکون أول من قال بحرکة الرحم المولدة التی تدفع بالثمرة إلی الخروج بواسطة انقباض عضلاته 167].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 119
.. و کتب عن الخراج فی رحم الأم و فی حلقه و عن سرطان الجوف الداخلی.
.. و قد أشار علی بن العباس فی کتابه الملکی إلی أهمیة العمل فی المستشفیات لمن أراد أن یکون طبیبا ناجحا.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 120

ابن سینا

اشارة

ولد أبو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا حوالی عام 370 ه- 980 م و کان والده صیرفیا من «بلخ» و انتقل منها إلی «بخاری».
و یقال إنه لما بلغ من العمر عشر سنین أتقن حفظ القرآن الکریم و ألّم ببعض العلوم الشرعیة و الریاضیات.
ثم تتلمذ علی ید الحکیم أبی عبد اللّه الناتلی، فقرأ علیه کتاب «إیساغوجی» و أقلیدس.
ثم بدأ الاهتمام بدراسة الطب، و یقال إن أبا منصور الحسن بن نوح القمری 168] کان من أساتذة ابن سینا فی الطب.
کذلک یقال إن من أساتذته فی الطب «أبی سهل عیسی بن یحیی المسیحی الجرجانی «ت حوالی 1000 م» و هو صاحب دائرة المعارف المعروفة باسم الکتب المئة فی الصناعة الطبیة.
و نظرا لشهرة ابن سینا الطبیة إلی جانب شهرته الفلسفیة فقد استوفده الأمیر نوح بن نصر السامانی صاحب خراسان، فعالجه حتی برئ، و اختلف إلی دار کتب الأمیر یعبّ منها علما غزیرا و یقرأ فیها بنهم و حب شدیدین للعلم و القراءة. و عرف بأنه قارئ لا یمل القراءة و مثقف بکل علوم عصره «عدیم القرین، فقید المثل» کما یقول ابن خلکان.
و انصرف بعد العشرین من عمره إلی التألیف و الکتابة و الاشتغال بالفلسفة و الطب.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 121
و کان فی الثانیة و العشرین من عمره أشهر أطباء عصره، و أسند إلیه منصب رئیس وزرا شمس الدولة أمیر ولایة همزان، ثم خدم الأمیر علاء الدین فی أصفهان.
و کان یکتب معظم مؤلفاته بالعربیة کما کتب بعض کتبه بالفارسیة، لغته الأصلیة، کما فعل ذلک فی مختصر جامع فی الفلسفة العلمیة عنوانه:
«دانشی نامه علائی» و لم یتم هذا الکتاب ابن سینا، فأکمله الجرجانی فیما بعد.
و لابن سینا بالفارسیة أیضا کتاب «النبض»[169].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 122
و ابن سینا یعد من أبرز فلاسفة الإسلام 170] و لقب بالمعلم الثالث «بعد أرسطو و الفارابی»، و قد أقام مذهبا فی الوحدانیة فی محاولة ترکیبیة للتألیف بین مبادئ الاسلام و تعالیم أفلاطون و أرسطو أو بین الفلسفة و الدین، بما
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 123
حاوله من تأویل عقلی لآیات القرآن الکریم و بما أورده من أدلة عقلیة لإثبات النبوة و ضرورتها الاجتماعیة لتدبیر أمور الناس فی معاشهم، و تبصیرهم بحقائق حیاتهم فی معادهم.
و من أهم کتب ابن سینا الفلسفیة- کتاب «الشفاء» و «النجاة»[171].

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 125
و کما أشرنا من قبل فإن کتاب الشفاء یعد موسوعة علمیة ضخمة نجد فیها معلومات دقیقة عن الطبیعیات و النباتات و الحیوانات و المعادن ففی الجزء الخاص بالطبیعیات تحدث ابن سینا عن الجبال و الزلازل، کما تحدث عن سرعة الصوت و سرعة الضوء و إن قال أنها آنیة و عن السحب و الظل و الثلج و البرد و الضباب، و الهالة و قوس قزح، و الشمسیات و النیازک و الریاح و البرق و الرعد، و یقول إن البرق یری و الرعد یسمع و لا یری فإذا کان حدوثهما معا رؤی البرق فی آن و تأخر سماع الرعد لأن مدی البصر أبعد من مدی السمع. کما تناول دراسة النباتات و ذکر کثیرا من الآراء و النظریات حول تولد النبات، و ذکره و أنثاه، و أصل مزاجه، و قال إن النبات یشارک الحیوان فی الأفعال و الانفعالات المتعلقة بالغذاء، و تحدث عن الذکورة و الأنوثة فی النبات، کما تکلم عن الثمار فی النباتات المختلفة و الشوک و عن النباتات الساحلیة و السبخیة و الرملیة و المائیة و الجبلیة و عن التطعیم و النباتات المستدیمة الخضرة و تلک التی تسقط أوراقها فی مواسم معینة.
کما عرض ابن سینا فی الجزء الخاص بالحیوان لدراسات و ملاحظات و مشاهدات مختلفة فی وصف أنواع الحیوان و الطیر و تکلم عن الحیوانات المائیة، و قال منها لجیة و شطیة و منها طینیة و صخریة. و الحیوانات المائیة منها ذات ملاصق کأصناف من الأصداف، و منها متبرئة أی متحررة الأجساد مثل السمک و الضفدع، و اللاصقة منها ما تزال تلصق و لا تبرح ملتصقة مثل أصناف من الصدف و الإسفنج. و أسهب فی الحدیث عن الحیوانات المائیة المختلفة من سمک و غیره. ثم انتقل إلی الحیوانات البریة و تکلم عن الأعضاء المتشابهة و غیر المتشابهة و العضلات و الرباطات و الشرایین و الأوردة، و الأغشیة و الألیاف العصبیة و الرئة و القلب و الحرکة الإرادیة و غیر الإرادیة.
و فی الجزء الخاص بالمعادن تحدث عن تحویل المعادن الخسیسة إلی نفیسة و قسم الأجسام المعدنیة إلی أحجار، و ذائبات و کباریت و أملاح، و یقول و أما ما یدعیه أصحاب الکیمیاء فیجب أن نعلم أنه لیس فی أیدیهم أن یقلبوا
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 126
الأنواع قلبا حقیقیا فإن جواهرها تکون محفوظة و إنما تغلب علیها کیفیات مستفادة بحیث یغلط فی أمرها.
و کما کان ابن سینا فیلسوفا مفکرا فقد کان طبیبا حاذقا.
و ترجع نظریة ابن سینا فی المرض فی أساسها لتعالیم الإغریق من أن العناصر أربعة[172]، نار و ماء و تراب و هواء، و طبائعها أربعة حارة جافة، و بارد رطب، و بارد جاف، و حار رطب «علی التوالی» و یقابل هذه العناصر و الصفات فی الإنسان أخلاط أربعة، و هی الدم و الإفراز الصفراوی، و البلغم و إفراز الطحال «السوداء» و الأخلاط هی أجسام سیالة یستحیل إلیها الغذاء، فالدم له خصائص الهواء حار رطب، و الصفراء لها خواص النار حارة جافة، و البلغم له صفات الماء بارد رطب، و الطحال له خاصیة التراب، بارد جاف، و تذهب النظریة إلی أن الإنسان لا یکون فی حالة الصحة إلا بتعادل هذه الأخلاط تعادلا تاما بحیث یکسر کل منها الآخر بغیر غلبة تامة و أن المرض فی نظره اضطراب فی نسبة تکوین هذه الأمزجة فی الجسم، و هذا أقرب ما یکون لنظریة اضطراب الغدد اللامفاویة التی یعترف بها الطب حالیا.

ابن سینا و تشخیصه الدقیق لبعض الأمراض:

یبدأ ابن سینا فی کتابه القانون الحدیث عن السبب و المرض و العرض فیقول:[173] إن السبب فی الطب ما یکون أولا فیجب عنه وجود حالة من حالات بدن الإنسان أو ثباتها و المرض هیئة غیر طبیعیة فی بدن الإنسان یجب عنها بالذات أفة فی الفعل، وجوبا أولیا و ذلک إما مزاج غیر طبیعی و إما ترکیب غیر طبیعی».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 127
و الغرض عند ابن سینا یتبع المرض، و هو الشی‌ء الذی یتبع هذه الهیئة و هو غیر طبیعی سواء کان مضادا للطبیعی مثل الوجع فی القولنج أو غیر مضاد مثل إفراد حمرة الخد فی مرض ذات الرئة[174].
و یضرب الشیخ الرئیس ابن سینا أمثلة لذلک فیقول 175]: «مثال السبب العفونة» مثال المرض: الحمی. مثال العرض: العطش و الصداع.
و أیضا مثال السبب امتلاء فی الأوعیة المنحدرة إلی العین، مثال المرض: السدة فی العنبیة و هو مرض آلی و ترکیبی. مثال العرض: فقدان الإبصار.
و أیضا مثال السبب نزلة حادة. مثال المرض قرحة فی الرئة و مثال العرض حمرة الوجنتین و انجذاب الأظافر.
و العرض عند ابن سینا یسمی عرضا[176]، باعتبار ذاته أو بقیاسه إلی المعروض له.
و یسمی دلیلا باعتبار مطالعة الطبیب إیاه و سلوکه منه إلی معرفة ماهیة المرض و قد یصیر المرض سببا لمرض آخر کالقولنج للفالج أو الصرع بل قد یصیر العرض سببا للمرض کالوجع الشدید یصیر سببا للورم لانصباب المواد إلی موضع الوجع و قد یصیر العرض بنفسه مرضا کالصداع العارض عن الحمی فإنه ربما استقر و استحکم حتی یصیر مرضا و قد یکون الشی‌ء بالقیاس إلی نفسه و إلی شی‌ء قبله و إلی شی‌ء بعده مرضا و عرضا و سببا مثل الحمی السّلّیّة فإنها تمرض لقرحة الرئة و مرض فی نفسها و سبب لضعف المعدة مثلا. و مثل الصداع الحاد عن الحمی إذا استحکم فإنه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 128
عرض للحمی و مرض فی نفسه و ربما جلب البرسام أو السرسام 177] فصار ذلک سببا للمرضین المذکورین.
و عند وجود تشابه فی الأعراض یفرق بینها تفریقا دقیقا معتمدا فی ذلک علی التشخیص المقارن للأمراض فیفرق بین الصرع و الدوار، فیقول 178]: «إن الدوار قد یثبت مدة و الصراع یکون بغتة و یسقط صاحبه ساکنا و یفیق. و أما السدر: فهو أن یکون الإنسان إذا قام أظلمت عیناه و تهیأ للسقوط و الشدید منه یشبه الصرع إلا أنه لا یکون مع تشنج کما یکون الصرع.
و کان ابن سینا یستدل علی تشخیص المرض من البول و البراز و النبض و یقول: ابن سینا[179]: إنه لا ینبغی أن یوثق بطرق الاستدلال من أحوال البول إلا بعد مراعاة شرائط یجب أن یکون البول أول بول أصبح علیه و لم یدافع به إلی زمان طویل و یثبت من اللیل و لم یکن صاحبه شرب ماء. أو أکل طعاما و لم یکن تناول صباغا من مأکول أو مشروب کالزعفران و الرمان و الخیار شنبر فإن ذلک یصبغ البول إلی الصفرة و الحمرة و کالبقول فإنها تصبغ إلی الحمرة و الزرقة و المسری فإنه یصبغ إلی السواد و الشراب المسکر یغیر البول إلی لونه و لا لاقت بشرته صباغا کالحناء فإن المخضب به ربما انصبغ بوله منه و لا یکون تناول ما بشرته خلطا کما بدرّ الصفراء أو البلغم، و لم یکن تعاطی من الحرکات و الأعمال، و من الأحوال الخارجة عن المجری الطبیعی ما یغیر الماء لونا مثل الصوم و السهر و التعب و الجوع و الغضب فإن هذا کله یصبغ الماء إلی الصفرة و الحمرة، و الجماع یدسم الماء تدسیما شدیدا. و مثل القی‌ء و الاستفراغ فإنهما أیضا یبدلان
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 129
الواجب من لون الماء و قوامه و کذلک إتیان ساعات علیه و لذلک قیل یجب أن لا ینظر فی البول بعد ست ساعات لأن دلائله تضعف و لونه یتغیر و ثقله یذوب و یتغیر أو یکشف أشد علی أنی أقول و لا بعد ساعة و ینبغی أن یؤخذ البول بتمامه فی قارورة واسعة لا یصب منه شی‌ء و یعتبر حاله لا کما یبال بل بعد أن یهدأ فی القارورة بحیث لا یصیبه شمس و لا ریح فیثوره أو یجمده حتی یتمیز الرسوب و یتم الاستدلال فلیس کما یبال یرسب و لا فی تام النضج جدّا و لا یبال فی قارورة لم تغسل بعد البول الأول و أبوال الصبیان قلیلة الدلائل و خصوصا أبوال الأطفال للبنیتها و لأن المادة الصابغة فیهم ساکنة مغمورة و فی طبائعهم من الضعف و من استعمال النوم الکثیر ما یمیت دلائل النضج و آلة أخذ البول هو الجسم الشفاف النقی الجوهر کالزجاج الصافی و البلور و اعلم أن البول کلما قربته منک ازداد غلظا و کلما بعدته ازداد صفاء و بهذا یفارق سائر الغش مما یعرض علی الأطباء للامتحان و إذا أخذ البول فی قارورة فیجب أن یصان عن تغییر البرد و الشمس و الریح إیاه و أن ینظر إلیه فی الضوء من غیر أن یقع علیه الشعاع بل یستتر عن الشعاع فحینئذ یحکم علیه من الأعراض التی تری فیه و لیعلم أن الدلالة الأولیة للبول هی علی حال الکبد و المسالک المائیة و علی أحوال العروق و بتوسطها یدل علی أمراض أخری و أصح دلائلها ما یدل به علی الکبد و خصوصا علی أحوال خدمته و الدلائل المأخوذة من البول منتزعة من أجناس سبعة جنس اللون و جنس القوام و جنس الصفاء و الکدرة و جنس الرسوب و جنس المقدار فی القلة و الکثرة و جنس الرائحة و جنس الزبد و من الناس من یدخل فی هذه الأجناس جنس اللمس و جنس الطعم و نحن أسقطناهما تفردا و تنفرا من ذلک و نعنی بقولنا جنس اللون ما یحسه البصر فیه من الألوان أعنی السواد و البیاض و ما بینهما و نعنی بجنس القوام حاله فی الغلظ و الرقة و نعنی بجنس الصفاء و الکدورة حاله فی سهولة نفوذ البصر فیه و عسره و الفرق بین هذا الجنس و جنس القوام أنه قد یکون غلیظ القوام صافیا معا مثل بیاض البیض و مثل غذاء
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 130
السمک المذاب و مثل الزیت و قد یکون رقیق القوام کدرا کالماء الکدر فإنه أرق کثیرا من بیاض البیض و سبب الکدورة مخالطة أجزاء غریبة اللون دکن أو ملون بلون آخر و تفارق الرسوب لأن الرسوب قد یمیزه الحس و لا یفارق اللون فإن اللون فاش فی جوهر الرطوبة و أشد مخالطة منه.
و یتحدث ابن سینا فی الاستدلال علی المرض بالبراز عن طریق دلالة قوامه و لونه أو غلظته و رقته فکل ذلک یدل علی أحوال المریض فیقول فی الفصل الثالث عشر من الجزء الثانی من کتابه القانون 180] «البراز قد یستدل من کمیته بأن ینظر أنه أقل من المطعوم أو أکثر أو مساو و من المعلوم أن زیادته بسبب أخلاط کثیرة و قلته لقلتها و الاحتباس کثیر منه فی الأعور و القولون أو اللفائف و ذلک من مقدمات القولنج و یدل علی ضعف القوة الدافعة و قد یستدل من قوامه فیدل الرطب منه إما علی سدد و إما علی سوء هضم و قد یدل علی ضعف من الجداول فلا تمتص الرطوبة و قد یکون لنزلات من الرأس أو لتناول شی‌ء مرطب للبراز و أما اللزوجة من الرطب فقد تدل علی الذوبان و ذلک یکون مع نتن و قد تدل علی کثرة أخلاط ردیئة لزجة و ذلک لا یکون مع فضل نتن و قد تدل علی أغذیة لزجة تنوولت غیر قلیلة مع حرارة قویة فی المزاج لم یجد بینهما الهضم و أما الزبدی منه فإنه یدل علی غلیان من شدة حرارة أو علی مخالطة من ریاح کثیرة و أما الیابس من البراز فیدل علی تعب و تحلل أو علی کثرة إدرار بول أو علی حرارة ناریة أو یبس أغذیة أو طول لبث فی المعی ما سنصفه فی بابه و إذا خالط الیابس الصلب رطوبة دل علی أن یبسه لطول احتباسه فی رطوبات مانعة له عن البروز و عدم مرار لاذع معجل و إذا لم یکن هناک طول احتباس و لا علامات رطوبة فی الأمعاء فالسبب فیه انصباب فضل صدیدی لاذع انصب من الکبد مما یلیه و لم یمهل بلذعه ریث أن یختلط و قد یستدل من لون البراز و لونه الطبیعی ناری خفیف الناریة فإن اشتد[181]

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة ؛ ص130
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 131
دل علی کثرة المرار و إن نقص دل علی الفجاجة و عدم النضج و إن ابیض فربما کان بیاضه بسبب سدة من مجری المرار فیدل ذلک علی یرقان و إن کان مع البیاض قیح له ریح المدة فإنه یدل علی انفجار دبیلة [و الدّبلة:
دمّل یظهر فی الجوف فیقتل صاحبه غالبا] و کثیرا ما یجلس الصحیح التارک للریاضة صدیدیا و مدیا فیکون ذلک استنقاء و استفراغا محمودا یزول به ترهله الحادث له لعدم الریاضة و کما قلنا فی البول اعلم أن اللون الناری المفرط جدا من البراز کثیرا ما یدل فی وقت منتهی الأمراض علی النضج و کثیرا ما یدل علی رداءة الحال و الأسود یدل علی مثل دلائل البول الأسود فإنه یدل علی احتراق شدیدا و علی نضج مرض سوداوی أو علی تناول صابغ أو علی شرب شراب مستفرغ للسوداء و الأول هو الردی‌ء و أما البراز الأخضر فأنه یدل علی انطفاء الغریزة و الکمد کذلک و قد یستدل من وقته فإن البراز إذا أسرع خروجه و تقدم العادة فهو دلیل ردی‌ء یدل علی کثرة مرارة و ضعف قوة ماسکة و إن أبطأ خروجه دل علی ضعف الهاضمة و برد الأمعاء و کثرة الرطوبة و الصوت یدل علی ریاح نافخة و الألوان المنکرة و المختلفة ردیئة و أفضل البراز المجتمع المتشابه الأجزاء الشدید اختلاط المائیة بالیبوسة الذی ثخنه کثخن العسل و هو سهل الخروج لا یلذع و لونه إلی الصفرة غیر شدید النتن و هو الذی خروجه فی الوقت المعتاد بمقدار تقارب المأکول فی الکمیة و اعلم أنه لیس کل استواء براز محمود و لا کل ملاسة فإنهما ربما کانا للنضج البالغ المتشابه فی کل جزء و ربما کانا لاحتراق و ذوبان و متشابه و هما حینئذ من شر العلامات و اعلم أن البراز المعتدل القوام هو الذی إلی الرقة إنما یکون محمودا إذا لم یکن مع قراقر و ریاح و لا کان منقطع الخروج قلیلا قلیلا و إلا فیجوز أن یکون اندفاعه لصدید یخالطه مزعج فلا بذره یجتمع هذا و قد یراعی علامات تظهر فی العروق و فی أشیاء أخر إلا أن الکلام فیها أخص بالکلام الجزئی و کذلک نجد فی الکلام الجزئی فضل شرح لأمر البراز و البول و غیر ذلک.
و من النبض یستدل أیضا علی تشخیص المرض فیتحدث فی تسعة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 132
عشر فصلا[182] عن النبض المستوی «و المختلف» و الطبیعی من أسباب النبض، و أسباب و أنواع النبض و نبض الذکور و الإناث، و نبض الأسنان، و نبض الأمزجة، و نبض الفصول، و نبض الأماکن و الأبدان، و النبض الذی توجبه بعض المتناولات و المنبهات، و موجبات النوم و الیقظة فی النبض، و أحکام نبض الریاضة و أحکام نبض المستحمین، و نبض الحبالی من النساء و نبض الأوجاع و الأورام، و نبض العوارض النفسیة. و الفصل التاسع عشر فی حدیثه عن النبض موضوعه: فی جملة تغییر الأمور المضادة لطبیعة هیئة النبض و هکذا من خلال الاستدلالات الثلاثة البول و البراز و النبض یمکن للطبیب فی رأی ابن سینا أن یستدل إلی حد مناسب و یتعرف علی المرض و تشخیصه. و ذلک یعتمد بالدرجة الأولی علی خبرة الطبیب و مهارته و ثقافته الطبیة و تجاربه المعملیة الدقیقة.

أهم مجهودات ابن سینا الطبیة:

لعل من أبرز مجهودات ابن سینا الطبیة أنه أول من لفت النظر إلی طفیلة الإنکلستوما فقد جاء فی مقال نفیس فی مجلة الرسالة للأستاذ الدکتور محمد عبد الخالق رحمه اللّه تعلیقا علی مقال للأستاذ/ قدری طوقان ما یلی 183]: «و أود أن ألفت النظر إلی أن ابن سینا أول من کشف الطفیلیة الموجودة فی الإنسان المسماة بالإنکلستوما. و قد کان هذا الاکتشاف فی کتابه القانون فی الطب فی الفصل الخاص بالدیدان المعویة».
یقول الأستاذ قدری طوقان 184]: «و هذه العدوی تصیب الآن نصف سکان المعمورة تقریبا. و قد بلغ ما کتب عن هذا المرض من المقالات و الکتب إلی سنة 1922 «50000» مرجع، عنیت بجمعها مؤسسة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 133
«روکفلر» بأمریکا. و قد سمی ابن سینا هذه الطفیلیة- الدودة المستدیرة-، و قد کان لی الشرف فی سنة 1921 أن قمت بفحص ما جاء فی کتاب القانون فی الطب، و أمکننی أن أقوم بتشخیصها بدقة و تبین من هذا أن الدودة المستدیرة التی ذکرها ابن سینا هی ما نسمیه الآن بالإنکلستوما و قد أعاد «دوینی» اکتشافها بإیطالیا سنة 1838 أی بعد کشف ابن سینا لها بتسعمائة سنة تقریبا .. و قد أخذ جمیع المؤلفین فی علم الطفیلیات بهذا الرأی فی المؤلفات الحدیثة، و کذلک مؤسسة «روکفلر» .. و لذلک کتبت هذا لیطلع علیه الناس و یضیفوا إلی اکتشافات ابن سینا العدیدة هذا الاکتشاف العظیم لمرض هو أکبر الأمراض انتشارا فی العالم الآن ...
و جاء فی کتاب القانون لابن سینا ما یدل علی أن العرب عرفوا السّل الرئوی و قد أشاروا إلیه بوضوح، و قالوا بانتقال الأمراض بالماء و التراب.
و فی کتاب القانون المذکور أول وصف لداء الفیلاریا «مرض الفیل» و انتشاره فی الجسم، و أول وصف للجمرة الخبیثة التی کانوا یطلقون علیها النار الفارسیة.
و من مجهودات ابن سینا الطبیة البارزة أنه 185]: تمکن من ملاحظاته السریریة من أن یصف فی دقة تقیح التجویف البلوری و أن یمیز بین الالتهاب الرئوی و الالتهاب السحائی الحاد، و یفرق بین المغص المعوی و المغص الکلوی، و بین شلل الوجه الناشی‌ء عن سبب مرکزی فی الدماغ، و ما ینشأ منه من سبب محلی.
و حدد مختلف أنواع الیرقات و أسبابها، و کان صاحب الفضل فی علاج القناة الدمعیة بإدخال مسبار معقم فیها ... و أوصی ابن سینا بتغلیف
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 134
الحبوب التی یتعاطها المریض، و کشف فی دقة بالغة عن أعراض حصاة المثانة السریریة بعد أن أشار إلی اختلافها عن أعراض الحصاة الکلویة.
و یقول الدکتور خیر اللّه فی کتابه الطب العربی: و یصعب علینا فی هذا العصر أن نضیف شیئا جدیدا إلی وصف ابن سینا لأعراض حصی المثانة السریریة[186].
و تقول هونکة[187]: کان ابن سینا أول من وضع تشخیصا دقیقا عن التهاب الأضلاع و التهاب الرئة و خراج الکبد.
و قدم ابن سینا أول وصف و تشخیص کامل للجمرة الخبیثة و ما ینتج عنها من حمی سماها بالحمی الفارسیة و لیس بالنار الفارسیة.
و أشار ابن سینا إلی 188] «عدوی السل الرئوی و إلی انتقال الأمراض بالماء، و التراب. و کذلک أحسن ابن سینا وصف الأمراض الجلدیة و الأمراض التناسلیة. و درس الاضطرابات العصبیة».
و من مجهوداته الطبیة أیضا وصفه الدقیق لحالات النواسیر البولیة و حمی النفاس و العقم، و تعلیله الصحیح للذکورة و الأنوثة فی الجنین و نسبتها إلی الرجل دون المرأة، و فی طب النساء نلاحظ وصفه العلمی لحالات الانسداد المهبلی، و الإسقاط و الأورام اللیفیة و غیرها، و کذلک إشاراته إلی أن الحواس الخارجیة کالبصر و السمع و الذوق لها مرکز فی الدماغ.
و من ناحیة الطب النفسی فقد کان ابن سینا یری أن للعوامل النفسیة التأثیر البالغ علی أعضاء الجسم و وظائفه.
بل إن ابن سینا یسلک العشق فی عداد الأمراض 189] بما له من
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 135
الأعراض الجسدیة ثم یصف الحیلة فی علاجه- و قد روی أنه جربها و أفاد بها فیقول:
و الحیلة فی ذلک أن یذکر أسماء کثیرة تعاد مرارا، و تکون الید علی نبضه فإذا اختلف بذلک اختلافا عظیما و صار شبه المتقطع ثم عاود و جربت ذلک مرارا علمت أنه اسم المعشوق، ثم یذکر کذلک السکک، و المساکن، و الحرف، و الصناعات و النسب و البلدان. و یضیف کلا منها إلی اسم المعشوق و یحفظ النبض حتی إذا کان یتغیر عند ذکر شی‌ء واحد مرارا جمعت من ذلک خواص معشوقه من الاسم و الحیّ و الحرفة و عرفته فإنّا قد جربنا هذا و استخرجنا به ما کان فی الوقوف علیه منفعة».
ثم یصف العلاج، فإذا هو یذکر فیه التغذیة الصالحة و المنومات التی لا ضرر فیها مع العوامل النفسیة علی اختلافها.
و قد ذکر أحمد بن عمر بن علی النظامی، فی مقالاته الأربعة طریقة نفسیة حسنة اتبعها ابن سینا فی علاج فتی من آل بویه خولط فی عقله.
و توهم أنه بقرة سائمة فصار یمشی علی أربع و یخور خوار الأبقار و یصیح بمن حوله. اقتلونی. اقتلونی، و اطبخوا أکلة لذیذة من لحمی. فأوصی ابن سینا تلمیذا له أن یقف علی مسمع من الفتی المریض فینادی: «ها هو ذا الجزار مقبل إلیک ثم دخل ابن سینا، و فی یده مدیة کبیرة و هو یقول:
أین هذه البقرة لأذبحها؟ ثم أمر بالفتی فألقی علی الأرض و أوثق بالحبال و وضعت المدیة علی عنقه، ثم نهض الطبیب و هو یقول: کلا إنها بقرة عجفاء لا تساوی مئونة الذبح حتی تعلف و تسمن ... و کان هذا هو العلاج المطلوب، لأن الفتی المخبول کان قد صدف عن الطعام و أهمل نفسه، فزاده نقص التغذیة هزالا علی هزال و خبالا علی خبال. فلما أکل ما ینفعه و یغذیه عاد إلیه العقل مع الصحة و الاعتدال.
و من هذه الأمثلة: نعرف بعض الشی‌ء عن منهج ابن سینا فی طبه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 136
و علاجه. فلا نستعظم تلک المکانة العالمیة علی طبیب یباشر الطب علی أنه علم طبیعی، بعید عن الأوهام و الخرافات، و یستعین فی علاجه بذلک النظر الصائب و تلک الفطنة الرحبة و یحیط بعوارض الأعضاء، و لا ینسی مداخل النفس فی تصحیح الأجسام.
و کتابات ابن سینا فی الطب واضحة بیّنة یفهمها المتخصص الدارس بسهولة و یسر شدیدین. یقول الأستاذ کمستون‌Cumston فی کتابه «تاریخ الطب من عهد الفراعنة إلی القرن الثانی عشر»[190] «ما علی الإنسان إلا أن یقرأ جالینوس، ثم ینتقل منه إلی ابن سینا لیری الفارق بینهما. فالأول غامض، و الثانی واضح کل الوضوح، و التنسیق و المنهج المنتظم سائدان فی کتابات ابن سینا و نحن نبحث عنهما عبثا فی کتابات جالینوس .. و لعله لم یظهر قبله و لا بعده نظیر لهذا النضج الباکر، و هذه السهولة الممتعة، و هذه الفطنة الواسعة، مقرونة بمثل هذه المثابرة فی مثل هذا الأفق الفسیح».

أهم الکتب الطبیة لابن سینا:

کتاب القانون 191] فی الطب لابن سینا ظل العمدة المرجع فی تعلیم فن الطب حتی أواسط القرن السابع عشر فی جامعات أوربا.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 137
و یقول نوبرجرNeuburger [192] فی کتابه المطول عن تاریخ الطب «إنهم کانوا ینظرون إلی کتاب القانون کأنه وحی معصوم، و یزیدهم إکبارا له تنسیقه المنطقی الذی لا یعاب و مقدماته التی کانت تبدو لأبناء تلک العصور کأنها القضایا المسلمة و المقررات البدیهیة».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 138
و إنما تبوأ کتاب ابن سینا هذه المکانة الرفیعة، بین المراجع العالمیة لأنه کان أوفی مرجع من مراجع الطب القدیم و ظل کذلک إلی عهد الموسوعات العصریة قبیل القرن التاسع عشر بقلیل، و اجتمعت له مزایا الإحاطة و التحری و الاستقصاء و التنسیق، فاشتمل علی تراث أمم الحضارة فی أصول الطب و فروعه من شرح الأعراض إلی وصف العلاج إلی سرد أسماء العقاقیر و الأدویة، و مواصلة الجراحات و أدوات الجراحة مع قدرة علی الترتیب الموسوعی قل نظیرها فی زمانه».
و تقول هونکة[193]: «إن کتب أعاظم الإغریق و الأسکندریین لیبهت لونها و یقل شأنها أمام کتاب «القانون» لأمیر الأطباء الرئیس ابن سینا، ذلک الکتاب الذی کان له أعظم الأثر فی بلاد الشرق و بلاد الغرب علی حد سواء قرونا طویلة من الزمن بشکل لم یکن له أی مثیل فی تاریخ الطب إطلاقا.
و أیة عظمة و أیة عبقریة هذه التی جمعت کل هذه المعارف النظریة و العلمیة للطب مع کل فروعها، و نظمتها بشکل فرید فی نوعه، و دبجتها ببراعة هی البلاغة و الأصالة بعینها «فأصبح الکتاب تحقیقا هاما فریدا من نوعه بین کتب الطب فی کل العصور»، کما یقول سود هوف‌Sud hoff .
هذا و کان قد أزمع الرئیس أن یلحق «بالقانون» مجموعة من ملاحظاته و أبحاثه، و لکنها ضاعت قبل أن تنشر غیر أن المقدرة الفائقة و روعة التصویر العظیمة الشأن عند ابن سینا ککاتب قد بهرتا العالم بقوة، بحیث أن الجمیع أغفلوا فیه شخصیة الباحث و العلامة التجریبی و صرفوا همهم إلی إبداء آیات الإعجاب، فعدوه سید النظام و الشکل، و رأوا فیه ما فقدوه فی بطل الإغریق، جالینوس، لقد رأوا فیه مکمل «الجالینیة» العظیم.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 139
و قد کان هذا التقدیر عن استحقاق، ذلک أن الرئیس قد تفوق علی الجمیع بتنظیمه المنهجی و بتقسیمه المنطقی، و بوضوحه البلیغ و بترتیبه الباهر و تماسکه المحمود نقول لقد تقوی بهذا کله علی کل طرق جالینوس المعقدة حینا و العقیمة أحیانا، و المغلوطة غالبا، فی الکتابة عن بعض الأشیاء کحدیثه عن الأمزجة و غیرها .. «کما قال فیلا موفیتز مولندروف» Wilamowitz Mollendorff «.
و لقد استفاد ابن سینا من دراساته الفلسفیة العمیقة و تبحره فی المنطق و الفلسفة و عقلیته الجبارة فی تحلیل المسائل و تبویبها تبویبا منظقیا سلیما.
ذلک بائن کل البیان فی کتابه هذا حیث نجد أنفسنا أمام عقلیة علمیة و فلسفیة فی الوقت ذاته 194]، و هذا المد و الجزر بین العلم و الفلسفة واضح جدا فی کتاب القانون.
و لعل ابن سینا کان یشعر به فتراه یضع للطبیب حدودا یجب أن لا یتعداها إلی ما هو من عمل الفلاسفة، و واضح من أقواله أنه یضع الفلسفة قبل العلم أو فوقه و له الحق فی ذلک لأن العلم حینذاک لم یکن من القوة بحیث لا یحتاج إلی الفلسفة أما الفلسفة فکانت فی غنی عن العلم و کتاب القانون حین یعرض للکلیات یعرض لها فی اطمئنان و قوة و ثقة مستمدة من الفلسفة أما الجزئیات التی لا تمس المبادئ الفلسفیة فقوله فیها علمی خالص و المقارنة بین کلیاته و طابعها الفلسفی و جزئیاته و طابعها العلمی من البحوث الممتعة فی کتاب القانون.
أما ما أفاده الطب من تعمق ابن سینا فی الفلسفة فواضح جدا فی کتاب القانون، و هو کتاب أظهر ما فیه التنسیق و التبویب فتراه یسیر فی ذلک علی نظام محکم دقیق و الکثیر من أرقی الکتابات الطبیة سیظل دائما مظهرا لحسن التقسیم و التبویب و التنظیم و لکن التبویب فی کتاب القانون
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 140
أقرب إلی ما یعجب الفیلسوف منه إلی ما یعجب الطبیب فقد یحدث أن یذکر ابن سینا بابا أو فصلا لا لأهمیته الطبیة و لکن لحاجته إلیه فی التقسیم المنطقی الذی هو بصدده، و لو أن المؤلف کان طبیبا غیر فیلسوف لأهمل مثل هذا الفصل إهمالا تاما، و لا نزاع أن الطب یفید کثیرا من المرانة علی التبویب و التقسیم فإنه لو ظل مجرد مشاهدات متناثرة لوقف عن الرقی. إلا أن الأقدمین أسرفوا فخرجوا بالطب عن غایته الأولی و هی التشخیص و العلاج خضوعا لآرائهم الفلسفیة، و کتب الطب القدیم تعتمد علی المنطق أکثر من اعتمادها علی الخبرة و الواقع.
و من بدایة القانون یرسم ابن سینا منهجه العلمی فی وضع الکتاب فی أولی صفحاته 195] و رأیت أن أتکلم أولا فی الأمور العامة الکلیة فی کلا قسمی الطب أعنی القسم النظری و القسم العملی، ثم بعد ذلک أتکلم فی کلیات أحکام قوی الأدویة المفردة ثم فی جزئیاتها ثم بعد ذلک فی الأمراض الواقعة بعضو عضو فابتدأ أولا بتشریح ذلک العضو و منفعته.
و أما تشریح الأعضاء المفردة البسیطة فیکون قد سبق منی ذکره فی الکتاب الأول الکلی و کذلک منافعها ثم إذا فرغت من تشریح ذلک العضو ابتدأت فی أکثر المواضع بالدلالة علی کیفیة حفظ صحته ثم دللت بالقول المطلق علی کلیات أمراضه و أسبابها و طرق الاستدلالات علیها و طرق معالجتها بالقول الکلی أیضا فإذا فرغت من هذه الأمور الکلیة أقبلت علی الأمراض الجزئیة و دللت أولا فی أکثرها أیضا علی الحکم الکلی فی حده و أسبابه و دلائله ثم تخلصت إلی الأحکام الجزئیة ثم أعطیت القانون الکلی فی المعالجة ثم زلت إلی المعالجات الجزئیة بدواء بسیط أو مرکب و ما کان سلف ذکره من الأدویة المفردة و منفعته فی الأمراض فی کتاب الأدویة المفردة فی الجداول و الأصباغ التی أری استعمالها فیه کما تقف أیها المتعلم علیه إذا وصلت إلیه لم أکرر إلا قلیلا منه و ما کان من الأدویة المرکبة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 141
إنما الأحری به أن یکون فی الأقراباذین الذی أری أن أعمله و لهذا أخرت ذکر منافعه و کیفیة خلطه إلیه و رأیت أن أفرغ من هذا الکتاب إلی کتاب أیضا فی الأمور الجزئیة مختص بذکر الأمراض التی إذا وقعت لم تختص بعضو بعینه و نورد هنالک أیضا الکلام فی الزینة و أن أسلک فی هذا الکتاب أیضا مسلکی فی الکتاب الجزئی الذی قبله. فإذا تهیأ بتوفیق اللّه تعالی الفراغ من هذا الکتاب جمعت بعده کتاب الأقرابازین. و هذا کتاب لا یسع من یدعی هذه الصناعة و یکتسب بها أن لا یکون جعله معلوما محفوظا عنده فإنه مشتمل علی أقل ما لابد منه للطبیب».
و هکذا نلاحظ أن منهج ابن سنا فی کتابه القانون یبدأ بتشریح الأعضاء و وظائف الأعضاء ثم طبائع الأمراض و بعد ذلک یکون العلاج و هو منهج دقیق لدراسة الطب دراسة أکادیمیة صحیحة.
و کما ذکرنا من قبل فإن القانون قسّم تقسیمات منطقیة مناسبة مترابطة فالکتاب یشتمل علی خمسة أجزاء. خصص الجزء الأول منها للأمور الکلیة فهو یتناول حدود الطب و موضوعاته و الأرکان و الأمزجة و الأخلاط و ماهیة العضو و أقسامه و العظام و تصنیف الأمراض و أسبابها بصفة عامة و الطرائق العامة للعلاج کالمسهلات و الحمامات.
و خصص الجزء الثانی للمفردات الطبیة و ینقسم إلی قسمین:
الأول یدرس ماهیة الدواء و صفاته و مفعول کل دواء من الأدویة علی کل عضو من أعضاء الجسم، و یسرد الثانی المفردات مرتبة ترتیبا أبجدیا.
و خصص الجزء الثالث لأمراض کل جزء من الجسم من الرأس إلی القدم.
أما الجزء الرابع فیتناول الأمراض التی لا تقتصر علی عضو واحد کالحمیات و بعض المسائل الأخری کالأورام و البثور و الجذام و الکسر و الجبر و الزینة و فی الجزء الخامس دراسة فی الأدویة المرکبة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 142
و من کتب ابن سینا الطبیة و التربویة کتابه المخطوط «أسباب حدوث الحروف»[196] و الکتاب یعد دراسة لعلم الصوتیات من وجهة اللغتین العربیة و الفارسیة.
و یشتمل المخطوط علی ستة فصول هی:
الفصل الأول: فی سبب حدوث الصوت، و یعزی ذلک السبب إلی تموج الهواء دفعة و بقوة و بسرعة و للتموج علتان: قرع و قلع.
فالقرع هو تقریب جرم ما إلی مقاوم لمزاحمته تقریبا، تتبعه ممارسة عنیفة لسرعة حرکة التقریب و قوتها.
و القلع تبعید جرم عن جرم آخر مماس له منطبق أحدهما علی الآخر تبعیدا ینقلع عن ممارسته انقلاعا عنیفا لسرعة حرکة التبعید.
و الفصل الثانی: فی سبب حدوث الحروف فیقول:
إن حال التموج من جهة الهیئات التی تستفید بها من الخارج و المحابس فی ملکه هو الذی یفعل الحروف.
و الحرف هو هیئة الصوت عارضة له یتمیز بها عن صوت آخر مثله فی الحدة و الثقل تمیزا فی المسموع، و الحروف بعضها مفردة و حدوثها عن حبسات تامة للصوت أو الهواء الفاعل للصوت، و بعضها مرکبة و حدوثها عن حبسات غیر تامة لکی تتبعها إطلاقات.
و الفصل الثالث فی تشریح الحنجرة، و هی تترکب من غضاریف ثلاثة.
1- الغضروف الدرقی و الترسی.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 143
2- و الغضروف الثانی خلفه مقابل سطحه، و سطحه متصل به بالرباطات یمنة و یسرة منفصل عنه إلی فوق.
3- الغضروف الثالث و یسمیه «المکبر» و «الطرجهاری».
و الفصل الرابع: فی الأسباب الجزئیة لحرف من حروف العرب.
و الفصل الخامس: فی الحروف الشبیهة بهذه الحروف و لیست فی لغة العرب مثل حرف الجیم الفارسی فنسبة الجیم العربیة إلی هذه الجیم نسبة الکاف غیر العربیة إلی الکاف العربیة.
و الفصل السادس: فی أن هذه الحروف من أی الحرکات غیر النطقیة قد تسمع، فالهاء مثلا تسمع عن تصعد الهواء بقوة فی جسم غیر ممانع کالهواء مثلا، و القاف عن شق الأجسام و قلعها.
و من مؤلفاته الطبیة المعروفة أرجوزة فی الطب.
و لقد لخص ابن سینا من خلال أرجوزته فی الطب کتاب القانون و الأرجوزة تقع فی حوالی 1329 بیتا و ترجمت إلی اللاتینیة فی العصور الوسطی. و نقلت إلی الفرنسیة فی الجزائر عام 1956 و هذه الأرجوزة فی الطب بمنزلة ألفیة بن مالک فی النحو.
و یقول الدکتور سامی حمارنة أن هذه الأرجوزة مع شهرتها وسعة انتشارها فهی علی العموم سطحیة تقلیدیة فی نقل العلوم الطبیة لم تأت بجدید مبتکر و لا بما هو مجرب مستحدث و لکن سهل تناقلها لسبب صیاغتها الشعریة المقبولة لدی ذوق السامعین آنذاک 197].
و الحقیقة أن الأرجوزة اشتهرت فی الشرق و الغرب و نقلها کثیر من النسخ و الکتاب و یقول الدکتور حمارنة[198] و یبدو لی من مراجعة کثیر من
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 144
النسخ الباقیة فی مکتبات کثیرة أن الأرجوزة «أحیانا کاملة و أحیانا مجزأة أو حاویة أقساما معینة منها» قد نسخت و نقلت و طبعت بزیادات و تغییرات و إضافات أو حذف حسب واقع الحال و هکذا تداولتها الأیدی و إن کثیرین من متعاطی مهنة الطب بناء علی شهرة ابن سینا الفلسفیة و الطبیة کتبوا أو نقلوا أو ألفوا أراجیز طبیة متقاربة فی أوزانها إلی أرجوزة ابن سینا و قد نسبوها إلیه لا سیما النساخ لإعطائها قیمة معنویة أخری، و آخرین کأحمد بن الحسن الخطیب القسطنطینی نظم سنة 712 ه أرجوزة تقع فی 320 بیتا من الشعر و من قبله نظم الطبیب أبو الثناء سدید الدین محمود بن عمران الشیبانی ابن الرفیعة المتوفی سنة 635 ه أرجوزة فی القصد، ثم إن میرزا محمد حسن بن زین العابدین کتب قصیدة و شرحها بنفسه فی سنة 1294 ه مطلعها:
الحمد للّه الطبیب الشافی‌الواهب الصحة و المعافی
لذلک سمیت الشافیة، و أخری نظمها محمد بن محمد مهدی المشهور بمیرزا قوام الدین السیفی الحسینی القزوینی المتوفی سنة 1150 ه نقل عنها محمد تقی الدین القزوینی فی حاشیة کتابه نهایة التحریر، و قد ذکر أنها مختصر للقانونجة تحت اسم مفرح العوام. و ینسب لابن سینا أرجوزة فی المجربات فی الأحکام النجومیة و القواعد الطبیة مطلعها:
أبدأ باسم اللّه فی نظم حسن‌أذکر ما جربت فی طول الزمن
و حاجی خلیفة فی کشف الظنون، ج 6301 یقرر أن أرجوزة ابن سینا تبدأ هکذا:
الطب حفظ صحة برء مرض‌من سبب فی بدن منه عرض
أما هذا المخطوط فأوله:[199]
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 145

قال راجی ربه ابن سیناو لم یزل باللّه مستعینا
ما الشیخ فی مزاجه کالطفل‌کلا و لا الصبی کالکهل
و الروح لا تشبهها أرض الیمن‌و لا لبغداد مزاج کعدن
و لا ربیع الوقت کالخریف‌و لا الشتا فی الطبع کالمصیف
ثم یتحدث المؤلف فیها عن الأمزجة و الفصول و ینتهی بالقول فی الأغذیة و تدابیر الطعام و الشراب:
فالماعز احذره و لحم البقرو البقر و العجل الردی و الجزر
و کل رطب بارد تجنبه‌و لا تهون فیه و احذر تقربه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 146

علاء الدین ابن النفیس

اشارة

.. هو علاء الدین بن النفیس القرشی الدمشقی ولد بدمشق فی حکم الأیوبیین حوالی سنة 607 ه «1210 م» أثناء ولایة العادل سیف الدین لدمشق الذی ولیها حوالی سنة 595 ه- 1199 م، و توفی عن نحو ثمانین سنة قرابة سنة 687 ه «1288 م». و قد وفد إلی القاهرة سنة 633 ه- 1236 م فی عهد الکامل محمد الأیوبی «614 ه- 1218 م- 635 ه- 1238 م» و یعد ابن النفیس أبرز تلامیذ الداخوار[200] و تتلمذ ابن النفیس أیضا فی دمشق علی ید عمران الإسرائیلی 201] الذی ولد بدمشق سنة 561 ه- 1165 م و توفی بها سنة 637 ه- 1239 م.
.. و قد اهتم ابن النفیس بجانب مهنة الطب بعلم البیان و المنطق و الفلسفة، و درس کتب جالینوس و ابن سینا دراسة دقیقة و کان عالما بالتشریح حاذقا لهذا الفن علی الرغم من أنه زعم أنه لم یمارس التشریح
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 147
لوازع الشریعة و الرحمة فکتاباته العلمیة الدقیقة عن التشریح تؤکد دقة علمه بالتشریح.
و قد وصل من خلال اهتمامه بالتشریح إلی عدة نتائج هامة منها[202].
أولا: إن تغذیة القلب تحصل بواسطة الدم الذی یجری فی العروق الموزعة فی أنحاء القلب کله و لیس کما ادعی الجمیع حتی الآن، فی البطین الأیمن من القلب، و بهذا یکون ابن النفیس أول من اکتشف الدورة الدمویة فی الشرایین الأکلیلیة.
ثانیا: یجری الدم إلی الرئتین لیتشبع هناک بالهواء و لیس لمدهما بغذاء «و هذا ما أکده هارفی فیما بعد».
ثالثا: هناک اتصال بین أوردة الرئتین و شرایینهما یتم الدورة الدمویة.
ضمن الرئة «و هذا ما ادعی اکتشافه کولومبو فیما بعد کأول إنسان».
رابعا: لیس فی شرایین الرئتین أی هواء أو رواسب «کما ادعی جالینوس» بل دم فقط.
خامسا: إن جدران أوردة الرئتین أسمک بکثیر من جدران شرایینها، و هی مؤلفة من طبقتین، و قد نسب، زورا، بعض المؤرخین إلی سارفیتوس هذه الاکتشافات العظیمة و خاصة الأخیرة.
سادسا: لیس فی جدار القلب الفاصل بین شطریه أی صمام، بل إن الدم یجری فی دورة متکاملة: «لیس بین هذین البطینین من القلب أیة فتحة إذ أن الحجاب الحاجز الذی یفصلها محکم الإغلاق و لیست به أیة مسام ظاهرة، کما اعتقد بعضهم، أو غیر ظاهرة بل إن کثافته فی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 148
هذا الموضع غلیظة. و یجری الدم فی أوردة الرئتین لینتشر فیهما و یمتزج بالهواء حتی یتطهر أصغر عناصره من الرواسب، ثم یجری هذا الدم فی شریان الرئتین لیصل إلی البطین الأیسر بعد امتزاجه بالهواء.

أهم مجهودات ابن النفیس الطبیة:

.. من أبرز مجهوداته المعروفة أنه أول من وصف و اکتشف الدورة الدمویة الصغری قبل أن یذکرها میخائیل سرفیتوس بثلاث مائة سنة[203]
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 149
و لعله قد وقعت نسخة فی ید سرفیتوس للترجمة اللاتینیة لکتاب ابن النفیس «شرح تشریح القانون» و التی قام بها طبیب إیطالی اسمه «الباجو» و الذی زار دمشق عام 1547 میلادیة، أی قبل وفاة سرفیتوس بست سنوات.

أهم کتب ابن النفیس الطبیة:

.. لکتابات ابن النفیس الطبیة مکانة بارزة فی علوم الطب و بخاصة کتابه المعروف بشرح تشریح القانون 204].
.. یقول ابن النفیس فی مقدمة شرح تشریح القانون «و بعد حمد اللّه و الصلاة علی أنبیائه و رسله، فإن قصدنا الآن إبراز ما تیسر لنا من المباحث علی کلام الشیخ الرئیس أبی علی الحسن بن عبد اللّه بن سینا رحمه اللّه فی التشریح فی جملة کتاب القانون. و ذلک بأن جمعنا ما قاله فی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 150
الکتاب الأول من کتاب القانون إلی ما قاله فی الکتاب الثالث من هذه الکتب، و ذلک لیکون الکلام فی التشریح جمیعه منظوما، و قد حدنا عن مباشرة التشریح وازع الشریعة و ما فی أخلاقنا من الرحمة، فلذلک رأینا أن نعتمد فی تعرف صور الأعضاء الباطنة علی کلام من تقدمنا من المباشرین لهذا الأمر خاصة الفاضل جالینوس، إذ کانت کتبه أجود الکتب التی وصلت إلینا فی هذا الفن مع أنه اطلع علی کثیر من العضلات لم یسبق إلی مشاهدتها، فلذلک جعلنا أکثر اعتمادنا فی تعرف صور الأعضاء و أوضاعها و نحو ذلک علی قوله إلا فی أشیا یسیرة ظننا أنها من أغالیط النساخ أو أخباره عنها لم یکن من بعد تحقق المشاهدة فیها. و أما منافع کل واحد من الأعضاء فإنما نعتمد فی تعرفها علی ما یقتضیه النظر المحقق و البحث المستقیم و لا علینا وافق ذلک رأی من تقدمنا أو خالفه.
.. و قد بین فی مقدمة «الشرح» أنه أراد الإعانة علی إتقان العلم بفن التشریح، و مقدمة ابن النفیس تشتمل علی خمسة مباحث:
المبحث الأول: فی اختلاف الحیوانات فی الأعضاء.
المبحث الثانی: فی فوائد «و جاء فی مخطوط آخر: فی قواعد» علم التشریح.
المبحث الثالث: فی إثبات منافع الأعضاء.
المبحث الرابع: فی المبادئ التی بها یستخرج العلم لمنافع الأعضاء بطریق التشریح.
المبحث الخامس: فی ماهیة التشریح و آلاته.
.. «أما تشریح العظام و المفاصل و نحوهما فیسهل فی المیت من أی سبب کان موته و أسهل ما یکون إذا مضی علی موته مدة فنی ما علیه من اللحم حتی بقیت العظام متصلة بالأربطة ظاهرة فإن هذا لا یفتقر فیه إلی عمل کثیر حتی یوقف علی هیئة عظامه و مفاصله.
.. «و أما تشریح القلب و الشرایین و الحجاب و الرئة و نحو ذلک فیوقف
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 151
علی کیفیة حرکتها و هل حرکة الشرایین مصاحبة لحرکة القلب أو مخالفة و کذلک حرکة الرئة مع حرکة الحجاب، و معلوم أنه إنما یوقف علیه فی تشریح الأحیاء و لکن یعسر ذلک بسبب اضطراب الحی لتألمه.
.. «و أما تشریح العروق الصغار التی فی الجلد و ما یقرب منه فیعسر فی الأحیاء لما بیناه و کذلک فی الموتی الذین ماتوا لمرض و نحوه و خصوصا ما کان من الأمراض یلزمه قلة الدم و الرطوبات فیخفی تلک العروق کما فی الإسهال و الدق و النزف و أسهل تشریح هذه ما یکون فی میت مات بالخنق لأن الخنق تحرک الروح و الدم إلی خارج فتمتلی‌ء هذه العروق و تنتفخ فینبغی أن یکون ذلک بعقب الموت لأن الزمان إذا طال جمد ما یکون فی هذه العروق من الدم فیقل حجمه و یلزم ذلک نقصان انتفاخ تلک العروق: قال جالینوس: إن عادتی أن أخنق الذی أرید تشریحه بالماء لئلا یرضی أو ینفسخ شی‌ء من أجزاء العنق إذا خنق بحبل أو نحوه».
.. و یستخدم ابن النفیس أسلوب التقیة فیزعم أنه لم یباشر التشریح لوازع الشریعة و الرحمة، و لکن کتاباته فی التشریح تؤکد أنه باشر التشریح فعلا ذلک أن حدیثه عن تشریح العظام و الأربطة و القلب لا یکون بغیر ممارسة فعلیة للتشریح.
.. یقول صاحب ابن النفیس الأستاذ الدکتور بول غلیونجی فی تحلیل علمی دقیق لبعض نصوص شرح التشریح 205] «و یمکن حصر ما أتی به ابن النفیس من جدید فی الفقرات التالیة الخاصة بالروح، و التی یتضح منها مبدئیا أن المؤلف قبل النظرة السائدة، و هی أن البطین الأیسر و الشرایین ملیئة بالروح، و أن الروح تتولد فی التجویف الأیسر باختلاط الدم بالهواء قال ابن النفیس: «و الذی نقوله نحن و اللّه أعلم أن القلب لما کان من أفعاله تولید الروح و هی إنما تتکون من دم رقیق جدا شدید المخالطة لجرم
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 152
هوائی فلا بد و أن یحجل فی القلب دم رقیق جدا و هواء لیمکن أن یحدث الروح من الجرم المختلط منهما و ذلک حیث تولد الروح و هو فی التجویف الأیسر.
.. ثم یفسر ضرورة الرقة الشدیدة فی الدم الواصل إلی التجویف الأیسر و کیفیة حدوث هذه الرقة. فیقول: «و لا بد فی قلب الإنسان و نحوه مما له رئة من تجویف آخر یلطف فیه الدم لیصلح لمخالطة الهواء فإن الهواء لو خلط الدم و هو علی غلظة لم یکن جملتها جسما متشابه الأجزاء و هذا التجویف هو التجویف الأیمن».
و یقول الدکتور غلیونجی:
.. نستطیع إذن أن نستخلص أن وجود تجویف آخر محتم فی نظره لضرورة تلطیف الدم تمهیدا لمخالطته لهواء. و هذا استنتاج غائی بحت.
و نعنی بذلک استنتاجه وجود الشی‌ء من ضرورته و ربما قال البعض أنه سبق فی ذلک «لمارک» و أمثاله فی نظریتهم القائلة بأن الوظیفة تکیف العضو، و لکن العلماء المتعلقین کانوا- فی رأینا- کثیرا ما یبدءون بملاحظة واقعیة، ثم یشغلون أنفسهم بعد ذلک بمحاولة استنتاج ضرورتها.
.. و یسترسل ابن النفیس فی سرده لآرائه فیقول:
«و إذا لطف الدم فی هذا التجویف «أی الأیمن» فلا بد من نفوذه إلی التجویف الأیسر حیث مولد الروح». و هذا بالطبع ضروری لإتمام نظریته فی تکوین الروح .. ثم یضیف: «و لکن لیس بینها منفذ فإن جرم القلب هناک سمیک لیس فیه منفذ ظاهر کما ظنه جماعة و لا منفذ غیر ظاهر یصلح لنفوذ هذا الدم کما ظنه جالینوس فإن مسام القلب هناک مستحصنة و جرمه غلیظ.
.. من أین إذن یکون مرور الدم؟ ألم ینکر صراحة وجود مسام فی الحاجز؟ لقد بحث ابن النفیس عن مکان هذا الاتصال، فلم یزد من أن
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 153
یقطع بأن الدم بعد أن یلطف فی التجویف الأیمن ینفذ إلی الرئة و هناک- علی حد قوله- «یخالط الهواء و یرشح ألطف ما فیه و ینفذ إلی الشریان الوریدی «الوریدی الرئوی» لیوصله إلی التجویف الأیسر و قد خالط الهواء و صلح لأن یتولد منه الروح «و یضیف» و ما بقی منه أقل لطافة تستعمله الرئة فی غذائها».
.. و قد أکد هذا فی موضع آخر بقوله: «فإن نفوذ الدم إلی البطین الأیسر إنما هو من الرئة بعد تسخنه و تصعده من البطین الأیمن کما قررناه أولا».
.. و کأنه لم یکتف بکل هذا فأراد زیادة التأکید بأن الدم إنما یجری فی اتجاه واحد و أنه لیس موضوع مد و جزر فقال أیضا: «قوله و إیصال الدم الذی یغذو الرئة إلی الرئة من القلب، هذا هو الرأی المشهور و هو عندنا باطل فإن غذاء الرئة لا یصل إلیها من هذا الشریان لأنه لا یرتفع إلیها من التجویف الأیسر من تجویفی القلب إذ الدم الذی فی هذا التجویف إنما یأتی إلیه من الرئة لا أن الرئة آخذة منه. و أما نفوذ الدم من القلب إلی الرئة فهو فی الورید الشریانی «الشریان الرئوی». و استطرد فی معرض حدیثه عن سبب نحافة جدار الورید الرئوی فقال: «و لیکون أطوع «أی جدار الورید» لیرشح منه ما یرشح منه إلی الرئة من الدم اللطیف، هذا أیضا علی الرأی المشهور، و الحق أنه لیس کذلک بل لیکون أطول لقبول ما ینفذ منه الدم الهوائی الذی یوصله من الرئة إلی القلب.
.. یبدو بوضوح فی کل هذه الفقرات أن ابن النفیس اهتدی إلی العلم بأن اتجاه الدم ثابت و أنه یمر من التجویف الأیمن إلی الرئة حیث یخالط الهواء، و من الرئة عن طریق الشریان الوریدی «الورید الرئوی» إلی التجویف الأیسر.
.. و لننظر الآن إلی ما قاله عن الشریان الوریدی «الورید الرئوی»
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 154
و الورید الشریانی «الشریان الرئوی» إذ أن أقواله فی هذا الصدد ترتبط ارتباطا وثیقا بما سبق.
.. بدأ ابن النفیس بأن تناول الشریان الوریدی «و هو ما نسمیه بالورید الرئوی»، فقال: «إن هذا العرق شبیه بالأوردة و شبیه بالشریان.
أما شبهه بالأوردة فلأنه من طبقة واحدة و أن جرمه نحیف و أنه علی قوام ینفذ فیه الدم لغذاء عضو. و یفسر هذا فی فقرة أخری بقوله: «فلا بد و أن یکون هذا الدم إذا لطف نفذ فی الورید الشریانی «الشریان الرئوی» إلی الرئة لینبث فی جرمها و یخالط الهواء و یصفی ألطف ما فیه و ینفذ إلی الشریان الوریدی لیوصلها إلی التجویف الأیسر ثم فی مکان آخر:
«و لذلک جعل الورید الشریانی «الشریان الرئوی» شدید الاستحصاف «أی: السّمک» ذا طبقتین لیکون مما ینفذ من مسامه شدید الرقة.
و جعل الشریان الوریدی نحیفا ذا طبقة واحدة لیسهل قبوله لما خرج من ذلک الورید، و لذلک جعل بین هذین العرقین منافذ محسوسة.
.. و فیما یتصل بهذه المنافذ یجب أن تتذکر أن العدسة المکبرة لم تکن قد اخترعت بعد و أن مالبیجی لم یکشف عن الأوعیة الشعریة إلا بعده بقرون، مما جعل الشرایین تعد منفصلة انفصالا تاما عن الأوردة. و لذلک فإن ابن النفیس لم یبعد کثیرا عن الحقیقة عند ما قال إن الدم یمر من مسام بین العرقین أو من منافذ محسوسة هی بمثابة الأوعیة الشعریة.
.. و تابع وصفه للشریان الوریدی «أی الورید الرئوی» بأن قال:
«أما شبهه بالشریان فلأنه ینبض، و ینبت علی قولهم من القلب. و لما کان نبض العروق من خواص الشرایین لا جرم کان إلحاق هذه العروق بالشرایین أولی .... و نقول إن العروق التی تنبت فی الرئة تخالف جمیع عروق البدن لأن فی جمیع الأعضاء یکون للعرق الضارب طبقتان و لغیر الضارب طبقة واحدة. و الضارب مستحصف و غیر الضارب نحیف و عروق الرئة بالعکس من هذا».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 155
.. و هنا یبدو جلیا أنه یصف الشریان الوریدی «الورید الرئوی» بأنه ینبض بینما لا ینسب إلی الورید الشریانی «الشریان الرئوی» سوی حرکة تابعة لحرکة الرئة. و فی هذا خطأ واضح. ثم علق علی اختلاف أوعیة الرئة عن الأوعیة الأخری من حیث تکوین جدرانها فقال: «و اختلفوا فی سبب ذلک فقال اسقلبیادوس إن ذلک لأن شرایین الرئة شدیدة الحرکة کبیرتها جدا فتهزل و ذلک لأنها تنبض بنفسها و تنبسط و تنقبض تبعا لانبساط الرئة و انقباضها و الحرکة المفرطة مهزلة. و أما أوردتها فإنها تتحرک تبعا لحرکة الرئة فقط». و هذا التعلیل یلائم اهتمامه بتفسیر کل ظاهرة تفسیرا عقلیا یتفق مع النظریات السائدة و إن کان لم یستند فی مزاعمه إلی برهان.
.. و هناک نقطة أخری لم یوافق فیها ابن سینا- و هی عدد تجاویف القلب. «قوله و فیه ثلاثة بطون. و هذا کلام لا یصح فإن القلب له بطنان فقط أحدهما مملوء من الدم و هو الأیمن، و الآخر مملوء من الروح و هو الأیسر، و لا منفذ بین هذین البطنین البتة، و إلا کان الدم ینفذ إلی موضع الروح فیفسد جوهرها و التشریح یکذب ما قالوه.
.. و هذه العبارة الأخیرة جدیرة بالتأمل. فقد سبق أن قال لنا فی دیباجة «شرح التشریح»: «و قد حدنا عن مباشرة التشریح وازع الشریعة و ما فی أخلاقنا من الرحمة، و ها هو یقدم لنا الدلیل علی اعتماده علی هذا التشریح إذ یقول: «و التشریح یکذب ذلک». و هو بطبیعة الحال لا یعنی تشریح جالینوس و لا ابن سینا، و لسنا نجد تفسیرا لهذا التناقض الظاهری سوی أنه حرص علی عدم إثارة حنق رجال الدین شأنه فی ذلک شأن کثیرین من العباقرة المجددین أمثال کوبرنیکوس و جلیلیو عند ما استهلوا مؤلفاتهم الثوریة بتأکید تبعیتهم للعقائد الدینیة السائدة فی عصرهم. کما أنه حرص علی أ لا یتهم بالجهل کما کان یتهم کل من ینکر تعالیم جالینوس إذ اعتذر عن هذا النقد حین قال فی الدیباجة نفسها «إلا فی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 156
أشیاء یسیرة ظننا أنها من أغالیط النساخ» و ذلک لإثارة الشک فی أمانة النساخ لا فی علم الفاضل جالینوس.
و یقول الدکتور غلیونجی: و إلی هذا فإن فی هذا الکتاب فقرات عدة تستحق الذکر و تحض علی التأمل و الاعتبار، و حسبی أن أذکر عبارة واحدة لها أهمیتها بالنسبة لتاریخ الطب و هی خاصة بتغذیة عضلة القلب التی کان قد قال عنها ابن سینا أنها عن طریق الدم الموجود فی تجویفه. یقال ابن النفیس: «قوله لیکون له مستودع غذاء یتغذی به و جعله الدم الذی فی البطین الأیمن منه یتغذی القلب لا یصح البتة فإن غداء القلب إنما هو من الدم المار فیه من العروق المارة فی جرمه».
.. و هذه العبارة تجعل ابن النفیس أول من فطن إلی وجود أوعیة داخل عضلة القلب تغذیها، و هی تضیف دلیلا آخر علی أن ابن النفیس مارس التشریح کما أنها تجعل منه أول من وصف الشریان الأکلیلس و فروعه.
.. و لعلنا نستطیع الآن أن نتصور الدورة الدمویة کما کان یتصورها ابن النفیس مستندین فی ذلک إلی ما سبق أن استشهدنا به من فقرات وردت فی «شرح تشریح القانون».
.. فقد کان یری أن الدم یأتی غلیظا من الکبد إلی التجویف الأیمن حیث یلطف، ثم یمر فی الورید الشریانی «الشریان الرئوی» و هو وعاء غیر نابض یتحرک بحرکة الرئة حرکة معتدلة هی سبب غلظ جداره، ثم یصل إلی الرئة حیث ینقسم إلی قسمین: قسم رقیق یصفی من مسام الشریان الرئوی، و قسم غلیظ یتبقی فی الرئة لتغذیتها. أما القسم الرقیق فإنه یختلط بالهواء القادم إلی الرئة عن طریق القصبة الهوائیة و یدخل الشریان الوریدی «الورید الرئوی» عبر جداره النحیف. و علة هذه النحافة أولا ضرورتها لتسمح بمرور الدم الرقیق، ثم کثرة حرکتها إذ أنها کانت- فی زعمه-
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 157
نابضة تلقائیا بالإضافة إلی أنها متحرکة تبعا لحرکة الرئة. ثم یصل الدم الرقیق المخلوط بالهواء إلی التجویف الأیسر حیث تتکون الروح التی تخرج منه إلی الأورطة فالشرایین فالأنسجة، أما غذاء القلب فیکون عن طریق أوعیة خاصة تمر فی صمیم عضلة القلب.
.. و من کتب ابن النفیس الطبیة کتاب الموجز فی الطب «موجز القانون». یقول «لقد رتب هذا الکتاب علی أربعة فنون:
الفن الأول: فی قواعد جزئی الطب أعنی علمیة و عملیة ..
یقول کلی .. ذاکرا العلم بالأمور الطبیعیة السبعة کالأرکان و الأمزجة و الأخلاط و الأعضاء و الأرواح و القوی و الأفعال و یتضمن وصف الأسباب الضروریة الستة کالهواء المحیط بنا و ما یؤکل و یشرب و الحرکة و السکون و تدبیرها بدنیا و نفسیا و النوم و الیقظة و الاستفراغ و الاحتباس حسبما سبق و رتبها حنین بن إسحق فی القرن التاسع، و ذکر التدبیر بالحمام و العلاج و الفصد و الحجامة و الحقن و ما یعادل تلک الأسباب الستة کالمسخنات و المبردات و المرطبات و المجففات و تکلم فی الدلائل للأمراض و علاماتها، و أهمیة النبض و فحص البول و البراز فی تشخیص الحالة الصحیة[206].
الفن الثانی: فی الأدویة و الأغذیة المفردة و المرکبة.
الفن الثالث: فی الأمراض المختصة بعضو دون عضو و أسبابها و علاماتها و معالجتها.
الفن الرابع: فی الأمراض التی لا تختص بعضو معین بل هی عامة و أسباب هذه الأمراض و علاماتها و معالجتها.
.. هذا هو ابن النفیس أول عالم فی التاریخ اکتشف أن الدم ینساب من البطین الأیمن إلی الرئة، حیث یمتزج بالهواء ثم إلی البطین
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 158
الأیسر، و هی الدورة الدمویة الصغری. فابن النفیس هو الذی مهد الطریق «لهارفی» کی یکتشف الدورة الدمویة الکبری من البطین الأیسر إلی الشرایین، و منها إلی الأوردة ثم البطین الأیمن. فهو أول من صحح الأخطاء الشائعة فی حرکة الدم، و کتب أول وصف صحیح لحرکة الدم فی الجسم، و هو من أبرز من عرفوا علم وظائف الأعضاء و صحح بعض آراء جالینوس و ابن سینا فی حرکة الدم.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 159

ثانیا: الطب فی الأندلس

اشارة

فی عصر الازدهار العلمی الأول فی الأندلس العربیة ظهر من مشاهیر الأطباء الطبیب الیهودی 207] حسدای بن شبروط الذی ترجم إلی العربیة نص مخطوط دیسقوریدس الذی أهداه ملک القسطنطینیة إلی حاکم قرطبة.
و قد ساعد حسدای بن شبروط فی ترجمة نص دیسقوریدس الراهب نیقولادس.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 160
و ظهر فی عصر الازدهار العلمی الأول فی الأندلس العربیة الطبیب عریب بن سعد الذی عاش فی بلاط عبد الرحمن الثالث، و الحکم الثانی.
و کان مهتما بدراسة التاریخ کما کان طبیبا ماهرا فی أمراض النساء و الولادة و طب الأجنة و له کتاب متعلق بطب الأجنة لم ینشر حتی الآن 208].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 161

ممثلو الطب فی الأندلس

أبو القاسم الزهراوی

اشارة

من أشهر الأطباء فی عصر الازدهار العلمی الأول فی الأندلس هو أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوی القرطبی 209]، المتوفی عام 1013 م و کان جراحا مبرزا مبتکرا فی جراحاته و عملیاته الدقیقة.
و هو من أطباء الخلیفة عبد الرحمن الثالث.
و من أهم مجهودات أبو القاسم الزهراوی الطبیة أنه «وصف عملیة

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 162
سحق الحصاة فی المثانة و تفتیت الحصاة فی المثانة و إخراجها علی الخصوص، فعدت من اختراعات العصر الحاضر علی غیر حق.
و قال العالم الفیزیولوجی الکبیر هاللر[210]: «کانت کتب أبی القاسم المصدر العام الذی استسقی منه جمیع من ظهر من الجراحین بعد القرن الرابع عشر».
و هو الذی أشار إلی ربط الشرایین فی الجراحات الدقیقة. کما أجری عملیات صعبة فی شق القصبة الهوائیة و استئصال اللوز بسنارة.
و یعترف العالم «سبرنجل» بأن الزهراوی أول من علم طریقة استئصال الحصی المثانیة فی النساء عن طریق المهبل، و أول من وصف الاستعداد الخاص فی بعض الأجسام للنزیف.
و یقول الأستاذ/ قدری طوقان 211]:
«و قد جمع الدکتور «أحمد عیسی» فی کتاب خاص ما کان یعرفه العرب من الآلات و الأدوات الطبیة، و ضمنه جمیع الآلات و العدد التی وردت فی کتاب التصریف مع ذکر مسمیاتها و مواضع استعمالها و نقل صورها.
و علی الرغم من طول النص فإنه نظرا لأهمیة الموضوع فإننا سنذکر الآلات و العدد التی وردت فی کتاب التعریف کما ذکرها الدکتور أحمد عیسی رحمه اللّه.
یقول الدکتور أحمد عیسی بک رحمه اللّه رحمه واسعة «سنذکر هنا علی الترتیب الهجائی للحروف جمیع الآلات و العدد التی وردت فی کتاب التصریف و نبین صورها مستعینین بنسخة هذا الکتاب المطبوع فی اکسفورد
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 163
سنة 1778 بالعربیة و اللاتینیة و بترجمته الفرنسیة المطبوعة فی باریس سنة 1861 و بکتاب تاریخ الجراحة و ممارستها تألیف کولت و قد أکملت [أی د. أحمد عیسی بک رحمه اللّه هذا المجموع ببعض ما جاء من أسماء الآلات فی کتاب دعوة الأطباء] [المطبوع بالأسکندریة سنة 1901] لأبی الحسن ابن بطلان المتوفی سنة 444 ه و سنة 1032 م مما لم یذکره أبو القاسم الزهراوی و لو أنه نوّه عنه بأسماء أخری لنفس الآلات و ألحقت [أی أحمد عیسی بک رحمه اللّه هذا المعجم الصغیر بجدول أسماء الآلات الجراحیة التی کانت تستعمل فی أمراض العین مشفوعا بصورها کما جاءت فی کتاب «الکامل فی الکحل لخلیفة بن أبی المحاسن الحلبی (من أهل القرن الثالث عشر المیلادی) المترجم إلی الألمانیة[212] و کتاب تاریخ الجراحة فی العصور الوسطی تألیف کارل سودوف 213] و أتبعت ذلک أیضا بصور بعض الآلات التی عثر علیها فی أثناء التنقیب فی خرائب مدینة الفسطاط القدیمة و المحفوظة بالمتحف العربی بالقاهرة و قد ساعدنی علی جمعها و تصویرها حضرة الأستاذ حسین بک راشد أمین المتحف.
فإذا ما ضمت هذه المجامیع الثلاثة بعضها إلی بعض حصلنا منها علی مجموعة صالحة من الآلات الطبیة التی استعملت فی عهد النهضة العربیة و سدت فراغا کبیرا فی المصطلحات الفنیة التی نجهد النفس لإیجادها فلا نوفق.

[مجموعة صالحة من الآلات الطبیة التی استعملت فی عهد النهضة العربیة وردت فی کتاب التصریف

اشارة

و هذه أسماء الآلات مرتبة علی حروف المعجم.

آلة:

اشارة

کالمرود و طرفها کالملعقة یملأ دواء کاویا لرضعه علی اللهاة لکیها (شکل 69).

آلة لاستخراج الشوک:

و ما ینشب فی الحلق من الأجسام الغریبة

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 164
و هی آلة کالمرود أغلظ منه قلیلا طرفها معقف کالصنارة یدخل فی الحلق برفق و یرفع بها العظم أو الشوک و غیرهما من الأجسام الغریبة فی الحلق (شکل 71).

آلة لحفظ الصفاق:

و هی آلة من خشب أو من حدید تشبه ملعقة لیس لها تقعیر یکون عرضها حسب ما یحتاج إلیه من کبر العظم و صغره أما طولها فعلی حسب ما یمکن للعمل أیضا و لها طرفان أحدهما واسع و الآخر ضیق و توضع فوق الأغشیة المراد حفظها من القطع لئلا یغور المبضع فیها شکل (147).

أنبوبة:

اشارة

و هی أنبوبة من ریش الأوز أو ریش النسر توضع فوق الثملة
( Myrnecie )
و تشد علیها حتی تقطعها من أصلها و یمکن عمل هذه الأنبوبة أیضا من الحدید أو النحاس و یکون أعلی الأنبوبة رقیقا مصمتا و مفتولا حتی یمکن إمساکها بین الأصابع و فتلها (شکل 116).

أنبوبة:

لإخراج الدود المتولد فی الأذن و هی ضیقة الأسفل واسعة لأعلی یدخل الطرف الرقیق منها فی الأذن بقدر ما یحتمله العلیل و یمص به مصا قویا یفعل ذلک مرارا حتی یخرج جمیع الدود (شکل 37).

أنبوبة:

أخری لإخراج الدود تصنع من فضة أو نحاس ضیقة الأسفل و به ثقب صغیر واسعة الأعلی و إن أرید یدخل فیها مدفع‌Piston فی جوف الأنبوبة من نحاس محکم أو مرودStylet یلف طرفه بقطنة لفا محکما و یلقی الزیت أو ما یشبهه فی الأنبوبة و هی فی الأذن ثم یدخل المرود بالقطنة فی الأنبوبة و یعصر عصرا معتدلا حتی یندفع الدهن فی جوف الأذن و لیکن ما یصب فی الأذن قد دفئ قلیلا (شکل 38)

أنبوب

تشبه أنبوبا من قصب تصنع من فضة أو نحاس أو من أسباذرویة(orichalcum) ملساء مصقولة لها فی أسفلها ثقب صغیر و فی جوانبها ثلاث ثقوب اثنان منها من جهة واحدة و ثقب من جهة و طرفها
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 165
یصنع مبریا علی هیئة بریة القلم (شکل 92) و تستعمل لبزل الماء فی الحبن(Ascites) .

برید:

هو مبضع أشد صلابة من المقدح یثقب به نفس الملتحمة فقط دون التمعن فی الثقب ثم یستعمل المقدح (شکل 50).

برید[214]:

ج برد و هو آلة کالمسبار(Sonde) أوExplorateur و هی تصلح لتفتیش الأورام و الخراجات و النواصیر و تصنع من نحاس أصفر أو من أسباذ رویه (کلمة مرکبة من کلمتین اسفید بمعنی أبیض و رویه بمعنی نحاس فتکون اسفیدرویه) أو من نحاس أو من حدید أو من فضة و أفضل ما صنعت من اسباذرویه و قد تصنع من الرصاص الأسود و تصلح لسبر النواصیر التی یکون فی غورها تعرج لتنعطف بینها مع ذلک التعریج و هی ثلاثة أنواع طوال و أوساط و صغار.
(أشکال 77 و 77 و 77) بقدر ما یحتاج إلیه کل ناصور و یکون غلظها علی قدر سعة الناصور.

بیرم 215]:

عتلة صغیرة(Levier) و هی من الحدید و طولها سبعة أو ثمانیة أصابع و عرضها یتناسب مع الجرح و یجب أن یکون لدی الجراح منها ثلاثة أو أربعة حتی تکفی حاجة الجروح و هی مستدیرة و شدیدة حتی لا تعطی نفسها إذا ضغط علیها وقت العملیة و أحد طرفیها رقیق و معقوف و الآخر أشد و تأخذ فی النقصان فی حجمها ابتداء من وسطها (شکل 149) و تستعمل لرد العظام المکسورة الناتئة علی الجلد و تسویتها.

جبیرة(Attele)

: هی جهاز معد لشد العضو المکسور و جبره و تصنع الجبایر من أنصاف القصب العراض المهیئة بحکمة أو تکون الجبایر من خشب الغرابیل التی هی من الصنوبر أو جرائد النخل أو من الخلنج
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 166

Bruyere
أو من الکلخ(Ferula) (و هو ما لا یزال مستعملا فی الجزائر و شمال أفریقیا و نحوها)[216] و تکون الجبیرة التی توضع علی الکسر نفسه أغلظ و أعرض قلیلا من سائر الجبائر و طولها یکون بحسب العضو من کبر و صغر (شکل 142).

جفت 217]Pince :

هو آلة لاستخراج العظام المکسورة من الفک أو أحد عظام الفم (شکل 62).

جفت لطیف

لإخراج ما سقط فی الأذن من الحصی و الأشیاء الغریبة (شکل 35).

حمال الورک

(لابن بطلان) لعلها نوع من الجبایر.
خشبة-
طولها ذراعان و عرضها قدر أربعة أصابع و غلظها قدر أصبعین و یکون لها رأس مستدیر لیسهل دخولها فی عنق الإبط ثم یربط علی الرأس المستدیر خرقا لینة لئلا تؤذی الخشبة العلیل ثم یمد الید أو الذراع علی الخشبة إلی أسفل و تربط الخشبة علی العضو و الساعد و طرف الید علی عارضة سلم بالعرض و تمد الید إلی أسفل و یترک سائر الجسد معلقا من الناحیة الأخری فإن المفصل یدخل من ساعته (شکل 150).

خشبة الکتف

(لابن بطلان) هی بعینها خشبة أبی القاسم الزهراوی.

خشبة الرأس(tete Rade)

: هی آله لجرد العظم الفاسد تصنع من الحدید و یکون رأسها مدورا کالزر و قد نقش علی رأسها بالمبرد أو الاسکفاج(Scolopax) فتوضع علی موضع الفساد من العظم ثم تدار بالید مع الزم حتی ینجرد الفساد و ینتهی طرفها بکرة أو قرص (شکل 48).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 167

درج المکاحل

(لابن بطلان) هو کالعلبة تصف فیه المباضع.

ذات العشبتین

هی آلة تستعمل لاستخراج بقایا السن و جرد الأسنان (شکل 60).

رمانة:

هی مبخرة أو أنبوب و هی آلة مجوفة کالرمانة من أحد.
طرفیها و طرفها الآخر کالأنبوب تعمل من فضة أو نحاس و توضع فی قدر فیه البخور و یطین القدر و یدخل الطرف المجوف الرمانة فی فم العلیل فیصعد الدخان منها إلی اللهاة و یکرر ذلک مرارا حتی تتکمد اللهاة (أی یذهب عنها الاحتقان و التورم) و یخف ورمها (شکل 70).

زراقات القولنج

(لابن بطلان) مفردها زراقة و هی المحقنة و قد یقال زارق بمعنی(irrigatoir) کما جاءت فی المجلة الآسیویةJ .As ..

سکین

حادة من الجهة الواحدة و ملساء غیر حادة من الجهة الأخری تدخل تحت الأوعیة بعد کشفها و یوجه جانبها الحاد إلی فوق نحو الجلد و جانبها الأملس نحو العظم ثم تقطع بها الأوعیة دون أن یقطع الجلد (شکل 34).

صنارة:

فیها غلظ قلیل لئلا تنکسر و بها یجذب الجنین (شکل 109).

صنارة أخری ذات شوکتین

لجذب الجنین أیضا (شکل 110).

صنارة ذات ثلاث صنانیر:

مجموعة فی ساق واحد و تستعمل لتشمیر الجلد (شکل 40).

صنارة کبیرة:

لقلع بقایا السن و جرد الأسنان و هی مثلثة الطرف المعوج فیها بعض الغلظ (شکل 61).

صنارة لطیفة الثنیة:

تستعمل فی لقط السبل‌Panus ثم تقطع بمقص لطیف (شکل 45).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 168

صنارتان

مزدوجتان فی جسم واحد و تستعمل فی نفس العمل الذی تستعمل فیه السابقة (شکل 47).

صناصیر:

هی أنواع کثیرة و هی إما بسیطة أی أن لها مخطافا واحدا أو مرکبة و لها مخطافان أو ثلاث مخاطیف و لکل نوع من هذه الأنواع ثلاثة أشکال کبار و أوساط و صغار ثم صنانیر عمیة أی کالة الطرف.
شکل 78 صنارة بسیطة کبیرة.
شکل 78 خ صنارة بسیطة وسط.
شکل 78 خ خ صنارة بسیطة صغیرة.
شکل رقم 79 صنارة عمیة کبیرة.
شکل رقم 79 خ صنارة عمیة وسط.
شکل 79 خ خ صنارة عمیة صغیرة.
شکل 80 صنارة کبیرة ذات مخطفین.
شکل 80 خ صنارة وسط ذات مخطفین.
شکل 80 خ خ صنارة صغیرة ذات مخطفین.
شکل 81 صنارة کبیرة ذات ثلاثة مخاطیف.
شکل 81 خ صنارة وسط ذات ثلاثة مخاطیف.
شکل 81 خ خ صنارة صغیرة ذات ثلاثة مخاطیف.

عتلة:

hevien
هذه آلة تستخدم فی حالة ما إذا بقی شی‌ء من جذور ضرس مکسور فتقلعه و هی قصیرة الطرف غلیظة قلیلا لا طویلة و لا قصیرة لئلا تنکسر (شکل 57).
و من جنس العتل یوجد صور أخری منها واحدة مثلثة الطرف فیها بعض الغلظ (شکل 58) و بعضها مثلث الطرف لطیف (شکل 59).

عود:

لجبر عظم العضد و هو مقوس أملس متوسط الغلظ یربط فی طرفه رباطان ثم یعلق من موضع مرتفع و یجلس العلیل علی کرسی ثم یلقی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 169
ذراعاه المکسوران علی العود حتی یصیر إبطه ملصقا فی وسط الإنحناء العود ثم یعلق من فوقه شی‌ء ثقیل أو یمده خادم إلی أسفل ثم یسوی الطبیب الکسر بیدیه معا حتی یرد الکسر علی ما ینبغی.

فاس

آلة کالمبضع فی طرفه شوکة تصلح لفصد بعض الأوردة (شکل 137).

قاثاطیر:

هی تعریب‌Catheter و هی آلة لإخراج البول من المثانة کما هو معلوم و هی طویلة فی نحو شبر و نصف رقیقة ملساء تصنع من فضة مجوفة کأنبوب ریش الطیر و فی دقة المیل و لها قمع لطیف فی رأسها (شکل 95).

قصبتان‌Canules :

و تستعمل فی تشمیر العین و هما قصبتان بقدر طول الجفن و عرضهما أقل من عرض مبضع و قد قرضتا من أطرافهما حیث تمسک الخیوط و تشد القصبتان من کلتی الجهتین شدا وثیقا و تترکان أیاما حتی تموت الجلدة و تسقط من ذاتها أو تقرض بالمقراض إن أبطأت بالسقوط (شکل 42).

کلّاب

لإخراج العلق و غیره مما ینشب فی الحلق طرفها معقف و هو الذی یدخل فی الحلق و یشبه فم الطائر و فیه خشونة المبرد إذا قبضت علی شی‌ء لم تترکه (شکل 72).

کلالیب‌Forceps -Pince

: هی آلات تخلع بها الأضراس و السنون المتحرکة و الکلالیب التی یحرک بها الضرس أولا تکون طویلة الأطراف قصیرة المقبض غلیظة لئلا ینثنی عند القبض بها علی الضرس و لا تعطی أنفسها و هی من الحدید أو الفولاذ و فی طرفها أضراس یدخل بعضها فی بعض فتنقبض قبضا محکما وثیقا و إذا کانت الأطراف کالمبرد یکون قبضها قویا (شکل 55).

کلالیب

تشبه أطرافها فم الطائر الذی یسمی تدرجةCigogne
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 170
و هذه الکلالیب لقلع أصل الأضراس التی تکون قد انکسرت و تصنع کالمبرد أو کالاسکفاج (شکل 56) و لهذه الکلالیب صور أخری.

لولب‌Vis :

هو آلة یفتح بها فم الرحم و هو شبیه بملزم مجلد الکتب و یکون إما من أبنوس أو من خشب البقس له لولبان فی طرفی خشبتین و یکون عرض کل خشبة نحو إصبعین و حرفها نحو إصبع و طولها شبر و نصف و فی وسط الخشبتین زائدتان من جنس الخشبة نفسها قد أوثقتا فیها یکون طول الواحدة منها نصف شبر و أکثر قلیلا و عرضها نحو إصبعین أو أکثر قلیلا و هاتان الزائدتان هما اللتان تدخلان فی المهبل لیفتح بها عند إدارة اللولب (شکل 102).

لولب آخر:

اشارة

ألطف و أخف یصنع من خشب الآبنوس أو البقس علی شکل الکلالیب إلا أن طرفیه زائدتان طول کل زائدة منها نحو شبر و عرضهما أصبعان و عند فتح المهبل تدخل هاتان الزائدتان مضمومتین فی المهبل و طرف الآلة ممسوک أسفل من الفخذین ثم تفتح الید کما یفعل بالکلالیب سواء بسواء علی قدر ما یراد من فتح المهبل حتی تصنع القابلة ما ترید (شکل 103).

لولب آخر:

ذکرته الأوائل (شکل 104).

مبخرة:

للتبخیر بها عند احتباس الطمث و الشیمة و نحو ذلک و تصنع من نحاس فیوضع طرفها الرقیق فی القبل و الطرف الواسع علی النار و البخور مجعول علی الجمر (شکل 113).

مبرد:

من حدید یبرد به الضرس النابت علی غیره المتمکن نصابه دقیق النقش کالمبرد لیبرد به الضرس قلیلا قلیلا و کذلک الضرس الذی انکسر بعضه و باقیة بعضه یؤذی اللسان عند الکلام (شکل 64).

مبضع حاد الطرفین

لشق الجلد فوق الشرایین لربطها (شکل 31).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 171

مبضع

لشق الأورام و التجمعات الصدیدیة و هو کالمشرط المدور إلا أن نصله مستدیر (شکل 30).

مبضع

تستر بین الأصابع عند بطّ الأورام لا یشعر بها المریض و هی ثلاثة أنواع کبیر و متوسط و صغیر (أشکال 85 و 85 خ و 85 خ خ).

مبضع أملس الطرف

و هو مبضع طرفه کال غیر محدود و تستعمل فی قطع الظفرة من العین و نتوء لحم الماق (شکل 43).

مبضع دقیق لطیف

لقطع الأشیاء الغریبة الساقطة فی الأذن بعد ترطبها برطوبة الأذن (شکل 36).

مبضع زیتونی

و هو مبضع أقل عرضا و أرق طرفا یصلح لفصد العروق الدقاق (شکل 139).

مبضع شوکی‌Pointu :

هو مبضع طویل محدود الجهتین محدود الطرف و إنما طرفه قصیر لئلا یجوز به عند العمل إلی المعاء فتنفذ فیها و هو خاص ببزل البطن فی الحبن و هو معد لثقب جدر البطن ثم تدخل مکانه أنبوب رقیقة لتفریغ الماء (شکل 90).

مبضع شوکی آخر:

و هی التی یشق بها النواصیر طرفها معقف إحدی جهتیه حادة جدا و الجهة الأخری غیر حادة لا یقطع بها ما لا حاجة إلی قطعه (شکل 115)

مبضع عریض ریحانی

نصله علی هیئة ورقة الآس و هو ینفع فی فصد عروق المرفق و العروق المجوفة الممتلئة البارزة الغلیظة (شکل 138).

مبضع لطیف‌leger :

یکون طرفه أی نصله فیه بعض العرض قلیلا محدودا و سائر المبضع أملس الجنبین لئلا یؤذی الأذن و یفتح به الأذن المسدودة أی تقطع الزوائد التی قد تکون نبتت فیها (شکل 39).

مبضع لطیف أملس

عند ما تکون الظفرة هشة لا یمکن إدخال
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 172
الإبرة فیها و لا تثبیت صنارة فإنها تجرد من فوق جردا بلطف بهذا المبضع (شکل 44).

مبضع لقطع اللوز:

هو آلة تستعمل عند عدم وجود مقطع اللوزة و هو کالمبضع إلا أن طرفه معقوف و هو حاد من جهة واحدة و غیر حاد من الجهة الأخری (شکل 68).
مبضع نشیل 218]:
[و النشیل هو السیف الخفیف الرقیق اللسان و هو الذی یصلح للشق و یکون منه أنواع عراض و رقاق علی حسب سعة العروق و ضیقها (شکل 140).

مبضع نشیل آخر:

للشق علی الحصاة شقا عجانیا (شکل 98).

مبضعان عریضان

لقطع الجنین (شکلا 111، 112).

مثقب لا یغوص

لأنه لا یتجاوز عظم القحف إلی ما وراءه و ذلک لأن للمثقب حرفا مستدیرا علی هیئة طوق أو دائرة فوق طرفه الحاد فیمنعه من أن یغوص و یجاوز ثخن العظم و من هذه المثاقب عدة یصلح کل واحد منها لمقدار ثخن العظم المراد ثقبه و هذه صورة ثلاثة أنواع من المثاقب کبیرة و متوسطة و صغیرة (شکل 145).

مجدع

المجادع تصنع من نحاس و هی کالقضیب تشبه المرود الذی یکتمل به و فی طرفه شبه ملعقة عریضة یکون فی رأسها شفرة المبضع العریض و شفرة المبضع مخفیة تشبه لسان الطائر یجری إلی داخل و إلی خارج متی أحببت (شکل 84) مجدع وسط (و شکل 84 خ) مجدع صغیر و هو من الآلات التی تنصرف للشق و البط.

مجرد:

المجارد آلات یجرد بها الأضراس و السنون لرفع السواد و الخضرة و الصفرة عنها و المجارد مختلفة الصور کثیرة الأشکال علی حسب ما
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 173
یتهیأ للعمل فبعضها یجرد به من داخل و بعضها من خارج و بعضها للجرد بین الأضراس (شکل 54).

مجرد آخر:

کالملعقة أو کالمبرد و هو المسمی خشنة الرأس (شکل 48).

مجرد لکشط العظام

اشارة

أی جردها. رأسه کرأسی المسبار مکوکب أی علی شکل النجمة و نقشه علی هیئة نقش الإسکفاج و به یحک رأس المفاصل إذا فسدت أو عظم واسع کبیر و شکل 123).

مجرد آخر:

ذو تجویف (شکل 124).

مجرد آخر:

معطوف الطرف (شکل 125).

مجرد آخر:

عریض (شکل 126).

مجرد آخر:

(شکل 127).

مجرد صغیر:

یشبه المسبار (شکل 129).

مجرد طرفه کالمبرد:

اشارة

ینفع فی مواضع کثیرة من جرد العظام (شکل 131).

مجرد:

یصلح لجرد ما تفتت من العظام طرفه مثلث حاد الحواش یصنع من الحدید (شکل 132).
و المجارد کلها تصنع من الحدید.

مجرفة الأذن

(لابن بطلان) آلة کالمجرد لرفع الأشیاء الغریبة من الأذن.

محاجم

جمع محجم و هی ثلاثة أنواع کبار و أوساط و صغار و هذه المحاجم تصنع من نحاس أو من صینی مدورة إلی الطول قلیلا اسطوانیة رقیقة الجدر و بها یقطع النزف بسرعة و ینبغی أن یکون لدی الطبیب منها
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 174
من جمیع القیاسات (شکل 86) صورة محجم کبیر و (شکل 86 خ) صورة المحاجم المتوسطة و (شکل 86 خ خ) صورة المحاجم الصغیرة.

محجمة تستعمل بالنار:

یکون سعة فمها إصبعان مفتوحان و عمقها نصف شبر تصنع من النحاس الأصفر غلیظة الحاشیة ملساء و مستویة مجلوة لئلا تؤذی العضو عند وضعها و فی وسطها قصبة معترضة من نحاس أو حدید حیث توضع الشمعة بالنار و قد تصنع هذه المحجمة کبیرة أکبر من ذلک أو أصغر و ذلک بحسب الأمراض و سن مستعملها و فی جنب المحجمة فی نحو النصف ثقب صغیر علی قدر ما تدخله الإبرة و هذا یوضع الحاجم إصبعه علیه عند الاستعمال فیسده و عند الانتهاء یرفع الإصبع عن الثقب فتنحلّ المحجمة فی الحال (شکل 141).

محجمة بالماء:

هذه المحجمة لیس فیها قضیب صلب لوضع الشمعة فوقه و لا ثقب فی جانبها و إنما تملأ بالماء و توضع علی العضو فقط و هذه المحجمة کلما کانت کبیرة لتسع ماء کثیرا کانت أفضل و یستعمل فیها الماء الحار أو المطبوخ بالحشائش (شکل 86).

محقن کبیر(clystere)

: تصنع أنبوب المحقن من فضة أو من صینی أو من نحاس مقروع أو مضروب و قد یصنع من هذه الآلة صغار و کبارا بحسب الاستعمال فالصغار تستعمل للصبیان (شکل 117) و قمة الأنبوب الأعلی تربط فیها الرقة(Parchemin) و یکون واسعا علی شکل القمع و له حاجز حیث تربط فوقه الرقة و طرفه الأسفل الذی یدخل فی المقعدة یکون أملس رقیقا مصمتا و فی أحد جنبیه ثقبان و فی الآخر ثقب واحد و اتساع الثقب علی غلظ المرود أو أغلظ قلیلا و الرق الذی یدخله الدواء یکون من مثانة حیوان أو من رق ضأن یعمل علی هیئة سفرة (السفرة کیس یزر بخیط) و یکون بقدر شبر و نصف و فی حرف الرق ثقوب کثیرة یدخل فیها خیط وثیق تجمع به الرق کالسفرة فإذا وضع فیه الدواء ربط رأس الکیس هذا فی طرف المحقن فوق الحاجز ربطا وثیقا ثم یحقن الدواء.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 175

محقن لطیف

تحقن به المثانة کالزراقة یصنع من فضة أو من أسباذرویه(Orichalque) رأسها الأعلی تشبه القمع الصغیر و تحته حز یقع فوقه الرباط ثم تؤخذ مثانة حمل و یوضع فیها السائل المراد حقنه و تربط فوق الحزّ ربطا قویا بخیط و تدفأ تلک السوائل قلیلا ثم یدخل طرف المحقنة فی الإحلیل ثم یشد بالید علی المثانة شدا قویا فیندفع السائل إلی المثانة و إذا لم تحضر مثانة یؤخذ رق و یصنع منه مثانة (شکل 97).

محک الجرب

(لابن بطلان) أظنها آلة لحک جرب الأجفان‌trachqma .

مخالب التشمیر:

(لابن بطلان) آلات کالصنانیر تستعمل فی تشمیر الأجفان.

مخرط المناخیر:

(لابن بطلان) آلة لقطع اللحم الزائد النابت فی الأنف.

مدسّ Sonde Ou explorateur)

: هو آلة کالمرود لجس و استقصاء الأورام تؤخذ هذه الآلة فتدس فی أرطب مکان و هی تدار بین الأصابع قلیلا قلیلا ثم یخرج المدس و ینظر إلی ما یخرج معه فی أثره من أنواع الرطوبات.
و المدسات ثلاثة أنواع کبیر و متوسط و صغیر (شکل 75).

صورة مدس کبیر:

(شکل 75) صورة مدس وسط (شکل 75 خ) صورة مدس صغیر.

صورة مدس صغیر:

و تصنع من الفولاذ و هی مربعة الأطراف محکمة.

مدفع repoussoir)

: یدفع به الجنین و هو علی شکل الصنارة یشبک طرفه فی الجنین و یدفع به إلی الأمام (شکل 105).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 176

مدفع آخر:

(شکل 108).

مدفع مجوف

لاستخراج السهام (شکل 135).

مدفع مصمت الطرف

کالمرود لیسهل دخوله فی السهم المجوف (شکل 136).

مزراقة:

لعلها الزراقة. آلة لتقطیر الماء فی جوف المثانة طرفها العلوی مصمت قلیلا و فیه ثلاثة ثقوب اثنان من جهة واحدة و واحد من جهة أخری و تجویفها الذی فیه المدفع‌Piston یکون علی قدر ما یسده حتی إذا جذب به سائل انجذب و إذا دفع به اندفع إلی بعد و کیفیة استعمالها کمحقنة الزجاج (شکل 96).

مسبار:

مثقوب الطرف کإبرة الإسکاف یدخل فیها خیط مفتول من خمسة خیوط فیدخل المسبار بالخیط فی الناصور (فی علاج النواصیر و الشق علیها) حتی یبلغ قعره (شکل 114) فإن کان منفوذا فی حاشیة المقعدة یخرج الخیط من ذلک الثقب و یجمع بین الطرفین و یشد و یترک یومین أو ثلاثة فینقطع اللحم.

مسعط:

و هو آلة تقطر الأدهان فی الأنف و یصنع من فضة أو نحاس شبه القندیل الصغیر مفتوحة کالمدهن و مجراها کذلک و أنبوبتها ملفوفة (اسطوانیة) کالقصبة و مدهن المسعط مسطح و له مقبض فی آخره (شکل 53).
مسلّ 219]:
آلة یشق بها الدالیة و هو کالمبضع (شکل 133).

مشداخ‌Cranioclaste :

و هو آلة تشرخ بها رأس الجنین حتی یسهل إخراجها من فم الرحم و هو یشبه المقص و له أسنان فی طرفه (شکل 106) و قد یکون الطرف مستطیلا کالکلالیب و له أسنان کأسنان المنشار
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 177
تقطع بها و ترض (شکل 107).

مشرط:

هو آلة تشق و تسلخ بها السلع و الأورام و هی ثلاثة أنواع کبار و متوسطة و صغار و هذه المشارط عریضة النصل و أحد طرفیها حاد و الآخر غیر محدود و أنها جعلت کذلک لیستعان بها فی شق السلعة.
(شکل 82) صورة مشرط کبیر.
(شکل 82 خ) صورة مشرط متوسط.
(شکل 82 خ خ) صورة مشرط صغیر.[220]

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة ؛ ص177

مشعب

هو آلة من حدید الفولاذ مثلث الطرف حاد مغروز فی عود «أی فی مقبض» من الخشب و هی معدة لثقب الحصاة فی جوف مجری البول و القضیب و ذلک لثقب الحصاة و تسلیک البول ثم یزم بالید فوق الحصاة فتتفتت و تخرج مع البول (شکل 99).

مفتاح الرحم

(لابن بطلان) هو آلة کاللولب عند الزهراوی.

مقدح 221]:

هو آلة کالمبضع یستخدم فی قدح الماء النازل فی العین‌Cataracte (شکل 50).
و یوجد مقدح آخر منفذ یمص به الماء و توجد مقادح أخری مختلفة عنه (شکل 51، 52).

مقذتان 222]:

مفردها مقّذ و هو نوع من أنواع المباضع ذو حدین إلا أنه أقل حدة من السکین.

مقص

صغیر لقطع ما یفضل من الجلد فی عملیات الجفن أو غیرها (شکل 41).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 178

مقص التطهیر:

شعبتان قاطعتان لا عوج فیهما و مسامیره فی مستوی النصل الذی یبلغ طول المقبض (شکل 49).

مقص لطیف

یستعمل فی لقط السبل (شکل 47).

مقطع

اشارة

تقطع به العظام (شکل 130).

مقطع:

آخر صغیر للعظام (شکل 133).

مقطع اللوزة:

هی آلة تشبه المقص و طرفها معقوفان و تجویفاهما متقابلان أحدهما بحذاء الآخر و حادان جدا و تصنع من الحدید أو الفولاذ (حدید مسقی) (شکل 67).

مقطع عدسی‌Couteau Lenticalaire :

یصلح لجرد و تسویة خشونة ما بقی من العظم، و هو أدق و ألطف من سائر المقاطع و جزؤه العدسی أملس لا یقطع شیئا و جزؤه الحاد من الجانبین فهو ملحوم بالطول فوق الجزء العدسی (شکل 146).

مقطع لطیف

ضیق الشفرة یقطع به العظم المکسور (شکل 143).

مقطع آخر:

أعرض من الأول قلیلا (شکل 144).
و هذه المقاطع یوجد منها عدة مختلفة و بعضها أعرض من بعض.
و بعضها أقصر من بعض و تکون فی غایة من حدة أطرافها و هی من حدید أو فولاذ جید.

مکبس اللسان

هی آلة مجوفة تصنع من فضة أو من نحاس تکون رقیقة کالسکین و مسطحة یکبس بها اللسان لرؤیة الحلق و کشف أورامه (شکل 66).

مکمدة الحشا:

(لابن بطلان) آلة تستعمل للضماد (اللبخ فی عصرنا).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 179

مکواة:

هی ساق من الحدید یبلغ طوله نحو 12 أو 15 سنتیمترا و لها طرف یتغیر شکله بتغیر مکان الکی و نوع المرض الذی یکوی فیه و هی لذلک أنواع کثیرة:

مکواة آسیة:

لأن کیها علی شکل ورقة الآس و یکوی بها العشر فی أشفار العین و الشتر (شکل 10).

مکواة انبوبیة:

و هی علی شکل الأنبوب یکوی بها الأضراس و أشکالها تتعدد کأشکال 14 و 15 و 16.

مکواة دائرةCautere nummulaire :

یکوی بها فوق الحدبة البارزة فی ابتداء الحدبةGibbosite (شکل 25).

مکواة کسابقتها:

إلا أن طرفها هلالی تکوی بها الفتوق و هی درجات بحسب السن (شکل 27).

مکواة أخری دائرة:

تکوی بها فوق المعدة تنقیطا تحت النتوء الخنجری للقص (شکل 18).

مکواة أخری

یکوی بها الکبد تکوی 3 نقط (شکل 19).

مکواة ذات ثلاث شعب

و یکوی بها تنقیطا (شکل 15).

مکواة ذات السکینین

تکون حادة السکینین و شبیهه بالمقذتین و نصلها حاد کالمبضع أو أقل حدة لئلا تسرع إلیها البرودة و إذا کانا سمیکین تحفظ فیها الحرارة و هی لکی الشریان و قطعه (شکل 32).

مکواة ذات السفودین

و هی مکواة عادیة إلا أن بأحد طرفیها ثلاث شعب کرقة المرود یکوی بها فوق المفصل فی الخلع (شکل 17 خ).
مکواة زیتونیة الشکل
یکوی بها فی الفالج و الصداع و السکات (جمع سکتة) و نحوها من الأمراض و خلع الورک و عرق النسأ (شکل 1
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 180
و شکل 26 صورة مکواة زیتونیة متوسطة).
و شکل 2 صورة ثانیة و لکنها ألطف یکوی بها قرنی الرأس أی الفأس‌Occiput و المقدم.

مکواة سکینیة:

و هی نوع من السکینة إلا أنها ألطف و ینبغی أن یکون فی نصلها غلظ و یکوی بها فی اللقوة حتی یحرق نصف الجلد (شکل 6) (و شکل 7) مثال آخر من المکواة السابقة یکوی بها فی الشلل فوق فقار الظهر.

مکواة سکینیة أخری

صغیرة حدها رقیق کحد السکین یکوی بها شعرةFissuve الشفاة (شکل 13).

مکواة أخری

صورتها کالسکین المعوجة النصل یکوی بها فی أورام الساقین و القدمین (شکل 21).

مکواة تشبه العین

أو حرف تاء الیونانیة یبط بها الصفاق و هی حامیة حتی تخرج الرطوبة کلها فی الأدرة المائیةHydrocele (شکل 101).

مکواة کالقدح

لکیّ الورک و هی عبارة عن قدح بقدر نصف شبر و سمک نواة ثمر فی داخله قدح فی داخله قدح ثالث و یکون بعد ما بین قدحین بقدر عقدة الإبهام و کلها مفتوحة من الجهتین و ارتفاعها نحو عقدة أو عقدتین و لها مقبض من حدید شکل 23.

مکواة مجوفة:

و هی کهیئة الأنبوب رقیقة کریش النسر من الطرف الواحد الذی یکون به الکی و الطرف الآخر منفوذ أو مصمت کالمرود بحسب الإرادة و المجوفة أفضل و یکوی بها النواصیر العینیة فی مأق العین (شکل 11).

مکواة مسماریة:

لأن رأسها أو طرفها کرأس المسمار فیه بعض التعقیف و فی وسطها نتوء و یکوی بها فی الشقیقة مکان الوجع و فی أمراض
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 181
الکلی و المثانة و یکوی بها بواسیر المقعد و الرحم (شکل 3، 4).

مکواة مسماریة أخری

یکوی بها فی وجع الظهر فوق وجع الظهر فوق الوجع ثلاثة صفوف فی کل صف خمس کیات (شکل 24).

مکواة منشاریة:

أو مسماریة کما قال‌Leclerc (شکل 8).

مکواة میلیةStyliforme :

لسائر الفتوق (شکل 18).
مکواة تشبه المیل-
تستعمل لبط خراجات الکبد و بعد أن یعلم موضع البط بالمداد تحمی المکواة و یکوی الجلد حتی یحرق و تنتهی المکواة إلی الصفاق و تخرج المدة و هی کشکل الحربة و یکوی بها أیضا الثآلیل و الشوصةPleuresie و نواصیر المقعد (شکل 20).

مکواة تسمی النقطةCautere apointe :

و هی کالمسماریة إلا أن طرفها علی هیئة رأس الدبوس و ینقط بها بعد إحمائها علی مکان الوجع (شکل 5).

مکواة هلالیةSami -Lunaire

: و هی کالمکاوی إلا أن طرفها علی شکل هلال و یکوی بها جفن العین فی استرخاء الجفن أو یکوی فوق الحاجبین (شکل 9).

مکواة هیلجیة:

هی آلة نافعة جدا و هی صالحة لنزف الدم و للجرح إذا تعفن و هی عبارة عن قضیب من المعدن و فی طرفه قطعة علی شکل هلال (شکل 93).

ملزم البواسیر:

(لابن بطلان) آلة کملزم مجلد الکتب تزم بها البواسیر لقطعها.

منشار صغیر:

لنشر الضرس الذی نبت من خلف ضرس آخر أو کان ملصقا بضرس آخر و هو من الحدید حاد الطرف جدا. (شکل 63).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 182

منشار عظیم

المناشیر من هذا النوع کثیرة علی حسب وضع العظام و اتجاهها و غلظها و رقتها و کبرها و صغرها و صلابتها و تخلخلها فلکل نوع من العمل آلة مشاکلة لذلک العمل فی أشکالها (شکل 119 و شکل 120 و شکل 121 و هو منشار صغیر و شکل 122 و هو منشار کبیر و شکل 128 صورة منشار آخر محکم.

منقب 223](Perforateur)

: یستعمل فی ناصور الأنف و هو أن یکشف أولا عن العظم بالمبضع أو بالدواء الکاوی ثم یوضع علی العظم نفسه قرب الماق بعید عن العین قلیلا و یدار بالید حتی ینقب العظم و المنقب طرفه الحدید مثلث و عوده خشب مخروطی رقیق الطرف (شکل 49).

النشاب

(لابن بطلان) آلة کالمخطاف (من نشب الشی‌ء بالشی‌ء أی علق به).
و الزهراوی هو صاحب کتاب التصریف لمن عجز عن التألیف و هو الموسوعة الطبیة الکاملة التی تحتوی علی رسوم إیضاحیة للأدوات و الآلات الجراحیة.
یقول الزهراوی فی مقدمة الجزء الأول لکتابه 224] «و السبب الذی لا یوجد من أجله صانع محسن فی زماننا هذا أن صناعة الطب طویلة و ینبغی لصاحبها أن یرتاض قبل ذلک فی علم التشریح الذی وضعه جالینوس حتی یقف علی منافع الأعضاء و هیآتها ...
و من خلال کتاب الزهراوی: «التصریف لمن عجز عن التألیف نلاحظ کما یقول الدکتور محمد رضا عوضین 225]: تأثره کغیره من الأطباء
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 183
فی هذه العصور بنظریة الأخلاط تأثرا شدیدا. و قد حاول أن یفسر جمیع أسباب العلل تبعا لهذه النظریة، و بالتالی محاولة علاجها حسب الأسباب التی تتصورها هذه النظریة من کسر لحدة الخلط الزائد باستعمال الفصد و المسهلات أو الأدویة أو الأغذیة الخاصة بکل خلط حسب الحالة فإذا ما تخطینا هذه العقبة و استثنیناها عند تقییم هذه المقالات، فإننا نلاحظ دقة کبیرة فی وصف العلامات السریریة «الإکلینیکیة» الهامة التی تقرب کثیرا من المشاهدات الموصوفة فی مراجع الطب الحدیث، کما نلاحظ دقة متناهیة فی الوصف التشریحی لبعض الأمراض مما یوحی بأنه قد قام بتشریح هذه الأجهزة بنفسه.
و فی الجزء الأول یتکلم عن السکتة- و أما ما یسمیها بالفالج العظیم- و هو وصف دقیق لما تشاهده الیوم من اضطرابات مختلفة فی الدورة الدمویة داخل المخ أو ما یسمی» Cerabralapoplexy «و یقسمها إلی ثلاثة أحوال: الأولی هی المزمنة أی التی لا یبرأ منها المریض، و الثانیة هی تلک التی یبرأ منها المریض، و الثالثة التی تقتل سریعا، و إذا ما قارنا ذلک بما یوصف فی الوقت الحاضر فی مثل هذه الحالات فلا نجد أنها تخرج عن هذا التقسیم کثیرا فما زلنا نصنفها إلی ثلاثة حالات: الأولی و هی المزمنة و غالبا ما تکون لجلطة فی أحد شرایین المخ الرئیسیة التی یبرأ منها فقد تکون ناتجة عن ارتفاع مؤقت لضغط الدم العام أو جلطة صغیرة فی أحد شرایین المخ و سرعان و ما تتکلّل أو یجرفها تیار الدم أو تقلص وقتی فی أحد شرایین المخ، أما الثالثة: أی التی تقتل سریعا- فغالبا ما تکون نتیجة عن نزف داخل المخ.
کذلک نلاحظ وصفا دقیقا لعلامات «إکلینیکیة» هامة فی مثل هذه الحالات، منها اهتمامه بملاحظة التنفس کعلامة لشدة السکتة، و تعریفه الدقیق للغیبوبة فی السکتة القویة «و هی التی تنقطع فیها الأفعال المدبرة الثلاثة و هی التخیل و الفکر و الذکر و الحس و الحرکة، و کذلک ملاحظته
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 184
لمقدمات السکتة من صداع شدید مفاجی، و دوار، و تخیلات بصریة تسمی الیوم بهلاوس بصریةVisual Hallucinations و عربیتها السمادیر و کذلک إدراکه الصحیح بأن خروج الزبد من الفم علامة سیئة لحالة المریض.
و کذلک تفهمه للفالج الناقص أی الشلل النصفی البسیط، أی غیر المصحوب باضطراب شدید فی درجة الوعی‌Hemiplegia أما القوی منها فهی ما تسمی فی الطب الحدیث بشلل العصب المخی السابع أو شلل العصب الوجهی‌Facial palsy و من أهم أنواعه ما یسمی بشلل «بل»Bell's Palsy و لکنه فیما یبدو لم یستطع أن یتبین أن عصب حس الوجه مختلف عن العصب المحرک لعضلات الوجه و اعتبرهما عصبا واحدا، و هذا یرجع بالطبع إلی عدم إلمام أطباء هذه العصور بالتشریح الکامل للجسم البشری، و لکنه فی هذا الجزء أیضا تجد هناک ملاحظات إکلینیکیة دقیقة، منها وصفه للعلامات الإکلینیکیة للشلل، و ذکره أن الوجه یمیل نحو الجانب الصحیح، و کذلک تفرقته بین شلل العصب و تشنج العصب السابع‌Facial Spasm و فی هذا النوع الأخیر یذکر لنا أن الوجه ینجذب نحو الجانب المریض بعکس الشلل فکل هذا یماثل تماما المفهوم الطبی الحدیث. أما فی القول عن التشنج فتلاحظ کیفیة تمییزه بین التشنج‌Convulsions و الحرکات اللاإرادیة الأخری‌involutary .
و کذلک تمیزه بین أنواع التشنج المختلفة و أیضا تفرقته بین التشنج و الامتداد» Tanic Spasms «و فی هذا الأخیر یصف حالة تقارب تماما ما نعرفه الیوم بمرض «التیتانوس» و فیه یصف العلامات الإکلینیکیة بدقة متناهیة حتی علامة الفم و الأسنان «و ربما عرض لبعضهم سبب الضحک و کشف الأسنان» و هذه العلامة هی ما تسمیها الیوم باسم‌Risus Sardomnieus و تعتبر علامة أساسیة فی تشخیص المرض و فی هذه المقالة أیضا استطاع تشخیص حالات الشلل الناتجة عن قطع الأعصاب و هو ما یسمیها بالاسترخاء و یطلق علیها الیوم بمرض العصاب المحرک السفلی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 185
لوحة 4
صور آلات الکحالة کما جاءت فی کتاب الکافی فی الکحل لخلیفة الحلبی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 186
لوحة 5
صور آلات الکحالة کما جاءت فی کتاب الکافی فی الکحل لخلیفة الحلبی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 187
لوحة 6
صور بعض الآلات الطبیة و الجراحیة التی عثر علیها فی أثناء التنقیب فی خرائب الفسطاط و المحفوظة بدار الآثار العربیة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 188

Lower Motor Neuroneision
و إدراکه للأسباب المتعددة لذلک، و منها إخراج العمود الفقری الذی ینتج فی معظم الأحوال حسب المفهوم الحدیث عن تدرن العمود الفقری أو ما یسمی بمرض «بوت»Pott's disease .
أما الجزء الأخیر- و هو القول فی عدم الشم أو نقصانه- فنلاحظ دقة متناهیة فی تقسیم أسبابه لا تختلف کثیرا عن مفهومنا عنه فی الطب الحدیث، فقد استطاع أن یمیز بین الشم الخلقی‌Congenital و المکتسب و استطاع أیضا أن یتتبع بدقة تدعو للدهشة أسباب عدم الشم المکتسب من نهایة العصب فی بطنی الدماغ‌Orbitalsar Face Qffrontal labe حتی بدایته فی الأغشیة المخاطیة بالأنف، و نلاحظ کذلک الوصف الدقیق لعظمة المشاش ذوات الثقوب الکثیرة التی تنفذ منها ألیاف عصب الشم و هی التی تسمی بالإنجلیزیةCribriform Plate Of ethmoid Bone مما یوحی بل یؤکد ممارسته لتشریح هذا الجزء المعقد الدقیق من الجسم و کذلک یشیر فی علاج نقصان الشم إلی کیفیة سعوط الأنف، و أهمیة أن یقلب المریض رأسه إلی الخلف ما أمکن، و یجذب النفس إلی دماغه حتی یحس بالدواء فیه، و هذا یتفق تماما مع مفهومنا الطبی الحدیث، حیث ینصح المریض بذلک عند استعمال أدویة الأنف حتی یصل العقار إلی الجیوب الأنفیة التی تقع أعلی الأنف و علی جانبیه.
و أهم أجزاء کتاب التصریف للزهراوی «المقالة الثلاثون» و قد أفرد هذه المقالة للجراحة. و لأهمیة هذه المقالة نعرض لفصولها بوضوح لنبین مدی أصالة علم الجراحة عند العرب. و لا بد لنا أن ننسب الفضل لأهله. فقد عثرت علی هذا العرض العلمی الدقیق الرائع للمقالة الثلاثین من خلال کتاب الموجز فی تاریخ الطب و الصیدلة عند العرب بإشراف الأستاذ الدکتور/ محمد حسین کامل رحمه اللّه 226]. یبدأ الزهراوی هذا الجزء بمقدمة توضح حال الجراحة و منزلتها فی أیامه یقول فیها: «لما حملت
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 189
لکم یا بنی هذا الکتاب الذی هو جزء من العلم بالطب بکماله، و بلغت الغایة فیه من وضوحه و بیانه، رأیت أن أحمله لهذه المقالة التی هی جزء العمل بالید، لأن العمل بالید فی بلادنا و فی زماننا معدومة ألبتة حتی کاد أن یدرس علمه و ینقطع أثره، و إنما بقیت منه رسوم یسیرة فی کتب الأوائل، قد صحفته الأیدی و واقعه الخطأ و التدریس، حتی استغلقت معانیه و بعدت فائدته، فرأیت أن أحییه و أؤلف فیه هذه المقالة عن طریق الشرح و البیان و الاختصار، و أن آتی بصور جدیدة للکی و سائر الآلات للعمل بالید إذ هو من زیادات البیان و من وکید ما یحتاج إلیه. و السبب الذی لا یوجد صانع محسن بیده فی زماننا هذا لأن صناعة الطب طویلة و ینبغی لصاحبها أن یرتاض من قبل ذلک فی علم التشریح الذی وضعه جالینوس حتی یقف علی منافع الأعضاء و هیئاتها و درجتها و اتصالها و انفصالها و معرفة العظام و الأعصاب و العضلات و عددها و مخارجها. قال الفاضل أبو قراط أن الأطباء بالإسم کثیر و بالفعل قلیل و لا سیما فی صناعة الید «الجراحة». و قد ذکرنا نحن من ذلک طرفا فی المدخل من هذا الکتاب لأنه من لم یکن عالما بما ذکرنا من التشریح لما یخل أن یقع فی خطأ، کما قد شاهدت کثیرا من تصدر فی حال العلم و ادعاه بغیر علم و لا درایة .... و لهذا ینبغی لکم أن تعلموا أن العمل بالید ینقسم إلی قسمین:
الأول: تصحبه السلامة، و عمل یکون معه العطب فی أکثر الحالات.
تنقسم هذه المقالة إلی ثلاثة أبواب:
الباب الأول: یختص بالکی و هو مقسم إلی 56 فصلا.
الباب الثانی: یختص بالشق و البط و الفصد و سائر العملیات الجراحیة، و به جزء عن أمراض النساء و الولادة و العیون و الأنف و الحلق و هو مقسم إلی 100 فصل.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 190
الباب الثالث: یختص بالکسور و الخلع.
و سنتکتفی بإلقاء الضوء علی الباب الأول و الثانی فمن خلالهما یتبین لنا کیف کان الزهراوی جراحا عظیما.
الباب الأول: الکی
علاج الأمراض بالکی بالنار طریقة قدیمة جدا، و النظریة فی ذلک أن الأقدمین کانوا یظنون أن بعض الأوجاع و الأمراض سببها رطوبات فاسدة، لذلک کان علاجها الشافی هو النار و هی الحار الیابس.
و لم یکن الزهراوی أول من استعمل الکی غیر أنه وصل به إلی حد یقرب من الکمال، و ابتدع له کثیرا من الأدوات و طرق الصناعة. و فی 56 فصلا یصف الزهراوی طریقة الکی فی الأمراض المختلفة من الرأس إلی القدم.
و قد صم عدة أشکال مختلفة للمکاوی التی یستعملها مبینا مکان استعمال کل واحدة. و من هذه المکاوی:
1- المکواة الزیتونیة.
2- المکواة السکینیة.
3- المکواة الهلالیة.
4- المکواة المسماریة.
5- المکواة ذات السفودین.
6- المکواة ذات العناقید الثلاثة.
7- مکواة الدائرة.
8- المکواة التی تشبه المیل 227].
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 191
و کان یستعمل کی الرأس لعلاج الصداع و وجع الأسنان و أوجاع الحلق و الشقیقة[228]، و النسیان:
و استعمل الکی فوق الرأس و فقرات العنق و الظهر لعلاج الفالج «الشلل» و استرخاء البدن و الصرع و المالیخولیا.
.. و فی حالة الخلع المرتجع للإبط یکوی الجلد فوقه بالمکواة ذات السفودین بحیث تنفذ إلی الجانب الآخر و یأتی شکل الکی أربع کیّات، أو تتخذ المکواة ذات السافافید الثلاثة، فیکون شکل الکی حینئذ ست کیّات.
.. و إذا حدث فی المعدة برد و رطوبات یکون کیّة واحدة فوق المعدة بمکواة الدائرة، أو یکون ثلاث کیات بمکواة مسماریة.
.. و فی ورم الکبد الناتج من خراج تستعمل المکواة التی تشبه المیل و یحرق الجلد کله إلی الصفاق حتی تخرج المدة کلها. و لکنه یحذر من هذا النوع من الکی فیقول أنه لا ینبغی أن یستعمله إلا من طالت دربته فی صناعة الطب.
.. و فی أمراض الکبد یکوی المریض ثلاث کیات فوق الکبد. و فی أمراض الطحال یکوی ثلاث أو أربع کیات علی طول الطحال، و تستخدم فی ذلک مکواة خاصة رأسها بیضاوی. و ما زلنا حتی أیامنا هذه نری مثل اثار هذا الکی فی مرضانا الریفیین الذین یعانون من تضخم الطحال.
و قد استعمل الکی لعلاج الناصور الذی کان فی المقعدة و نواحیها و کان فی موضع لحمی. و لم یکن یفضی إلی خرم المثانة أو إلی خرم المعیّ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 192
الباب الثانی: فی الشق و الفصد و الخراجات و نحوها
.. فی الفصل الأول: یشرح مرض تجمع الماء فی رؤوس الصبیان، و نجده یفرق بین حالتین:
(أ) نوع تجتمع فیه الرطوبة بین الجلد و العظم‌Meningocele
(ب) نوع تجتمع فیه الرطوبة تحت العظم، و علامته أن تری خیاطات الرأس مفتوحة من کل جهةHyrocephalus .
.. و نجده یقول: «إن هذه العلة تسرع إلی الموت»، و لذلک رأی ترک العمل به ..
.. و فی الفصل السابع و العشرین: یصف الأورام الصغار و یسمیها «العقد» التی تعرض لکثیر من الناس داخل شفاههم‌Mucous cysts و یشبه بعضها «حب الکرسنة» و بعضها أصغر، «فینبغی أن تقلب الشفة و تشق علی کل عقدة ثم تحشو الموضع بزاج مسحوق 229] حتی ینقطع الدم ثم یتمضمض بالخل».
.. و فی الفصل الرابع و الثلاثین: یتکلم عن قطع الرباط الذی یعرض تحت اللسان فیمنع الکلام‌Tonguetie فیقول: «قد یکون هذا الرباط الذی یعرض تحت اللسان إما طبیعیا یولد به الإنسان و إما أن یکون من جرح قد اندمل. و العمل فیه أن تفتح فم العلیل و رأسه فی حجرک و ترفع لسانه ثم تقطع ذلک الرباط بالعرض حتی ینطلق اللسان من إمساکه، فإن کان فیه بعض الصلابة و التعقد و کان ذلک من اندمال جرح فألق السنارة فیه و شقه شقا بالعرض حتی یبرأ الرباط و احذر أن یکون الشق فی عمق اللحم فیقطع شریانا هناک فیعرض النزف، ثم یتمضمض العلیل فی أثر
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 193
القطع بماء الورد و بالخل و بالماء البارد، ثم یضع تحت اللسان‌Ranula فتیلة کتان یمسکها العلیل فی کل لیلة، لئلا تلتحم ثانیة».
.. و فی الفصل الخامس و الثلاثین: یتحدث عن إخراج الضفدع المتولد تحت اللسان فیقول: «قد یحدث تحت اللسان ورم شبیه بالضفدع الصغیر یمنع اللسان عن فعله الطبیعی، و ربما عظم حتی یملأ الفم.
و العمل فیه أن یفتح العلیل فمه بإزاء الشمس و تنظر الورم، فإن رأیته کمد اللون أو أسود صلبا و لم یجد له العلیل حسا فلا تعرض له. فإنه سرطان، و إن کان مائلا إلی البیاض فیه رطوبة. فألق فیه السنارة و شقه بمبضع لطیف من کل جهة، فإن غلبک الدم فی حین عملک فضع علیه زاجا مسحوقا حتی ینقطع الدم، ثم عد إلی عملک حتی تخرجه بکماله، ثم تمضمض بالخل و الملح». و هذا الکلام ما زال صحیحا حتی یومنا هذا.
.. و فی الفصل الأبعین: یتکلم عن «بط الأورام و شقها»: و هو یعنی هنا الالتهابات و الخراجات فیقول: «إن أنواعها کثیرة، و هی تختلف فی بطها و شقها من وجهین، أحدهما نوع الورم نفسه و ما یحوی من الرطوبات و النوع الثانی من قبل المواضع التی تحدث فیها من البدن، لأن الورم الحادث فی المقعدة و الورم الحادث فی مفصل، لکل واحد منهما حکم من العمل».
.. «و من الأورام ما لا ینبغی أن یبط إلا بعد نضج القیح فیها و کماله، و منها ما ینبغی أن تبط و هی نیّة لم تنضج علی التمام». و یعطی مثلا لذلک الخراج الحادث بقرب المقعدة لئلا یعفن فینفذ إلی داخل المقعدةAnal Canal فیسیر ناصورا. و هو رأی صحیح لا یزال متبعا حتی الآن.
.. و ینبغی أن یوقع البط فی أسفل موضع من الورم إن أمکن ذلک لیکون أسهل لسیلان المادة إلی أسفل. و فی أرقّ موضع من الورم و أشده،
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 194
نتوءا و لیکن البط ذاهبا فی طول البدن إن کانت الأورام فی نحو الیدین أو الرجلین و مواضع العضلات و الأوتاد و العصب و الشریانات ... «و هذه نصیحة لا نستطیع أن نزید علیها فی الوقت الحاضر.
.. «و إن کان الورم قد قطعت من الجلد بعضها أو قورته فینبغی أن تحشوه بالقطن أو بهدب الکتان من غیر رطوبة و تشده إلی الیوم الثالث، ثم تنزعه و تعالج بما ینبغی من المراهم».
.. و فی الفصل الحادی و الأربعین: یتحدث عن الشق علی الأورام التی تعرض فی جلد الرأس‌Sebaceous Cysts and Lipomata فیقول:
«یعرض فی جلد الرأس أورام صغار و هی من أنواع السلع 230] و تحویها صفاقات کأنها حویصلة الدجاجة و أنواعها کثیرة، فمنها شحمیة، و منها ما تحتوی رطوبة تشبه الحماة[231] و منها ما هی متحجرة و صلبة.
.. «و العمل فی شقها أن تبرها أولا بآلة المدس 232]. حتی تعلم ما تحوی. فإن کان الذی تحوی رطوبة، فشقها علی الطول، فإذا انفجرت الرطوبة فاسلخ الکیس الذی کان یحوی تلک الرطوبة و اقطعه جمیعه و لا تترک منه شیئا البتة، فکثیرا ما یعود إذا بقی شی‌ء منه «و هذه الطریقة ما زالت تستعمل حتی الآن لإزالة الکیس الزهمی 233]Sebaceous Cyst .
.. و إن کان الورم یحوی سلعة شحمیةLipoma فشق علیها شقا مصلبا، و ارم الصنانیر فی الجرح، و ابذل جهدک فی إخراج الصفاق الذی یحویها، فأن اعترضک شریان فاصنع ما وصفنا لک.
.. و الشق علی الورم المتحجر أسهل لأنه قلیل الدم و الرطوبة».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 195
.. و فی الفصل الثانی و الأربعین یتکلم عن الشق علی الخنازیر التی تعرض فی العنق کثیراTuberculous Lymphadenitis فیقول: «تعرض هذه الأورام فی العنق و تحت الإبطین و فی الأربییتین و تکون کثیرة و تتولد بعضها من بعض و کل خنزیرة منها تکون فی داخل صفاق خاص.
.. و أنواع هذه الخنازیر کثیرة، منها متحجرة و منها ما تحوی رطوبات‌Coldabscess و منها خشنة. «فما رأیت منها خشنة الحال فی اللمس و کان ظاهرها قریبا من لون الجلد تتحرک إلی کل جهة و لم تکن ملتزمة بعصب العنق و لا بودج 234] أو شریان و لا کانت غائرة، فینبغی أن تشقها شقا بسیطا من فوق إلی أسفل البدن و تسلخها من کل جهة و تمد شفتی الجرح بسنارة و تخرجها قلیلا قلیلا، و تکون علی حذر لئلا تقطع عرقا أو عصبا، و لیکن المبضع لیس بحاد جدا ... فإن قطعت عرقا أو شریانا و عاقک عن العمل فتجعل فی الجرح زاجا مسحوقا و تشد الجرح و اترکه حتی تسکن حدة الدم فارجع إلی عملک حتی تفرغ منه، «و ما زال الحشو طریقة متبعة لإیقاف النزیف» ثم «تفتش بإصبعک إن کان بقی ثمّ خنازیر أخری صغارا فتقطعها. فإن کان فی أصل الخنزیرة عرق عظیم فینبغی أن لا تقطع تلک الخنزیرة من أصلها بل ینبغی أن تربط بخیط مثنی- و تشقها و تترکها حتی تسقط من ذاتها. فإن قطعت الخنازیر کلها فینبغی أن تجمع شفتی الجرح و تخیطه من ساعته بعد أن تعلم أنه لم یبق فضله ألبتة».
.. «و ما کان من الخنازیر یحوی رطوبات، فتبطها أیضا بطا بسیطا حیث یظهر لک موضع نضجها، و اجعل البط مما یلی أسفل البدن، ثم یستعمل بعد البط الفتل بالمرهم المصری و نحوه لیأکل ما بقی من الفساد».
.. و خلاصة قوله أنه کان یستأصل الغدد الدرنیة اللیمفاویة من الرقبة: و إن کانت ملتصقة فی الورید الودجی أو الشریان السباتی فإنه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 196
یربطها و یشقها و یترکها حتی تسقط، أما إذا کانت تحولت إلی خراج بارد فیکتفی بأن یشق علیها لیستخرج الصدید.
.. و فی الفصل الثالث و الأربعین: یقول فی علاج «الورم الذی یحدث فی الحنجرة و یسد حلق العلیل حتی یشرف علی الموت و یهم نفسه أن ینقطع أن الأطباء الأوائل کانوا یعمدون إلی شق الحنجرة لیتنفس العلیل من موضع الجرح بعض التنفس و یسلم من الموت «.. و أمروا بترک الجرح مفتوحا حتی تنقضی سورة المرض، و تکون سورته ثلاثة أیام و نحوها، و حینئذ أمروا بخیاطة الجرح.
.. أما خبرته هو فیحکیها کما یلی: «و الذی شاهدته بنفسی أن خادما أخذت سکینا فأرسلته علی حلقها فقطعت بعض قصبة الرئة، فدعیت إلی علاجها فوجدتها تخور کما یخور من أشرف علی الموت.
فکشفت عن الجرح، فوجدت الدم الذی خرج من الجرح یسیرا فأیقنت أنها لم تقطع عرقا و لا ودجا، و الریح تخرج من الجرح فخیطت الجرح و عالجته حتی برئ، و لم یعرض للخادم إلا بح فی الصوت و عادت بعد أیام إلی أفضل أحوالها، فمن هاهنا أقول إن جرح الحنجرة لا خطر فیه إن شاء اللّه تعالی.
.. و الفصل السادس و الأربعین: یحتوی علی صور الآلات و وصفها، و هذا الباب یمیز کتاب الزهراوی عن کتب من سبقوه، و هو یقسم الآلات کما یلی:

[اقسام الآلات

1- المدسات

: یقول أنها تصنع من الحدید الفولاذ محکمة الأطراف لتسرع الدخول فی الأورام. و هی ثلاثة أنواع، کبار و أوساط و صغار.

2- الصنانیر

: منها البسیط و منها ذات الخطافین و هی أیضا علی ثلاثة أحجام.

3- المشاریط:

التی یشق بها علی الأورام و تسلخ بها السلع و الأورام
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 197
و تکون أطرافها التی یشق بها محدودة، و الأطراف الأخری غیر محدودة.

4- المسامیر

: و هی علی ثلاثة أحجام، و تصلح لتفتیش الأورام و الجراحات و النواصیر و تصنع من نحاس أو فضة أو حدید.
.. و قد تصنع من الرصاص الأسود لیسیر بها النواصیر التی یکون فی غورها تعریج لتنعطف مع ذلک التعریج.

5- المجارید

: تشبه ما نعرفه باسم ملعقة الکحت و تصنع من نحاس شبیه المرود الذی یکتحل به و فی الطرف ملعقة عریضة من طبقتین.
.. و فی الفصل التاسع و الأربعین: یصف بدقة الأنوریسم‌Aneurysm فیقول: «إذا جرح الشریان و التحم الجلد الذی فوقه، فکثیرا ما یعرض من ذلک ورم، و کذلک یعرض أیضا للورید. و العلامات التی یعرف بها إن کان الورم و النفخ من قبل الشریان أو من قبل ورید، فاعلم أن الورم إن کان من قبل الشریان یکون مستطیلا مجتمعا فی عمق البدن، و إذا دفعت الورم بإصبعک فحسست کأنه له خریرا» Thrill «و الذی یکون من الورید یکون الورم مستدیرا فی ظاهر الجسد.
.. و یقول: «إن الشق علی هذه الأورام خطر، و ینصح بأن تشق علیه فی الجلد شقا بالطول ثم تفتح الشق بالصنانیر، ثم تسلخ الشریان و تخلصه من الصفاقات ثم تدخل تحته إبرة و تنفذها إلی الجانب الآخر، و یشد الشریان بخیط مثنی فی موضعین ثم یشق فی الموضع الذی بین الرباطین حتی یخرج الدم الذی فیه کله و ینحل الورم.
و العلاج بهذه الطریقة بواسطة الربط فوق و تحت مکان الأنوریسم ظل ساریا حتی وقت قریب.
.. و فی الفصل الواحد و الخمسین: یتکلم عن قطع الثآلیل التی تعرض فی البدن، فیقول إنها تشبه الفطر، أصلها دقیق و رأسها غلیظ ..
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 198
«و إذا کان لون الأثلول أبیضا رطبا دقیق الأصل فاقطعه بمبضع عریض، و لیکن بحضرتک المکاوی فی النار، فکثیرا ما یندفع عند قطعها دم کثیرة فتبادر إن غلبک الدم فتکویها. فإن رأیت العلیل جبانا و یفزع من القطع بالحدید فخذ خیطا من رصاص محکم و تشد به الأثلول الذی هذه صفته و اترکه یومین، ثم زد فی شد الرصاص فلا تزال تفعل ذلک حتی ینقطع و یسقط من ذاته ..، و احذر أن تعرض لقطع أثلول یکون کمد اللون قلیل الحس سمج المنظر فإنه ورم سرطانی».
.. و فی الفصل الثانی و الخمسین: یتکلم عن نتوء السرة، فیقول:
«إنه یکون من أسباب کثیرة، إما من انشقاق الصفاق الذی علی البطن فیخرج منه الثرب و المعی علی ما یعرض فی سائر الفتوق، و إما من ورم ینبعث من ورید أو شریان.
.. و إن کان من قبل انشقاق الصفاق و خرج الثرب‌Omentocele فإنه یکون لون الورم شبیها بلون الخس و یکون لینا من غیر وجع:Doughy و إن کان من قبل خروج المعی فیکون وضعه علی ما وصفنا مع اختلاف، إنک إذا کبسته بإصبعک یغیب ثم یرجع، و ربما کان معه قرقرةGurgle .
و یصف علاج الفتق السری کما یلی:
«ینبغی أن تأمر العلیل أن یمسک نفسه و یقف واقفا ممتدا، ثم تعلّم بالمداد حول السرة کلها، ثم تأمره أن یستلقی علی ظهره بین یدیک، ثم تجز بمبضع عریض حول السرة علی الموضع الذی علمت بالمداد، ثم تمد وسط الورم إلی فوق بصنارة کبیرة، ثم تضبط موضع الجز بخیط قوی أو بوتر حریر ربطا وثیقا و یکون عقد الرباط أنشوطة، ثم تفتح وسط الورم الممدود فوق الرباط و تدخل فیه إصبعک السبابة و تطلب المعی، فإن وجدتها قد أخذها الرباط فأرخ الأنشوطة و ادفع المعی إلی داخل البطن، و إن وجدته ثربا فمده بصنارة و اقطع فضله .. و خذ إبرتین فأدخل خیطین
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 199
قویین و تدخل الإبرتین فی الجزء الذی صنعت حول الورم مصلبین قد أنفذتهما ثم تشد الورم فی أربع مواضع علی الإبر».
.. و فی الفصل الثالث و الخمسین: یتحدث عن علاج السرطان، فیقول: «متی کان السرطان فی موضع یمکن استئصاله کله کالسرطان الذی یکون فی الثدی أو الفخذ و نحوها من الأعضاء الممکنة إخراجه منها بجملته، لا سیما إن کان مبتدئا صغیرا، فافعل. و أما متی ورم و کان عظیما فلا ینبغی أن تقربه، فإنی ما استطعت أن أبرئ أحدا منه، و لا رأیت قبلی من وصل إلی ذلک الحد و العمل فیه إذا کان متمکنا .. «و یصف طریقة استئصاله: «ثم تلقی فی السرطان الصنانیر التی تصلح له ثم تقوره من کل جهه مع الجلد علی استقصاء حتی لا تبقی شیئا من أصوله ..
فإن اعترضک فی العمل نزف دم عظیم من قطع شریان أو ورید فاکو العروق حتی ینقطع الدم».
.. و فی الفصل الرابع و الخمسین: یتکلم عن علاج «الحبن» و الحبن:
مرض فی البطن یعظم منه و یعد «الاستسقاء»Ascites فینصح أولا باستعمال الأدویة، فإذا لم تنجح .. انظر فإن کان العلیل قد بلغ به الضعف و إن کان به مرض آخر غیر الحبن مثل أن یکون به سعال أو إسهال أو نحو ذلک فإیاک أن تعالجه بالحدید .. فإن رأیت العلیل وافر القوة لیس به مرض غیر الحبن وحده و لم یکن صبیا و لا شیخا، فوجه العمل تقیم العلیل واقفا بین یدیک، و خادم خلفه یعصر بطنه بیدیه و یدفع الماء إلی أسفل إلی ناحیة العانة ثم تأخذ مبضعا شوکیا، ثم تنظر، فإن کان تولد «الحبن» من جهة الأمعاء، فینبغی أن تبعد بالشق من السرة قدر ثلاثة أصابع إلی أسفل بحذاها إلی فوق العانة فإن کان تولد الحبن من قبل مرض الکبد فلیکن شقک یسرة من السرة قدر ثلاثة أصابع، و إن کان تولده من قبل مرض الطحال فلیکن الشق من الجانب الأیمن بقدر ثلاثة أصابع .. ثم تثقب بالآلة الجلد کله، ثم تدخل الآلة فی ذلک
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 200
الشق و ترفع یدک بالمبضع بین الجلد و الصفاق کأنک تسلخه، و یکون القدر الذی یسلخ قدر الظفر أو نحوه، ثم یثقب الصفاق حتی یصل المبضع إلی موضع فارغ و هو موضع الماء و تخرج المبضع و تدخل فی الثقب أنبوبة تصنع من فضة مصقولة لها فی أسفلها ثقب صغیر و فی جوانبها ثلاثة ثقوب، الاثنان من جهة و الواحد من جهة: و قد یصنع طرفها مبریا علی هیئة بری القلم: فإن الآلة إذا وصلت إلی الماء فإنه ینزل من ساعته علی الآلة فتستفرغ من الماء فی الوقت قدرا متوسطا، لأنک إن استفرغت منه أکثر مما ینبغی فی الوقت فربما مات العلیل بانحلال روحه الحیوانی، أو یعرض له غشی یقرب من الموت، لکن استفرغ علی قدر قوته و ما تدلک علیه أحوال العلیل و قوة نبضه و من حسن لونه ثم تخرج الآلة و یحبس الماء لسبب الجلد الذی یمسک الثقب الذی علی الصفاق .. ثم تعید الآلة یوما آخر إن رأیت العلیل محتملا لذلک، و تخرج من الماء أیضا القدر الیسیر ..»
.. و یجدر أن ننوه بنصیحته بعدم سحب جزء کبیر من الماء، و بطریقته فی منع تسرب الماء إلی الخارج بعد سحب الآلة و ذلک بجعل ثقب الصفاق بعیدا عن الشق الذی فی الجلد.
.. و فی الفصل السابع و الخمسین: یتحدث عن ختان الصبیان‌CIrCum cision .
و یصف الطرق المستعملة ثم یبتدع طریقة خاصة له یسمیها «التطهیر بالمقص و الرباط بالخیط» و یعدد مزایاها. و یصفها کما یلی:
.. «ثم یقوم بین یدیک منتصب القامة و لا یکون جالسا، و اخف المقص فی کمک أو تحت قدمیک حتی لا یقع عین الصبی علیها البتة و لا علی شی‌ء من الآلات ثم تدخل یدک إلی إحلیله و تنفخ فی الجلدة و ترفعها إلی فوق حتی تخرج رأس الإحلیل، ثم تنقیه مما یجتمع فیه من
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 201
الوسخ، ثم اربط الموضع المعلم بخیط مثنی، ثم اربط أسفل منه قلیلا رباطا ثانیا، ثم تمسک إبهامک و السبابة موضع الرباط أسفل إمساکا جیدا و تقطع بین الرباطین، ثم ارفع الجلدة إلی فوق بسرعة و اخرج رأس الإحلیل، ثم تنظفه بخرقة رطبة، ثم ذر علیه من رماد القرع الیابس المحرق ..».
.. و فی الفصل الثامن و الخمسین: یتکلم عن علاج البول المحتبس فی المثانة فیقول: «البول المحتبس فی المثانة یکون عن سدة من حصاة أو دم جامد أو قیح أو لحم نابت أو نحو ذلک، و إذا فشل العلاج و لم ینطلق البول و رأیت أن احتباسه من قبیل حصاة قد صارت فی عنق المثانة ..
و اشتد الأمر علی العلیل فینبغی أن یستعجل إخراجه بالآلة التی تسمی قساطیر و هی تصنع من فضة و تکون رقیقة ملساء مجوفة، کأنبوبة ریش الطیر فی دقة المیل، طویلة فی نحو شبر، و نصفها قمع لطیف فی آخرها و هو رأسها.
.. و وجه جذب البول بها أن تأخذ خیطا متینا و تربط فی طرفه صوفة أو قطنة ربطا جیدا، و تدخل طرف الخیط فی أسفل القساطیر و تقرض بالمقراض إن فضل شی‌ء من الصوفة لکی تدخل فی الأنبوبة کالزر، ثم تدهن القساطیر بزیت أو بزبد أو بیاض البیض، و یجلس العلیل علی کرسی و تنطل مثانته و إحلیله بالأدهان الرطبة أو الزیت أو الماء الفاتر، ثم تدخل القساطیر فی الإحلیل برفق حتی تصل إلی أصل الإحلیل، ثم تحنی الإحلیل إلی فوق ناحیة السرة، ثم تدفع القساطیر إلی داخل حتی إذا وصلت قریبا من المقعدة فمیل الذکر إلی أسفل و القساطیر فی داخله، ثم تدفعها حتی تصل إلی المثانة و یحس بها العلیل و قد وصلت إلی شی‌ء فارغ، و إنما تصنع علی هذه الرتبة لأن المجری الطبیعی الذی یسلک فیه تعویج، ثم تجتذب الخیط بالصوفة قلیلا، فإن البول یتبع الصوفة ثم تخرجها و یخرج البول».
.. و هذا الوصف لطریقة إدخال القساطیر المعدنیة وصف ممتاز
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 202
و لا تزال هذه الطریقة متبعة حتی الآن فی إدخال القساطیر و الممددات و منظار المثانة.
.. و فی الفصل التاسع و الخمسین: یصف «کیف تحقن المثانة بالزراقة و صورة الآلات التی تصلح لذلک فیقول: «إذا عرض فی المثانة قرحة، أو جمد فیها دم، أو احتقن فیها فتح، و أردت أن تقطر فیها المیاه و الأدویة، یکون ذلک بآلة تسمی الزراقة». و هذه الآلة تشبه حقنة المثانة التی نستعملها الآن.
.. و فی الفصل الستین: یتکلم عن «إخراج الحصاة» فیفرق بین حصاة الکلیة و المثانة و یقول إن الشق یکون فقط علی حصاة المثانة أو قناة مجری البول.
.. و یصف طریقة الشق علی حصاة المثانة کما یلی:
«فینبغی أن تمسح بالدهن الأصبع السبابة من الید الیسری إن کان العلیل صبیا أو الأصبع الوسطی إن کان العلیل غلاما تاما، فتدخلها فی مقعده و تفتش علی الحصاة حتی إذا وقعت تحت اصبعک نقلتها قلیلا قلیلا إلی عنق المثانة ثم تکبش علیها باصبعک و تدفعها إلی خارج نحو المکان الذی ترید شقه، و تأمر خادما حاذقا أن یعصر المثانة بیده و تأمر خادما آخر أن یمد بیده الیمنی الأنثیین إلی فوق و بیده الیسری الجلدة التی تحت الأنثیین ناحیة عن الموضع الذی فیه یکون الشق ثم تأخذ أنت المبضع النشیل، و تشق بین المقعدة و الأنثیین لا فی الوسط بل إلی الجانب الأیسر، أو یکون الشق علی نفس الحصاة و أصبعک فی المقعدة یدفعها إلی الخارج، و یصیر الشق مواربا، لئلا یکون الشق من خارج واسعا و من داخل ضیقا علی قدر ما یمکن خروج الحصاة الأکبر، فاضغط الأصبع الذی فی المقعدة عند الشق فتخرج الحصاة من غیر عسرة و اعلم أن قد یکون من الحصاة ما لها زوایا و حروف فیعسر خروجها لذلک، و منها ملساء تشبه البلوط
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 203
و مدورة فیسهل خروجها. فما کان لها زوایا و حروف فتزید فی الشق قلیلا فإن لم تخرج هکذا فینبغی أن تتحایل علیها، فإما أن تقبض علیها بجفت محکم یکون طرفه کالمبرد لیضبط علی الحصاة، فلا تفلت منه، و إما أن تدخل من تحتها آلة لطیفة معقدة الطرف، فإن لم تستطع القبض علیها فوسّع الثقب قلیلا، فإن غلبک شی‌ء من الدم فاقطعه بالزاج، فإن کانت أکثر من واحدة فادفع أولا الکبیرة إلی فم المثانة، ثم تشق علیها ثم ادفع الصغیرة بعد ذلک، و کذلک تفعل إن کانت أکثر من اثنتین. فإن کانت عظیمة جدا، فإنه جهل عظیم جدا أن تشق علیها شقا عظیما لأنه یعرض للعلیل أحد أمرین إما أن یموت و إما أن یحدث له تقطیر البول دائماincontinence من أجل أنه لا یلتحم الموضع البتة لکن حاول جذبها حتی تخرج، أو تتحایل فی کسرها بالکلالیب حتی تخرجها قطعاLitholapaxy و إذا فرغت من عملک فاحش الجرح بالکندر و الصبر و النشا و شده، و صیر فوقه خرقا مبلولة بزیت و شراب، لیسکن الورم الحار. ثم یستلقی علی قفاه و لا یحل الرباط إلی الیوم الثالث. فإذا انحل نطلت الموضع بماء و زیت کثیر ثم تعالجه بالمرهم النحلی «و المرهم الباسلیقون» حتی یبرأ.
.. من هذا الوصف یتضح لنا أنه کان یستخرج حصاة المثانة عن طریق الشق علی العجان أو ما نسمیه‌Perineal uretherotomy و نجده یحذر من أن یکون القطع کبیرا و إلا أدی إلی سلس البول‌incontinence و نصح فی حالة ما إذا کانت الحصوة کبیرة بتکسیرها بالکلالیب و إخراجها قطعا و هذا أول وصف فی الجراحة لعملیة تفتیت الحصوة التی نعرفها باسم:
Litholapaxy
. .. و فی علاج حصاة قناة مجری البول یقول: «إن کانت الحصاة صغیرة و صارت فی مجری القضیب و نشبت فیه و امتنع علی البول الخروج، فخذ مشعبا من حدید الفولاذ مثلث الطرف حادا مغرزا فی عود. ثم تأخذ خیطا و تربط القضیب تحت الحصاة لئلا ترجع إلی المثانة، ثم تدخل
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 204
حدیدة المشعب فی الإحلیل برفق حتی یصل المشعب إلی نفس الحصاة و تدیر المشعب بیدک فی نفس الحصاة قلیلا قلیلا و أنت تروم ثقبها حتی تنفذها من الجهة الأخری فإن البول ینطلق من ساعته، ثم تزم یدک علی ما بقی من الحصاة من خارج القضیب فتتفتت و تخرج مع البول و یبرأ العلیل». و هذا وصف آخر لتفتتیت حصاة مجری البول لم یسبقه إلیه أحد کذلک.
.. «فإن لم یتهیأ لک هذا العلاج فاربط خیطا تحت الحصاة و خیطا آخر فوقها ثم یشق علی الحصاة فی نفس القضیب بین الرباطین ثم تخرجها ثم تحل الرباط و یجب ربط الخیط تحت الحصاة لئلا ترجع إلی المثانة و الرباط الآخر من فوق لکیما إذا انحل الخیط بعد خروج الحصاة فیرجع الجلد إلی مکانه».
.. و فی الفصل الثانی و الستین: یتکلم عن الشق علی الأدرة المائیة فیقول: «الأدرة المائیةHydrocele هی اجتماع الرطوبة فی الصفاق الأبیض الذی یکون تحت جلدة الخصی المحیطة بالبیضتین و یسمی الصفاق. و قد تکون فی غشاء خاص تمد به الطبیعة فی جهة من البیضة حتی یظن أنها بیضة أخری و تکون بین جلدة الخصی و بین الصفاق الأبیض الذی قلنا».
و هذه ما نسمیها:Spermatocele .
.. «و تولد هذه الأدرة من ضعف یعرض للأنثیین، و قد یعرض عن ضربة علی الأنثیین. و هذه الرطوبة تکون ذات ألوان کثیرة، إما أن یکون لونها إلی الصفرة، و إما أن تکون دمیة حمراء، و إما أن تکون سوداء، و إما أن تکون مائیة بیضاء و هی أکثر ما تکون.
.. و العلامات التی تعرف بها حیث اجتماع الماء، فإن کان الصفاق الأبیض الذی قلنا فالورم یکون مستدیرا إلی الطول قلیلا کشکل البیضة و لا تظهر الخصیة لأن الرطوبة تحیط بها من جمیع النواحی‌Hydrocele ، و إن
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 205
کانت الرطوبة فی غشاء خاص بها فإن الورم یکون مستدیرا لجهة من البیضة، و لهذا یتوهم الإنسان أنها بیضة أخری:Spermatocele .
.. و أما إذا أردت معرفة لون الرطوبة «فاسفد الورم بالمدسّ المربع، فما خرج فی أثر المدس حکمت علیه».
.. هذا التفریق الإکلینیکی بین القیلة المائیة و الکیس المنوی یعتبر رائعا و لا یمکن أن نزید علیه فی وقتنا هذا ثم إن استعمال المدس یشابه ما نعرفه «بالبزل».
.. ثم یتکلم عن العلاج فیقول: «یستلقی العلیل علی ظهره علی شی‌ء عال قلیلا و تضع تحته خرقا کثیرا، ثم تجلس أنت علی یساره و تأمر خادما یقعد علی یمینه، یمد ذکره إلی أحد جانبی الخصی و إلی ناحیة مراق البطن، ثم تأخذ مبضعا عریضة و تشق جلدة الخصی من الوسط بالطول إلی قریب من العانة، و یصیر الشق علی الاستقامة موازیا للخط الذی یقسم جلدة الخصی حتی یصل إلی الصفاق الأبیض الحاوی، فتسلخه و تحفّظ من أن تشقه، و یکون سلخک من الجهة التی تلصق بالبیضة أکثر، و تستقصی السلخ علی قدر ما یمکنک، ثم تبط الصفاق المملوء بطا واسعا و تخرج جمیع الماء، ثم تفرق بین شفتی الشق بصنارات، و تمد الصفاق إلی فوق و لا تمس جلدة الخصی الحاویة و تقطع الصفاق کیف ما أمکنک قطعا إما بجهاته و إما قطعا قطعا و لا سیما جانبه الرقیق. فإنک إن لم تستقص قطعه لم تأمن الماء أن یعود. فإن برزت البیضة إلی خارج عن جلدها فی حین عملک، و إذا فرغت من قطع الصفاق فردها إلی موضعها ثم أجمع شفتی جلدة الخصی بالخیاطة.
.. فإن أصبت البیضة قد فسدت من مرض آخر فینبغی أن تربط الأوعیة التی هی المعلاق خوف النزیف، ثم تقطع الخصیة مع المغلاق و تخرج البیضة. و إن کان الماء المجتمع فی الجهتین جمیعا، فاعلم أنهما أدرتان
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 206
فشق الجهة الأخری علی ما قد فعلت فی الأولی سواء، و إن استوی لک أن یکون العمل واحدا فافعل».
.. یصف لنا الزهراوی وصفا دقیقا عملیة استئصال الصفاق المحیط بالخصیة و هی العملیة التی تعرف باسم‌Subtotal excision Of Tunica Vaginalis .
و یقول أن هذا أساسی حتی لا یرجع الماء. ثم ینصح باستئصال الخصیة إذا کانت مریضة بعد ربط الحبل المنوی.
.. و فی الفصل الرابع و الستین: یتکلم عن «علاج الأوردة التی مع الإلیة و تسمی الدالیة» و هذه ما نعرفها باسم دوالی الکیس‌Varicocele و یقول فی وصفها الإکلینیکی: «هو ورم ملتو بعض الالتواء یشبه بعنقود، مع استرخاء الأنثیین. و یعسر علی العلیل الحرکة و الریاضة و المشی». ثم یستطرد إلی طریقة العلاج فیقول: «ینبغی أن تجلس العلیل علی کرسی مرتفع ثم تدفع معلاق الأنثیین إلی أسفل، ثم ترفع جلدة الخصی بأصابعک مع الأوعیة التی هی قریب من القضیب و یمسکها خادم غیرک، و تمدها مدا شدیدا، ثم تشق بمبضع عریض حاد شقا موازیا بحذاء الأوعیة حتی تنکشف الأوعیة، ثم تسلخ من کل جهة کما ذکرت لک فی سلّ الشریانات التی فی الأصداع، ثم تغرز فیها إبرة خیط مثنی، و تربطها فی أول الموضع و تربطها أیضا فی آخرها ثم تشقها فی الوسط شقا قائما علی طول البدن، و تخرج ما اجتمع فیها من الرطوبات العکرة الفاسدة».
.. و فی هذه العملیة المبتکرة التی یصفها الزهراوی نجده یشرح الأوردة المتضخمة واحدا واحدا، ثم یربطها من أولها و من آخرها ثم یقطعها طولیة بین الرباطین، و هذا قریب مما نفعله نحن حتی الآن.
.. و فی الفصل الخامس و الستین: یتکلم عن علاج الأدرة المعویة و یعنی هنا الفتق الأربی الذی ینزل إلی الصفن فیقول: «تحدث من شق
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 207
یعرض فی الصفاق الممتد علی البطن فی نحو الأنثیین من مراق البطن، فتنصب المعی من ذلک الفتق إلی أحد الأنثیین. و هذا الفتق یکون إما من الصفاق و إما من امتداده و یحدث هذان النوعان من أسباب کثیرة، إما من ضربة و إما من وثبة أو صیحة أو لرفع شی‌ء ثقیل و نحو ذلک.
.. و علامته إذا کان من امتداد الصفاق أن یحدث قلیلا قلیلا فی زمن طویل و یکون الورم مستویا إلی نحو العمق من قبل أن الصفاق یعصر المعی.
.. و علامته إذا کان من شق الصفاق أنه یحدث من أوله وجع عظیم وقعه، و یکون الورم مختلفا ظاهرا تحت الجلد بالقرب، و ذلک بخروج المعی إلی خارج الصفاق.
.. و قد یخرج مع المعی الثرب فتسمی هذه الأدرة: «معویة ثربیة» و قد تجر فی المعی الزبل و یحتبس هناک، فیکون معه هلاک العلیل، لأنه یحدث وجعا صعبا و قرقرة و لا سیما إذا عصره».
.. و فی طریقة العلاج یقول: «تأمر العلیل أن یرد بیده المعی إلی داخل جوفه، ثم یستلقی علی قفاه بین یدیک و یرفع ساقیه، ثم تمد الجلد الذی یلی «الأربیة» إلی فوق و شق جلد الخصی کلها بالطول، ثم تغرز فی شفتی الشق الصنانیر علی قدر ما یحتاج الفتق و تمسک الشق بها، و یکون الشق علی قدر ما یمکن أن تخرج منه البیضة، ثم تسلخ الصفاقات التی تحت جلدة الخصی، حتی إذا انکشف الصفاق الأبیض الصلب من کل جهة. فحینئذ أدخل أصبعک السبابة فیما یلی البیضة فیما بین الصفاق الأبیض الذی تحت جلدة البیضة. و یشق الصفاق الأبیض الثانی و تطلق به الالتصاق الذی من خلف البیضة، ثم تثنی بالید الیمنی إلی داخل جلدة الخصی و مع هذا تمد الصفاق الأبیض إلی فوق بالید الیسری و ترفع البیضة مع الصفاق إلی ناحیة الشق، و تأمر الخادم بمد البیضة إلی فوق، و تطلق
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 208
أنت الالتصاق الذی من خلف إطلاقا ثانیا، و تفتش بأصابعک أ لا یکون هناک شی‌ء من المعی الملتوی فی الصفاق الأبیض الصلب، و إن أصبت منه شیئا فادفعه إلی البطن أسفل. ثم تأخذ إبرة فیها خیط غلیظ قد فتل من عشرة أخیاط و تدخلها عند آخر الصفاق التی تحت جلدة الخصی الذی یلی الشق، ثم تقطع أطرافها حتی یکون أربعة خیاط ثم ترکب بعضها علی بعض علی شکل مثلث، و تربط بها الصفاق الذی قلنا إنه تحت جلدة الخصی رباطا شدیدا من ناحیتین، ثم تلف أیضا أطراف الخیوط و تربطها أیضا رباطا شدیدا حتی لا یقدر شی‌ء من الأوعیة أن یعدوها لئلا یعرض من ذلک ورم حار، و یصیر أیضا رباطا ثان خارجا من الرباط الأول بعیدا منه أقل من أصبعین، و بعد هذین الرباطین تدع من الصفاق الذی تحت جلدة الخصی قدر عظم الأصبع و تقطع الباقی کله علی استدارة. و تنزع معه البیضة. ثم تشق أسفل جلدة الخصی شقا یسیل منه الدم و المدة. ثم تستعمل الصوف المغموس فی الزیت و یوضع علی الجرح ثم یستعمل الرباط.
.. فی هذه العملیة یصف الزهراوی طریقة استئصال کیس الفتق و طریقة تشریحه من البیضة و الکیس المحیط بها و بعد إدخال الأمعاء إلی البطن یصف طریقة ربط عنق الکیس ربطا مزدوجا، بعدها یقص الکیس و أخیرا یشق جلد الصفن من أسفله لخروج الدم و المدة عند ما یحدث الالتهاب‌Drainage .
.. و فی الفصل السابع و الستین: یتکلم عن «علاج الفتق الذی یکون فی الأربیة و یقصد هنا ما نسمیه بالفتق الأربی المباشرDirect inguinal Hernia فیقول: «قد یعرض الفتق فی الأربیة، فیفتق الموضع و لا ینحدر إلی الأنثیین من المعی. و إن انحدر کان ذلک یسیرا و یرجع فی کل الأوقات، و لکن إن طال الزمان زاد الفتق فی الصفاق حتی ینحدر المعی أو الثرب فی الصفاق و یعرض ذلک من امتداد الصفاق الذی یکون فی الأربیة کما قلنا، و ذلک أنه یمتد الصفاق ثم یسترخی.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 209
.. و فی طریقة العلاج یقول: «یضطجع العلیل علی ظهره بین یدیک ثم تشق شقا بالعرض علی قدر ثلاثة أصابع ثم تضبط الصفاقات التی تحت الجلد حتی إذا تکشف الصفاق الأبیض الذی تحت الجلد الذی یلیه، فتأخذ مرودا فتضعه علی الموضع الناتی‌ء من الصفاق و تکبسه إلی عمق البطن، ثم تخیط الموضعین النابتین علی طرف المرود من الصفاق، و تلزق بالخیاطة أحدهما بالآخر، ثم تسل طرف المرود و لا تقطع الصفاق البتة، و لا تمس البیضة و لا غیر ذلک کما أعلمتک فی علاج الأدریة المعویة».
.. فی هذا النوع من الفتق لا یستأصل الزهراوی کیس الفتق، بل یکتفی بدفعه إلی الداخل بواسطة المرود، ثم یخیط المنطقة الضعیفة التی برز منها کیس الفتق من خلال جدار البطن. و هذه أول محاولة فی تاریخ الجراحة لعمل الرتق الجراحی للفتق الأربی:Hernial Repair .
.. و فی الفصل التاسع و الستین: یتکلم «فی الإخصاء» فیقول إنه محرم فی شریعتنا و قد ذکرته لوجهین، أحدهما لیکون فی علم الطبیب إذا سئل عنه، و الوجه الآخر أنا نحتاج إلی إخصاء بعض الحیوانات لمنافعنا کالحملان و التیوس.
و الإخصاء علی نوعین إما بالرض و إما بالشق و القطع.
.. فالذی یکون بالرض، فطریق عمله أن یجلس الحیوان فی الماء الحار حتی تسترخی أنثیاه و تلین و تتدلی، ثم ترضها بیدیک حتی تنحل و لا توجد عند اللمس.
.. و أما الإخصاء بالشق و القطع، فینبغی أن تمسک الحیوان و تقبض جلدة خصیته بالید الیسری ثم تربط المعالیق و تشق علی کل بیضة شقا واحدا حتی إذا برزت البیضتان فاقطعها بعد أن تسلخها و لا تترک علیها من الصفاقات شیئا غیر الصفاق الرقیق الذی یکون علی الأوعیة و هذا
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 210
الضرب من الإخصاء خیر من الذی یکون بالرض لأن الرض ربما بقی من الأنثیین شی‌ء فاشتهی الحیوان الجماع».
.. و فی الفصل التاسع و السبعین: یتکلم فی «علاج المقعدة غیر المثقوبة» أو ما نعرفه باسم:Imperforate anus فیقول: «قد یولد کثیر من الصبیان و مقاعدهم غیر مثقوبة، قد سدها صفاق رقیق ینبغی للقابلة أن تثقب ذلک الصفاق بإصبعها و إلا فتبطه بمبضع حاد و تحذر العضلة لا تمسها، ثم یوضع علیها صوفة مغموسة فی الشراب و الزیت، و إن خشیت أن ینسد فاجعل فی الثقب أنبوبة رصاص أیاما کثیرة و تنزع متی أراد الطفل البراز».
.. و فی الفصل الثمانین: یتکلم «فی علاج النواصیر التی تحدث فی الأسفل» فیقول: «النواصیر التی تحدث فی الأسفل هو تعقد و غلظ یحدث بقرب المقعدة من خارج أو فی الفضاء من أحد الجهات، و یکون الناصور واحدا و أکثر. فإذا أزمن ذلک التعقد انفتح و جرت منه رطوبة مائیة بیضاء أو قیح رقیق. و قد یکون من هذه النواصیر منفوذة أو غیر منفوذة.
.. فالمنفوذة قد تعرف بما یخرج منها من البراز و الریح عند استعمال العلیل للبراز و ربما خرج منها الدود، و قد یکون منها نواصیر إذا کانت فی الفضاء منفوذة إلی المثانة أو إلی مجری القضیب، و قد یکون منها منفوذة إلی مفصل الفخذ و عجز الذنب.
.. و مما یعلم به الناصور المنفوذ إلی المقعدة من غیر المنفوذ أن تدخل إصبعک السبابة فی المقعدة، و تدخل فی الناصور مسبارا رقیقا من نحاس أو حدید إذا لم یکن فی الناصور تعریج فإن کان فیه تعریج فأدخل فیه مسبارا من رصاص دقیق أو شعره من شعر الخیل حتی تحس بالمسبار أو الشعرة فی إصبعک، فإن لم تحس به ألبتة و لم یبرز من الثقب شی‌ء من البراز و لا ریح و لا دور کما قلنا فاعلم أنه غیر منفوذ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 211
.. إن کان الناصور منفوذا إلی المثانة أو إلی البول فدلیله خروج البول منه و امتناعه من أن یلتحم بالأدویة.
.. و أما إن کان منفوذا إلی مفصل الفخذ أو إلی عظم الفخذ فعلامته وصول المسبار إلی هناک.
.. و هذه المنفوذة کلها لیس منها برء البتة و علاجها عناء و باطل لمن یجسر علیها من جهال الأطباء».
.. نری الزهراوی من هذا الوصف یفرق بین الناصور غیر النافذ و الناصور النافذ إلی المستقیم أو القناة الشرجیة إلی المثانة و مفصل الفخذ و بعد هذا ینصح بإجراء العملیة علی الناصور غیر النافذ فقط و یصف العملیة کما یلی:
«یضطجع العلیل بین یدیک علی ظهره و یرفع ساقیه إلی فوق، و فخذاه مائلة إلی بطنه ثم تدخل مسبارا من الرصاص أو النحاس إن لم یکن فی الناصور تعریج حتی یعلم حیث ینتهی المسبار، فإن أحس العلیل به نحو المقعدة، فینبغی أن تدخل إصبعک السبابة فی المقعدة، فإن أحسست فی إصبعک المسبار و قد نفذ بنفسه ملتویا من غیر أن تحس بین إصبعک و بینه بصفاق أو بلحم فاعلم یقینا أنه منفوذ، فلا تتعب فیه، فلیس فیه برء کما قلنا. و من العلاج الذی یرجی له النفع أن تحمی مکواة رقیقة علی حسب سعة الناصور و تدخلها حامیة فی الناصور حتی تبلغ نحو المقعدة، ثم تعیده مرتین أو ثلاثة حتی تعلم أنه قد احترق جمیع تلک اللحوم الزائدة.
.. و أما إن أدخلت المسبار فلم ینفذ إلی إصبعک التی فی المقعدة، و کان بینه و بین المسبار حجاب کثیف من لحم أو من صفاق، و رأیت الناصور فیما یلی سطح الجلد، فتشق حینئذ الجلد من أول الناصور، ثم بالشق مع المسبار و هو فی الناصور حتی یبلغ بالشق حیث انتهی طرف المسبار و یتخلص المسبار و یسقط».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 212
.. و یصف الزهراوی صورة المبضع الشوکی الذی یستعمله فی الشق علی الناصور حیث یکون التعقیف منه حادا جدا، و الجهة الأخری غیر حادة.
.. ثم یستطرد و یقول: «یخاف من الشق علی الناصور المنفوذ لئلا یقطع العضل المحیط بالمقعدة فیحدث علی العلیل خروج البراز من غیر إرادة.
.. و إذا أدخلت المسبار فی الناصور و کان فی جانب المقعدة نحو سطح البدن مع الجلد و طرف المقعدة، فخذ حینئذ مسبارا مثقوبا کإبرة الإسکافی.
.. فأدخل فیها خیطا مفتولا من خمسة خیوط أو أکثر، ثم أدخل المسمار بالخیط فی الناصور حتی یبلغ قعره، فإن کان منفوذا فی حاشیة المقعدة من داخل فأخرج الخیط من ذلک الثقب بأن تدخل إصبعک فی المقعدة و أخرج من طرف الخیط و اجمع الطرفین جمیعا و شدهما. و اترکه یوما أو یومین، فکلما قطع الخیط فی اللحم زدته شدا حتی تنقطع تلک اللحوم التی بین طرفی الخیوط و تسقط ثم تعالج الجرح حتی یندمل».
.. من هذا الوصف التفصیلی لعملیة الناصور الشرجی، نجد أن الزهراوی یصف عملیة الشق أو القطع علی الناصور غیر المنفوذ کما نمارسها نحن فی هذه الأیام إلا أنه یخاف من القطع علی الناصور النافذ إلی المستقیم أو الشرج حتی لا یقطع العضلة المحیطة بالمقعدة و یحدث للمریض خروج البراز من غیر إرادة، و لعلاج هذا النوع من النواصیر فهو ینصح إما باستخدام الکی بالنار أو بإدخال خیط سمیک من خلال الناصور و إخراجه من المقعدة ثم ربط طرفی الخیط بشدة تزداد تدریجیا کل یوم حتی یتم القطع بواسطته علی الناصور.
.. و فی الفصل الواحد و الثمانین: یتکلم عن «حزم البواسیر التی یسیل منها الدم و قطعها و علاج الشقاق».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 213
.. یقصد الزهراوی بالبواسیر فی هذا الفصل، نفس مدلولها کما نفهمه فی هذه الأیام أوPiles و یقصد بالشقاق الشرخ الشرجی أوAnal Fissure .
.. و یقول: «تکون البواسیر علی ضربین، إما أن تکون فی داخل المقعدة تشبه نفاخات حمراء و کأنها حب العنب، و یکون منها صغار و کبار، و الدم یسیل منها دائما، و تکون واحدة و تکون کثیرة، و تکون خارج المقعدة و فی أطرافها إلا أن هذه التی تکون من خارج المقعدة تکون فی أکثر الأمر قلیلة الرطوبة، یسیل منها ماء أصفر و قلیل دم سیلانا مزمنا و یکون علی لون البدن.
.. و علاج التی تکون من داخل المقعدة أن تأمر العلیل أن یتبرز و «یتزحر» (و الزحار: مرض یتمیز بتبرّز متقطع معظمه دم و مخاط و یصحبه ألم و تعنّ) حتی تخرج المقعدة و تظهر إلیک الثآلیل بسرعة، فتعلقها بالصنانیر و تمسکها بظفرک، ثم تقطعها عند أصولها. فإن لم تحتبس فیها الصنانیر لرطوبتها و استرخائها فخذها بخرقة خشنة، و اجذبها بأصابعک ثم اقطعها و ذر علیها بعض الذرورات الحادة لکی تقوم لها مقام الکی، أو فاکوها علی ما تقدم فی باب الکی.
.. فإن لم تجبک المقعدة للخروج فاحقن العلیل بحقنة فیها لذع قلیل لتغسل بها ما فی المقعدة و تنقاد للخروج بسرعة عند ما یتزحر العلیل.
.. فأما الثآلیل الخارجة عن المقعدة فأمرها هین، و هو أن تأخذها بظفرک أو تعلقها بصنارة و تقطعها ثم تعالجها.
.. و من کره القطع بالحدید ینبغی أن یستعمل حزمها علی هذه الصفة، و ذلک أن تأخذ خیطا مفتولا و تدخله فی إبرة، ثم تجذب الأثلول إلی فوق و تنفذه بالإبرة فی أصله من الجهة الأخری، و تلف طرفی الخیط أسفل الإبرة و هی معترضة و تشد الأثلول بالخیط شدا وثیقا، ثم تعقد
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 214
الخیط و تخرج الإبرة تفعل ذلک بجمیع الثآلیل و تترک منها واحدة لا تحزمها لیسیل منها فضلة الدم، ثم تضع علی المقعدة خرقة مغموسة فی دهن ورد .. و تأمر العلیل بالسکون ثم تترکها حتی تسقط فإذا سقطت الثآلیل فعالجها بالمراهم».
.. من هذا الوصف نجد أن الزهراوی یعالج البواسیر بإحدی طریقتین إما بقطعها ثم کیها، و إما بربطها بالخیط عند أصلها و ترکها حتی تسقط.
.. ثم یتحدث عن الشقاق أو الشرخ الشرجی فیقول: «کثیرا ما یعرض من جفوف الزبل [أی: البراز الجاف فإذا أزمن و لم ینفع فیه دواء فینبغی أن تجرده بشفرة المبضع أو بظفرک حتی یصیر رطبا و یزول عنه القشر الأعلی الذی یمنعه من الالتحام ثم تعالجه حتی یندمل. فإن لم یندمل فعالجه بجرد أشد من الأول حتی یصیر رطبا و یزول عنه القشر.
.. من هذا الوصف نجد أنه یعرف أن السبب الأساسی فی حدوثه هو البراز الجاف، إلا أنه یعالجه بواسطة کحت الشرخ.
.. و فی الفصل الرابع و الثمانین: یتحدث عن «علاج الجراحات» و هو یعنی هنا جروح الإصابات التی تنتج من قطع سیف أو سکین أو طعنة برمح أو سهم أو نتیجة لصکة حجر. و یتکلم فی هذا الفصل عن جروح الرأس و العنق و الصدر و ما بین الکتفین.
.. و یقول فی جروح الرأس: «متی حدث فی الرأس جرح بسیط و لم یکن کسر عظیم نظرت فإن کان من صکة حجر و نحوه و کان قد شرخ الجلد فقط، و کان الجرح کبیرا، و خشیت علی العلیل حدوث الورم الحار.
«الالتهاب الحاد» فافصده .. و یحمل علی الجرح إن حدث به ورم حار قطنة مغموسة فی دهن الورد وحده أو مع شراب فیه قبض. و إن کان الجرح کبیرا و کان من قطع سیف أو نحوه و لم تجتمع شفتاه بالرفائد فاجمعها
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 215
بالخیاطة علی ما أنا واصفه فی خیاطة جراح البطن.
.. فإن حدث مع الجرح کسر فی العظم و کان یسیرا فاجذبها بالجفت.
.. و یقول فی جراحات العنق: «إذا کان قد قطع عصبا فلیس فیه علاج. و إذا کان کبیرا فاستعمل الخیاطة أو ضم شفتیه بالرفائد، و إن کان للجرح غور و حدث فیه مخبأPocket فی أسفله قد اجتمع فیه القیح فبطه فی أخفض موضع فیه، فإن کان قد انقطع فی الجرح شریان فابتره، و اربطه أو اکوه، و إن کان الجرح قد قطع بعض خرزات الحلقوم فاجمع شفتی الجرح بالخیاطة علی قصبة الحلقوم، و لا تمس الحلقوم بل سوّه و رده علی شکله الطبیعی».
.. و فی جراحات الصدر و ما بین الکتفین یقول: «إن کانت طعنة سکین أو رمح و رأیت لها غورا فانظر فإن خرج منها الریح إذا تنفس العلیل فاعلم أنه جرح إقبال.
.. و اجعل فی فم الجرح قطنة بالیة لتمتص ما یخرج منه من الرطوبات، و اجعل نوم العلیل علی الجرح لیسیل ما یجتمع فیه، فإن کان قد مضی للجرح ثلاثة أیام أو أکثر و لم یحدث للعلیل تشنج و لا احتقان، و لا ضیق فی النفس، فاعلم أن الجرح سالم فعالجه بالفتل و سایر العلاج، فإن تعذر برؤه و قد انتفخ دائما فاعلم أنه قد صار ناصورا فعالجه من بابه ... و إن کان الجرح بسیطا فی سطح الصدر أو الظهر فعالجه بما تقدم من الخیاطة إن کان کبیرا .. و إن کان قد أثر فی العظم و قطع منه شظایا ففتش الجرح و بادر تلک الشظایا».
.. و فی الفصل الخامس و الثمانین: یتکلم عن «جراح البطن و جراح المعی و خیاطتها» فیقول: «قد یخرج من الجرح معی أو عدة أمعاء .. ترد المعی إلی الداخل فی أسرع وقت و إلا عرض لها نفخ و صعب إدخالها»
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 216
و فی هذه الحالة ینصح بأن «تغطی بخرقة رطبة فی الماء الفاتر، فإن تعذر رجوعه یشق فی الجرح بآلة تشبه المشرط المعوج تکون جهتها الواحدة المعوجة محدودة و جهتها الأخری غیر محدودة الطرف فإذا اتسع الجرح دخلت المعی».
.. و بعد ذلک یصف أربع طرق لخیاطة البطن یضم فیها الجلد و الصفاق، و یسمی الطریقتین الأولیین خیاطة عامة أولی و ثانیة، و یسمی الطریقتین الأخیرتین خیاطة خاصة أولی و ثانیة و ذکر ما قاله جالینوس فی هذا.
.. ثم یتکلم عن جرح الأمعاء کما یلی: «و إن کان العفن قد بلغ فی المعی و صار جرحا نافذا إلی جوفه، فاعلم أن ما کان من المعی غلیظا فهو أسهل برءا، و أما المعی المعروف بالصائم فإنه لا یقبل البرء، و ذلک لکثرة ما فیه من العروق و عظمها ورقة جرمه و قربه من طبیعة العصب».
.. و نلاحظ هنا أن الکلام نفسه قد کتبه من قبل الرازی و ابن سینا، و قد یعلل ما کتبوه عن سهولة شفاء جرح الأمعاء الغلیظة أنها إذا خرجت من الجرح فإنها تؤدی إلی ما یشبه الشج الصناعی:Colostomy لکنها إذا أدخلت إلی البطن فستؤدی إلی التهاب بریتونی قاتل. أما جرح الأمعاء الدقیقة فإنه یؤدی إلی ناسور معوی و حالة جفاف شدیدة:
Dehydration
تؤدی بحیاة المریض بسرعة.
.. ثم یستطرد الزهراوی و یقول: «و أما إذا کان الذی برز من الجرح «الثرب» و أدرکته طریّا فرده علی حسب ردک للمعی. و إن کان مضی له مدة و قد أخضر أو أسود فینبغی أن تشده بخیط فوق الموقع الذی اسود منه، لئلا یعرض نزف دم، فإن فی الثرب عروقا و شریانات کثیرة، ثم تقطع ما دون ذلک الرباط و تجعل طرفی الخیط متعلقة من أسفل الجراحة خارجا منها لیسهل علیک سلّه و إخراجه عند سقوط الثرب و تقیح الجرح».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 217
.. و فی الفصل السادس و الثمانین: یتکلم عن «إخراج المعی» فیقول: «و إذا عرض خرق فی المعی و کان صغیرا فقد یمکن أن یبرأ فی بعض الناس، و من أجل أنی رأیت إنسانا قد جرح فی بطنه برمح و کان الجرح عن یمین المعدة فأزمن الجرح و صار ناصورا یخرج منه البراز و الریح‌Foecal Fistula or Colostomy . فجعلت أعالجه علی أننی لم أطمع فی برئه.
و لم أزل ألاطفه حتی بری‌ء و التحم الموضع.
.. و ذکر البعض أن الجرح الصغیر فی المعی یمکن أن یخاط بواسطة النمل کبار الرؤوس، تجمع شفتا الجرح و توضع نملة منها و هی مفتوحة فمها علی شفتی الجرح فإذا قبضت علیه و شدت فاها قطع رأسها ..
.. و قد یمکن أیضا أن یخاط المعی بالخیط الرقیق الذی یسل من مصران الحیوان اللاصق به بعد أن یدخل فی إبرة».
.. و یعتبر الزهراوی أول جراح استخدم الخیط الذی یسل من مصران الحیوان أی ما نسمیه الآن:» Catgut «فی خیاطة الأمعاء.
.. و فی الفصل السابع و الثمانین: یتکلم عن: «علاج النواصیر و الزکام» و هو یعنی هنا ما نسمیه‌Sinuses فیقول: «الناصور أو الزکام ینتج من جرح لم یلتحم، و کان یمد القیح دائما، و له تجویف کتجویف ریش الطیر، و یکون فی بعض الأوقات رطبا یمد القیح و ربما انقطعت الرطوبة فی بعض الأوقات.
.. و قد یحدث الناصور و الزکام فی جمیع أعضاء الجسم.
.. و فی الفصل الثامن و الثمانین: یتکلم عن «قطع الأطراف و نشر العظام» فیقول: «و قد تعفن الأطراف إما من سبب من خارج و إما من سبب من داخل و إذا رأیت الفساد یسعی فی العضو لا یرده عنه شی‌ء، فینبغی أن تقطع ذلک العضو إلی حیث بلغ الفساد لینجو العلیل بذلک من الموت.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 218
.. علامة من ظهر له ذلک أن یسودّ ذلک العضو حتی یظن أن النار أحرقته. و کذلک إن کانت سبب الفساد عن لسع بعض الهوام کعقرب البحر أو الأفعی أو نحو ذلک.
.. فإن کان الفساد أو اللسعة فی طرف الأصبع فلا تهمل الفساد حتی یسعی و یأخذ فی زندی الذراع، فإن حدث فاقطع الذراع عند المرفق فی المفصل نفسه، فإن جار الفساد و رأیته أخذ إلی نحو المنکب فإن ذلک موت العلیل.
.. و کذلک تفعل بالرجل، إذا أخذ الفساد الأصبع فاقطع عند أحد السلامیات و إن أخذ فی مشط الرجل فاقطع الرجل بأسرها، فإن صعد إلی الرکبة فاقطع الساق عند مفصل الرکبة، فإن کان الفساد قد بلغ الرکبة فلیس فیه حیلة إلا ترکه و إسلام العلیل إلی الموت».
.. من هذا الوصف نجد أن الزهراوی یصف الغنغرینا وصفا جیدا و ینصح بإجراء عملیة البتر. و هو یجری العملیة حتی مفصل المرفق فی الذراع و مفصل الرکبة فی الساق، و فیما یلی یصف طریقة قطع العضو و نشره:
.. «تشد رباطا فی الموضع الذی ترید قطعه و شد رباطا آخر فوق الموضع و یمد خادم الرباط الواحد إلی أسفل و خادم آخر یمد الرباط الأعلی إلی فوق، و تجرد أنت اللحم بین الرباطین بمبضع عریض حتی ینکشف اللحم کله، ثم تقطع أو تنشر، فإن حدث نزف دم فی خلال عملک فاکو الموضع بسرعة».
.. و فی الفصل الواحد و التسعین: یتکلم عن «قطع الدوالی و علاجها» فیقول: «الدوالی هی عروق ملتویة غلاظ، مملوءة فضولا سوداویة تحدث فی أکثر أعضاء الجسم، و أکثر حدوثها فی الساقین و لا سیما سوق الشیوخ و الحمالین و الأکارین.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 219
.. و علاجهما بالحدید یکون علی ضربین أحدهما أن تشق و یخرج الدم الأسود و الوجه الآخر أن تسلّ العروق بأسرها».
.. ثم یصف عملیة سل العروق و هی شبیهة جدا بالعملیة التی نمارسها فی وقتنا الحاضر و نسمیها:Stripping of the Veins فیقول: «تحلق ساق العلیل إن کان فیه شعر ثم تدخله الحمام و تنطل ساقه بالماء الحار حتی تحمر و تدر العروق أو یرتاض ریاضة قویة إن لم یحضره حمام، حتی یسخن العضو ثم تشق الجلد قبالة العرق شقا بالطول إما فی آخره عند الرکبة و إما أسفله عند الکعب، ثم تشد الجلد بالصنانیر و تسلخ العرق من کل جهة حتی یظهر للحس، و هو أول ظهوره تراه أحمر قانیا فإذا خلص من الجلد تراه أبیض کأنه الوتر ثم تدخل تحته مرودا حتی إذا ارتفع و خرج عن الجلد، علقه بسنارة ملساء.
.. ثم تشق شقا آخر بالقرب من ذلک الشق بثلاثة أصابع، ثم اسلخ الجلد من علی العرق حتی یظهر، ثم ارفعه بالمرود کما فعلت، و علّقه بسنارة أخری کما فعلت أولا، ثم تشق شقا آخر و شقوقا کثیرة إن احتجت إلی ذلک، ثم سله و اقطعه فی آخر الشق عند الکعب، ثم اجذبه و سله حتی یخرج من الشق الثالث أعلی الشقوق کلها حتی إذا خرج جمیعه فاقطعه. و إن لم یجبک للجذب و السل، فأدخل إبرة بخیط قوی مثنی و اربطه و اجذبه و أدخل تحته المرود، و افتل یدک إلی کل جهة و تحفظ لا ینقطع، فإن انقطع عسر علیک سله جدا و تدخل علی العلیل منه مضرة، فإذا سللته کله تضع علی مواضع الجراحات صوفا مغموسا فی شراب و دهن ورد أو زیت».
.. و بهذا یکون الزهراوی أول جراح استخدم طریقة سل العروق لعلاج دوالی الساق، و ذلک منذ حوالی ألف عام تقریبا. و لم تستخدم هذه الطریقة فی وقتنا الحاضر إلا منذ حوالی ثلاثین عاما فقط بعد إدخال بعض التعدیل علیها.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 220
.. و فی الفصل الثانی و التسعین: یتکلم عن «سل العرق المدنی» و هو یعنی هنا دودة المدینةMedium Worm فیقول: هذا العرق یتولد فی الساقین فی البلدان الحارة کالحجاز و بلدان العرب و فی الأبدان الحارة القلیلة الخصب، و ربما تولد فی مواضع أخری من البدن غیر الساقین.
.. و علامة ابتداء حدوث هذا العرق أن یحدث فی الساق تلهب شدید ثم یتنفط الموضع، ثم یبتدئ العرق یخرج من موضع ذلک التنفط کأنه أصل نبات أو حیوان. فإذا ظهر منه طرفه فینبغی أن یلف علیه قطعة صغیرة من رصاص یکون وزنها درهم إلی درهمین و یترک الرصاص معلقا من الساق، و کلما خرج منه شی‌ء إلی خارج لففته فی الرصاص و عقدته، فإن طال کثیرا فاقطع بعضه و لف الباقی، و لا تقطعه من أصله قبل أن یخرج کله، لأنک إن قطعته تقلص و دخل فی اللحم و أحدث ورما و عفنا فی الموضع و قرحة ردیة، فلذلک ینبغی أن یداوی و یجرّ قلیلا حتی یخرج کله.
و من هذا العرق فی بعض الناس ما یکون طوله خمسة أشبار و عشرة أشبار، فإن انقطع فی حین علاجک له، فأدخل مرودا فی ثقبه و بطه بطا طویلا مع البدن حتی یتفرغ کل ما فیه من مادة و حاول تعفین الموضع بالأدویة».
.. و طریقة العلاج هذه ما زالت هی التی نستعملها حتی وقتنا هذا.
و من ذلک کله یتبین لنا کیف کان الزهراوی جراحا عظیما نفخر به دائما کرائد من رواد الجراحة فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، و کتابه «التصریف» و بخاصة «الجزء الثلاثون» یعد مفخرة من مفاخر الجراحة و الطب فی الدولة الإسلامیة لأنه یتضمن سائر النواحی الجراحیة المعروفة فی عصره و قد عرضها بأسلوب علمی فرید بالإضافة إلی ما تضمنه من صور و أشکال موضحة للجراحة و الأدوات و الآلات المستخدمة فیها. و فی کتابه هذا رفع من شأن الجراحة رفعة لعائلة بما قدمه من معلومات مفیدة للعاملین فی هذا المجال.
و کان من أبرز من فرقوا بین الجراحة و غیرها من فروع الطب، و جعل الجراحة تؤسس علی علم التشریح و بین أهمیة معرفة وظائف الأعضاء. و لهذا نلاحظ أنه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 221
لیس من الغریب أن یصبح کتاب «التصریف» الکتاب الأساسی لجراحی الغرب حتی القرن السابع عشر. و ظل المرجع الکبیر لدارسی الطب فی بعض جامعات أوربا مثل جامعة «سالرنو» و «مونبلیه» فی القرنین السادس عشر و السابع عشر المیلادیین. و الحقیقة التی ینبغی أ لا تغفل أن الجراحین الذین عرفوا فی إیطالیا فی عصر النهضة و ما تلاه من قرون اعتمدوا اعتمادا کبیرا علی کتاب «التصریف» للزهراوی.
و من زاویة أخری ینبغی أ لا ننسی أن الزهراوی یعد بحق أول من وصف الاستعداد الخاص لدی بعض الأجسام للنزیف» Heamophilia «بعد أن شاهد عدة أفراد قد أصیبوا بالنزیف من عائلة واحدة.
کما أن الزهراوی یعد أول طبیب استطاع أن یحول مجری البول إلی الشرج فی الرجال، و إلی المهبل فی النساء.
و لا زالت بعض إرشاداته فی الطب و الجراحة تجری بنفس طریقته القدیمة حتی یومنا هذا.
و لا شک عندنا أنه یعد الجراح الکبیر فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 222

ابن جلجل

هو أوبو داود سلیمان بن حسان المعروف بابن جلجل. ولد بقرطبة حوالی عام ثلاث و ثلاثین و ثلاثمائة هجریة. و سمع الحدیث و هو ابن عشر سنین بجامع قرطبة، و الزهراء. و أخذ العربیة عن محمد بن یحیی الرباحی النحوی المعروف المتوفی سنة 358 ه.
و قد عنی ابن جلجل بدراسة الطب و نبغ فیه نبوغا واضحا و عاصر عهد عبد الرحمن الناصر، و الحکم المستنصر، و المؤید باللّه هشام الثانی.
و أبرز مؤلفاته «طبقات الأطباء و الحکماء».
و یعد ابن جلجل أول أبناء الأندلس ممن کتبوا عن طبقات الأطباء[235] و اعتمد فی کتابه هذا علی تراجم عربیة لأصول لاتینیة تاریخیة حیث استفاد من الترجمات لکتب الطب و الفلسفة التی تمت فی عصر الترجمة و ازدهار العلم.
و کتاب طبقات الأطباء و الحکماء لابن جلجل کما قال عنه القفطی هو «تصنیف صغیر فی تاریخ الحکماء» لکنه فی الحقیقة یفید الباحثین فی إلقاء بعض الضوء علی الجوانب الهامة فی أخبار الأطباء.
و من مؤلفات ابن جلجل المعروفة کتابه «تفسیر أسماء الأدویة المفردة من کتاب دیسقوریدس».
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 223
و کتاب دیسقوریدس یضم حوالی ستمائة عشبة و عددا من الأدویة المعدنیة و الزیوت و الأدهان ذات الفائدة الطبیة. و قد أضاف تلامیذه فیما بعد مقالتین خاصتین بالسموم و نسبوها إلی دیسقوریدس و لکتاب دیسقوریدس منزلة رفیعة فی تاریخ التصویر و بخاصة تصویر الأعشاب. و قد شرح ابن جلجل الکتاب شرحا جیدا فی مؤلفه «تفسیر أسماء الأدویة المفردة من کتاب دیسقوریدس».
و فی طبقات الأطباء لابن أبی أصیبعة یحکی لنا المؤلف قصة شرح ابن جلجل لکتاب دیسقوریدس فیقول فی نص طویل هام نعرضه لأهمیته لمن یرید معرفة علاقة ابن جلجل بهذا الکتاب.
[قال ابن جلجل : «إن کتاب دیسقوریدس ترجم بمدینة السلام (بغداد) فی الدولة العباسیة، فی أیام جعفر المتوکل، و کان المترجم له «اصطفین بن بسیل» الترجمان، من اللسان الیونانی إلی اللسان العربی، و تصفح ذلک حنین بن إسحق المترجم، فصحح الترجمة و أجازها، فما علم اصطفن من تلک الأسماء الیونانیة فی وقته له إسما فی اللسان العربی، فسّره بالعربیة، و ما لم یعلم له فی اللسان العربی اسما ترکه فی الکتاب علی اسمه الیونانی، اتکالا منه علی أن یبعث اللّه بعده، من یعرف ذلک و یفسره باللسان العربی، إذ التسمیة لا تکون إلا بالتواطؤ من أهل کل بلد علی أعیان الأدویة بما رأوا، و أن یسموا ذلک إما باشتقاق و إما بغیر ذلک من تواطئهم علی التسمیة، فاتکل اصطفن علی شخوص یأتون بعده ممن قد عرف أعیان الأدویة التی لم یعرف هو لها إسما فی وقته، فیسمیها علی قدر ما سمع فی ذلک الوقت، فیخرج إلی المعرفة.
قل ابن جلجل: و ورد هذا الکتاب إلی الأندلس و هو علی ترجمة «اصطفن» منه ما عرف له اسما بالعربیة و منه ما لم یعرف له اسما، فانتفع الناس بالمعروف منه بالمشرق و بالأندلس، إلی أیا الناصر عبد الرحمن بن محمد و هو یومئذ صاحب الأندلس، فکاتبه أرمانیوس الملک ملک
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 224
القسطنطینیة أحسب فی سنة 337 ه. و هاداه بهدایا لها قدر عظیم، فکان فی جملة هدیته کتاب «دیسقوریدس» مصور الحشائش بالتصویر الرومی العجیب. و کان الکتاب مکتوبا بالإغریقی الذی هو الیونانی ...
قال ابن جلجل: و لم یکن یومئذ بقرطبة من نصاری الأندلس یقرأ اللسان الإغریقی الذی هو الیونانی القدیم، فبقی کتاب «دیسقوریدس» فی خزانة عبد الرحمن الناصر باللسان الإغریقی، و لم یترجم إلی اللسان العربی، و بقی الکتاب بالأندلس، و الذی بأیدی الناس بترجمة «اصطفن» الواردة من مدینة السلام، فلما جاوب الناصر مارینوس الملک، سأله أن یبعث برجل یتکلم بالإغریقی و اللاطینی، لیعلم له عبیدا یکونون مترجمین.
فبعث أرمانیوس الملک إلی الناصر براهب کان یسمی نیقولا، فوصل إلی قرطبة سنة 340 ه. و کان یومئذ بقرطبة من الأطباء، قوم لهم بحث و تفتیش و حرص علی استخراج ما جهل من أسماء عقاقیر دیسقوریدس العربیة ...
قال ابن جلجل: و کان هؤلاء النفر کلهم فی زمان واحد مع نقولا الراهب. أدرکتهم و أدرکت نقولا الراهب فی أیام المستنصر، و صحبتهم فی أیام المستنصر الحکم، و فی صدر دولته مات نقولا الراهب، فصح ببحث هؤلاء النفر الباحثین عن أسماء عقاقیر کتاب دیسقوریدس. و تصحیح الوقوف علی أشخاصها بمدینة قرطبة خاصة بناحیة الأندلس. ما أزال الشک فیها عن القلوب، و أوجب المعرفة بها و الوقوف علی أشخاصها، و تصحیح النطق بأسمائها بلا تصحیف إلا القلیل منها الذی لا بال به و لا خطر له، و ذلک یکون فی مثل عشرة أدویة.
قال ابن جلجل: و کان لی فی معرفة تصحیح هیولی الطب الذی هو أصل الأدویة المرکبة، حرص شدید و بحث عظیم، حتی وهبنی اللّه من ذلک بفضله بقدر ما اطلع علیه من نیتی، فی إحیاء ما خفت أن یدرس، و تذهب منفعته لأبدان الناس، فاللّه قد خلق الشفاء و بثّه فیما
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 225
أبنته من الأرض و استقر علیها من الحیوان المشاء، و السابح فی الماء و المنساب، و ما یکون تحت الأرض فی جوفها من المعدن، کل ذلک فیه شفاء و رحمة و رفق».
و من خلال النص الذی ذکره ابن أبی أصیبعة یتبین لنا الدور الواضح لابن جلجل فی کتاب «الحشائش» لدیسقوریدس فقد وضع له تفسیرا، کما أنه أدرک «نقولا الراهب» الذی ترجم کتاب «دیسقوریدس» من الیونانیة إلی اللاتینیة، و أسهم ابن جلجل مع غیره من علماء قرطبة آنذاک فی تصحیح أسماء العقاقیر المذکورة فی کتاب «دیسقوریدس» و ظهرت جهوده واضحة قویة من خلال شرحه لکتاب الحشائش.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 226

ابن زهر

اشارة

من الأطباء المشهورین بالأندلس:
أبو مروان عبد الملک بن أبی العلاء زهر.
المولود فی أشبیلیه حوالی 1091 م و المتوفی بها حوالی 1162 م.
هو واحد من أشهر الأطباء فی الأندلس. توارث الطب عن آبائه و أجداده و هو الثالث من ستة أجیال توارثوا الطب من أسرته الطبیة الشهیرة فی تاریخ الطب بالأندلس 236].
و یذکر التاریخ أیضا أن من أسرته بنتا لابن زهر، اشتغلت بطب النساء و التمریض و أن بنتا أخری لهذه السیدة اشتغلت بالطبابة النسائیة و التمریض.

مجهودات ابن زهر الطبیة:

لعل أبرز مجهودات ابن زهر الطبیة أنه کان من أوائل الذین وصفوا خراج الحیزوم و التهاب التامور الناشف و الإنسکابی.
و لعل ذلک یرجع بالدرجة الأولی إلی أن ابن زهر کان عالما بالتشریح و یدل علی ذلک وصفه للالتهابات و خراجات الصدر، و تشخیصه بأن ذلک
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 227
الخراج مرض یختلف عن التهاب البلورة أی غشاء الرئة، و عن استسقاء تامور القلب.
و عالج ابن زهر حالات الشلل الذی یصیب البلعوم بثلاث طرق نقلها عنه الأطباء:
الأولی: أن یحفظ حیویة المریض بأن یوضع فی ماء فاتر به بعض الأملاح المغذیة، فتتشرب إلی جثمانه عن طریق الامتصاص الجلدی. غیر أنه لم یحبّذ هذه الطریقة.
و الثانیة: أن یغذی المریض بأنبوب من فضة ینقل الطعام إلی معدته عن طریق البلعوم.
و الثالثة: الحقن الشرجی بمادة مغذیة.
و ابن زهر تخصص فی الطب و لم یشتغل بغیر الطب. و لهذا فقد کانت مؤلفاته فی الطب فقط. و قد فقدت معظم مؤلفاته و لم یبق منها سوی کتاب الاقتصاد فی إصلاح الأنفس و الأجساد الذی ألفه ابن زهر لإبراهیم بن یوسف بن تاشفین، و کتاب الأغذیة و کتابه الشهیر التیسیر فی المداواة و التدبیر.
و قد صنف ابن زهر الکتاب بناء علی رغبته و طلب ابن رشد صدیقه و معاصره و قد ذکر ابن رشد فی کتابه «الکلیات» أن أعظم طبیب بعد جالینوس ابن زهر.
و المعروف أن ابن رشد لما ألف کتاب «الکلیات»، طلب من صدیقه ابن زهر تألیف کتاب الأمور الجزئیة، لیکون تتمة لکتابه فی الکلیات، و یدرس الأمراض واحدا بعد واحد، و الأعضاء عضوا بعد عضو.
و یقسم ابن رشد کتابه إلی ثلاثة أجزاء فی کل جزء عدد من الرسائل، تختص کل رسالة بعدد من الأمراض، و یتضمن الکتاب الأول
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 228
ست عشرة رسالة أهم ما تتناوله قروح الرأس خاصة بالأطفال، من قراع، و داء الثعلب، و الصلع، و تشقق الشعر، و السعفة و تبییض موضع من الشعر، و إنبات الشعر فی غیر موضعه.
و ینسب لابن زهر وصف لعلاج قمل الجرب 237] و فی الرسالة الثانیة یتحدث ابن زهر عما یعرض للرأس من الجراحات، و فی الثالثة أمراض الرأس، و فی الرابعة أمراض الأذنین و فی الخامسة أمراض الأنف و هکذا یستمر ابن زهر فی بقیة رسائله متحدثا عن أمراض الفم و الشفاه و الأسنان و العین و القلب و الکبد و المعدة و أمراض الصدر، و الأمراض الوبائیة و العدید من الأمراض المعروفة فی عصره، و فی ختام الکتاب یتحدث عن قوائم بالوصفات الطبیة سماها ابن زهر «الجامع» و وصایا فی ترکیب الأدویة و استعمالاتها.
و قد ترجم کتاب التسییر إلی اللاتینیة فی «بادوا» سنة 1980 م.
و تذکر الموسوعة البریطانیة أن «بارافیشیوس» نقله إلی اللاتینیة عن العبریة و أنه طبع فی البندقیة سنة 1490.
أما کتاب الأغذیة لابن زهر ففیه یدرس الأغذیة حسب تصوره و یتحدث عن أنواع الخبز المصنوعة من الحبوب و من طحین الحمص و الفول و الفاصولیا و العدس، ثم تحدث بعد ذلک عن أنواع الأغذیة من اللحوم و أنواع اللبن و مشتقاته، و السمک و أنواعه و أنواع الفواکه و الخضروات و العسل و السکر و الحلویات و المشروبات و الزیوت و التوابل و الأشربة. و بعد ذلک یتحدث عن مواقیت الأکل و النوم و الاغتسال و الریاضة و مبادئ الصحة العامة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 229
و بعد: فلا زلت أقول مع العماد الأصفهانی: «إنی رأیت أنه لا یکتب أحد کتابا فی یومه إلا قال فی غده، لو غیر هذا لکان أحسن، و لو زید هذا لکان یستحسن، و لو قدّم هذا لکان أفضل، و لو ترک هذا لکان أجمل، و هذا من أعظم العبر و هو دلیل علی استیلاء النقص علی جملة البشر».
ثم یبقی أن: أحمدک ربی کثیرا علی سابغ نعمائک و عطایاک علیّ و أسألک الهدایة و التوفیق و أسألک الشکر علی العافیة و الغنی عن الناس و أسألک الجنة یا رب العالمین .. و أسألک قبول هذا العمل و أن تجعله خالصا لوجهک الکریم.
و ختاما: فإن کنت قد وفقت فلله تعالی المنّة و الشکر، و إن أکن قد قصرت فإن الکمال للّه وحده، و منه أستمد العون لدرک ما فاتنی، و هو الموفق و الهادی سواء السبیل.
عامر النجار
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 231

ملحق الکتاب [رسالة بردی «إدوین سمیث»]

اشارة

أقدم رسالة علمیة فی العالم بردیة «إدوین سمیث» فی الجراحة عام 3000 ق. م نقلا عن ترجمة بریستد للأصل الهیروغلیفی نقلها إلی العربیة العالم المصری الکبیر الأستاذ الدکتور محمد کامل حسین فی کتابه «متنوعات»
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 232

مدخل للتعریف بالرسالة:

الرسالة ورقة من البردی أولها مقطوع و فیها وصف لثمان و أربعین حالة وصفها طبیب مصری قدیم لم یعرف اسمه. و قد عثر علی البردیة عالم آثار إمریکی من المهتمین بالآثار المصریة هو «ادوین سمیث» و کان عثوره علیها بأحد المقابر الفرعونیة بمصر عام 1862، و ضمت البردیة بعد وفاة صاحبها «أدوین سمیث» إلی جمعیة تاریخیة فی نیویورک فعهدت الجمعیة إلی «بریستد» و هو أحد العلماء المهتمین بالتاریخ الفرعونی بدراستها و ترجمتها إلی الإنجلیزیة. و قام بترجمتها إلی العربیة العالم المصری الکبیر الأستاذ الدکتور محمد کامل حسین فی کتابه «متنوعات» کما وضع هوامش هامة للترجمة العربیة و یقول الدکتور کامل حسین عن هذه الرسالة[238] «و الرسالة فذة لأنها أول رسالة علمیة فی العالم و لأنها أول رسالة تدرس موضوعا بعینه و لأنها أول رسالة بها مصطلحات علمیة تخفی علی عین المختصین و هی فذة فی تبویبها فقد جعل وصفه للحالات مرتبا من قمة الرأس إلی الوجه إلی الصدغ إلی الرقبة ثم الترقوة و العضد و لا شک أنه استمر بمثل هذا التبویب و وصف الحالات مبتدئا بأبسطها و أسهلها علاجا و أملی علیهم عدة فحوص للحالة الواحدة حسب تطورها.
و بردیة إدوین سمیث الطبیة طولها حوالی 68، 4 مترا و عرضها یقرب من ثلاثة و ثلاثین سنتیمترا. و فی البردیة اثنتا عشرة لوحة و فیها اثنان و عشرون عامودا من النقوش المصریة القدیمة منها سبعة عشر عامودا رأسیا و الخمسة الباقیة أفقیة، و لعل عدة أفراد کتبوا هذه البردیة لا فردا واحدا لاختلاف واضح فی الخط.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 233
و البردیة وثیقة هامة تبین لنا مدی تقدم الجراحة عند المصریین القدماء. و الوثیقة یرجع تاریخها إلی ما بین المملکة الوسطی و عهد الامبراطوریة و لعل تاریخها یرجع إلی عهد بناة الأهرام أی حوالی عام 2500 أو 3000 ق. م.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 234

بردی أدوین سمیث نقلا عن ترجمة بریستد للأصل الهیروغلیفی

الحالة الأولی: إرشادات خاصة بجرح فی رأسه نافذ إلی عظمة جمجمته.

إذا فحصت رجلا عنده جرح فی رأسه نافذ إلی عظم جمجمته دون قطع فیجب أن تضع یدک علیه فإذا وجدت جمجمته سلیمة دون نفاذ أو کسر أو شق فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح فی رأسه و جرحه لیست له شفتان و لیس به شق مع أنه نافذ إلی عظم رأسه، مرض سأعالجه.
یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول، و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1:
* قوله إذا «فحصت» رجلا یعنی العد کأنک تعد أشیاء بالکیل أما عن الفحص (حرفیا العد) فهو مثل عد کمیة معینة. بالکیل أو عد شی‌ء علی الأصابع لتعلم ... عد شی‌ء بالکیل هو مثل قیاس عد المرأة و قیاس مرض رجل هو لأجل أن تعلم علم القلب لأن هناک قنوات أو (عروق) فیه (القلب) لکل عضو و إذا وضع کاهن سخمت أو أی طبیب یدیه أو اصابعه علی الرأس أو مؤخر الرأس علی الیدین أو علی النبض أو علی القدمین فإنه یقیس القلب لأن نبضه فی کل عرق فی کل عضو. و قوله یقیس قلبه یعنی من أجل الأوعیة.
و یقول العالم الکبیر الدکتور محمد کامل حسین:
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 235
* هذا الشرح علی أهمیته غامض لنقص بعض أجزائه الهامة و لم أحاول أن أجعله أوضح و لم أشأ أن أجعل عبارته أکثر استقامة خوفا من تشویه الأصل علی أن ما بقی من هذا الشرح یدل علی علم بالعروق و القلب و عد النبض لمعرفة عمل القلب (م. ک. ح).
التی تذهب إلی رأسه و مؤخرة رأسه و قدمیه .. قلبه حتی یعرف العلامات التی نشأت هناک یعنی یقیسه لیعرف ما حدث له.
شرح 2:
و جرحه لیست له شفتان یعنی أن جرحه ضیق دون إنفراج شفته عن الأخری.
شرح 3:
نافذ إلی عظمة جمجمته دون شق یعنی أن اللحم به جرح و لو أن ... فوق عظمة جمجمته دون إنفراج شفة عن الأخری أی ضیق غیر واسع.

الحالة الثانیة: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم.

إذا فحصت رجلا عنده جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم فیجب أن تضع یدک علیه و یجب أن تفحص بأصابعک (جرحه) فإذا وجدت جمجمته سلیمة لیس بها نفاذ. فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی رأسه فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی رأسه، مرض سأعالجه یجب علیک أن تربط علیه لحما طریا من الیوم الأول و أن تضع علیه قطعتین من الکتان و تعالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 236
شرح 1: عن (جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم) یعنی ....
جرحه.
شرح 2: قوله قطعتان من الکتان یعنی رباطین من الکتان یضعهما علی شفتی الجرح المنفرج لیجعل احداهما تقرب الأخری.
شرح 3: قوله لیس به شق أو نفاذ أو فیه کسر یعنی ...

الحالة الثالثة: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق لجمجمته.

إذا فحصت رجلا عنده جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق لجمجمته فیجب أن تجس جرحه فإذا وجدته لا یستطیع أن ینظر إلی کتفیه و صدره و هو یشکو تصلبا فی رقبته فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق لجمجمته و هو یشکو تصلبا فی رقبته مرض سأعالجه. الآن بعد أن تخیط الجرح یجب أن تضع علی جرحة لحما طریا فی الیوم الأول و یجب أن لا تربطه و یجب أن تشد المریض إلی عصی مرساه حتی تنتهی مدة إصابته و یجب أن تعالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
شرح 2- قوله لا یستطیع أن ینظر إلی کتفیه و صدره یعنی لیس من السهل علیه أن ینظر إلی کتفیه و لیس من السهل علیه أن ینظر إلی صدره.
شرح 1: قوله نافذ إلی جمجمته یعنی ... جمجمته مکسوره من جراء حدوث کسر لها کما یکسر الأناء من الفخار ... الذی حدث له.
شرح 3: قوله یشکو تصلبا فی رقبته یعنی أن رقبته مرفوعه نتیجة حدوث الإصابة التی إنتقلت إلی رقبته حتی أن رقبته تأثرت.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 237
شرح 4: قوله أشدده إلی عصی مرساه 239] یعنی أعطه غذاءه العادی دون إعطاءه دواء.

الحالة الرابعة: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته

إذا فحصت رجلا به حرج منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته فیجب أن تجس جرحه فإذا وجدت داخله شیئا یتحرک تحت أصابعک و هو یرتعش بشدة و الورم فوقه بارز و الدم یخرج من منخریه و من أذنیه و یشکو تصلبا فی رقبته حتی أنه لا یستطیع أن ینظر إلی کتفیه و إلی صدره.
فیجب أن تقول عنه رجل به جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته و الدم یسیل من منخریه و أذنیه و هو یشکو تصلبا فی رقبته، مرض سأجاهد فیه 240] الآن عند ما تجد جمجمته مکسورة یجب أن لا تربطه بل أشدده إلی عصی مرساه حتی تنتهی مدة إصابته و علاجه جالسا و أجعل له مسندین من اللین حتی تعلم أنه وصل إلی نقطة حاسمة و یجب أن تضع علی رأسه الدهن و رطب رقبته به و کذلک کتفیه و یجب أن تعمل ذلک بکل مصاب بکسر فی جمجمته.
شرح 1: قوله کاسر لجمجمته یعنی إنفصال شقفه عن شقفه فی جمجمته و تبقی القطع لاصقة باللحم دون إنفصال.
شرح 2: قوله الورم فوقه بارز یعنی الورم فوق الکسر کبیر و عال.
شرح 3: حتی یبلغ نقطة حاسمة یعنی حتی تعلم أنه سیموت أو سیعیش لأنها حالة سأجاهد فیها.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 238

الحالة الخامسة: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی رأسه کاسر لجمجمته:

إذا فحصت رجلا به جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته فیجب أن تجس جرحه فإذا وجدت الکسر الذی فی جمجمته عمیقا غائرا تحت أصابعک و الورم فوقه بارزا و الدم یسیل من منخریه و أذنیه و هو یشکو تصلبا فی رقبته و هو لذلک لا یستطیع أن ینظر إلی کتفیه و صدره.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته و هو یشکو تصلبا فی رقبته، مرض لا یعالج. یجب أن لا تربط جرحه بل یجب أن تشده إلی عصی مرساه حتی تنتهی مدة إصابته.
شرح 1: قوله کاسر لجمجمته یعنی أن تکسر جمجمته جعل العظام تتخف داخل جمجمته جاء فی (رسالة عن ما یتعلق بجروحه) إن هذا یعنی أن هذا الکسر أحدث قطعا کثیره دخلت فی جمجمته.

الحالة السادسة: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته فاتح مخ جمجمته.

إذا فحصت رجلا به جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم کاسر لجمجمته فاتح مخ جمجمته:
فیجب أن تجس جرحه فإذا وجدت الکسر الذی فی جمجمته مثل التموجات التی تتکون فوق النحاس المصهور وان شیئا ینبض فی داخله یرجف تحت أصابعک مثل الجزء الضعیف فی أعلی رأس الطفل قبل أن یصبح کاملا- إذا حدث فلا نبض و لا حرکة تحت أصابعک حتی تفتح مخ جمجمته- و الدم یسیل من منخریه و هو یشکو من تصلب فی عنقه.
فیجب أن تقول عنه مرض لا یعالج.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 239
و یجب أن تضع علی الجرح الدهن و لا تربطه و لا تضع علیه قطعتی الکتان حتی تعلم أنه وصل إلی نقطة حاسمة.
شرح 1: قوله کاسر لجمجمته فاتح لمخ جمجمته یعنی أن الکسر کبیر فاتح لداخل الجمجمة واصل إلی الغشاء المحیط بمخه حتی أنه لیخرج منه السائل الذی هو داخل رأسه.
شرح 2: قوله مثل التموجات التی تتکون فوق النحاس المصهور یعنی النحاس الذی یرمی به قبل الصب فی القالب تکون فوقه من شی‌ء غریب عنه کالتجاعید یقال فیه أنه یشبه الصدید المتموج.

الحالة السابعة: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق تضاریس جمجمته

إذا فحصت رجلا به جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق تضاریس جمجمته فیجب أن تجس جرحه و أن أرتعش بشدة و یجب أن تجعله یرفع وجهه فإذا وجدت فتح فمه مؤلما له و قلبه یدق ضعیفا و وجدت لعابه معلقا بین شفتیه لا یسقط و الدم یسیل من منخریه و أذنیه و به تصلب فی عنقه و لا یستطیع أن ینظر إلی کتفیه و صدره.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق تضاریس جمجمته و حبل فکه الأسفل متقلصا، و الدم یسیل من منخریه و أذنیه و به تصلب فی عنقه مرض أجاهد فیه.
و الآن متی وجدت حبل فکه الأسفل متقلصا فیجب أن تکون قد عملت له شیئا ساخنا حتی یستریح فیفتح فمه و یجب أن تضع علیه الدهن و العسل و الکتان حتی تعلم أنه قد وصل إلی نقطة حاسمة.
فإذا وجدت أن هذا الرجل قد أصابته حمی من هذا الجرح الذی فی تضاریس جمجمته و انه قد عرض له (تی) من جرحه فضع یدیک فوقه
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 240
فإذا وجدت وجهه یندی عرقا و أربطة رقبته متوترة و وجهه محتقنا و أحسانه و ظهره ... و رائحة صندوق رأسه کبول الغنم و فمه مطبقا و حاجبیه مشدودین و وجهه کأنه یبکی. فیجب أن تقول عنه رجل به جرح منفرج فی رأسه نافذ إلی العظم خارق تضاریس جمجمته و أصابه (تی و فمه مطبق و به تصلب فی رقبته، مرض لا یعالج- فإذا وجدت هذا الرجل قد امتقع و هو منهوک القوة فیجب أن تکون قد أعددت له خشبة حولها کتان تضعها فی فمه و یجب أن تکون قد أعددت له شرابا من فاکهة (ویع) و علاجه جالسا مسندا بین قائمین من اللبن حتی تعلم أنه وصل إلی نقطة حاسمه.
شرح 1: قوله خارق تضاریس جمجمته یعنی ما بین شقفة جمجمته و أخری و أن التضاریس من الجلد[241].
شرح 2: قوله حبل فکه الأسفل متقلص یعنی تصلبا فی الأربطة التی فی طرف فرع الفک التی تربطه بعظمة الصدغ التی هی فی آخر فکه، دون تحرک من ناحیة لأخری، حتی أنه لیس من السهل علیه أن یفتح فمه من الألم.
شرح 3: قوله حبل فکه الأسفل یعنی الأربطة التی تربط طرف فکه کما لو سمی الأنسان شیئا کالجبیرة حبلا.
شرح 4: قوله جبینه یندی عرقا یعنی أن رأسه به عرق قلیل کما تقول شی‌ء (مبلول).
شرح 5: قوله أربطة رقبته متوترة یعنی أن أربطة رقبته متصلبة من أثر الإصابة.
شرح 6: قوله وجهه محتقن (تمش) یعنی أن لونه أحمر کلون صبغة (التمش).
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 241
شرح 7: قوله رائحة صندوق رأسه مثل (بکن) الغنم أی أن قمة رأسه لها رائحة بول الغنم.
شرح 8: قوله صندوق رأسه یعنی منتصف قمة رأسه بجوار المخ شبهها بالصندوق.
شرح 9: قوله فمه مطبق و حاجباه مشدودان و وجهه کأنه یبکی یعنی أنه لا یفتح فمه لیتکلم و حاجباه غیر مستویین أحدهما مرتفع و الآخر منخفض کالذی یرمق بعینه و هو یبکی.
شرح 10: قوله امتقع و هو منهوک القوی یعنی أنه اصفرّ لونه و هی حالة نتولاها و لا تترکها و إن کان منهوک القوة.

الحالة الثامنة: إرشادات خاصة بکسر فی جمجمة تحت جلد رأسه:

إذا فحصت رجلا به کسر فی جمجمة رأسه تحت جلد رأسه و لیس فیه شی‌ء ظاهر فوقه فیجب أن نجس موضع إصابته فإذا وجدت ورما بارزا فوق کسر جمجمته و عینه منحرفة من أثر ذلک فی الجهة التی بها الإصابة فی جمجمته و هو یمشی یجر قدمه فی الجهة التی بها الأصابة التی فی جمجمته.
فیجب أن تعده رجلا أصابه شی‌ء من الخارج فهو لا یستطیع أن یبعد کتفه و لا تقع أصابعه وسط کفه و یسیل الدم من منخریه و أذنیه و رقبته متصلبة مرض لا یعالج.
علاجه جالسا حتی یعود إلیه لونه و حتی تعلم أنه وصل إلی نقطة حاسمة. فمتی وجدت کسر جمجمته مثل التموجات التی توجد فوق النحاس المصهور و وجدت داخله شیئا ینبض و یرجف تحت أصابعک مثل المکان الضعیف فی قمة رأس الطفل قبل أن یصبح کاملا- إذا حدث فلا
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 242
یکون نبض و لا تکون هناک حرکة تحت أصابعک حتی یفتح مخ جمجمته- و الدم یسیل من منخریه و أذنیه و به تصلب فی رقبته فیجب أن تقول عنه مرض لا یعالج.
شرح 1: قوله کسر فی جمجمته تحت الجلد رأسه دون أن یکون فوقه جرح أبدا یعنی کسرا فی شقفة جمجمته دون أن یصاب جلد رأسه.
شرح 2: قوله یمشی یجر قدمه یعنی أنه یمشی و قدمه تحک فی الأرض و بذلک یصعب علیه المشی لأن قدمه ضعیفة و ملتویة و أطراف أصابع قدمه منکمشة تجاه الکعب و أنها تتخبط عند المشی و هو معنی قوله یجر.
شرح 3: قوله رجل أصابه شی‌ء من الخارج فی الجهة التی فیها الإصابة. یعنی أن شیئا من الخارج ضغط علی الجهة التی وقعت فیها الإصابة.
شرح 4: قوله شی‌ء دخل من الخارج یعنی ریحا من الخارج جاءه من إله خارجی أی من الموت لا شیئا من داخل جسمه.
شرح 5: قوله رجلا لا یبعد کتفه و لا تقع أصابعه وسط کفه یعنی أن رأس کتفه لا یتحرک و لا تقع أصابعه وسط کفه.

الحالة التاسعة[242]: إرشادات خاصة بجرح فی جبهته کاسر شقفة رأسه:

إذا فحصت رجلا عنده جرح فی جبهته کاسر شقفة رأسه فیجب أن تعد له بیضة نعامة مسحوقه مع دهن وضعها فی فتحة جرحه و بعد ذلک أعد له بیضة نعامة و اسحقها و اعملها لبخة لتجفیف الجرح و یجب أن
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 243
تضع علیه غطاء مما یستعمله الطبیب و تکشفه فی الیوم الثالث فإنک تجد الشقفه قد التأمت و لونها مثل بیضة النعامة.
* و أقرأ علیه تعویذه:
لیصد العدو الذی فی الجرح، و لیطرد الشر الذی فی الدم، عدو هوروس علی جانبی فم أیزیس، فهذا الهیکل لن یتهدم، و لیس هناک عدو للوعاء داخله، فإنی تحت حمایة إیزیس، و منقذی ابن أوزوریس.
و یجب أن تربط الجرح بالتین و الدهن و العسل تطبخها و تترکها تبرد و تضعها علیه.
شرح 1: غطاء یستعمله الطبیب یعنی رباطا مما عند المحنطین و هو (الطبیب) یربط به الدواء الذی یضعه علی الجرح الذی فی جبهته.

الحالة العاشرة: إرشادات خاصة بجرح فوق حاجبیه:

إذا فحصت رجلا عنده جرح فوق حاجبه نافذ إلی العظم فیجب أن تجس الجرح و تقرب حافتی الجرح بالخیاطة- یجب أن تقول عنه رجل عنده جرح فی حاجبه، مرض سأعالجه و الآن بعد خیاطته یجب أن تربط لحما طریا علیه أول یوم فإذا وجدت خیاطة الجرح قد أصبحت مفککه فقرب الحافتین بقطعتی کتان و عالجه بالدهن و العسل کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1: قطعتی کتان یعنی قطعتی الکتان اللتین توضعان علی حافتی الجرح المنفرج لتقرب أحداهما من الأخری.

الحالة الحادیة عشرة: إرشادات خاصة بکسر فی عمود أنفه

إذا فحصت رجلا به کسر فی عمود أنفه و أنفه مشوه و به إنخساف و الورم الذی فوقه بارز و الدم یسیل
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 244
من منخریه. فیجب أن تقول عنه رجل به کسر فی عمود أنفه، مرض أعالجه. یجب أن تنظف أنفه بقطعتین من الکتان وضع قطعتین أخریین مشبعتین بالدهن داخل منخریه و اشدده إلی عصا مرساة حتی یهبط ورمه وضع فوقه لفات صلبه من الکتان الجاف تمسک أنفه و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1: قوله عمود أنفه یعنی حافة أنفه الخارجیة حتی جانبیه من أعلی أنفه و من داخل أنفه وسط منخریه.
شرح 2: منخریه یعنی جنبی أنفه حتی الخدین إلی ظهر أنفه أما أعلی أنفه فیکون مفککا.

الحالة الثانیة عشرة: إرشادات خاصة بکسر فی فجوة أنفه:

إذا فحصت رجلا به کسر فی فجوة أنفه و أنفه منحرف. و وجهه مشوه و الورم فوقه بارز.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده کسر فی فجوة أنفه، مرض أعالجه یجب أن تضغط علیه حتی یعود محله و نظف منخریه من الداخل بقطعتی کتان حتی تخرج کل دودة من الدم تکونت داخل منخریه ثم ضع قطعتین من الکتان مشبعتین بالدهن فی داخل منخریه وضع له قطعتین صلبتین من الکتان و أشددها علیه ثم عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
شرح 2: قوله أنفه منحرف و وجهه مشوه یعنی أن أنفه معوج و به ورم کبیر یشمله کله و خدیه کذلک و التشوه ناشی‌ء من ذلک الورم و من أنه لیس فی وضعه العادی لأن کل منخفضات الوجه مغطاه بالورم و لذلک وجهه مشوه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 245
شرح 1: قوله کسر فی فجوة أنفه یعنی وسط أنفه حتی مؤخر الأنف ممتدا إلی ما بین حاجبیه.
شرح 3: کل دودة دم متجمدة داخل منخریه یعنی أن الدم تجمد داخل منخریه و شبهها بدودة (عنعرة) التی تعیش فی الماء.

الحالة الثالثة عشرة: إرشادات خاصة بکسر فی منخره:

إذا فحصت رجلا به کسر فی منخره فضع یدک فوق الکسر نفسه فإذا احسست فرقعة تحت أصابعک و الدم یسیل من منخره و من أذنه فی الجانب الذی فیه الکسر و هو یتألم حین یفتح فمه من أثر ذلک و هو لا یستطیع الکلام. فیجب أن تقول عنه مرض لا یعالج.

الحالة الرابعة عشرة: إرشادات خاصة بجرح فی منخره:

إذا فحصت رجلا به جرح فی منخره نافذا و حافتا الجرح بعیدة إحداهما عن الأخری فیجب أن تقربهما بالخیاطة.
و یجب أن تقول عنه رجل به جرح فی منخره نافذ، مرض أعالجه.
یجب أن تعمل له قطعتین من الکتان. و یجب أن تنظف کل دودة دمویة تجمدت داخل منخره و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول فإذا تفککت الخیاطة. فارفع اللحم الطری و اربط علیه الدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1: قوله جرح فی منخره نافذ معناه أن حافتی جرحه رخوتان و الجرح فاتح داخل أنفه کما تقول نافذ و تعنی الأشیاء الرخوه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 246

الحالة الخامسة عشرة: إرشادات خاصة بخرق فی خده:

إذا فحصت رجلا به خرق فی خده فإذا وجدت به ورما بارزا و لونه أسود و الأنسجة فوق خده مریضة فیجب أن تقول عنه به خرق فی خده، مرض أعالجه و یجب أن تربط علیه (الأیمرو) و تعالجه بعد ذلک بالدهن و العسل کل یوم حتی یبرأ.[243]

فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة ؛ ص246

الحالة السادسة عشرة: إرشادات خاصة یشق فی خده.

إذا فحصت رجلا به شق فی خده و به ورم بارز و لونه أحمر فوق هذا الشق فیجب أن تقول عنه رجل به شق فی خده، مرض أعالجه.
و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و علاجه جالسا حتی یهبط ورمه و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.

الحالة السابعة عشرة: إرشادات خاصة بکسر فی خده.

إذا فحصت رجلا به کسر فی خده فیجب أن تضع یدک علی موضع الکسر فإذا احسست قرقعة تحت أصابعک و الدم یسیل من منخره و من الأذن التی فی جهة الأصابة و فی الوقت نفسه یخرج الدم من فمه و یؤلمه أن یفتح فمه من جراء ذلک فیجب أن تقول عنه رجل به کسر فی خده و الدم یسیل من منخره و من أذنه و من فمه و هو لا یتکلم، مرض لا یعالج.
و یجب أن تربط علیه اللحم الطری فی الیوم الأول و راحته فی الجلوس حتی یهبط الورم و علاجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 247

الحالة الثامنة عشرة: إرشادات خاصة بجرح فی صدغه.

إذا فحصت رجلا به جرح فی صدغه و لیس به شق و هذا الجرح نافذ إلی العظم فیجب أن تجس جرحه فإذا وجدت عظمة صدغه غیر مصابة و لیس بها شرخ أو ثقب أو کسر.
فیجب أن تقول عنه رجل به جرح فی صدغه، مرض أعالجه.
و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1: قوله جرح لیس به شق و هو نافذ إلی العظم یعنی أن الجرح ضیق و اصل إلی العظم و إن لم یکن به شق فهو یتکلم عن أنه ضیق لیت له حافتان.
شرح 2: قوله صدغ یعنی ما بین زاویة عینه و فتحة أذنه فی آخر فکه الأسفل.

الحالة التاسعة عشرة: إرشادات خاصة بثقب فی صدغه.

إذا فحصت رجلا به ثقب فی صدغه فوقه جرح فیجب أن تفحص جرحه و تقول له أنظر إلی کتفیک فإذا کان هذا یؤلمه و رقبته لا تدور إلا قلیلا و عینه التی فی جانب الإصابة محمرة.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده ثقب فی صدغه و هو یشکو من تصلب فی رقبته، مرض أعالجه.
و یجب أن تشده إلی عصی مرساه حتی تنتهی مدة إصابته، و یجب أن تعالجه بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 248
شرح 1: قوله عیناه محمرتان یعنی لون عینیه أحمر مثل زهر (الشس) و کتاب (ما یتعلق بالمحنط) یقول عن ذلک (عیناه حمراوان من المرض کالعین فی آخر ضعفها).

الحالة العشرون: إرشادات خاصة بجرح فی صدغه نافذ إلی العظم خارق لعظم الصدغ.

إذا فحصت رجلا به جرح فی صدغه نافذ إلی العظم خارق لعظم الصدغ و عیناه محمرتان و الدم یسیل من منخریه و یسقط نقطا فإذا وضعت أصابعک علی فم هذا الجرح فإنه یرتعش بشدة و إذا سألته عن مرضه فإنه لا یرد علیک و الدموع تسیل بغزارة من عینیه حتی أنه لیضع یده إلی وجهه کثیرا لیمسح عینیه بظهر یده کما یفعل الطفل و هو لا یدری أنه یعمل ذلک.
* فیجب أن تقول عنه أنه رجل به جرح فی صدغه نافذ إلی العظم خارق لعظم الصدغ و الدم یسیل من منخریه و رقبته متصلبة و هو لا یتکلم، مرض لا یعالج؟؟ و الآن إذا وجدت هذا الرجل لا یتکلم فإن راحته فی الجلوس، وضع علی رأسه ما یطریه من الدهن و أفرغ فی أذنیه لبنا.

الحالة الحادیة و العشرون: إرشادات خاصة بشق فی صدغه.

إذا فحصت رجلا عنده شق فی صدغه و وجدت به ورما بارزا فوق هذا الشق و الدم یسیل من منخره و من أذن واحدة هی التی فیها الإصابة و هو من جراء ذلک یتألم عند ما یسمع کلاما.
فیجب أن تقول عنه أنه رجل عنده شق فی صدغه و الدم یسیل من منخره و من أذنه التی بها الإصابة، مرض أجاهد فیه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 249
و یجب أن تشده إلی عصی مرساه حتی تعلم أنه وصل إلی نقطة حاسمة:

الحالة الثانیة و العشرون: إرشادات خاصة بکسر فی صدغه:

إذا فحصت رجلا عنده کسر فی صدغه فیجب أن تضع إبهامک علی ذقنه و إصبعک علی طرف فرع فکه بحیث یسیل الدم من منخریه و من داخل أذنه التی بها الکسر و نظف له بالکتان حتی تری قطع العظم المکسور داخل أذنه و إذا کان لا یتکلم إذا نادیته و لا یستطیع الکلام.
فیجب أن تقول عنه رجل به کسر فی صدغه و الدم یسیل من منخریه و من أذنه و هو لا یتکلم و رقبته متصلبه، مرض لا یعالج.
شرح 1: قوله طرف فرع فکه یعنی آخر الفک أما فرعه فهو آخره فی الصدغ کمخلب الطائر الذی یمسک بک الأشیاء.
شرح 2: قوله حتی تری قطع العظم المکسور داخل أذنه یعنی أن بعض هذه القطع تخرج لاصقة بالکتان التی تمسح به أذنه.
شرح 3: قوله لا یتکلم یعنی أنه ساکت من الحزن لا یتکلم مثل الرجل لیشکو من الضعف لأن شیئا أصابه من الخارج.

الحالة الثالثة و العشرون: إرشادات خاصة بجرح فی أذنه.

إذا فحصت رجلا به جرح فی أذنه قاطع للحم و الإصابة فی أسفل أذنه مقصورة علی اللحم فیجب أن تقرب الحافتین بالخیاطة وراء فجوة أذنه، و یجب أن تقول عنه رجل عنده جرح فی أذنه قاطع اللحم، مرض أعالجه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 250
فإذا وجدت الخیاطة مفککة لاصقة فی حافتی الجرح فیجب أن تعمل له قطعتین صلبتین من الکتان وضعهما خلف أذنه و یجب أن تعالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.

الحالة الرابعة و العشرون: إرشادات خاصة بکسر فی الفک الأسفل.

إذا فحصت رجلا به کسر فی فکه الأسفل فضع یدک فوقه فإذا وجدت قرقعة تحت أصابعک فیجب أن تقول عنه رجل به کسر فی الفک فوقه جرح و عنده حمی منه، مرض لا یعالج.

الحالة الخامسة و العشرون. إرشادات خاصة بخلع الفک الأسفل.

إذا فحصت رجلا عنده خلع فی فکه الأسفل و وجدت فمه مفتوحا و لا یستطیع قفله فضع إبهامیک علی طرفی فرعی الفک داخل فمه، و أصابع یدیک تحت ذقنه و یجب علیک بذلک أن ترده إلی الخلف فیعود إلی مکانه.
و یجب أن تقول عنه رجل به خلع فی فکه، مرض أعالجه.
و یجب أن تربطه (بالأیمرو) و بالعسل کل یوم حتی یبرأ.

الحالة السادسة و العشرون: إرشادات خاصة بجرح فی شفته:

إذا فحصت رجلا به جرح فی شفته نافذ إلی داخل فمه فیجب أن تفحص جرحه حتی عمود أنفه و یجب أن تقرب حافتی الجرح بالخیاطة.
و یجب أن تقول عنه رجل عنده جرح فی شفته نافذ إلی داخل فمه،
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 251
(مرض أعالجه) و الآن بعد خیاطته یجب أن تضع علیه لحما طریا فی الیوم الأول و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1: قوله جرح فی شفته نافذ إلی داخل فمه یعنی أن الحافتین رخوتان فاتحتان إلی داخل الفم کما تقول «نافذ» عند الکلام عن الأشیاء الرخوة.

الحالة السابعة و العشرون: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی ذقنه.

إذا فحصت رجلا عنده جرح منفرج فی ذقنه نافذ إلی العظم فیجب أن تجس جرحه فإذا وجدت العظم سلیما لیس به شدخ أو ثقب.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی ذقنه نافذ إلی العظم، مرض أعالجه، یجب أن تضع قطعتین من الکتان علی الجرح و اربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و یجب أن تعالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.

الحالة الثامنة و العشرون: إرشادات خاصة بجرح فی رقبته.

إذا فحصت رجلا به جرح فی رقبته نافذ إلی المرئ فإذا شرب الماء شرق به و خرج من جرحه و الجرح ملتهب حتی أنه به حمی منه فیجب أن تقرب حافتیه بالخیاطة.
و یجب أن تقول عنه رجل به جرح فی رقبته نافذ إلی المری‌ء، مرض أجاهد فیه و یجب أن تضع علیه اللحم الطری فی الیوم الأول و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
فإذا وجدت أن الحمی مستمرة من جرحه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 252
فیجب أن تضع الکتان الجاف علی فم الجرح و شده إلی عصی مرساة حتی یبرأ.

الحالة التاسعة و العشرون: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی فقرة فی رقبته:

إذا فحصت رجلا به جرح منفرج فی فقرة فی رقبته نافذ إلی العظم مخترق فقرة فی رقبته، إذا فحصت هذا الجرح و وجدت المریض یرتعش بشدة و لا یستطیع أن ینظر إلی کتفیه و صدره. فیجب أن تقول عنه رجل به جرح فی رقبته نافذ إلی العظم مخترق فقرة فی رقبته و هو یشکو تصلبا فی رقبته، مرض أجاهد فیه.
و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و أن تشده بعد ذلک إلی عصی مرساه حتی تنتهی مدة اصابته.

الحالة الثلاثون: إرشادات خاصة بمعص فی فقرة فی رقبته.

إذا فحصت رجلا عنده معص فی فقرة فی رقبته فیجب أن تقول له أنظر إلی کتفیک و صدرک فإذا وجدت أنه إذا فعل ذلک فإن الالتفات الممکن له یؤلمه. فیجب أن تقول عنه رجل عنده معص فی فقرة فی رقبته، مرض أعالجه. و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و بعد ذلک (عالجه بالأیمرو) و العسل کل یوم حتی یبرأ.
شرح 1: قوله معص یعنی انفصال عضوین مع بقاء کل منهما فی موضعه.

الحالة الحادیة و الثلاثون: إرشادات خاصة بخلع فقرة فی رقبته:

إذا فحصت رجلا عنده خلع
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 253
فی فقرة فی رقبته و وجدته لا یحس بذراعیه و لا برجلیه من أثر ذلک و قضیبه منتشر من أثر ذلک و بوله یسیل من عضوه و هو لا یدری و جسمه اصابته ریح و عیناه محمرتان فهی حالة خلع فی فقرة فی رقبته ممتدة إلیی السلسلة تجعله لا یحس بذراعیه و لا برجلیه أما إذا کان الخلع فی منتصف رقبته فإنه یصاب بالإمناء فی قضیبه یجب أن تقول عنه رجل عنده خلع فی فقرة فی رقبته و هو لا یحس برجلیه و لا بذراعیه و بوله یسیل منه، مرض لا یعالج.
شرح 1: قوله خلع فی فقرة فی رقبته یعنی انفصال فقرة فی رقبته من أخری دون أن یصاب اللحم الذی فوقها کما یقال (خلعت) عن أشیاء کانت ملتصقه ثم انفصل بعضها عن بعض.
شرح 2: قوله مصاب بالإمناء من قضیبه یعنی أن قضیبه منتشر و یخرج من آخره سائل و قوله منتشر یعنی لا یسقط إلی أسفل و لا یرتفع إلی أعلی.
شرح 3: قوله بوله یسیل یعنی یسقط من قضیبه و لا یمکنه منعه.

الحالة الثانیة و الثلاثون: إرشادات خاصة بخلع فی فقرة فی رقبته.

إذا فحصت رجلا به خلع فی فقرة فی رقبته و وجهه ثابت و رقبته لا تدور معه فیجب أن تقول له أنظر إلی صدرک و کتفیک فإذا وجدت أنه لا یستطیع أن یدیر وجهه لینظر إلی صدره و کتفیه. فیجب أن تقول عنه رجل عنده خلع فی رقبته، مرض أعالجه.
و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و یجب أن تحل أربطته و تدهن رأسه حتی رقبته و تربط علیه (الایمرو) و یجب أن تعالجه بعد ذلک بالعسل کل یوم و علاجه جالسا حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 254
شرح 1: قوله خلع فقرة فی رقبته یعنی أن فقرة ساخت فی داخل رقبته کما تسیخ القدم فی الأرض المنزرعة. فهی تنفذ إلی أسفل.

الحالة الثالثة و الثلاثون: إرشادات خاصة بهرس فی فقرة فی رقبته.

إذا فحصت رجلا به هرس فی فقرة فی رقبته فوجدت أن فقرة قد سقطت فی الفقرة التی تلیها و هو لا صوت له و لا یستطیع الکلام فإن سقوطه و رأسه إلی أسفل جعل الفقرة تدخل فی التی تلیها فإذا وجدت مع ذلک أنه لا یحس بذراعیه، و لا برجلیه من جراء ذلک.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده هرس فی فقرة فی رقبته و لا یحس بذراعیه و لا برجلیه و هو لا یتکلم، مرض لا یعالج.
شرح 1: قوله هرس فی فقرة فی رقبته یعنی أن فقرة فی رقبته غاصت فی التی تلیها فدخلت إحداهما فی الأخری حتی انعدمت کل حرکه بینهما.
شرح 2: قوله أن سقوطه و رأسه إلی أسفل جعل فقرة تدخل فی أخری یعنی أنه سقط فوق رأسه و هی إلی أسفل فبذلک تدخل فقرة رقبته فیی التی تلیها.

الحالة الرابعة و الثلاثون: إرشادات خاصة بخلع فی الترقوتین

إذا فحصت رجلا عنده خلع فی الترقوتین و وجدت کتفیه متحولتین و ترقوتیه متجهتین إلی وجهه.
فیجب أن نقول عنه رجل عنده خلع فی ترقوتیه، مرض أعالجه.
و یجب أن تضغطهما إلی الخلف حتی یستقرا فی موضعهما کما یجب أن تربطه بلفات صلبه من الکتان و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل کل یوم
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 255
حتی یبرأ. و لکن إذا وجدت الأنسجة فوق الترقوتین ممزقة و الجرح نافذ إلی الداخل فیجب أن تقول عنه مرض لا أعالجه 244].
شرح 1: قوله خلع فی ترقوتیه یعنی انفصال فی رؤوس عظمتی رقبته بأعلی عظم الصدر الممتد إلی زوره و فوق لحم زوره لحم صدره و وراءه قناتان واحدة إلی یمین الزور و أخری إلی یسار الزور و الصدر تنتهیان إلی الرئتین.

الحالة الخامسة و الثلاثون: إرشادات خاصة یکسر فی ترقوته.

إذا فحصت رجلا عنده کسر فی ترقوته و وجدت ترقوته قصیرة و منفصلة أجزاؤها فیجب أن تقول عنه رجل عنده کسر فی ترقوته مرض أعالجه.
و یجب أن تضعه مستلقیا علی ظهره وضع شیئا ملفوفا بین لوحی کتفیه و شد کتفیه حتی یبتعد جزءا ترقوته و یرجع الکسر إلی موضعه. ثم اعمی له جبیرتین من الکتان وضع واحدة منهما علی عضده من الداخل و الأخری علی عضده من تحت و أربطه (بالایمرو) و عالجه بعد ذلک بالعسل کل یوم حتی یبرأ.

الحالة السادسة و الثلاثون: إرشادات خاصة بکسر فی عضده.

إذا فحصت رجلا به کسر فی عضده و وجدت عضده معلقا بجانبه منفصلا بعضه عن بعض.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده کسر فی عضده مرض أعالجه.
و یجب أن تضعه مستلقیا علی ظهره وضع شیئا ملفوفا بین عظمتی
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 256
اللوح و شد کتفیه حتی یبتعد جزءا عضده و یرجع الکسر إلی موضعه و اعمل له جبیرتین من الکتان وضع أحداهما علی العضد من الداخل و الأخری علی عضده من تحت و یجب أن تربط (بالایمرو) و عالجه بعد ذلک بالعسل کل یوم حتی یبرأ.

الحالة السابعة و الثلاثون: إرشادات خاصة یکسر فی عضده فوقه جرح.

إذا فحصت رجلا به کسر فی عضده فوقه جرح و وجدت أن الکسر به قرقعة تحت أصابعک.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده کسر فی العضد فوقه جرح مرض أجاهد فیه و یجب أن تعمل له جبیرتین من الکتان و أربطه (بالأیمرو) و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل کل یوم و الکتان حتی تعلم أنه وصل إلی نقطة حاسمة.
و لکن إذا وجدت الجرح الذی فوق الکسر یسیل منه الدم و هو نافذ إلی داخل الإصابة فیجب أن تقول عنه رجل عنده کسر فی العضد فوقه جرح نافذ إلی الداخل مرض لا یعالج.

الحالة الثامنة و الثلاثون: إرشادات خاصة بشدخ فی عضده.

إذا فحصت رجلا به شدخ فی عضده و وجدت الورم بارزا فوق الشدخ الذیی فی عضده فیجب أن تقول عنه رجل عنده شدخ فی عضده، مرض أعالجه.
و یجب أن تربط علیه (الایمرو) و عالجه بعد ذلک بالعسل کل یوم حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 257

الحالة التاسعة و الثلاثون: إرشادات عن أورام أو (قروح) لها رأس بارز فی صدره.

إذا فحصت رجلا به أورام لها رأس بارز فی صدره و وجدت هذه الأورام تمتد فوق صدره و بها صدید و احمرار و حرارة شدیدة عند ما تلمسه بیدک.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده ورم له رأس بارز فی صدره و به صدید مرض أعالجه بالکی.
و یجب أن تکویه فی صدره فوق هذه الأورام التی فی صدره و یجب أن تعالجه بعلاج الجروح و لا تمنعها أن تنفتح من تلقاء نفسها حتی لا یبقی فی جرحه (مینهیو) لأن کل جرح یوجد فوق صدره یجف متی انفتح من تلقاء نفسه.
شرح 1: قوله أورام لها رأس بارز فی صدره یعنی أوراما ممتدة فوق صدره من أثر الاصابة و هی تحدث صدیدا و احمرارا فی الصدد کما تتعدد الألوان حیث یتکون الصدید.

الحالة الأربعون: إرشادات خاصة بجرح فی صدره.

إذا فحصت رجلا عنده جرح فی صدره نافذ إلی العظم خارق لأعلی عظمة الفص.
فیجب أن تضغط إلی أعلی عظم الفص بأصابعک و إن ارتعش بشدة.
یجب أن تقول عنه رجل عنده جرح فی صدره نافذ إلی العظم خارق لأعلی عظم القص مرض أعالجه. و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول و یجب أن تعالجه بعد ذلک بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 258
شرح 1: قوله أعلی عظم القص یعنی رأس عظم القص الذی کأنه القنفذ.

الحالة الحادیة و الأربعون: إرشادات خاصة بشدخ فی عضده.

إذا فحصت رجلا به جرح متقیح فی صدره و الجرح ملتهب و حوله دوائر من الالتهاب تمتد من فم هذا الجرح عند ما تلمسه و حافتا الجرح محمرتان و وجدت هذا الرجل عنده حمی مستمرة و لحمه لا یحتمل الرباط و أن هذا الجرح لیس له حافة من الجلد و الأزرار التی فی فم الجرح رطبة (مائیة) و سطحه حار و إفرازاته تسقط منه نقطا کالزیت.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح متقیح فی صدره و هو ملتهب و یسبب له حمّی مستمرة.
* مرض أعالجه، و یجب أن تعمل له دواء ملطفا لیزول الالتهاب من فم الجرح:
1- ورق صفصاف، أوراق شجرة (نبش)، (قسنتی) ضعها علیه.
2- أوراق شجرة (أم)، روث، (هنیت)، (قسنتی) ضعها علیه.
* یجب أن تعمل له دواء یجفف جرحه من:
(أ) مسحوق صبغة خضراء، و (شبّة)، (ثهنه)، (دهن).
إسحقها وضعها علیه.
(ب) [ملح الشمال ، [دهن ماعز] اسحقها وضعها علیه.
* و یجب أن تعمل له لبخا من:
[شبن (أحمر)] (لسان الحدیقة)، (ظهره)، أوراق (جمیز).
أربطها علیه.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 259
و إذا حدث مثل هذا لأی عضو فیجب أن تعالجه حسب هذه الارشادات.
شرح 1: قوله جرح متقیح من صدره ملتهب معناه أن الجرح الذی فی صدره بطی‌ء لا یلتئم و الحمی تخرج منه و حافتاه محمرتان و فمه متسع، و کتاب [ما یتعلق بالجروح یقول فی ذلک یعنی أن هناک ورما کبیرا جدا، و ملتهب یعنی ارتفاع الحرارة فیه.
شرح 2: قوله دوائر من الالتهاب فی الجرح یعنی دوائر ملتهبة تدور فی داخل الجرح کله.
شرح 3: قوله حافتاه محمرتان أی شفتاه حمراوان مثل لون شجرة (التمشه).
شرح 4: قوله لحمه لا یحتمل رباطا یعنی أن لحمه لا یحتمل العلاج من أثر الالتهاب الذی فی لحمه.
شرح 5: قوله و الحرارة تنبعث باستمرار من فم جرحه عند ما تلمسه یعنی أن الحرارة تخرج من جرحه عند اللمس کما نقول عن شی‌ء خرج کله إنبعث.

الحالة الثانیة و الأربعون: إرشادات خاصة برضّ فی أضلاع صدره.

إذا فحصت رجلا له رضّ فی أضلاع صدره و لیس بها خلع و لا کسر و هو مع ذلک مستمر فی شکواه و یرتعش بشده.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده رضّ فی أضلاع صدره (مرض أعالجه).
و یجب أن تربط علیه الأیمرو) و عالجه بعد ذلک بالعسل کل یوم حتی یبرأ.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 260
شرح 1: قوله أضلاع صدره یعنی عظام فصه التی لها فقرات مثل فقرات الشواء.

الحالة الثالثة و الأربعون: إرشادات خاصة بخلع فی أضلاع صدره.

إذا فحصت رجلا عنده خلع فی أضلاع صدره و وجدت أضلاع صدره بارزه و رؤوسها حمراء و الرجل یشکو دائما من ورم جنبیه فیجب أن تقول عنه رجل عنده خلع فی أضلاع صدره، مرض أعالجه. و یجب أن تربط علیه (الأیمرو) و عالجه بعد ذلک بالعسل حتی یبرأ.
شرح 1: قوله خلع فی أضلاع صدره یعنی رؤوس أضلاع صدره المربوطة فی عظمة القص.
شرح 2: قوله یشکو ورما فی جنبیه یعنی أنه یشکو من المفاصل التی فی صدره ممتدة إلی جانبه.
شرح 3: قوله جنبیه یعنی القطنین.

الحالة الرابعة و الأربعون: إرشادات خاصة بکسر فی أضلاع صدره.

إذا فحصت رجلا عنده کسر فی أضلاع صدره فوقه جرح و وجدت قرقعة فی أضلاع صدره تحت أصابعک.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده کسر فی أضلاع صدره فوقه جرح مرض لا یعالج.

الحالة الخامسة و الأربعون: إرشادات خاصة بأورام بارزة فوق صدره.

إذا فحصت رجلا عنده ورم بارز فوق صدره و وجدت الأورام ممتدة
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 261
علی صدره و إذا وضعت یدک علی الصدر فوق هذه الأورام وجدتها باردة جدا لیس فیها حرارة أبدا عند ما تحسها بیدک و لیست بها أزرار و لا بها سائل و لیست بها إفرازات و هی بارزة تحت یدک.
فیجب أن تقول عنه أنه رجل عنده أورام بارزة، مرض أجاهد فیه و لیس له علاج. و إذا وجدت أوراما بارزة فی أی عضو فعالجه حسب هذه الارشادات.
شرح 1: قوله ورم بارز فی صدره یعنی أوراما فی الصدر کبیرة عنده و صلبه و ملمسها کملمس کرة من الأربطة و هی تشبه فاکهة (الهیمات) الخضراء فهی فی صلابتها و رطوبتها عند اللمس مثل هذه الأورام التی فوق صدره.

الحالة السادسة و الأربعون: إرشادات خاصة بخراج له رأس بارزة فی صدره.

إذا فحصت رجلا عنده خراج بارز فی صدره و وجدت ورما کبیرا جدا فوق صدره کالزیت کأن به سائلا تحت یدک و به رطوبة فوق سطحه و وجهه غیر محمر.
فیجب أن تقول عنه رجل عنده خراج له رأس بارز فی صدره، مرض أعالجه بما یرطب هذا الخراج الذی فی صدره.
(أ) فاکهة (سخة)، (نترة)، (قسنتی)، إسحقها وضعها علیه.
(ب) فاکهة (شس)، [قسنتی (مونة البناء)، (ماء) إسحقها وضعها علیه.
فإذا لم تنجح هذه المرطبات فاترکها حتی یخرج السائل من الخراج ذی الرأس.
و بعد ذلک یجب أن تعالجه بعلاج الجروح أی بأدویة تخرج الالتهاب
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 262
من فم الجرح الذی فی صدره. [ورق سنط]، [جمیز]، [عصیر ورق شجر (ام)] (روث ثور)، (هنیت) و أربطها علیه. و یجب أن تعمل له مجففات لصدره.
مسحوق صبغة (خضراء)، (ظهره)، [دهن مرهم ، [ملح الشمال ، [دهن ماعز] و أربطها علیه. و یجب أن تعمل له لبخا من:
(شبن) أحمر، جمیز.
شرح 1: قوله خراج له رأس بارز فی صدره یعنی ورما کبیرا من الاصابة التی فی صدره رخوا کأن هناک سائلا تحت یدک.
شرح 2: قوله رطوبة فوق السطح یعنی أن الجلد غیر حار.
شرح 3: قوله لیس به احمرار یعنی أنه لا احمرار فوقه.

الحالة السابعة و الأربعون: إرشادات خاصة بجرح منفرج فی کتفه.

إذا فحصت رجلا به جرح منفرج فی کتفه و اللحم منحسر عنه و حافتاه متباعدتان و هو یشکو و رما فی کتفه فیجب أن تجس الجرح فإذا وجدت حافتیه منفصلتین علی هیئة لفة الکتان حین تفک و یؤلمه أن یرفع ذراعه من جراء ذلک فیجب أن تقرب الحافتین بالخیاطة.
و یجب أن تقول عنه رجل به جرح فی کتفه منفرج و اللحم منحسر عنه و حافتاه متباعدتان و هو یشکو ورما فی کتفه، (مرض أعالجه) و یجب أن تربط علیه لحما طریا فی الیوم الأول.
فإذا وجدت بعد ذلک الجرح مفتوحا و الخیاطة مفککة فقرب حافتیه بقطعتی الکتان و عالجه بعد ذلک بالدهن و العسل حتی یبرأ.
و إذا وجدت جرحا فی أی عضو لحمه منحسر و حافتاه متباعدتان فعالجة حسب هذه الارشادات.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 263
فإذا وجدت أن لحم الجرح الذی فی کتفه التهب و الجرح ملتهب مفتوح و الخیاطة مفککة فضع یدک علیه فإذا وجدت الحرارة تصدر من فم الجرح عند لمسک إیاه و الافرازات تخرج منه باردة کعصیر (الونش).
فیجب أن تقول عنه رجل عنده جرح منفرج فی الکتف و الحمی لا تزال تخرج منه، مرض أجاهد فیه.
فإذا حدث أنک وجدت الحمی مستمرة و الجرح ملتهبا.
فیجب أن لا تربطه و یجب أن تشده إلی عصی مرساه حتی تنتهی مدة إصابتة أما إذا هدأت الحرارة و زال الالتهاب من الجرح تماما فیجب أن تعالجه بالدهن و العسل و الکتان کل یوم حتی یبرأ.

الحالة الثامنة و الأربعون: إرشادات خاصة برض فی فقرة فی ظهره.

إذا فحصت رجلا عنده رضّ فی فقرة فی ظهره فقل له أمدد رجلیک ثم أثنیهما فإذا وجدت حین یمدهما أنه یثنیهما بسرعة من جراء الألم الذی یصیب فقرات ظهره التی یشکو منها فیجب أن تقول عنه رجل عنده رضّ فی فقرة فی ظهره، مرض أعالجه.
و یجب أن تضعه علی ظهره. و أن تعمل له ..
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 264

بعض المراجع الهامة

* ابن النفیس: تألیف الدکتور بول غلیونجی- سلسلة أعلام العرب العدد 57.
* الأغانی: لأبی الفرج الأصبهانی. طبعة الشعب 1966 القاهرة.
* أثر العرب فی الحضارة الأوربیة: لعباس محمود العقاد.
طبعة دار المعارف.
* تاریخ الأدب العربی: کارل بروکلمان- ترجمة د. رمضان عبد التواب و د. یعقوب بکر. دار المعارف 1977.
* تاریخ الطب و الصیدلة عند العرب: تألیف الدکتور سامی حمارنة. طبعة القاهرة سنة 1967.
* تاریخ العلم تألیف: جورج سارتون. ترجمة لفیف من العلماء و نشر دار المعارف سنة 1970.
* تاریخ العلوم عند العرب: للدکتور عمر فروخ. طبعة بیروت سنة 1918.
* حضارة العرب: تألیف جوستاف‌لوبون. ترجمة عادل زعیتر.
نشر عیسی البابی الحلبی 1948.
* الحاوی فی الطب: لأبی بکر الرازی- خمسة عشر مجلدا طبعة مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدر أباد الدکن بالهند سنة 1955.
* رسالة لأبی بکر الرازی إلی أحد تلامیذه: ضمن مجموعة خطیة تحت رقم 119 طب تیمور.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 265
* رسالة فی الجدری و الحصبة لأبی بکر الرازی طبعة المدرسة الکلیة السوریة الإنجیلیة- بیروت سنة 1872 م.
* شمس العرب تسطع علی الغرب: تألیف الدکتورة زیجرید هونکه.
نقله إلی العربیة فاروق بیضونه، کمال دسوقی. منشورات دار الآفاق الجدیدة بیروت 1981.
* الشیخ الرئیس ابن سینا: تألیف عباس محمود العقاد. دار المعارف سنة 1946.
* الطب الروحانی: لأبی بکر الرازی- تحقیق عبد اللطیف العبد. النهضة المصریة 1978.
* طبقات الأطباء و الحکماء: لابن جلجل. تحقیق فؤاد السید.
طبعة المعهد العلمی الفرنسی للآثار الشرقیة بالقاهرة سنة 1965.
* العشر مقالات فی العین: لحنین بن إسحق تحقیق ماکس مایرهوف. طبعة المطبعة الأمیریة بالقاهرة 1928.
* العلم عند العرب و أثره فی تطور العلم العالمی: تألیف ألدومییلی ترجمة الدکتور محمد یوسف موسی و الدکتور عبد الحلیم النجار مراجعة الدکتور حسین فوزی. دار القلم 1962.
* العلوم عند العرب: تألیف قدری طوقان. سلسلة الألف کتاب طبعة مکتبة مصر 1977.
* عیون الأبناء فی طبقات الأطباء: لابن أبی أصیبعة طبعة بیروت منشورات دار مکتبة الحیاة تحقیق الدکتور نزار رضا.
* فی تراثنا العربی و الإسلامی: للدکتور توفیق الطویل. عالم المعرفة بالکویت- 78- 1985.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 266
* فردوس الحکمة: لعلی بن ربن الطبری نشرة الدکتور محمد زبیر الصدیقی الهند سنة 1928 م.
* الفهرست لابن الندیم: تصویر دار المعرفة ببیروت 1978.
* القانون فی الطب: لابن سینا فی ثلاثة مجلدات طبعة مصورة صورتها دار صادر ببیروت عن طبعة بولاق سنة 1877 م.
* کامل الصناعة أو الکتاب الملکی: لعلی بن العباس المجوسی طبعة القاهرة 1294 ه.
* کشف الظنون عن أسامی الکتب و الفنون: لحاجی خلیفة.
تصویر منشورات مکتبة المثنی: بیروت.
* المأمون الخلیفة العالم: تألیف الدکتور محمد مصطفی هدارة سلسلة أعلام العرب العدد 59- 1966.
* متنوعات: للدکتور محمد کامل حسین. نشر النهضة المصریة الطبعة الثانیة.
* مجموعة رسائل فلسفیة: لأبی بکر الرازی تحقیق بول کراوس- مطبوعات کلیة الآداب جامعة القاهرة. المؤلف رقم 32 سنة 1939.
* محنة الطبیب: لأبی بکر الرازی- تحقیق الدکتور البیر زکی اسکندر منشور بمجلة المشرق عدد 54.
* المرشد أو الفصول: لأبی بکر الرازی تحقیق الدکتور ألبیر زکی اسکندر.
* مجلة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربیة: المجلد الأول عدد مایو سنة 1961.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 267
* المذاهب الفلسفیة: مجموعة محاضرات ألقاها سانتلانا بالجامعة المصریة من سنة 1910- 1911. مجلدان تصویر شمسی.
* محاضرات فی العلوم عند العرب: للدکتور عبد الحلیم منتصر طبعة جامعة الدول العربیة.
* مقدمة ابن خلدون: طبعة الشعب.
* من تاریخ الطب عند العرب: للدکتور فهمی أبادیر طبعة القاهرة.
* منهج البحث العلمی عند العرب: فی مجال العلوم الطبیعیة و الکونیة. تألیف الدکتور جلال محمد عبد الحمید موسی. نشر دار الکتاب اللبنانی. بیروت 1972.
* موجز القانون لابن سینا: تألیف ابن النفیس طبعة لکنو بالهند سنة 1323 ه فی أربعة فنون.
* الموجز فی تاریخ الطب و الصیدلة عند العرب: بإشراف الأستاذ الدکتور محمد کامل حسین رحمه اللّه نشر جامعة الدول العربیة.
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 268

الفهرس

الصفحة الإهداء 3
توطئة 5
المبحث الأول: مدخل إلی الطب 7
الطب عند الفراعنة 18
الطب فی وادی الرافدین 24
الطب عند الإغریق 28
قسم أبقراط 34
ناموس الطب لأبقراط 36
وصیة أبقراط 36
مدرسة الإسکندریة الطبیة فی عهد البطالمة 40
طب جالینوس 44
المبحث الثانی: الطب فی الدولة الإسلامیة 52
الطب النبوی 52
أطباء العرب فی عهد الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم 53
الطب العربی فی العصر الأموی 58
المبحث الثالث: عصر الترجمة 62
الترجمة السوریانیة و الیونانیة 69
دور حنین بن إسحق فی الترجمة و التألیف 69
الترجمة من الفارسیة 80
الترجمة من الهندیة 81
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 269
المبحث الرابع: العصر الذهبی للطب 87
ممثلو عصر ازدهار الطب فی الدولة الإسلامیة 90
أولا: فی المشرق 90
أبو بکر الرازی 90
الرازی کأستاذ و معلم للطب 100
الرازی طبیبا حاذقا 101
أهم مجهودات الرازی الطبیة و العلمیة 104
اهتمام الرازی بالملاحظات السریریة 104
اهتمامه بالجراحة 105
اهتمامه بالتجربة 110
أهم مؤلفاته الطبیة 112
علی بن العباس المجوسی صاحب کتاب کامل الصناعة الطبیة 116
ابن سینا 120
تشخیصه الدقیق لبعض الأمراض 126
مجهودات ابن سینا الطبیة 132
أهم المؤلفات الطبیة لابن سینا 136
ابن النفیس 146
ابن النفیس مکتشف الدورة الدمویة الصغری 148
مؤلفاته الطبیة 149
ثانیا: الطب فی الأندلس 159
أبو القاسم الزهراوی 161
مجهوداته فی الطب و الجراحة 161
کتاب التصریف للزهراوی کتاب الجراحة الأول عند المسلمین 162
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 270
ابن جلجل و کتابه تفسیر أسماء الأدویة المفردة من کتاب دیسقوریدس 222
ابن زهر و مجهوداته الطبیة 226
ملحق الکتاب رسالة بردی «أدوین سمیث» 231
***
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، ص: 271
کتب أخری للمؤلف
التصوف النفسی طبعة أولی- دار المعارف
الطرق الصوفیة فی مصر طبعة رابعة- دار المعارف
الطهارة فی الإسلام طبعة ثالثة- دار المعارف
فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة طبعة ثالثة- دار المعارف
علم الکلام طبعة أولی- دار المعارف
کتاب الصلاة طبعة ثالثة- دار المعارف
حرکة الترجمة و أهم أعلامها فی العصر العباسی طبعة أولی- دار المعارف
نظرات فی فکر الغزالی طبعة ثانیة- دار المعارف
الإباضیة و مدی صلتها بالخوارج طبعة أولی- دار المعارف
الشیعة و إمامة علی طبعة أولی- دار المنار
تحت الطبع
- الدروز .. عقیدة و فکرا .. و فلسفة
- الزکاة فی الإسلام 245]


________________________________________
[1] ( 1) المقدمة طبعة الشعب ص 464.
[2] ( 1) المجلد الثانی ص 1092، 1093. طبعة مکتبة المثنی.
[3] ( 2) یقول د. جلال موسی نقلا عن جورج سارتون فی کتابه مقدمة لتاریخ العلوم ج 1 ص 159 و سانتلانا: المذاهب الفلسفیة ج 2 ص 46-« کان أصحاب القیاس فی الإسکندریة علی عهد البطالمة قبل المسیح بثلاثة قرون و هم شیعة« هیرافیلوس»« وارازستراتوس» ذهبوا إلی القول بأن علاج الأمراض متوقفا علی معرفة العلة. و بذلک یسهل الوقوف علی ما یناسبها من الدواء لما یوجد بین الطبیعة و المزاج الإنسانی من المشاکلة و المجانسة یقول سانتلانا و ذلک یتم الوصل إلیه بأمرین».
1- الاعتقاد بأنه لا شی‌ء فی الطبیعة و لا فی بدن الإنسان إلا و له غایة و منفعة یجب الفحص عنها لیستدل بها علی علة الأمراض و کیفیة علاجها.
2- ان لعلم التشریح نصیبا وافرا فی إعانة الطبیب علی معرفة الداء و الدواء.
.. نقلا عن بحث للدکتور جلال محمد موسی عن الطب و الأطباء ص 45 مجلة عالم الفکر الکویتیة المجلد التاسع- العدد الأول 1978 م.
[4] ( 3) و هم شیعة فیلنوس المتوفی سنة 280 ق م وجدت فی مدرسة التجریبیین بالإسکندریة أیضا و یرون أن القیاس أحد أقسام التجربة الثلاثة و هی الملاحظات الشخصیة و ملاحظات الغیر و القیاس و یقولون إن سبب المرض و باعثه لیس ما یهم الطبیب إنما العقار الشافی هو الذی یعنیه، لیس کیف یهضم الطعام إنما ما الشی‌ء الذی یسهل هضمه و تحققه( سانتلانا المذاهب الفلسفیة ج 2 ص 46.
[5] ( 4) ما ذکره حاجی خلیفه عن علم الطب مرجعه کتاب عیون الأنبیاء لابن أبی أصیبعة ص 12 و ص 13 طبعة المثنی- بیروت.
[6] ( 1) مروج الذهب للمسعودی ص 176.
[7] ( 2) دیموقریطس عاش فی القرن الخامس ق. م. ولد فی« آبدیرا» بالیونان حیث ولد« لوقبیوس» أیضا و هو الذی یرتبط اسمه بدیموقریطس بوصفه مؤسسا للنظریة الذریة، و لعل لوقیبوس قد عرض النظریة فی بادی‌ء الأمر، ثم أحکم صیاغتها بعد دیمقریطس و کتب دیمقریطس فی النظریة الذریة العامة و علم الحیاة و الموسیقی و بقی من تألیفه شذرات لکن لم یبق لنا منه مؤلفات کاملة.
[8] ( 3) لوقیبوس: یقال أنه أول من وضع النظریة الذریة و مع ذلک فإن کل ما قیل عنه من قبیل الخرافات. و تذکر أقدم المصادر التاریخیة لوقیبوس دائما حین الإشارة إلی دیمقریطس.
.. و یقال إنه أول من وضع تفسیرا میکانیکیا صرفا دون الالتجاء إلی فکرة الغایة أو المبادئ الغائبة، و أنه نظر إلی خصائص المادة- التی یمکن أن تکون موضوعا للعلم الکمی. باعتبارها خصائص جوهریة، کما تشیر إلی ذلک الموسوعة الفلسفیة المختصرة الطبعة العربیة ص 270.
[9] ( 4) بحث الدکتور جلال موسی السابق ص 52.
[10] ( 5) فی کتابه طبقات الأطباء ص 12.
[11] ( 6) و ذلک مثل ما حکی ابن أبی أصیبعة عن جالینوس فی کتابه فی الفصد من فصده- للعرق الضارب الذی أمر به. و ذلک أنه قال:« إنی أمرت فی منامی مرتین بفصد العرق الضارب الذی بین السبابة و الإبهام من الید الیمنی فلما أصبحت فصدت هذا العرق و ترکت الدم یجری إلی أن انقطع من تلقاء نفسه، لأنی کذلک أمرت فی منامی. فکان ما جری أقل من رطل، فسکن بذلک المکان وجع کنت أجده قدیما فی هذا الموضع.
[12] ( 1) هو الحکیم أسعد بن المطران نشأ فی دمشق و له تصانیف کثیرة و خدم بصناعة الطب صلاح الدین الأیوبی.
[13] ( 1) لیس مما یصح أن یعلم و یخبر عنه.
[14] ( 1) الدم یخرج من الأنف.
[15] ( 2) تفجیر الدم من العرق.
[16] ( 1) التقیؤ بتکلف.
[17] ( 2) واحدها قرقرة و هی صوت البطن.
[18] ( 3) واحدها یتوع و یتوّع: کل نبات له لبن دار مسهل محرق مقطع و کل الیتوعات إذا استعملت علی غیر وجهها أهلکت.
[19] ( 4) السبار: فتیلة تجعل فی الجرح.
[20] ( 5) توهم و ظن.
[21] ( 6) مصابا بالإسهال.
[22] ( 1) یسمی بالیونانیة الآنی و بالفارسیة« الراسن» و هو نبات« القنس» جاء فی الفیروزابادی:
طیب الرائحة ینفع فی علاج الآلام و الأوجاع الباردة و المالنیخولیا و وجع الظهر و المفاصل. و هو ملین مقو للقلب و المعدة بالعسل لعوق، جید للسعال و عسر التنفس، یذهب الغیظ و یبعد عن الآفات.
[23] ( 2) هو مر کیور بن جوبیتر، رسول الآلهة. و زعموا أنه إله الفصاحة و التجارة.
[24] ( 3) فولوس: مدینة شرق الیونان جنوب شرق تسالیا، علی خلیج فولوس( بحر إیجه) یزعمون أن أهل فولوس استخرجوا منها الأدویة التی ألفتها القابلة لامرأة الملک فکان بها برؤها.( طبقات الأطباء لابن أبی اصیبعة ص 12).
[25] ( 4) قو: جزیرة فی بحر إیجه موطن أبقراط، و آل اسقلیبیوس.
[26] ( 1) جزیرة ببحر إیجه بالیونان تجاه آسیا الصغری( 1403 کم 2) تقع شرق الأرخبیل الیونانی.
[27] ( 2) جزیرة صغیرة من جزر الدودیکانیز. و الدودیکانیز مجموعة من الجزر مساحتها 2704 کم جنوب شرقی بحر إیجه بالیونان بین اسیا الصغری و کریت.
.. و أما التعلیم الذی کان بمدینة رودس و قیدس فإنه باد بسرعة لأنه لم یکن لأربابه وارث و أما الذی کان بمدینة قوّ و هی التی کان یسکنها أبقراط فثبت و بقی منه بقایا یسیرة لقلة الوارثین له. عیون الأنباء ص 44.
[28] ( 3) کلدانیا: اسم کان یطلق قدیما فی الأغلب علی القسم الجنوبی الأقصی من وادی دجلة و الفرات، و کان یشمل أحیانا بابل، و بهذا المعنی کان یضم کل جنوب أرض الرافدین.
[29] ( 4) لم یذکر ابن أبی أصیبعة الصقالبة ضمن من قیل عنهم إنهم مستخرجون لعلم الطب.
و الصقالبة أو السلاف: هم شعوب تسکن بین جبال الأورال و البحر الأدریاتی فی أوربا الشرقیة و الوسطی، و یتکلمون بلغات تنتمی إلی العائلة الهندو- أوربیة، و یقسمون عادة إلی ثلاثة أقسام کبری: صقالبة الغرب و یشملون البولندیین، و التشیکیین، و السلوفاکیین و عناصر أخری صغیرة فی شرق ألمانیا، و صقالبة الشرق و هم الروس الکبار و الأوکرانیون( الروس الصغار) و الروس البیض« البیلوروسیون»، و صقالبة الجنوب و یضمون الصربیین و الکرواتیین و السلوفینیین و المقدونیین و البلغاریین. و أبرز معالم التاریخ الصقلبی ظهور روسیا الموحدة من عدة دول منفصلة.
[30] ( 5) یقصد أهل کریت: و کریت أکبر جزیرة بالیونان( 8380 کم 2). تقع فی شرق البحر المتوسط. و اشتهرت بمدنیتها العریقة.
[31] ( 6) بلدة فی شبه جزیرة سیناء. و قد ذکر جبل طور سیناء فی القرآن الکریم i وَ التِّینِ وَ الزَّیْتُونِ وَ طُورِ سِینِینَ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِینِ E صدق اللّه العظیم.
[32] ( 1) عیون الأبناء .. ص 17، ص 18.
[33] ( 2) الصابئة: اللفظة آرامیة الأصل، تدل علی التطهیر و التعمید و تطلق علی فریقین:
1- جماعة المندائیین أتباع یوحنا المعمدان.
2- صابئة حران الذین عاشوا زمنا فی کنف الإسلام، و لهم عقائدهم و علماؤهم: و هم و ثنیون. ورد ذکرهم فی القرآن الکریم ثلاث مرات بجانب الیهود و النصاری. و الصابئة یعدون بین الروحانیین الذین یقولون بوسائط بین اللّه و العالم، و هی الأسباب المباشرة للتغیر، فهی التی تدبر الکون و تفیض علیه الوجود، و تفننوا فی إقامة هیاکل لها، وصفها الدمشقی بدقة. و یحرص الصابئة علی تطهیر أنفسهم من دنس الشهوات، و الارتقاء بها إلی عالم الروحانیات. لهم طقوس ثابتة، فیتطهرون بالماء إذا لمسوا جسدا، و یحرمون الختان، کما یحرمون الطلاق إلا بأمر من القاضی.
و یمنعون تعدد الزوجات و یؤدون ثلاث صلوات کل یوم. و قد عاشوا متفرقین فی شمال العراق مرکزهم الرئیسی حران و لغتهم السریانیة. و فی عهد العباسیین کان منهم المترجمون و الریاضیون و النباتیون و الوزراء، مثل ثابت بن قرة، و ابنه سنان، و أبو اسحق بن هلال الوزیر، و ابن وحشیة و کان« المأمون» قد هم بإبادتهم لکن شفعت لهم علومهم. و کانت منهم فرقة قویة فی بغداد استمرت نحو قرنین، و خاصة فی عهد أبی اسحق الصابی وزیر الطائع و المطیع، ثم انقرضوا فی القرن الحادی عشر المیلادی بعد استیلاء الفاطمیین علی حران و لم یبق لهم إلا آثار قلیلة.
[34] ( 1) أثر العرب فی الحضارة الأوربیة للعقاد. ص 34.
[35] ( 2) من تاریخ الطب عند العرب للدکتور فهمی أبادیر. ص 13.
[36] ( 1) من المعروف أن سیدنا إبراهیم علیه السلام أول من اختتن.
[37] ( 2) المرجع السابق ص 14.
[38] ( 3) یقول الدومییلی فی العلم عند العرب ص 36: کانت بردیة إدوین سمیث موضوع الدراسة، خصوصا فی الزمن الأخیر و قد قدر بعض المؤلفین أن هذه ابردیة وضعت نقطة البدء للطب العلمی.
[39] ( 1) متنوعات للأستاذ الدکتور محمد کامل حسین ص 98: ص 100.
[40] ( 1) تاریخ العلوم عند العرب د. عمر فروخ ص 85.
[41] ( 2) ذکر الدکتور حسن کمال فی کتاب« الطب المصری القدیم» أن المصریین کانوا أول من استعمل العقاقیر الآتیة فی علم الطب و هی مما لا یزال یحتفظ بنفس الخواص التی اشتهر بها عند قدماء المصریین.
1- الخشخاش: الذی یستخرج منه الأفیون کان یستعمل علاجا فی الأحوال المصحوبة بألم، و فی المغص المعوی سواء کان موضعیا، أو أخذا عن طریق الفم( عن إیبرس 188، 248.
2- خانق الذئب: دواء مسکّن و ملطف کان کثیر الاستعمال فی الأحوال المؤلمة( عن إیبرس 248).
3- النعناع الفلفلی و الکندر و المر و غیرها من المواد العطریة): کانت کثیرة الاستعمال فی الجروح و الدهانات من الظاهر، و فی الأمراض المعویة و کلها مفیدة فی کثیر من الأمراض نظرا لما لها من التأثیرات علی الجلد، و لما فیها من الخواص المضادة للمیکروبات فهی مطهرة للجسم( عن ایبرس 253، 255). 4- خلات الرصاص: کانت تستعمل کاستعمالها الآن أی فی تسکین الآلام الظاهرة و تلطیف الأحوال المؤلمة فی الداخل( ایبرس 449، 450).
5- الأثمد: استعمل فی العین و احتقانها( عن ایبرس 337) و لا یزال یتخذ کحلا للعیون.
6- سلفات النحاس: کانت تستعمل فی العین و هی من أهم العقاقیر المفیدة فی الرمد الحبیبی( عن ایبرس 359).
7- زیت الخروع: استعمل للإسهال و لإنماء الشعر« عن ایبرس 251».
8- صدأ الرصاص: کان یستعمل لتسکین الآلام و أمراض العین و للغرغرة و الإسهال( عن ایبرس 250).
9- خلات الحدید: کانت تستعمل للغرغرة و لأمراض النساء( عن ایبرس).
10- العرعر: کان یستعمل لتسکین الآلام الظاهرة و لأمراض القلب لما له من الفائدة فی إدرار البول لتخفیف أوجاعه و کذلک کان یستعمل للأمراض البولیة و لالتهاب المثانة( عن ایبرس 552، 254، و عن هیرست 282.
11- قشر الرمان: استعمل فی علاج الدیدان عن برلین 6].
12- السرایة أی الحنظل الأخضر: کان یستعمل لإسهال البطن و لعلاج الدیدان و لتخفیف الآلام الظاهرة( عن ایبرس).
13- بذر الکتان: کان یستعمل من الظاهر للآلام و الالتهاب( عن ایبرس 438).
14- الصمغ: کان یستعمل للإسهال و النزلات المعویة( عن ایبرس 205 ب).
ملحوظة: یقصد ب« أیبرس» قرطاس أیبرس الطبی الذی عثر علیه الأستاذ ایبرس الأثری الألمانی عام 1872 بمصر و هو یعد من أقدم المخطوطات عن الطب و الصیدلة و یرجع تاریخه إلی حوالی عام 1552 ق. م.
و یقصد ب« هیرست» قرطاس هیرست الطبی الذی عثر علیه سنة 1901 أعضاء لجنة هیرست للبحث عن الآثار فی دیر البلاص فی مصر و یظهر أن تاریخ القرطاس یرجع إلی السنة التاسعة لحکم الملک أمنوفیس الأول لمصر و هو نفس زمن کتابة قرطاس ایبرس کذلک.
و قد استطاع قدماء المصریین تحنیط موتاهم بطرق لم یکشف عنها حتی الآن. و لم یعتمدوا فی التحنیط علی العقاقیر. و کانوا یدفنون موتاهم فی لحود عمیقة.
و یحدثنا هیردوت الذی عاش فی مصر بین سنة 457 ق. م و سنة 453 ق. م عن طرق التحنیط عند قدماء المصریین و یصفها لکنا نشک فیما قاله هیرودوت لأن التحنیط یعد من الأسرار التی لم تعرف حتی الآن.
یقول هیرودوت« کان التحنیط یبتدئ بإخراج المخ بواسطة قضبان عقفاء من الحدید ینجذب بها ما یمکن إخراجه من الجمجمة و ما بقی منه یستأصل بعقاقیر تدخل فی تجاویفها ثم یفتح الخصر بسکین حاد من حجر الظّرّ[ و هو حجر مضرّس له حدّ کحدّ السکین و تستخرج من- هذه الفتحة محتویات الجوف و هذه تنظف من جمیع الفضلات و توضع فی نبیذ البلح و فی العقاقیر العطریة، ثم تملأ بالمرّ النقی و مسحوق الینسون و العطریات الخاصة، ثم تخاط الفتحة و توضع الجثة فی سائل النطرون فتمکث فیه سبعین یوما فی نهایتها ترفع الجثة من المحلول و تغسل، ثم تلف فی لفائف من الکتان مغمورة فی الصمغ و بهذا تتم العملیة و تسلم الجثة إلی أهلها فیضعونها فی تابوت من خشب له غطاء علی هیئة الإنسان و هذه هی أعظم و أتقن طرق التحنیط.
أما الطریقة الثانیة و هی دون الأولی فی القمة و فی الصنعة فتبتدئ بقذف زیت السیدار فی جوف البطن من الشرج ثم تخیط فتحة الشرج لحبس السائل، ثم تنقع الجثة فی ماء النطرون مدی الفترة المقررة و هی سبعون یوما حتی إذا ما انقضت أطلقوا زیت السیدار لیخرج مندفعا بجمیع ما أذابه من الأحشاء حین یکون ماء النطرون قد أهری العضلات فلا یتبقی بعد ذلک إلا الهیکل العظمی المغطی بالجلد ..
أما الطریقة الثالثة و هی أرخصها فتتلخص فی غسیل البطن بزیت الفجل و تنقع الجثة فی ماء النطرون سبعین یوما ثم تسلم بعد ذلک لذویها. و قد جاء بعده دیودور الصقلی بنحو 440 سنة فذکر أن الخصر کان یشق و أن الأحشاء کانت تنزع، أما القلب و الکلیتان فکانت تنظف بنبیذ البلح و تدعک بمسحوق العقاقیر العطریة ثم تغسل الجثة کلها و تدهن بعد ذلک بالمر و الینسون و غیرهما من العقاقیر التی تحفظ الجثة من التعفن و التحلل ثم تعطر بالرائحة الذکیة ثم تسلم إلی ذویها سلیمة الأعضاء الظاهرة حافظة لهیئة الوجه و حسنه الطبیعی الحیوی.
[42] ( 1) تاریخ العلوم عند العرب ص 84 د. عمر فروخ.
[43] ( 2) العلاج النفسانی: حامد عبد القادر ص 17 و ص 18.
[44] ( 1)
Dictionary of philosophy and psychology. Editid by Daldwin article:» Magic«
باختصار نقلا عن« العلاج النفسانی قدیما و حدیثا» للدکتور حامد عبد القادر.
[45] ( 1) من تاریخ الطب عند العرب للدکتور أبادیر ص 15.
[46] ( 2) ابن النفیس: د. بول غلیونجی ص 10.
[47] ( 3) العلم عند العرب و أثره فی تطور العلم العلمی: الدمییلی ص 51، 52.
[48] ( 1) تاریخ العلوم عند العرب د. عمر فروخ ص 86.
[49] ( 2) الموسوعة العربیة المیسرة ص 151.
[50] ( 1) العلاج النفسانی للدکتور حامد عبد القادر ص 18، 19.
[51] ( 1) طبقات الأطباء ص 44.
[52] ( 1) تاریخ العلوم عند العرب ص 86.
[53] ( 1) قال المبشر بن فاتک فی کتاب مختار الحکم و محاسن الکلم« أن أبقراط کان ربعة، أبیض حسن الصورة أشهل العینین، غلیظ العظام، ذا عصب، معتدل اللحیة أبیضها، منحنی الظهر، عظیم الهامة، بطی‌ء الحرکة إذا التفت التفت بکلیته، کثیر الإطراق، مصیب القول، متأنیا فی کلامه یکرر علی السامع منه. و نعلاه دائما بین یدیه إذا جلس، و إن کلم أجاب و إن سکت عنه سأل، و إن جلس کان نظره إلی الأرض، معه مداعبة، کثیر الصوم، قلیل الأکل، بیده إما مبضع« مشرط» و إما مرود« ما یکتحل به».
[54] ( 2) طبقات الأطباء ص 45- 47.
[55] ( 1) شی‌ء یتداوی به النساء.
[56] ( 1) المصابون بالبرسام و هی علة یهذی فیها.
[57] ( 2) حدیث النفس و الشیطان بما لا نفع و لا خیر.
[58] ( 3) یبلغ الغایة فیه.
[59] ( 1) المستشفی.
[60] ( 1) ابن النفیس للدکتور بول غلیونجی ص 33.
[61] ( 1) ابن النفیس للدکتور بول غلیونجی ص 35.
[62] ( 1) تاریخ العلوم: جورج سارتون ج 4 ص 238.
[63] ( 1) هیروفیلوس من أعظم علماء و أطباء مدرسة الأسکندریة حوالی 300 ق. م. من أقواله« إن الطبیب الماهر هو الذی یعرف أن یفرق بین ما یمکن و ما لا یمکن عمله» و یقول عنه جورج سارتون فی کتابه تاریخ العلم ج 4 ص 239 و ص 240. ولد هیروفیلوس فی« خلقدونیه» فی أواخر القرن الرابع و کان أحد العلماء الذین اجتذبهم« بطلیموس سوتر» إلی الإسکندریة فی أوائل القرن التالی، لهذا یکون هیروفیلوس أحد مؤسسی النهضة الیونانیة المصریة کما أنه هو مؤسس التشریح النظامی، و کشوفه تبلغ من کبر العدد و من سعة المدی حدا لا یستطیع المرء معه إلا أن یحکم بأنه قام بفحص تفصیلی لترکیب الجسم البشری کله. و من الواضح أنه إذا ما أتیح لباحث قدیر عدد کاف من الجثث مع حریة تشریحها بقدر ما یراه ضروریا لکان خلیقا به أن یکشف عن أشیاء کثیرة، و لقد کان لدی هیروفیلوس و مساعده، و خلیفته الأصغر منه- إرازیستراتوس- تلک المزایا التی یتمتع بها الرحالة الذین یکونون أول من یتوغل فی أرض جدیدة.
.. و نحن لا نعرف إلا القلیل عن حیاة« هیروفیلوس» قبل استجابته لدعوة بطلیموس فیما عدا أنه کان تلمیذا لبراکسا جوراس الکوسی الذی ربّما کان معاصرا أصغر« لدیوکلیس الکاریستی»( حوالی 340- 260 ق. م).
.. و علی حسب ما یقول جالینوس کان هیرفیلوس أول من مارس التشریح البشری، و من الصعب علینا قبول هذا القول علی علانه فمن الجائز أن یکون جالینوس قد عنی التشریح العلنی( و أمام جمهور صغیر بالطبع) أو أن یکون قد عنی التشریح النظامی مع المساعدین و التلامیذ و لما کان هیروفیلوس رائدا کان علیه أن یخترع طریقة التشریح، و کان مضطرا کلما اکتشف عضوا جدیدا أن یضع له اسما، و لقد ورد إلینا معظم هذه الأسماء الجدیدة عن طریق جالینوس، و هکذا تکون کتابات جالینوس هی أول موضع لظهورها مکتوبة.
.. و لقد کتب هیروفیلوس رسالة من ثلاثة أجزاء عن التشریح و رسالة منها عن العیون و کتب مذکرة للمولدات.
و یقول. جورج سارتون أیضا ص 249 المرجع المذکور و علی قدر ما نعرف کان« براکساجوراس» أول طبیب یونانی یفحص النبض و یفید منه فی التشخیص، و لقد أدخل« هیروفیلوس» تحسینا علی هذه النظریة مستعملا ساعة مائیة لقیاس سرعة النبض لمعرفة الحمی عن هذا الطریق، و لقد تبین له أن قوة النبض تدل علی قوة القلب، و کانت دراسته للأمراض تقوم علی المشاهدة و التجربة، و لقد حسن طرق التشخیص و الإنذار، و أدخل أدویة جدیدة عدیدة، و کثیرا ما کان یلجأ إلی فصد الدم. و کان هیروفیلوس یری أن الجنین ذو حیاة فیزیقیة فقط و لیست هوائیة و لقد اخترع قاطع جنینی لتقطیع الحمل داخل الرحم، و هو آلة استعملها المولدون القدامی فی الحالات المیؤوس منها، و علی غرار من سبقوه من الأطباء الیونانیین کان هیروفیلوس یعلق کثیرا من الأهمیة علی التغذیة و الریاضة.
[64] ( 1) یقول سارتون فی تاریخ العلم ص 241 و ص 242 ج 4 ولد إرازیستراتوس حوالی 204 ق. م فی یولیس( کیوس) علی مقربة من أرض« أتیکا». و لهذا فهو لیس یونانیا من آسیا و إنما هو یونانی من بلاد الیونان، و کان طبیعیا بالنسبة إلیه أن یتلقی تعلیمه فی« أثینا» و کان معلموه هم مترودورس صهر أرسطو و خریسیبوس من أبناء سولوی. و إزاریستراوتوس و اصل بحوث هیروفیلوس، و لکن کان أکثر منه اشتغالا بالفسیولوجیا و بتطبیق الأفکار الفزیائیة( مثل نظریة الذرة) فی سبیل فهم الحیاة. و کان ارازیستراتوس نظریا أکثر مما کان هیروفیلوس، و من المحتمل أن یکون قد تأثر بستراتون.
و إذا نحن سمینا هیروفیلوس مؤسس علم التشریح فربما جاز أن یسمی ارازیستراتوس مؤسس علم الفسیولوجیا و هو قد سمی أیضا مؤسس علم التشریح المقارن و علم التشریح المرضی( و لکن مثل هذه الألقاب یجب تناولها بحذر).
.. و التشریح المقارن کان طبیعیا لأن الأطباء القدامی کانوا مضطرین لتشریح الحیوان، کما کانوا فی حاجة إلی تشریح الإنسان. و أما لقب مشرح مرضی فقد أطلق علی ارازیستراتوس، لأنه أجری تشریحات بعد الموت، أی أنه شرح جثث أشخاص بعد موتهم مباشرة و کان تاریخهم الطبی معروفا، و لذلک استطاع أن یعرف الإصابات التی کانت سببا فی وفاتهم.
.. و فی الفسیولوجیا کان اراز یستراتوس أول من اعتمد علی النظریة الذریة، و علی نظریات المدرسة الدجماتیة، و علی مبدأ« الطبیعة تکره الفراغ». و لقد أخذ ارازیستراتوس کثیرا من هذه الأفکار عن« براکساجوراس» الذی کان معلم هیروفیلوس و إنما عنی هو بها أکثر مما فعل هیروفیلوس نفسه. و لقد حاول أرازیستراتوس أن یفسر کل شی‌ء بأسباب طبیعیة رافضا أن ینسب شیئا إلی أسباب عقائدیة.
.. و تتعلق الکشوف التشریحیة الرئیسیة لارازیسراتوس بالدماغ و القلب و الجهازین العصبی و الوعائی، و لو لا اقتناعه بأن الشرایین مملوءة بالهواء( روح الحیاة) و لو لا نظریاته الهوائیة علی العموم لجاز له أن یکشف الدورة الدمویة، فهو مثلا اهتدی إلی أن شرایین الحیوان الحی تصدر دما عند ما تقطع و حذر أن التشعبات النهائیة للأوردة و الشرایین یتصل بعضها ببعض. و لقد شاهد وجود الأوعیة اللمفیة فی المساریقا. و اهتدی إلی أن کل عضو یتصل بسائر أجزاء الکائن بواسطة جهاز ثلاثی من الأوعیة- شریان و ورید و عصب- و لقد أصاب فی وصفه لوظیفة لسان المزمار( و نحن ما نزال فی اللغات الأوربیة نستعمل المصطلح الیونانی الأصلی) و فی وصف وظیفة الصمامین الأذینیین البطینیین( و لقد سمی الأیمن منهما ذا الثلاث الشرافات) و قد عرف الأعصاب الحرکیة و الحسیة و فرّق بدقة أکثر بین المخ و المخیخ و شاهد لفائف المخ و لاحظ أنها أکثر تعقیدا لدی الإنسان منها لدی الحیوان، و تتبع الأعصاب الدماغیة حتی الدماغ نفسه، و قام بإجراء تجارب علی الأحیاء للتحقق من الوظائف الخاصة و لأجزاء الدماغ المختلفة، و فحص أیضا علاقة العضلات بالحرکة.
و یقول جورج سارتون ص 249: و کان ارازیستراتوس أول طبیب ینبذ بالکلیة نظریة الرطوبات، و کذلک کان أول من فرق بوضوح بی التبیر الصحی و بین المداواة، و کان یعلق أهمیة أعظم علی- التدبیر الصحی. و لهذا کان إلحاحه فی مراعاة التغذیة و الریاضة الصحیحة و الاستحمام. و کان ارازیستراتوس یعارض العلاجات العنیفة و الإفراط فی استعمال العقاقیر و الإسراف فی فصد الدم و هو فی هذا مجرد تابع لکثیر من أراء أبقراط.
.. و یقول الدکتور بول غالیونجی عن ارازیستراتوس( 310- 250 ق. م) فی کتابه عن ابن النفیس ص 36 إنه من تلامیذ مدرسة قیندس المنافسة لمدرسة قو. و هو أول من أنکر نظریة الأخلاط السائدة و أولی الأنسجة و الأوعیة المحل الأول فی دراسة الأمراض .. و هو أول من قال إن الهواء یدخل عن طریق الرئة إلی القلب حیث یکون روحا تنقلها الشرایین إلی سائر أجزاء الجسم و أن الروح الحیوی یتحول فی الجسم إلی روح حیوانی تحمله الأعصاب إلی الأعضاء، و هما الرکنان اللذان أسس علیهما جالینوس نظریته فی حرکة الدم و فی وظیفة الجسم عموما و شید علیها بناء ظل جامدا لم یجرؤ أحد علی مسه حتی القرون الوسطی.
.. و قد کاد ارازیستراتوس أن یکشف عن الدورة الدمویة کما نراها عن طریق أوعیة موصلة دقیقة للغایة.
[65] ( 1) قال المبشر بن فاتک یصف جالینوس: کان حسن التخاطیط، عریض الأکتاف واسع الراحتین، طویل الأصابع، حسن الشعر، معتدل المشیة، ضاحک السن، کثیر الهذر، قلیل الصمت، کثیر الوقوع فی أصحابه، کثیر الأسفار، طیب الرائحة، نقی الثیاب.
[66] ( 2) یحکی عن براعته فی التشریح أن رجلا جاءه یشکو إلیه فقدان الحرکة فی الخنصر و البنصر و الوسطی من أصابع یده. فعالجه بمداواة ما بین کتفیه لأن الذی یأتی إلی هذه الأصابع- کما قال جالینوس- یخرج من أول خرزة بین الکتفین. و قد عجب زملاء جالینوس من أن علاج ما بین الکتفین قد یساعد علی برء الأصابع. و یقول جالینوس عن نفسه: و إنی لأعرف رجلا من أهل العقل و الفهم قدّمنی من فعل واحد رآنی فعلته و هو تشریح حیوان بینت به بأی الآلات یکون الصوت و بأی الحرکة منها و کان عرض لذلک الرجل قبل ذلک بشهرین أن سقط من موضع عال فتکسرت من بدنه أعضاء کثیرة، و بطل عامة صوته، حتی صار کلامه بمنزلة من یتحدث فی سره و عولجت أعضاؤه فصلحت و برأت بعد أیام کثیرة، و بقی صوته لا یرجع. فلما أن رأی منی ذلک الرجل ما رأی وثق بی و قلدنی أمر نفسه فأبرأته فی أیام قلائل، لأنی عرفت الموضع الذی کانت الآفة فیه فقصدت له.
[67] ( 1) ابن النفیس بول غلیونجی 38: 40.
[68] ( 1) باراسلسوس( 1493- 1541 م) طبیب سویسری أحرق کتب جالینوس علنا فی میدان مدینة« بازل» و هاجم أطباء عصره، و قد طرد من جامعة« بازل»، و أدخل عقاقیر جدیدة فی العلاج( غلیونجی ص 61).
[69] ( 1) فی کتابه: من تاریخ الطب عند العرب ص 19.
[70] ( 2) الأطباء المشهورون من بعد وفاة جالینوس و قریبا منه فمنهم اصطفن الاسکندرانی و انقیلاوس الاسکندرانی، و جاسیوس الاسکندرانی- و هؤلاء الأربعة هم ممن فسر کتب جالینوس و جمعها و اختصرها و أوجز القول فیها- و طیماوس الطرسوسی، و سیمری الملقب بالهلال لأنه کان کثیر الملازمة لمنزله منغمسا فی العلوم و التألیفات، فکان لا یراه الناس إلا کل مدة فلقب بالهلال من الاستتار، و مغنس الاسکندرانی، و اریباسیوس صاحب الکنانیش و الکنّاشة: الأصل تتشعب منه الفروع) طبیب« بلیان» الملک، و لا ریباسیوس من الکتب: کتاب إلی ابنه« إسطاث» تسع مقالات، کتاب مزج الأحشاء مقالة، کتاب الأدویة المستعملة، کتاب السبعین مقالة، کناشة، و فولس الأجانیطی و له من الکتب کناش الثریا، مقالة فی تدبیر الصبی و علاجه و اصطفن الحرانی،« و اریباسیوس القولیلی» و لقب بذلک لأنه کان ماهرا بمعرفة أحوال النساء« و دیاسقوریدس الکحال»، و یقال أنه أول من انفرد و أشتهر بصناعة الکحل، و فافلس الأثینی، و ارونیطس الاسکندرانی، و نیطس الملقب بالحبر من الحذاقة، و نارسیوس الرومی الذی قدم من الاسکندریة فصار واحدا منهم،« وایرون»، و« زریایل».
.. و من کان قریبا من ذلک أیضا« فیلغریوس»، و له من الکتب: کتاب من لا یحضره- طبیب و هو مقاله، کتاب علامات الأسقام خمس مقالات و مقالة فی وجع النقرس و مقالة فی الحصاة، و مقالة فی الماء الأصفر، مقالة فی وجع الکبد، مقالة فی القولنج، مقالة فی الیرقان، مقالة فی خلق الرحم، مقالة فی عرق النساء، مقالة فی السرطان، مقالة فی صنعة تریاق الملح، مقاله فی عضة الکلب، مقالة فی القوباء( داء یتقشر منه الجلد)، مقالة فیما یعرض للثة و الأسنان.
[71] ( 1) أثر العرب فی الحضارة الأوربیة للعقاد ص 26.
[72] ( 2) العلاج النفسانی: حامد عبد القادر ص 42، 43.
[73] ( 1) جندیسابور: مدینة بخوزستان بإیران، بناها سابور بن أردشیر، و کانت مرکزا هاما من مراکز تعلیم الحکمة و الطب و الفلسفة زمن أکاسرة الفرس.
[74] ( 2) و من ذلک أنه لما وفد علی کسری أنوشروان أعظم ملوک ساسان أذن له بالدخول علیه.
فلما وقف بین یدیه منتصبا قال له: من أنت؟ قال: أنا الحرث بن کلدة الثقفی. قال فما صناعتک؟ قال الطب قال: فما أصل الطب: قال: الأزم.( الجوع) قال: فما الأزم؟ قال ضبط الشفتین و الرفق بالیدین قال: أصبت و قال: فما الداء الدوی، قال: إدخال الطعام علی الطعام، هو الذی یفنی البریة و یهلک السباع فی جوف البریة قال: أصبت، و قال: فما الجمرة التی تسطلم أی تستأصل منها الأدواء؟ قال: هی التخمة، إن بقیت فی الجوف قتلت، و إن تحللت أسقمت.
قال: صدقت. و قال: فما تقول فی الحجامه؟ قال: نقصان الهلال فی یوم صحو لا غیم فیه، و النفس طیبة و العروق ساکنة، لسرور یفاجئک و هم یباعدک. قال: فما تقول فی دخول الحمام؟
قال: لا تدخله شبعانا، و لا تغش« دخل علی أهله أی جامع امرأته» سکرانا، و لا تقم باللیل عریانا، و لا تقعد علی الطعام غضبانا و ارفق بنفسک، یکن أرخی لبالک، و قلل من طعامک، یکن أهنأ لنومک. قال فما تقول فی الدواء؟ قال: ما لزمتک الصحة فاجتنبه، فإن هاج داء فاحسمه بما یردعه قبل استحکامه، فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت، و إن ترکتها خربت. قال:
فما تقول فی الشراب؟ قال: أطیبه أهنأه، و أرقه أی أصلحه و أحسنه أمرأه أسیغه، و أعذبه أشهاه.
لا تشربه صرفا« العرق من الشراب: الخالص الغیر ممزوج» فیورثک صداعا، و تثیر علیک من الأدواء أنواعا.
.. قال فأی اللحمان أفضل؟ قال الضأن الفتی اسم جنس من الغنم« و القدید»« اللحم المقدد أی المجفف بالشمس» المالح مهلک للأکل. و اجتنب لحم الجزور و البقر. قال: فما تقول فی الفواکه؟ قال: کلها فی إقبالها و حین أوانها و اترکها إذا أدبرت و ولت و انقضی زمانها. و أفضل الفواکه: الرمان و الأترج« ثمرة من جنس اللیمون تسمیه العامة الکباد» و أفضل الریاحین: الورد- و البنفسج، و أفضل البقول الهندباء و الخس. قال فما تقول فی شرب الماء؟ قال: هو حیاة البدن و به قوامه، ینفع ما شرب منه بقدر، و شربه بعد النوم. ضرر أفضله أمرأه، و أرقه أصفاه. و من عظام أنهار البارد الزلال لم یختلط بماء الآجام جمع أجمه و هی الغابة و الاکام جمع أکمه و هی الرابیه.
ینزل من صرادح المکان المستوی أو الواسع الأملس.
.. قال: أخبرنی عن أصل الإنسان ما هو؟ قال: أصله من حیث شرب الماء، یعنی رأسه.
قال: فما هذا النور فی العینین؟ مرکب من ثلاثة أشیاء: فالبیاض شحم، و السواد ماء، و الناظر ریح، قال فعلی کم جبل و طبع هذا البدن؟ قال: علی أربع طبائع: المرة السوداء و هی باردة یابسة و المرة الصفراء و هی حارة یابسة، و الدم، و هو حار رطب، و البلغم و هو بارد رطب. قال فلم لم یکن من طبع واحد؟ قال: لو خلق من طبع واحد لم یأکل و لم یشرب و لم یمرض و لم یهلک.
و قال: فمن طبیعتین، لو کان اقتصر علیهما: قال: لم یجز، لأنهما ضدادن یقتتلان. قال: فمن ثلاث؟ قال: لم یصلح، موافقان و مخالف فالأربع هو الإعتدال و القیام. قال فاجمل لی الحار و البارد فی أحرف جامعة؟ قال: کل حلو حار و کل حامض بارد و کل حریف حار و کل مر معتدل و فی المر حار و بارد.
.. قال فاضل ما عولج به المرة الصفراء؟ قال: کل بارد لین، قال: فالمرة السوداء؟ قال لین، قال و البلغم؟ قال: کل حار یابس، قال: و الدم؟ قال: إخراجه إذا زاد و تطفئته إذا سخن بالأشیاء الباردة الیابسة قال: فالریاح؟ قال: بالحقن اللینة و الأدهان الحارة اللینة. قال:
أ فتأمر بالحقنة؟ قال: نعم قرأت فی بعض کتب الحکماء أن الحقنة تنقی الجوف، و تکسح الأدواء عنه و العجب لمن احتقن کیف یهرم أو یعدم الولد. و إن الجهل کل الجهل من أکل ما قد عرف مضرته، و یؤثر شهوته علی راحة بدنه، قال فما الحمیة قال: الإقتصاد فی کل شی‌ء فإن الأکل فوق المقدار یضیق علی الروح ساحتها و یسد مسامها( أی ثقبها و منافذها).
[75] ( 1) مفاتیح الغیب للإمام الرازی ج 5 ص 433.
[76] ( 1) و من أهم الأحادیث النبویة الخاصة بالصحة و الطب قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم« ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه» و یقول« نحن قوم لا نأکل حتی نجوع و إذا أکلنا لا نشبع»
.. و حدیث« لکل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء بری‌ء بإذن اللّه عز و جل» رواه مسلم.
.. و فی الوقایة من العدوی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم:« إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا علیها» و فی روایة:« و إذا وقع و أنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه ذکره السیوطی فی الجامع الصغیر و عزاه إلی البخاری و مسلم و أحمد. و لو عرفت أوربا هذا الحدیث الشریف و طبقته حین أصابها الطاعون فی أواسط القرن الرابع عشر المیلادی لخفت حدة ضحایا الطاعون آنذاک حیث بلغت ضحایاه قرابة خمسة و عشرین ملیون نسمة.
.. یقول صلی اللّه علیه و سلم« فرّ من المجذوم کما تفر من الأسد» و فی الحث علی النظافة یقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم« نظفوا أفنیتکم و لا تشبهوا بالیهود» رواه الترمذی عن سعد بن أبی وقاص .. و قال حدیث حسن.
و من هدیهه صلی اللّه علیه و سلم فی النظافة و حفظ الصحة أنه نهی« أن یبال فی الماء الراکد» رواه مسلم و نهی« أن یبال فی الماء الجاری» رواه الطبرانی.
.. و قال صلی اللّه علیه و سلم:« إتقوا الملاعن الثلاث- البراز فی الموارد- و قارعة الطریق و الظل، و فاعل تلک الأمور شخص ساقط المروءة، رواه أبو داود.
.. و عن فضل السواک قال رسول اللّه صلی ا علیه و سلم« لو لا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک عند کل صلاة» رواه البخاری و مسلم فی صحیحهما عن أبی هریرة رضی اللّه عنه.
.. و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم« تسوکوا فإن السواک مطهرة للفهم مرضاة للرب، ما جاءنی جبریل إلا أوصانی بالسواک حتی لقد خشیت أن یفرض علی و علی أمتی».[ سنن ابن ماجه ..]
[77] ( 1) عن یزید بن رومان: أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قتل یوم بدر عقبة بن أبی معیط صبرا، أما عاصم بن ثابت بن أبی الأفلح الأنصاری فضرب عنقه، ثم أقبل من بدر حتی إذا کنا« بالصفراء» قتل النضر بن الحرث بن کلدة الثقفی أحد بنی عبد الدار، فقد أمر علی بن أبی طالب، رضی اللّه عنه، أن یضرب عنقه.
[78] ( 2) عن أبی رمثه التمیمی قال: أتیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، فرأیت بین کتفیه الخاتم( أی خاتم النبوة) فقلت: إنی طبیب فدعنی أعالجه، فقال: أنت رفیق و الطبیب اللّه.
.. قال سلیمان بن حسان: علم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنه رقیق الید و لم یکن فائقا فی العلم، فبان ذلک من قوله و الطبیب اللّه.
[79] ( 3) و الحقیقة أنه منذ أواخر العصر الأموی اتصل العرب بالحضارات المعاصره لهم و بدأت حرکة معرفة و هضم للعلوم الموجودة آنذاک ..
.. و قد استقی العرب العلوم من مصدرین. کما یقول الدکتور رضا عوضین فی بحث علمی له بدوریة البحث العلمی العدد الأول 1398 ص 199- جامعة الملک عبد العزیز- أحدهما البلاد التی فتحوها، مثل الإسکندریة و إنطاکیة، و حران. و الثانی النساطرة الهاربون من اضطهاد بیزنطة بعد أن أغلقت مدرسة حران سنة 489 م و کذلک مدرسة أثینا سنة 529 م و أصبحت الشام فی ذلک الوقت معقل العلم و بخاصة العلوم البحتة، و انتقلت المدرسة من الإسکندریة إلی إنطاکیة سنة 718 م( 99 ه) حیث ظلت قائمة حتی عام 732 م( 113 ه) حین أنتقلت إلی حران فی عصر المتوکل. .. أما الطب فإنه انتقل أولا مع النساطرة إلی مدینة جندیسایور التی زادت أهمیتها العلمیة بعد أن أغلق الأمبراطور جوستنیان المدرسة الأفلاطونیة الجدیدة بأثینا سنة 529 م و شتت فلاسفتها حیث ألتجأ أکثرهم إلیها، و فی حکم کسری أنو شروان( 531- 579 م). تمتعت هذه المدرسة بتشجیع کسری فنمت فیها الحرکة العلمیة إلی درجة کبیرة و أصبحت ملتقی الحضارات الشرقیة و الغربیة و بقیت لها هذه المکانة بعد الفتح الإسلامی( 638 م- 19 ه) و حتی العصر العباسی.
[80] ( 1) قال أبو الفرج الاصبهانی فی کتابه الأغانی: أخبرنا محمد بن خلف المرزیان قال، حدثنی حماد بن اسحق عن أبیه کناشه عن أبیه عن جده قال: أتیت امرأة من بنی أود لتکحلنی من رمد کان قد أصابنی فکحلتنی، ثم قالت: إضطجع قلیلا حتی یدور الدواء فی عینیک، فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر.
امخترمی ریب المنون و لم أزرطبیب بنی أود علی النأی زینبا و ضحکت ثم قالت: أ تدری فیمن قیل هذا الشعر؟ قلت لا قالت: فی و اللّه قیل، و أنا زینب التی عناها، و أنا طبیبة بنی أود. أ فتدری من الشاعر؟ قلت لا: قالت عمک أبو سماک الأسدی.
[81] ( 1) الأغانی للأصفهانی ج 16 ص 160.
[82] ( 1) یقول الدکتور فهیم أبادیر فی کتابه من تاریخ الطب عن العرب ص 25 حدث فی عام 325 م أن أسست فی مدینة إنطاکیة بشمال سوریة مدرسة علی غرار مدرسة الإسکندریة، و کانت الصلات الثقافیة فی العصر الیونانی بین مصر و سوریة قویة، و لما کانت مؤلفات الاغریق فی ذلک الوقت هی المرجع الوحید للطب لجأ أساتذة مدرسة إنطاکیة إلی ترجمتها إلی لغتهم و هی السریانیة.
.. و فی عام 428 م عین أحد خریجی قسم اللاهوت بمدرسة أنطاکیة بطریرکا علی القسطنطینیة و یدعی« نسطور» ثم حدث جدل و خلاف نحو تفسیر بعض العقائد الدینیة کان نتیجته فصل نسطور عن الکنیسة المسیحیة و تم ذلک بواسطة مجلس دینی عام عقد فی مدینة أفسس عام 431 م، ثم اعتراض عدد کبیر من السوریین علی هذا القرار و تضامنوا مع نسطور و انشقوا عن الکنیسة المسیحیة، و أصبحت هذه الجماعة المنفصلة تدعی بالنسطوریین نسبة إلی رائدها المفصول البطریرک نسطور. ثم رحلت هذه الجماعة إلی مدینة« نصیبین» فی سورة و إلی« الرّها» و هی مدینة بالجزیرة بین الموصل و الشام، و باشروا نشاطهم العلمی فی تدریس الطب حتی أصبحت مدرسة« الرّها» من أشهر المدارس الطبیة فی أواخر القرن الخامس للمیلاد. و لما تزاید اضطهاد المسیحین الأرثوذکس لهم، هاجروا إلی العجم حیث أستقبلتهم الأسرة الساسانیة بکل ترحاب و أسسوا فی النصف الثانی من القرن الخامس فی مدینة جندیسابور مدرسة طبیة یتبعها مستشفی للعلاج.
و جندیسابور أو جند شهبور هذه مدینة تقع فی الجهة الجنوبیة الغربیة من إیران بناها سابور أحد ملوک العجم و سمیت باسمه( و قد افتتحها المسلمون عام 19 ه).
و أصبحت هذه المدرسة فی أواخر القرن السادس للمیلاد أعظم مرکز ثقافی و واسطة الاتصال بین النسطوریین و غیرهم من العلماء و الأطباء الذین هرعوا إلیها من کل مکان مما کان له أثر فی تطور الثقافة الطبیة الإسلامیة فیما بعد و کان الحارث بن کلدة أول طبیب عربی تعلم بها.
.. و کانت هذه المدرسة مرکزا هاما لترجمة علوم الیونان الطبیة إلی اللغة السوریانیة و من أوائل الذین قاموا بترجمة المؤلفات الیونانیة« سرجیوس الرأس عینی» توفی عام 536 م، ترجم قسما من مؤلفات جالینوس و هی موجودة بالمتحف البریطانی الآن و نقّح حنین بن اسحق العبادی هو و زملاؤه فی« دار الحکمة» ببغداد ترجمة سرجیوس الأصلیة بعد مرور قرنین من الزمن.
[83] ( 1) البخلاء للجاحظ 109 القاهرة 1313 ه.
[84] ( 1) یقصد السوریانیة.
[85] ( 1) تاریخ العلوم عند العرب لفروخ ص 115.
[86] ( 1) فی تراثنا العربی و الإسلامی ص 76: 78.
[87] ( 1) تاریخ الأدب العربی الجزء الرابع ص 90 ترجمة د. السید یعقوب بکر و الدکتور رمضان عبد التواب.
[88] ( 2) جاء بهامش کتاب تاریخ الأدب العربی ص 90 قد تکون هذه الترجمة أقدم ترجمة لمصنف غیر دینی وصلت إلینا. و کان الفراغ منها فی ذی القعدة سنة 125 ه- سبتمبر 743 م. و القسم الأول منه( کتاب عرض مفتاح أسرار النجوم) محفوظ فی أمبروزیاناC 168 .
[89] ( 3) اصطفان بن بسیل: أول من ترجم کتب« دسقوریدس» فی الأقرباذین.
[90] ( 1) یذکر« ماکس مایروهوف» أنه بفضل الرسالة الخطیة لحنین إلی علی بن یحیی فی ذکر ما ترجم من کتب جالینوس و هذه الرسالة یوجد منها نسختان خطیتان فی مکتبة جامع أیاصوفیا بالآستانة تحت رقم( 663 و رقم 3590) فنحن علی معرفة بقائمة ما ترجمه حنین فإنه ترجم إلی السوریانیة من کتب جالینوس خمسة و تسعین، و ترجم إلی العربیة منها تسعة و ثلاثین وعدا ذلک فإنه راجع و أصلح ما ترجمه تلامیذه. و هی سته إلی السوریانیة و نحوا من سبعین إلی العربیة، کما راجع و أصلح معظم الخمسین کتابا التی کان قد ترجمها إلی السوریانیة سرجس الرأس‌عینی و أیوب الرهاوی و غیرهما من الأطباء المتقدمین. و کانت التراجم السوریانیة تعمل فی الغالب للأطباء و العلماء النصاری أمثال جبرائیل بن بختیشوع و یوحنا بن ماسویه و سلمویه بن بنان و بختیشوع بن جبرائیل و زکریا الطیفوری و ولده إسرائیل و شریشع بن قطرب و سواهم.
.. و کانت التراجم العربیة تعمل لأعاظم المسلمین الذین اعتنق الکثیر منهم الإسلام حدیثا، أمثال علی بن یحیی کاتم سر المتوکل علی اللّه، و صدیقه، و محمد بن عبد الملک الزیات وزیر الخلیفة المعتصم باللّه و محمد و أحمد ابنی موسی و کانا من مشاهیر الریاضیین و علماء الطبیعیات و أحمد بن محمد المدبر والی مصر فی أیام المتوکل.
[91] ( 2) حنین بن إسحق: رسالة إلی علی بن یحیی فیما ترجم و ما لم یترجم من کتب جالینوس.
النسخة الخطیة و ذکرها ما یرهوف فی مقدمة العشر مقالات فی العین ص 29.
[92] ( 1) فی مقدمته لکتاب العشر مقالات فی العین لحنین ص 30.
[93] نجار، عامر، فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، 1جلد، دار المعارف - قاهره، چاپ: سوم، 1994 م.
[94] ( 1) الدکتور جلال موسی- المسائل فی الطب لحنین بن إسحق- تحقیق و دراسة منهج البحث العلمی عند العرب فی مجال العلوم الطبیعیة و الکویتیة.
[95] ( 2) الصناعة الطبیة فی العصر الإسلامی الذهبی للدکتور سامی حمارنه بحث بدوریة عالم المعرفة الکویتیة ص 30 المجلد العاشر العدد الثانی 1979 م.
[96] ( 1) کتاب العشر مقالات لحنین بن إسحق ص 49: 57.
[97] ( 1) ثابت بن قرة الحرانی( 825- 901 م) من حران فی العراق صاحب کتاب الذخیرة فی الطب و هو( کتاب مقسم إلی إحدی و ثلاثین جزءا، بحث فیه فی علم الصحة و الأمراض الخفیة فی الأعضاء المشابهة و الأعضاء الآلیة، و وصف فیه علاج أمراض الشعر و الجلد و قد بدأ بأمراض الرأس ثم الصدر و المعدة و الأمعاء ثم أمراض الأطراف. و اهتم ببحث أمراض الکبد و الطحال و أنواع الیرقان و الإستسقاء مع الحرارة و البرد و إدرار العرق و حبسه. و أعراض الکلی و المثانة و أنواع النقرس و أوجاع المفاصل و عرق النّساء و الجراحات و السموم و الحمیات و الکسور.
[98] ( 2) یقول الدکتور محمد مصطفی هدارة فی کتابه المأمون الخلیفة العالم ص 96 قام الموالی و الرقیق بدور خطیر فی تأثر العربیة بالفارسیة، و قد أدّی ذلک إلی ظهور أسلوب عربی مولد له خصائص و ممیزات یفترق بها عن أسلوب اللغة العربیة الأصیلة التی جاء بها العرب المهاجرون إلی البلاد المفتوحة. و قد تکون هذا الأسلوب المولد من العوائد اللغویة الراجعة إلی اللهجة الدارجة فی مناطق العربیة القدیمة کما یقول« یوهان فک» إلا أنه تصور وجود لغة مولدة لا الأسلوب الذی أشرت إلیه.
.. و مما ساعد علی وجود هذا الأسلوب المولد ظهور شعراء من غیر العرب منذ النصف الثانی للقرن الأول الهجری مثل زیاد الأعجم و أبی عطاء السندی. و لا یعنی هذا أن الأسلوب العربی الفصیح قد انتهی أمره و غلبه هذا الأسلوب المولد، و لکن کان لکل منهما تیار یسیر فیه.
.. و کان عصر الرشید نفسه من أزهی العصور بالنسبة لحیاة اللغة العربیة و التألیف فیها.
و یکفی أن نذکر من علماء هذه الفترة الکسائی و الأصمعی و الفراء و أبا زید الأنصاری.
[99] ( 1) الفهرست لابن الندیم ص 342.
[100] ( 2) تاریخ الأدب العربی برکلمان ص 91.
[101] ( 3) الفهرست لابن الندیم ص 421 و ص 422.
[102] ( 1) أخذ العرب عن الهنود نظام الترقیم بدلا من حساب الجمل الذی کانوا یستعملونه، و قد أقتبسوه عن بعض البلاد التی فتحوها و هو کما یقول د. عبد الحلیم منتصر فی کتابه محاضرات فی العلوم عند العرب ص 94- 96( أ- ب- ج- د- ه- و- ز- ح- ط- ی- ک- ل- م- ن- س- ع- ف- 1- 2- 3- 4- 5- 6- 7- 8- 9- 10- 20- 30- 40- 50- 60- 70- 80. ض- ق- ر- ش- ت- ث- خ- ذ- ط- ظ- غ- 90- 100- 200- 300- 500- 600- 700- 800- 900- 1000.
بع/ جع/ کغ
2000/ 3000/ 000، 20
.. أما الأرقام الغباریة، التی ما تزال مستعملة فی المغرب و الجزائر و تونس و التی انتقلت إلی الأندلس و من الأندلس إلی أوربا، و هی المعروفة بأسم الحروف العربیة.
.. و یری بعض العلماء أنها مرتبة علی أساس الزوایا، فرقم 1 یتضمن زاویة واحدة، و رقم 2 زاویتین .. و هکذا.
.. و الأصل فی تسمیتها غباریة أن الهنود کانوا یأخذون غبارا یبسطونه علی لوح من الخشب و یرسمون علیه الأرقام التی یحتاجونها فی- أعمالهم الحسابیة و معاملاتهم التجاریة.
.. کذلک کان الهنود یستعملون« سونیا» أو الفراغ لتدل علی الصفة، ثم انتقلت هذه اللفظة الهندیة إلی العربیة باسم الصفر و استعملها الإفرنج.
.. و تمتاز الأرقام العربیة أو الهندیة بأنه یمکن ترکیب أی عدد منها مهما کان کبیرا، أما الأرقام الرومانیة فتحتاج إلی أشکال عدیدة، کما أن الأرقام العربیة تقوم علی النظام العشری، و القیمة الوضعیة بحسب موضعه فی الآحاد و العشرات و کذلک استعمال الصفر میزة کبیرة.
.. و من مزایا هذا الترقیم تسهیل جمیع أعمال الحساب من جمع و طرح و قسمة بدلا من العملیات الطویلة العویصة التی کانت تحتاج إلیها هذه العملیات و کذلک کان لاستخدام الصفر فائدة عظمی.
.. فالعدد« 5» فی خانة الأحاد یدل علی خمسة، و إذا وضعنا یمینه صفرا انتقلت منزلته إلی العشرات أصبح خمسین« 50» و للصفر میزات کثیرة فی حل المعادلات الریاضیة من مختلف الدرجات.
.. و ابتکر العرب علامة الکسر العشری، و تنسب إلی العالم الریاضی غیاث الدین جمشهذ الکاشی، و فی کتاب الکاشی الرسالة المحیطیة وردت النسبة بین محیط الدائرة و قطرها و هی التی یطلق- علیها ط- بالکسر العشری و قد أعطی قیمة 2 ط بستة عشرة رقما عشریا کما یلی:
283185071795865، 6- 2 ط
و لم یسبقه أحد فی أیجاد هذه النسبة بهذه الدقة المتناهیة ...
کذلک قسم العرب الحساب العملی إلی غباری یحتاج إلی ورقة و قلم و هو أنی، و هو الحساب الذهنی الذی لا یحتاج استعماله إلی أدوات و لها طرق و قوانین مذکورة فی بعض الکتب الحسابیة و هو عظیم النفع للتجار فی الأسفار و أهل السوق من العوام الذین لا یعرفون الکتابة، و الخواص إذا لم تتیسر أدوات الکتابة .. و قد وضع العرب مؤلفات کثیرة فی الحساب ترجمت إلی اللغات الأجنبیة و کانوا یقسمون الحساب إلی أبواب، منها ما یتعلق بحساب الصحاح و منها ما یتعلق بحساب الکسور، و تمّة فصول للجمع و التضعیف و الثانی فی التنصیف و الثالث فی التفریق( الطرح) و الرابع فی الضرب و الخامس فی القسمة و السادس فی التجذیر و استخراج الجذور و کان لهم أسلوبهم فی إجراء هذه العملیات و یذکرون لکل منها طرقا عدیدة، و منها ما هو خاص بالمبتدئین مما یصلح للتعلیم.
.. و أجادوا فی بحوث النسبة من عددیة و هندسیة و تألیفیة و موضوعاتها التناسب و استخراج المجهول بواسطتها، و کانوا یکثرون من الأمثلة و التمارین فی مؤلفاتهم و یأتون بمسائل عملیة تتناول ما یقتضیه العصر و یدور علی العملات التجاریة و الصدقات و الغنائم و المواریث و الرواتب لقد کانوا یفضلون المسائل العملیة التی تتعلق بحاجات العصر و مقتضیاته.
.. کذلک عرفوا المتوالیات الحسابیة و الهندسیة، و وضعوا قوانین خاصة لجمعها کما أتوا علی قواعد لاستخراج الجذور و جمع المربعات المتوالیة و المکعبات.
[103] ( 1) الفهرست لابن الندیم ص 421.
[104] ( 1) الموجز فی تاریخ الطب و الصیدلة عند العرب ص 24. تصدیر د. محمد کامل حسین.
[105] ( 2) هو أبو الحسن علی بن سهل ربن الطبری أحد الأطباء المشهورین فی العصر العباسی کان کتابیا ثم أسلم و خدم بالطب المتوکل و من قبله المعتصم العباسی و کان مولده بمدینة مرو من أعمال طبرستان سنة 770 م. و فی بدایة کتابه« فردوس الحکمة» فسر معنی« ربن» فقال:« کان أبی من أبناء کتاب مدینة مرو و ذوی الأحساب و الآداب بها، و کانت له همة فی ارتیاد البر و براعة و نفاذ فی کتب الطب و الفلسفة، و کان یقوم الطب علی صناعة آبائه، و لم یکن مذهبه التملح و الاکتساب بل التأله و الاحتساب فلقب لذلک« بربن» و تفسیره عظیمنا و مصلحنا، و قد انتقل بعد فراغه من التعلیم من طبرستان إلی العراق حیث قام، و أخذ یتطبب فیها حتی وفاته حوالی سنة 861 م.
.. و قد ذکر ابن النیدیم أن من مؤلفاته تحفة الملوک، فردوس الحکمة، کناش الحضرة، کتاب منافع الأدویة و الأطعمة و العقاقیر کتاب فی الأمثال و الأدب علی مذهبی الروم و العرب. و أضاف إلیها ابن أبی صیبعة کتاب إرفاق الحیاة، حفظ الصحة، کتاب فی الرقی، کتاب فی ترتیب الأغذیة و کتاب فی الحجامة.
.. و له کتاب لم یلتفت إلیه إلا أخیرا و هو کتاب« الدین و الدولة فی إثبات نبوة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم.
و یتضمن الکتاب وجوه الخبر و صحیحه، و التوحید و آیات و براهین النبوة، و فضائل الخلفاء الراشدین، مع اقتباسات من کتب المزامیر لداود، و نبوات أشعیاء و هو شع و میخا و حبقوق و ضفنیا و زکریا و أرمیا و حزقیال و دانیال، و قد ظهر الکتاب أخیرا فی طبعتین فی بیروت و تونس. حیث نشره و حققه عادل نویهض فی بیروت طبعة دار الآفاق الجدیدة اللبنانیة، و نشر فی تونس نشر المکتبة العتیقة.
[106] ( 1) کتاب فردوس الحکمة لعلی بن ربن الطبری کما یقول الدکتور فهیم أبادیر ص 34، 35 من کتابه تاریخ الطب عند العرب سفر مختصر و لکنه علی هیئة الموسوعات لما حواه من البحوث فی الفلسفة و علم النفس و الفلک و الظواهر الجویة خلاف أبحاثه فی الطب. و هو مقسم إلی سبعة أنواع، و الأنواع تحتوی علی ثلاثین مقالة و المقالات تحتوی علی ثلثمائة و ستین بابا، و یوجد من فردوس الحکمة نسخة کاملة فی المتحف البریطانی و قد نال هذا المؤلف شهرة عظیمة فی عصره و قد استعان الطبری فی تألیفه بکتب أبو قراط و أرسطوطالیس و جالینوس و یوحنا ابن ماسویة و حنین بن إسحق.
.. و کما ذکر أن الکتاب یحتوی علی سبعة أنواع فالنوع الأول یحوی مواضیع فلسفیة و النوع الثانی یحتوی علی مقالات فی الحمل و تکوین الجنین و فی وظائف و ترکیب بعض الأعضاء المختلفة و کتابات فی علم النفس و عن الحواس و الأمزجة و عن بعض العلل العصبیة کالکزاز« و هو تشنج أو رعدة تصیب الإنسان» و الخفقان و الکابوس و عن الإصابة بالعین و غیرها. النوع الثالث یختص بالغذاء و التغذیة، و النوع الرابع یختص بأبحاث فی الأمراض العامة و مقالات فی الفصد و النبض و فحص البول. النوع الخامس فی الطعوم و الروائح النوع السادس فی الصیدلة و السموم. النوع السابع فی الطقس و الماء و فصول السنة المختلفة و علاقتها بالصحة و فی الفلک و وصف الکون.
.. و یعتبر براون المستشرق البریطانی أن النوع الرابع الذی یختص بالأمراض العامة هو أنفس ما فی الکتاب و یتکون من أثنی عشر مقالة.
.. فالمقالة الأولی و هی خاصة بدراسة الباثولوجیا العمومیة و فیها أبواب فی أعراض و علامات الأمراض الباطنیة و شرح لمبادئ العلاج.
.. المقالة الثانیة و هی فی أمراض و إصابات الرأس و الدماغ و فی الصرع و أنواع الصداع المختلفة و الدوار و الغثیان و الکابوس اللیلی و الطنین الدوی.
.. و الثالثة: و تختص بأمراض العیون و الأجفان و الأذن و الأنف و الوجه و الفم و الأسنان.
.. و الرابعة تبحث فی الأمراض العصبیة کالتشنج العضلی و الکزاز و الفالج و الارتعاش.
.. و الخامسة: خاصة بأمراض الحلق و الصدر و الحنجرة و الربو و علاجه.
.. و السادسة: عن أمراض المعدة و البطنة.
.. و السابعة: فی أمراض الکبد و الاستسقاء.
.. و الثامنة: خاصة بأمراض القلب و الرئتین و الحویصلة المراریة و الطحال و الیرقان« الماء الأصفر».
.. و التاسعة: فی أمراض الأمعاء کالاستطلاق و أمراض المسالک البولیة و أعضاء التناسل.
.. و العاشرة: فی الحمیات بأنواعها و ذات الجنب و الجدری.
.. و الحادیة عشر: فی الورکین و النقرس و الجذام و داء الفیل و العقد الخنازیریة و الحکة و القوباء و الصدفة و الطاعون و الأورام و الحروق.
.. و الثانیة عشر: فی الفصد و الحجامة و استعمال الحمامات العلاجیة و غیرها.
.. و الکتاب کما یظهر یکاد یکون خلوا من التشریح و الجراحة ما عدا أبوابا بسیطة عن الجروح و الرضوض.
[107] ( 1) طبع الکتاب العالم الهندی الدکتور محمد زبیر الصدیقی سنة 1928 و بلغ الکتاب 600 صفحة و نیف ..
.. و کما یقول الدومییلی فی تاریخ العلم عند العرب ص 134: 136« کان براون یود لو یستطیع نشر نص و ترجمة کتاب الحکمة و قد عاق الموت دون ذلک 1926 و من یمن الطالع أن تلمیذه محمد زبیر الصدیقی، الذی بدأ معه العمل، حقق جزءا من تلک الأمنیة بنشر النص« فی برلین 1928» و نشر مایرهوف بحثا بعنوان: فردوس الحکمة لعلی الطبری، من أقدم المختصرات العربیة فی الطب. مجلة إیزیس ج 16 سنة 1931 ص 6- 54.
Max Meyerhof, Ali, At'Tabari's» Pardise of Wisdom, one of the oldest Arobic Compendiums of medicine, Jsis XVI, 1391, P. 6- 45.
.. و بعد أن فحص مایرهوف المسائل الکثیر المتعلقة بحیاة علی الطبری و آثاره، و نقد بعض بیانات الصدیقی ذکر العناوین الکاملة لثلاثمائة و ستین بابا لکتاب الفردوس الحکمة، مع إضافة الملاحظات التکمیلیة و ضم إلی ذلک فهرسین عظیمی الفائدة، أحدهما للأسماء الاصطلاحیة: و الآخر للعقاقیر و الأدویة التی ذکرها المؤلف: مع الإشارة إلی الباب الذی یتناوله بالبحث.
.. و هذا الکتاب فی الوقت الحاضر هو الفرید الذی یسمح لغیر المتضلعین فی العربیة بأخذ فکرة عن ذلک الأثر.
.. و أذکر أیضا تعلیقا مفیدا علی هذا الأثر لعلی الطبری. نشر فی المجلة الأسیویة سنة 1931 ص 227- 352 بقلم فادیجون و تعلیقا آخر بقلم بویجنس بعنوان علی بن ربن الطبری نشر فی مجلة:Der Islam ج 20 سنة 1935 ص 120، حیث ذکر وثیقة تدل علی أن الطبری دخل فی الإسلام و هو ابن سبعین سنة، کما نشر ماکس مایرهوف مرة أخری دراسة الطبری فی مجلة الجمعیة الشرقیة الألمانیة ج 10 سنة 1931 ص 38- 69.
[108] ( 1) دوریة البحث العلمی و التراث الإسلامی جامعة الملک عبد العزیز- مکة المکرمة العدد الأول عام 1398- بحث صفحات من تراثنا الطبی للدکتور محمد رضا عوضین بکلیة الطب جامعة القاهرة.
[109] ( 1) العلم عند العرب الدومیلی ترجمة ابن عمی د. عبد الحلیم النجار رحمه اللّه ص 243.
[110] ( 2) تاریخ العلوم عند العرب عمر فروخ ص 276.
[111] ( 1) یقول الدکتور عبد الرحمن بدوی فی بحث بدوریة عالم الفکر الکویتیة عن« أبحاث المستشرقین فی تاریخ العلوم عن العرب» المجلد التاسع العدد الأول 1978- اهتم یولیوس روسکا بمؤلفات الرازی اهتماما کبیرا. و ترجم له کتاب« سر الأسرار» مع مقدمة و شرح و کتب عدة مقالات عن کیمیاء الرازی، نذکر منها:
1-« الرازی رائدا لکیمیاء جدیدة» فی مجلةDLZ سنة 1923، عمود 117- 124.
2-« حول الوضع الراهن للبحث فی الرازی، فی مجلة:
Archivio Di Storia della Scienza, 5- 4291- p. 533 734.
3- الکیمیاء فی العراق و فارس فی القرن لعاشر المیلادی، فی مجلةDer Islam سنة 1928 ص 280- 293.
4- کیمیاء الرازی فی مجلةDer Islam سنة 1935 ص 281- 319.
5-« الکتاب الرئیسی للرازی فی الکیمیاء»، نشر فی:
Die umschau in Wissen Schaft und Technik
سنة 1937 ص 852- 853.
6-« المؤلفات المنحولة المنسوبة إلی الرازی« فی مجلةOsiris سنة 1939 ص 31، إلی 94.
.. کما نشر المستشرق الروسی‌U .I .Karimov کتاب« سر الأسرار» للرازی و ترجمه إلی اللغة الروسیة فی طشقند سنة 1957 م.
[112] ( 2) نشره عن مخطوط فی لیدن برقم 133 ورقة 17- 24« فی باریس سنة 1936، و ترجم روسکا هذا الفهرست إلی الألمانیة فی مجلة إیزیس‌Isis سنة 1923 ص 26- 50.
.. و من أهم ما کتب عن حیاة الرازی و مؤلفاته کما یذکر الدکتور عبد الرحمن بدوی فی بحثه السابق ص 19 رانکنج‌G .S .A .Ranking فی بحث ألقاه فی المؤتمر الدولی للطب، القسم الخاص بتاریخ الطب» لندن سنة 1913 ص 337- 368.
ف. برونر:« طب العیون عند الرازی» رسالة دکتوراه، برلین 1900.
W. Browrer: Dir Awgenheikunde des Rhases: Berlin 0091.
تمکین‌O .Temkin :« نصوص و وثائق: ترجمة من العصر الوسیط لملاحظات الرازی الإکلینیکیة، مقال فی:
Bull. of the history of medicine, 2491 pp. 201 711.
[113] ( 3) حضارة العرب جوستاف‌لوبون ص 589.
[114] ( 1) شمس العرب تسطع علی الغرب لهونکه ص 243.
[115] ( 1) المرجع السابق ص 246.
[116] ( 2) رسائل فلسفیة للرازی، جمع و تصحیح بول کراوس، طبعة جامعة فؤاد الأول سنة 1939 ص 108 إلی ص 110.
[117] ( 3) أقام الرازی مذهبه الفلسفی علی خمسة مبادئ هی اللّه و النفس و الهیولی و المکان و الزمان ..- یقول الأستاذ سعد عبد العزیز فی کتابه فلاسفة الإسلام ص 56 و ص 57« فی نظر الرازی أن هذه الأمور لابد منها لوجود هذا العالم .. فعنده أن الأحاسیس الجزئیة تدل علی« الهیولی» و إن تواجد أحاسیس مختلفة، یستلزم وجود« المکان»، و إن إدراک الحالات المتغیرة التی تطرأ علی« المادة» یؤی إلی القول بالزمان و أن إدراک وجود الأحیاء، یدلنا علی وجود« النفس» و« العقل» و واضح أن« العقل» یجعل الإنسان قادرا علی التخیل و التصور، و إتقان الصنعة، و ذلک کله، یدل علی وجود« خالق أحسن کل شی‌ء خلقه.
.. کذلک نری« الرازی» یسرد علینا قصة الخلق علی النحو التالی: فعنده أنه کان فی البدء« نور روحانی خالص»، و هو روحانیة بسیطة: و هو یسمی هذا« الأصل النورانی» الذی تفیض منه« النفس» التی لا تعدو أن تکون« جواهر نشأت منه النفوس، بالنور الفائض من الذات الإلهیة ... ثم جاء بعد ذلک« ظل» خلقت منه نفوس الحیوان، و ذلک لکی تکون خادمة« للنفس الناطقة» ... و إن« النفس» و هی النور الروحی البسیط قد حلت بذلک« المرکب» الموجود و هو« الجسم» الذی یتألف من عناصر أربعة و هی: الحار و البارد و الیابس و الرطب .. و یری فیلسوفنا أن الأجسام العلویة و السفلیة کلها مؤلفة من هذه العناصر الأربعة، بل إن الأجرام السماویة مکونة من صمیم العناصر التی تتکون منها الأجسام الأرضیة، و هی تمتاز بکیفیات أرضیة من خفة و ثقل و استنارة و ظلمة و لین و صلابة و فی رأیه أن العنصین الکثیفین هما الماء و الأرض و هما یحرکان إلی أسفل نحو مرکز الأرض علی حین أن الجسمین المتخلخلین و هما الهواء، و النار یتحرکان إلی أعلی .... کذلک ینظر« الرازی» إلی« النفس» علی أنها صنفان: صنف یبلغ العالم العلوی، و ذلک عن طریق العلم و الفلسفة .. فإن غایة الفلسفة عنده تتمثل فی أن یتشبه الإنسان باللّه، حتی یمکنه أن یکتشف عالمه الحقیقی ... فینجو من کل ألم و یصفو من کل ضیق و کدر ... أما الصنف الآخر .. فیتمثل فی تلک النفوس التی تبقی فی هذا« العالم السفلی» حتی یتسنی لها اکتشاف« السر» الذی یفتح أبواب« العالم العلوی» .. هذا السر إنما یکمن فی ثنایا« الفلسفة و العلم» ..
فمن أراد الخلاص من الحضیض الذی یعیش فیه، فعلیه أن یسعی إلی تنویر عقله و قلبه علیه أن یکون شغوفا بالمعرفة .. فبذلک یرتفع عن الدرک الأسفل و یصعد إلی أعلی علیین.
[118] ( 1) أبو حاتم الرازی أحد کبار الدعاة الإسماعیلیة للمذهب الفاطمی و قد أدی دورا خطیرا فی محاولة نشر مبادئ الإسماعیلیة فی طبرستان و أذربیجان و أصفهان و الری.
[119] ( 2) حمید الدین أحمد بن عبد اللّه الکرمانی هو کبیر دعاة الإسماعیلیة بالعراق و فارس أیام الحاکم بأمر اللّه و هو حجة من حجج الإسماعیلیة الکبار و له مؤلفات عدة فی الدعوة للإسماعیلیة من أهمها« الأقوال الذهبیة» و« راحة العقل». و قد وفد إلی مصر عام 408 ه و عیّن رئیسا لدار الحکمة بالقاهرة و توفی عام 411 ه.
[120] ( 1) فی مقدمة تحقیقه لکتاب الطب الروحانی ص 13.
[121] ( 2) مقدمة تحقیق الطب الروحانی لمحققه د. عبد اللطیف العبد ص 9.
[122] ( 3) العلوم عند العرب للأستاذ قدری حافظ طوقان ص 126.
[123] ( 1) الحاوی: للرازی ج 1 ص 5.
[124] ( 2) المرجع السابق ص 8.
[125] ( 3) السابق ص 3.
[126] ( 4) مجلة المشرق عدد 54 ص 613.
[127] ( 1) مجلة المشرق عدد 54 ص 613.
[128] ( 2) مجلة المشرق عدد 56 ص 230.
[129] ( 3) الطب الروحانی لأبی بکر الرازی ص 35 تحقیق د. عبد اللطیف العبد.
[130] ( 1) سارتون: .. مقدمة تاریخ العلم: المجلد الأول ص 587.
[131] ( 1) رسائل فلسفیة لأبی بکر الرازی مع قطع من کتبه المفقودة، الجزء الأول، مطبوعات جامعة فؤاد الأول سنة 1939 ص 113: ص 115- نشر بول کراوس. و محنة الطبیب ص 471.
و نلاحظ فی هذا النص مدی تأثر الرازی بمعظم منطق أرسطو حیث بدأ بحدّ التعریف و طلبه بعد التعریف بالعلة الانقسام لأجل السبب أو النوع .. أما بالنسبة لحدیثه عن الاستعداد و الاحتراس و الإنذار و العلاج فقد أخذه من جالینوس.
[132] ( 1) مجلة المشرق ص 124- 125.
[133] ( 2) الفصول: ص 117.
[134] ( 3) الحاوی ج 6 ص 82.
[135] ( 1) المشرق 56، ص 246- 247، و الثؤلول: بثر صغیر صلب مستدیر، یظهر علی الجلد کالحمّصة أو دونها« المعجم الوسیط ج 1 ص 93».
[136] ( 2) الحاوی للرازی ج 6 ص 83.
[137] ( 1) الحاوی للرازی ج 3 ص 279.
[138] ( 2) المرشد للرازی ص 121.
[139] ( 3) المرشد للرازی ص 91.
[140] ( 1) المرشد للرازی ص 72.
[141] ( 2) الحاوی للرازی ج 3 ص 61.
[142] ( 3) فلاسفة الإسلام للأستاذ: سعد عبد العزیز ص 55 طبعة الشعب
[143] ( 1) کتاب الموجز فی تاریخ الطب و الصیدلة عند العرب وضع مجموعة من العلماء المصریین نشر جامعة الدول العربیة ص 99.
[144] ( 2) الثّرب: لحم رقیق یغشی الکرش و الأمعاء،« المعجم الوسیط ج 1 ص 95».
[145] ( 1) متنوعات: للدکتور محمد کامل حسین رحمه اللّه ص 176.
[146] ( 1) بحث عن الطب العربی للدکتور سلیمان قطانة بدوریة عالم الفکر الکویتیة المجد العاشر- العدد الثانی یولیو- سبتمبر 1979 ص 281.
[147] ( 2) العلوم عند العرب للأستاذ قدری طوقان ص 18.
[148] ( 3) فی تراثنا العربی الإسلامی ص 139.
[149] ( 1) المرشد للرازی ص 119.
[150] ( 2) محنة الطبیب للرازی ص 495.
[151] ( 3) المرشد للرازی ص 119.
[152] ( 1) رسالة فی الرازی ج 2 ص 107، ص 108 من مخطوط بمکتبة جامعة کمبردج‌Marsh 248 بود لیانا نقلا عن بحث للدکتور محمد کامل حسین عن طب الرازی بدوریة رسالة العلم ص 222 سبتمبر 1963 م ..
[153] ( 2) الحاوی للرازی ج 7 ص 279.
[154] ( 3) السرسام کلمة فارسیة بمعنی مرض أو ورم فی جیب الدماغ.
[155] ( 4) تاریخ العلوم عند العرب: قدری حافظ طوقان ص 128.
[156] ( 1) نشر الرسالة المستشرق بول کراوس فی باریس سنة 1936 تحت عنوان« فی فهرست کتب محمد بن زکریا الرازی» .. و من الإحصاء العام لمؤلفات الرازی بهذه الرسالة نجد أن الرازی کتب فی الطب و الأقرابازین 56 تصنیفا، الطبیعیات 32 تصنیفا، الکیمیاء 21 تصنیفا، الریاضیات و الفلک 11 تصنیفا، و الإلهیات و الفلسفة- و ما بعد الطبیعة 38، تصنیفا، المنطق 7 تصنیفات، شروح و ملخصات و اختصارات 7 تصنیفات فنون مختلفة 12 تصنیفا.
[157] ( 2) ترجم الحاوی إلی اللانینیة فی عهد الملک شارل الأول ملک صقلیة بواسطة الطبیب الیهودی فراج بن سالم 1279، و ظل یترجم مرات عدیدة فی أوربا حتی عام 1542 و کان من أهم المراجع الطبیة عند الأوربیین حتی القرن السادس عشر المیلادی.
و الکتاب موسوعة طبیة زادت علی عشرین مجلدا. لم یبق منها سوی عشرة مجلدات فقط.
[158] ( 1) طبع کتاب الحاوی فی طبعته الأولی عن نسخة أسکوریال رقم 806 و رمزها« أ» و قد طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدرآباد الدکن، الهند 1955.
[159] ( 1) ترجم الرسالة اللاتینیة فالاE .Valla و نشرها فی البندقیة عام 1948، کما نقلها إلی الیونانیة جاک جویبل‌Jacque Gompy و نشرها فی باریس 1548. و نقلت أیضا إلی الفرنسیة فی باریس. عام 1763 بواسطةJacques Paulet و کذا إلی الفرنسیة فی باریس عام 1866 ترجمها المستشرق لوسیان لوکلیرLeclere و لینورLenoir و فی لندن نشرت سنة 1766« النص العربی مع ترجمة لاتینیة بواسطة یوحنا تشانتج. کما ترجمت الرسالة إلی الإنجلیزیة ترجمة جیدة بواسطة جرینهل‌W .A .Greenhill طبعت فی لندن 1848. و ترجمت إلی الألمانیة بواسطة کارل أوبیتزKarl Opitz 1911.
[160] ( 2) سماه المنصوری نسبة إلی المنصور بن إسحق حاکم خورسان و هو من الذین ساعدوا الرازی و وقفوا بجانبه فقدم الرازی الکتاب إلیه.
.. و الکتاب نشر لأول مرة فی میلانو سنة 1481 م و أعید نشره بعد ذلک کثیرا. و اشتهرت بعض أجزائه شهرة فائقة فی أوربا و بخاصة جزء التشریح الذی ترجم إلی الفرنسیة ترجمة کوننج طبعة لندن 1903 و جزء الرمد ترجمه إلی الألمانیة برونر طبعة برلین 1900.
[161] ( 1) نسخة مسعود الماردینی سنة 587 ه.
أما المخطوط الذی حققه المستشرق الروسی فتاریخه عام 912 ه. و قد نشرته أکادیمیة العلوم بطشقند باللغة الروسیة عام 1957 م« .. و ترجمه من قبل کریمونا فی أواخر القرن الثانی عشر المیلادی و کان المرجع الوحید فی استخدام الاختبارات المعملیة و فصل الذهب من سبائکه المغشوشة و تقطیر العقاقیر و تحضیرها و الانتفاع بالتکلیس لمرکبات جدیدة مثل أکسید الزئبق الأحمر کما حدث مع برستلی و لا فوازییه فی عصر النهضة الأوربیة.
[162] ( 2) کتاب الملکی أو« کامل الصناعة الطبیة» نشر فی القاهرة فی جزئین بالعربیة سنة 1294 ه. .. و قد ترجم الکتاب من قبل إلی اللاتینیة ترجمة أسطفان الأنطاکی سنة 1127 م و نشرت الترجمة بالبندقیة سنة 1492، ثم نشرت مع تعلیقات میشیل دی کایلا فی لیون سنة 1527 م.
.. و قد اقتبس قسطنطین الأفریقی کتاب الملکی و نشره بعنوان« بانتینی»Pantegni و ظهر الجزء الأول من هذا الاقتباس فی بازل عام 1539. و نشر یولیوس باجل سنة 1906 الباب التاسع من الجزء الثامن منه، کما نشرت أجزاء کثیرة منه منقولة إلی اللغات الأجنبیة خاصة ما خص منها التشریح و طبع فی باریس 1903، و ما خص الرمد طبع فی برلین 1900 م و ما خص أمراض الکلی طبع فی لندن 1896 و ما خص أمراض الجلد طبع بالألمانیة 1912، و تشریح المخ بالألمانیة 1914 م.
.. و یقول بروکلمان ج 4 ص 291 و ص 292 إن کتاب الملکی للمجوسی یوجد کاملا بجمیع أجزائه فی برلین 6261- 6265 و لندن 1315- 1316، و بنکیبور 4/ 12- 14. و منه أجزاء مفردة فی میونیخ أول 811، و بودلیانا 1/ 523، 529، 587، 622- 623، و الأسکوریال ثان 815: 2، 818: 5، 838، و باریس أول 2871- 2880، و المکتب الهندی 774- 776، و جاریت 1077- 1078، و المتحف البریطانی أول 1358، و المتحف البریطانی 506، 6591 و 5777 و المتحف البریطانی ثالث 43، و کمبردج أول 1276، و مدرید أول 129 و بطرسبرج ثالث 888، و بطرسبرج ثان 1926: 25 و الفاتیکان ثالث 314 و أمبروزیانا 127« مجلةZDNG 69/ 80»، و یرنستون 171، و فاس: جامع القرویین 1364، و نور عثمانیة 3579، و بیروت 293، و مکتبة البارودی، أنظر مجلة المجمع العلمی العربی بدمشق 5/ 132، و القاهرة أول 6/ 28، و سباط 11، 20، 2، و أحمد تیمور باشا، أنظر مجلة المجمع العلمی العربی بدمشق 5/ 135، 3/ 360 و الموصل 23، 147، 107، 106، 196، 103، و مشهد 16/ 31، 100- 101، و أرمبور أول 492. و آصفیة 2/ 932، 196، 373، و باتافیا أول 3/ 236 .. و منه مختصر: الاسکوریال ثان 1827: 5.
طبع حجر: لاهور 1283 و طبع فی بولاق سنة 1294« أنظر مجلةZDMG 44/ 388، الهامش».
و طبعة المقالة التاسعة فی لکنو سنة 1906.
ترجمة ترکیة: بروسه، حسین جلبی: طب 2.
ترجمة عبریة: شتا ینشایدر 426.
[163] ( 1) یحیی بن سرابیون طبیب مسیحی عاش فی النصف الثانی من القرن التاسع، ألف کتبا فی الطب بالسریانیة ترجمت إلی العربیة.
[164] ( 2) لعل علی بن العباس المجوسی من أوائل من أشاروا إلی وجود صلات بین الشرایین و الأوردة و فی ذلک إرهاصة متواضعة إلی وجود الأوعیة الشعریة.
[165] ( 3) شمس العرب ... ص 284 و ص 285.
[166] ( 4) شمس العرب تشرق علی الغرب لهونکة ص 271.
[167] ( 5) و من هنا فإن علی بن العباس یعد من أوائل من قدم البراهین علی أن الرحم تنقبض أثناء الولادة و یقصد بذلک أن الجنین یطرد و لا یخرج ذاتیا کما کان یقول أبقراط و غیره.
[168] ( 1) لأبی منصور القمری کتاب فی الطب هو کتاب« غنی و منی» کتاب الحیاة و الموت»، و هو کتاب جید مقسم إلی ثلاثة أقسام: الأمراض الباطنیة، و الأمراض الظاهرة و الحمیات.
[169] ( 1) یذکر ألدو مییلی فی کتابه العلم عند العرب النسخة العربیة صفحة 204- 205.
« و لدراسة ابن سینا دراسة شاملة، مع الوقوف علی قائمة لکتبه أنظر بحث جبرییلی عن ابن سینا فی مجلة أرکیون ج 4 سنة 1923 ص 258:
و تحدث« کارادی فو» بتوسع عن ابن سینا فی کتاب: ابن سینا باریس 1900، کما أنه اتجه إلی نفس الاتجاه فی کتاب مفکرو الإسلام.
Les Penseurs de l, Islam» VO. II et n IV, 1291, et 3291«.
و کتب أبو عبید الجرجانی، تلمیذ ابن سینا المقرب إلیه، الذی عاش 25 سنة بعد وفاة أستاذه ترجمة له انتفع فیها بالمذکرات التی دونها الفیلسوف و الطبیب العظیم عن حیاته و نقل هذه الترجمة إلی الألمانیة بول کراوس فی المجلة الأسبوعیة الإکلینیکیة:
Diekinische Wochenschrift XI, 3291 P. 2881.
و صدرت بعض الدراسات الهامة عن ابن سینا، فقد نشرت جمعیة التاریخ الترکیة کتابا تذکاریا ضخما« فی استانبول 1937» بمناسبة مرور 900 سنة علی وفاة ابن سینا، و قد عالج القسم الأول من هذا الکتاب حیاة ابن سینا و وطنه، و حلل آراءه الفلسفیة، و نظر القسم الثانی فی ابن سینا الطبیب، و قد اشترک عالمان أجنبیان فی هذا الکتاب، هما الزمیلان:« جومبو» من بخارست‌Gomoiu و تریکو رویر من أنفرس‌Tricot Royer مع عدة علماء أتراک حیث درسوا أهمیة طب ابن سینا و أثره فی الغرب. و بذلوا أیضا جهدا خاصا فی اعتبار ابن سینا ترکی الأصل و التدلیل علی ذلک. القسم الثالث من الکتاب اختص بالریاضیات، و الرابع بالأساطیر التی وضعت حول ابن سینا فی ترکیا و إیران. و فی القسم التالی لذلک ترجمات ترکیة لبعض کتب صغیرة لابن سینا.
و من بینها النص العربی لکتاب: الأدویة القلبیة، نقلا عن مخطوط فی مکتبة الفاتح باستنبول، مع مقابلته و تصحیحه بسبعة عشر مخطوطا موجودة أیضا فی استانبول. و أخیرا یشتمل القسم السادس و الأخیر علی قائمة بمائتین و ثلاثة و عشرین کتابا لابن سینا توجد فی ست و خمسین مکتبة باستنبول، و قائمة طویلة أیضا لجمیع الشروح و الترجمات لکتب ابن سینا المکتوبة بالمشرق و المحفوظة فی المکتبات المذکورة. و هکذا نجد فی هذا الکتاب وصفا تاریخیا للکتب و الشروح الشرقیة المتصلة بابن سینا لا مثیل له حتی الآن. و جملة العلماء المشترکین فی وضع هذا الکتاب 28، و هو یحتوی علی 40 بحثا و لا شک أنه عظیم الأهمیة نفیس القیمة، و لا نستثنی من ذلک إلا القسم المتعلق بالتبعیة الوطنیة لابن سینا« انظر ما کتبه. عدنان عن هذا الکتاب التذکاری فی مجلة أرکیون ج 19 سنة 1937 ص 411- 414».
[170] ( 1) الفلسفة عند ابن سینا صناعة نظر، یستفید منها الإنسان علم الموجود بما هو موجود.
و علم الواجب علیه فعله، لتشرف نفسه و تصیر عالما معقولا مضاهیا للعالم الموجود، و تسعد السعادة القصوی بالآخرة.
و فی الموسوعة المختصرة مادة ابن سینا النسخة العربیة نجد أن الدکتور زکی نجیب محمود الذی أضاف الشخصیات الإسلامیة إلی الموسوعة یذکر ص 13« .. أما فی میدان المنطق فقد کان من جراء تمسک ابن سینا تمسکا صارما بفکرة أرسطو عن العلة و المعلول أن اشتبک فی صراع مع علماء الکلام ذلک أن جبریته المنطقیة اصطدمت بجبریتهم الدینیة.
و فی میدان علم النفس، مزج ابن سینا بین أرسطو و أفلوطین فی فکرته التی کانت موضع القبول علی نطاق واسع، و أعنی فکرته عن خلود النفس العاقلة التی هی جوهر من حیث هی صورة.
و أبعد من ذلک مرمی، ما أسهم به ابن سینا فی میدان المیتافیزیقا، فهو ککل« الفلاسفة» فقد استعان بأفلوطین و فورفوریوس الذی حاول أن یوفق بین أفلاطون و أرسطو، و هو بتوجیهه فکر أفلاطون وجهة تقربه من الواحدیة الدینیة قد مکن المسلمین من أن یوفقوا بین المعتقدات و المعتنقات التقلیدیة و الفکر الیونانی و قد أحرزت فکرة ابن سینا عن اللّه الذی یتوحد فی ذاته الوجود و الماهیة، أقول إنها أحرزت رواجا واسعا فی الغرب، و خاصة عل یدی موسی بن میمون الیهودی.
و الفیلسوف المسیحی توماس الأکوینی. و الأمر کذلک فیما یتعلق بما یترتب علی هذه الفکرة من نتیجة تنص علی أن الماهیة فی جمیع الکائنات المخلوقة منفصلة عن الوجود الذی لیس سوی عرض من الأعراض، و لما کان ابن سینا قد قبل فکرة أرسطو عن العالم و خاصة فکرة قدم المادة، فقد اصطدم بالمسلمة الدینیة، مسلمة« الخلق من العدم» یضاف إلی ذلک أن الخلیقة نتیجة ضروریة تلزم عن وجود اللّه من حیث هو وحدة مطلقة بسیطة تندمج فیها المعرفة و الإرادة و المقدرة بماهیته:
« و اللّه هو العلة الأولی التی لا علة لها، و من هنا کان هو الخالق بالضرورة، إلا أن موسی بن میمون و الإکوینی یعارضان الفکرة السینویة و یقرران موقف الکتاب المقدس الذی ینص علی حدوث الخلق من العدم، حدوثه فی الزمان نتیجة لإرادة اللّه الحرة.
و لکی یسد ابن سینا الفجوة بین الوحی و العقل لاذ بنزعة صوفیة عقلیة« فی کتابه- الإشارات»). فالصوفی المتأمل« العارف» الذی بلغ أعلی مرتبة من المعرفة یصل إلی الاتحاد العقلی مع اللّه عن طریق الإدراک الحدسی: و الفلسفة العملیة جزء من« میتافیزیقا» ابن سینا، لأن بلوغ السعادة الإنسانیة لا یتیسر إلا فی مجتمع، و النبوة و الشریعة« القانون الإسلامی المنزل علی النبی» لا غنی عنهما لبقاء الإنسان و سعادته. فالنبی المشرع یأتی للبشریة بقانون إلهی یضمن لها الرفاهیة فی هذه الدنیا و السعادة فی الحیاة الآخرة و قد وحد الفارابی النبی المشرع بالملک الفیلسوف عند أفلاطون: أما ابن سینا، فلا یذهب هذا المذهب و إنما یسلم للنبی بمعرفة حدسیة تلقائیة، و بذلک یضعه فی مرتبة أعلی من الفیلسوف: و الدولة الإسلامیة المثلی التی تتخذ من الشریعة المحمدیة دستورا هی« فی فلسفة ابن سینا». قسیمة« لجمهوریة أفلاطون» التی بینت« للفلاسفة»- مع کتابة« القوانین»- ما للشریعة من دلالة سیاسیة، و زودتهم بفکرة العدالة و القانون و هما الأساس المشترک بینهم، الذی أتاح لهم أن یحاولوا التوفیق بین العقائد الإسلامیة الأساسیة و الأفکار الإغریقیة، و هنا موضع أصالتهم بوصفهم فلاسفة دین یتخذون من الشریعة العلیا محورا لفلسفتهم و أساسا.
[171] ( 1) یقول ألدومبیلی ص 200 المرجع السابق:
« عمل جند یسالفی ترجمة جزئیة للنجاة علی أساس طبعة القاهرة سنة 1913 بعنوان ترجمة جزئیة لکتاب النجاة.
Dominicus Gundisalvi, une Traduction partieelle d, al Nagat» Paris 8651«.
و توجد أیضا ترجمة لاتینیة جزئیة حدیثة للقسم الثالث من کتاب النجاة عنوانها: مختصر ما وراء الطبیعة لابن سینا مترجما من العربیة إلی الاتینیة مع تعلیقات لنعمة اللّه کرامه، رومة 1926.
Avicennae Metaphysices Conpendium ex Arabo, Latinum reddidet et adontationibus adornavit Nematallah Carame Roma 6291.
و توجد ترجمات جزئیة کثیرة لکتاب الشفاء، مثل ترجمة ماکس هورتن: کتاب شفاء النفس دائرة معارف فلسفیة لابن سینا، ما وراء الطبیعة و یحتوی علی موضوعات فیما وراء الطبیعة و الإلهیات، و الکونیات و الأخلاق من الترجمة و الشرح:
Max Horten Das Buch der Genesung der Seele, Eine philos- hist. encyclopadie Avicen- nas. etc Halle 7091- 9091.
و مثل المختصر الذی ترجمه إلی الإنجلیزیة فان دیک« 1906».
Edward Abott Van Dyck Compendium on the Soul.
و یلاحظ أن أغلب الدراسات لکتب الشفاء تتصل بالقسمین الثانی و الثالث من الکتاب، المتعلقین بالطبیعیات و المیتافیزقیا. و توجد مخطوطات کثیرة من هذین القسمین، بخلاف القسم الأول الذی یبحث فی المنطق، فهو نادر للغایة و لذلک لم یکن موضع نظر المحدثین علی الرغم من أن له قیمة تاریخیة کبیرة و لکن الدکتور إبراهیم مدکور فی کتابه الحدیث: منطق أرسططالیس فی العلم العربی:
L, organon d, Aristote dans Le monde Arabe» Paris 4391«.
اتخذ من القسم الأول من کتاب ابن سینا المذکور دلیلا مرشدا له فی عرض الموضوع کما قدم أیضا فی أثناء الکتاب ترجمات لکثیر من القطع.
و الطبعة العظیمة الفائدة لنا بوجه خاص طبعة المؤلفان« هولمیارد» و« ماندیفل».
و هی تقدم بعض فقرات من الشفاء کانت توجد فی الترجمات اللاتینیة لکتاب أرسططالیس:
Liber de Minerolibus Aristotelis.
علی أنها تکون الفصول الثلاثة الأخیرة من الجزء الرابع و قد کان ینظر إلیها زمنا طویلا علی أنها« منحولة و لکن منذ زمن قدیم» من تألیف أرسططالیس و کانت تسمی:
Liber de Mineralibus Aristotelis.
و قد أبان المؤلفان، مع نشرهما للنص العربی، أن هذه الفصول فی کتاب الشفاء، و أنها ترجمت عنه، أو أخذت عنه بتوسع مع بعض الحذف، من قبل ساراشل‌Alfred of Sarashel « نحو سنة 1200 م»، ثم وضعت بعد ذلک علی أنها ذیل للجزء الرابع من کتاب أرسططالیس السابق‌Meteorologie و ترجمها من الیونانیة العالم الصقلی أرتبسبوس‌Artisppus علی حین أن الکتب الثلاثة الأولی إنما هی تلک التی ترجمها جیراردی کریمونا من العربیة« هذه المجموعة تکون ما یسمی‌Vetus Versio من بین النصین اللاتینیین« المستعملین فی القرون الوسطی» و المؤلفان المعاصران اللذان ذکرنا فی أول التعلیق أنهما نشرا النصوص العربیة لابن سینا عملا ترجمة إنجلیزیة دقیقة کثیرة التعلیقات ذات فائدة مباشرة لتاریخ العلوم، کما نشرا أخیرا نص سارشل.
و أما فیما یتعلق بمؤلفات ابن سینا الفلسفیة فنذکر- ثانیا- الکتاب الذی کتبته انسة جواشون:
Mille A. M Goichon introduction a Avicenna Son epitre des definitions, Traduction evec notes, Paris 3391.
و کتب مقدمة هذا الکتاب آسین بالاسیوس‌M .Asin Palasios و هو کتاب عظیم الأهمیة، لأن ابن سینا یشرح فیه بنفسه کثیرا من الاصلاحات الفنیة التی یستعملها فی کتاباته.
و عندنا أیضا نص: تسع رسائل فی الحکمة و الطبیعیات، فی طبعة بالقاهرة 1908، و نشر میرن‌Mehren بعنوان: رسائل فی التصوف، لیدن 1889- 1894Traites Mystiques مؤلفات کثیرة لابن سینا لها هذا الطابع الفلسفی.
و آخر کتب ابن سینا- أخیرا- فی الفلسفة، و هو کتاب الإشارات و التنبیهات نشر نصه و ترجمة له فورجیه بعنوان:
J. Forget. Le Livre de Theoremes et avertissements, Leiden 2981.
[172] ( 1) من تاریخ الطب عند العرب للدکتور فهیم أبادیر ص 44.
[173] ( 2) القانون ج 1 ص 73.
[174] ( 1) القانون ج 1 ص 73.
[175] ( 2) القانون ج 1 ص 72.
[176] ( 3) القانون ج 1 ص 73 و ص 74.
[177] ( 1) السرسام ورم فی حجاب الدماغ تحدث عنه حمی دائمة، و تتبعها أعراض ردیئة کالسهر و اختلاط الذهن« المعجم ص 527 ج 1 و البرسام مرض ذات الجنب و هو التهاب فی الغشاء المحیط بالرئة. المرجع السابق ج 1 ص 49.
[178] ( 2) القانون ج 2 ص 73.
[179] ( 3) القانون ج 1 ص 135 و ص 136.
[180] ( 1) القانون ج 1 ص 147 و 148.
[181] نجار، عامر، فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، 1جلد، دار المعارف - قاهره، چاپ: سوم، 1994 م.
[182] ( 1) القانون ج 1 ص 123 إلی ص 135.
[183] ( 2) العلوم عند العرب الأستاذ فوزی طوقان ص 17.
[184] ( 3) المرجع السابق ص 18.
[185] ( 1) فی تراثنا العربی الإسلامی للدکتور توفیق الطویل ص 139 و ص 140.
[186] ( 1) نقلا عن العلوم عند العرب للأستاذ قدری طوقان ص 156.
[187] ( 2) شمس العرب: ص 272.
[188] ( 3) العلوم عند العرب للأستاذ قدری طوقان ص 157.
[189] ( 4) الشیخ الرئیس ابن سینا للعقاد ص 122، ص 123.
[190] ( 1) الشیخ الرئیس ابن سینا للعقاد ص 124.
[191] ( 2) یقول الدومبیلی ص 197، 199 المرجع السابق:
« توجد من القانون طبعات شرقیة کثیرة، و طبعة بولاق فی القاهرة سنة 1877 جیدة علی وجه الخصوص.
و لدینا فی الغرب طبعة فاخرة طبعت فی رومة 1593، و هی تشتمل أیضا علی کتاب:
النجاة.
و ترجم« جیراردی کریمونا» کتاب القانون بأکمله، و نشرت ترجمته هذه فی عصر النهضة فی طبعات کثیرة بعضها کاملة و بعضها جزئیة. و من أقدمها« کاملة» طبعة میلانو 1473، بادوا 1476، البندقیة 2/ 1483، و کتب ناتان هامئتی فی رومة سنة 1279 ترجمة عبریة للقانون طبعت فی نابلی 1491- 1492: و من طبعات القرن السادس عشر- و هی کثیرة و تستحق عنایة خاصة- الطبعة التی نشرها فی البندقیةLes Giunta و هی موجودة منذ سنة 1527 و الطبعات التی طبعت سنة 1591 و سنة 1608 فی جزئین و هی أکمل الطبعات.
و الطبیب: نیقولوماساNiccola Massa « المتوفی 1569». الذی ترجم الترجمة التی کتبها لابن سینا الجرجانی هو المؤلف المشهور لکتابی:
Liber de Morbo Gallico» Prem, ed. 2351«. Liber introductorius anatomiea Sive dissectio- nis Corporis humani» Premiere ed. 6351«.
أما عن تراجم القانون التی کتبت فی عصر النهضة فنحن مدینون بترجمة جیدة إلی:
Gerolamo Ramusio» 0541 6841«
و قد بقیت هذه الترجمة دون طبع.
و لکن کثیرا من المتبحرین المتأخرین أمکنهم الانتفاع بها فی نصوصهم الخاصة.
و یقابل هذه الکثرة العظیمة من الطبعات فی عصر النهضة انعدام ترجمات کاملة فی العصر الحدیث أو المعاصر. و یمکن أن نذکر من الترجمات الجزئیة ترجمة جرونر:
O. Cameron Gruner, Atreatise on the Canon of Medicine of Avicenna, London 0391.
و قد بدأها بدراسة مفصلة للکتاب برمته، ثم أتبعها بترجمة الجزء الأول.
و ترجم دی کوننج القسم الخاص بالتشریح فی کتابه:
P. de koning. Trdis Troites d Anatomie Arabe» 3091«.
کما فی القسم الخاص بالتشریح فی کتابه:
Traite Sur Le Calcul dans les Reins et la Vessie.
و ترجم هرشبرج ولبرت القسم الخاص بالرمد فی: علاج العیون لابن سینا لیبزج 1902:
Hiyschberg et J. L. Lippert, La Partie ophtalm ologue dans die Augen'Heikunde des ibn Sina» Leipzig 2091«.
و ترجم یوسف فون زنتهیمر الکتاب الخامس من القانون فی: الأدویة المرکبة عند العرب وفقا للکتاب الخامس من القانون مع الترجمة، فرایبورج 1844.
Jos. V. Sontheimer, Die Zusammenegesetzt en Heilmittel der Ardaber nach Dem 5 Buch des Canons ubersetzt» Feiburg, 4481«.
و توجد أیضا بعض رسائل الدکتوراه فی جامعة برلین عملها کل من:
میخایلوفسکی سنة 1900E .Michailowsky و اوسبانسکی سنة 1900P .Uspansky Th .Bernipon و کلها تحتوی علی ترجمات لفقرات مختلفة.
[192] ( 1) عن کتاب الشیخ الرئیس ابن سینا لعباس محمود العقاد ص 120.
[193] ( 1) فی کتابها شمس العرب تسطع علی العرب ص 289.
[194] ( 1) مجلة رسالة العلم عدد یولیو- سبتمبر 1952 ص 192 عن بحث للدکتور محمد کامل حسین القی فی احتفال جمعیة تاریخ العلوم بالعید الألفی لابن سینا.
[195] ( 1) ص 2 مقدمة ابن سینا لکتاب القانون.
[196] ( 1) الکتاب بدار الکتب المصریة بالخزانة التیموریة مجموعة 300 و لم یذکر ناسخه تاریخ نسخ الکتاب.
[197] ( 1) تاریخ الصیدلة و الطب العربی للدکتور سامی حمارنه ص 24.
[198] ( 2) المرجع السابق ص 25.
[199] ( 1) ذکر الدکتور حمارنة أن هذا المخطوط یقع فی 5 ورقات بحجم 18* 5، 25 و تحوی کل صفحة 15 سطرا و الکتابة بخط نسخ کبیر جمیل.
[200] ( 1) هو الدخوار مهذب الدین عبد الرحیم علی، المعروف بالدخوار، ت عام 628 ه- 1230 م، کان رئیس أطباء سوریة و مصر فی عهد السلطان سیف الدین أخو صلاح الدین الأیوبی.
.. و قد ترجم له أبو الفضل العمری فی« مسالک الأبصار فی أخبار ملوک الأمصار» و کذا ترجم له ابن أبی أصیبعة ترجمة دقیقة .. و کان الدخوار من أطباء العیون الحاذقین فی معرفة أمراضها.
[201] ( 2) یقول عنه تلمیذه ابن أبی أصیبعة« عمران الإسرائیلی» اشتغل بصناعة الطب علی الشیخ رضی الدین الرحبی، و صار من أکابر المتعینین من أهلها .. و کان یتردد إلی البیمارستان الکبیر و یعالج المرضی به، و کان به أیضا فی ذلک الوقت شیخنا مهذب الدین عبد الرحمن بن علی رحمه اللّه، و کان یظهر من اجتماعهما کل فضیلة، و یتهیأ للمرضی من المداواة کل خیر، و توفی الحکیم عمران فی مدینة حمص فی شهر جمادی الأولی سنة سبع و ثلاثین و ستمائة.« طبقات الأطباء ص 697».
[202] ( 1) شمس العرب .. هونکة ص 265.
[203] ( 1) تقول زیجرید هونکة فی شمس العرب تسطع علی الغرب ص 266- ص 268:« ولد میخائیل سرفیتوس‌Migual Servede فی مدینة فیلا نوفاVilla Neuva من أعمال أراجون الأسبانیة فی عائلة نبیلة عام 1509 أی بعد 18 عاما من طرد العرب من أسبانیا. و کان الاضطراب یعیث فسادا آنذاک فی أسبانیة، اضطراب فکری و اضطراب دینی و اضطراب حیاتی و کان الصراع مع التأثیر العربی المتبقی علی أشده. فهناک فریق یدعو إلی نبذه و محوه من آفاق البلاد و من ضمائر البشر، و هناک فریقا آخر یدعو للاستفادة منه و حدث هذا حین وقعت أسبانیة فی أیدی الأوربیین تعبة مدماة، و فی أطرافها من تبقی من البریر، فاضطرت إلی ضمهم إلیها. و کانت لغة الأعداء الموسیقیة منتشرة بین صفوف المسیحیین أیما انتشار، الأمر الذی أثار قلق بطریک قرطبة فقال و النقمة آخذة منه کل مأخذ:« و أسفاه!! إن کل الشبان المسیحیین الذین یریدون إظهار نفوسهم نجدهم لا یعرفون إلا لغة العرب و آدابهم!» إذن، ألم یتکلم مواطن لسارفیتوس، الطبیب الکبیر أرنالد من فیلانوفا اللغة العربیة بطلاقة کبیرة، بحیث أنه کان بوسعه أن یترجم الکثیر من المخطوطات الطبیة عن العربیة دون مساعدة عربی أو یهودی؟! و فی خلال ثلاثمائة سنة أکدت المخطوطات نفسها، التی وقعت فی أیدی الغزاة، الإعجاب أو قل الفضول لدی الأوربیین بعد أن قهروا العرب عسکریا دون أن ینقص إعجابهم المعنوی بهم قید شعرة؟ کان سرفیتوس فی الخامسة و العشرین من عمره متحمسا کل الحماسة مندفعا کل الاندفاع، کما یکون الشباب فی هذه السن، و عند ما صرح بمعارضته لسر الثالوث المقدس، قامت ضجة، تبعها تهدید و وعید، فاضطر إلی الهرب إلی فرنسا حیث وفق إلی العمل تحت اسم مستعار فی ضیعة هناک.
.. و شاء له الحظ أن یلتقی بالرجل الذی سیؤثر فی حیاته کل التأثیر فیدفعه ثانیة إلی الاطلاع علی ثقافة العرب، و هو طبیب مفکر حر اهتم بمقارنة مخطوطات طبیة إغریقیة و عربیة. فأقنع فیلانوفا نوس إلیاس میخائیل سارفیتوس أن یدرس الطب فی باریس و فی فینا و فی بادوا.
و أمضی ردحا من الزمن و هو یعیش باسمه المستعار ککاتب فی الطب و کطبیب خاص ببعض الأثریاء.
.. و فی عام 1551 م. نشر رسالة عن« أخطاء الثالوث المقدس» فهبت عاصفة هوجاء من السخط علیه و قد کشف أمره حین کشف کالفین‌Calvin عن اسمه. فقبض علیه و أودع السجن فی جنیف. .. و ظل فی عذاب ألیم« یؤلمه کسر و یعذبه تقطع فی الأمعاء، و تؤذیه فی نفسه أشیاء أخری أخجل من ذکرها، و تنهشه البراغیث، و ینخر عظامه البرد. حتی کان عام 1553، فخرق فی جنیف حیا و معه کتابه« إعادة بناء المسیحیة» الذی ذکر فیه أیضا اکتشافه العظیم للدورة الدمویة الصغری.
.. لقد اهتم سارفیتوس اهتماما بالغا مباشرا بالطب العربی المسیطر آنذاک فی أوربة دون أن تزعزعه هزیمة، و وجه نقدا شدیدا للنظریة العربیة القائلة بغلیان« الأشربةSirupe » المؤدی إلی نضج الدم و لنظریة جالینوس القائل« بغلیان السوائل الرئیسیة».
.. فهل وقعت یا تری بین یدیه مخطوطة ابن النفیس الخاصة بکتاب ابن سینا الطبی الشهیر الذی لا تزال نسخته محفوظة فی مکتبة الاسکوریال بالقرب من مدرید؟ و هل أثر اکتشاف العربی یا تری مباشرة فی العلم الغربی هنا؟ إن کل الدلائل تشیر إلی أن الصورة التی رسمها العالم العربی ابن النفیس عن الدورة الدمویة الصغری، قد أراحت الأسبانی من عب‌ء مبارزة جالینوس و طعنه فی قلبه.
[204] ( 1) لهذا الکتاب أهمیة کبیرة فی التشریح لأنه ذکر فیه أن الحاجز البطینی خال من المسام غیر نضاح.« کما صحّح بعض أخطاء ابن سینا فقال مثلا» إن القلب لا یتغذی من الدم الذی تحتویه تجاویفه، بل من الأوعیة الصغیرة المنبثة فی جوهره». و قد عثر الدکتور محی الدین التطاوی علی مخطوطة للکتاب بمکتبة برلین فعنی بدراستها لنیل درجة الدکتوراه من جامعة فرایبورج بألمانیا، و کان موضوع الرسالة« الدورة الدمویة تبعا للقرشی».
[205] ( 1) ابن النفیس للدکتور بول غلیونجی ص 122: ص 129.
[206] ( 1) توجد شروح عدة لکتاب الموجز من أهمها« حل الموجز» لجمال الدین محمد بن محمد الأقصرائی« ت حوالی 1396»، و شرح الموجز لنفیس ابن عوض الکرمانی.
[207] ( 1) یقول الدومییلی فی العالم عند العرب ص 565 و ص 566:
إن من أهم الدراسات عن الأطباء الیهود فی الشرق الأوسط زمن العصور الوسطی کتاب الدکتور ماکس مایرهوف:
Max Meyerhof, Medlieval Jewish physician in the near East From Arabic Sources.
و من أهمهم الطبیب ماسرجویة الذی ترجم کتاب هیرون:Pandectae'Ahrom و إسحق بن سلیمان الإسرائیلی.
و من یهود الأندلس حسدای بن شبروط، و یوناه بن بکلارس، و آسان الیهودی، شبطای بن إبراهیم، و موسی بن إیلی عازار طبیب المعز الفاطمی، الحقیر النافع، طبیب الحاکم الفاطمی و کان مختصا بالجراحة أفرائیم بن زفان، الذی عاش أیضا فی بلاط الفاطمیین فی النصف الثانی من القرن الحادی عشر المیلادی و کان تلمیذا لعلی بن رضوان و لکنه اشتهر نساخا علی الأخص، بالنظر إلی کثرة عمله فی النسخ، و کان تلمیذه: سلمه بن رحمون هو الذی صنف مؤلفات کثیرة و تمتع بمکانة عظیمة، السموال بن یحیی و أبو البرکات هبة اللّه بن ملکه، الذی عاش فی القرن الثانی فی إیران و العراق.
و عاش فی نفس الوقت بمصر: هبة اللّه بن جمیع الإسرائیلی، أبو البیان السدید بن المدور« المتوفی 1184، و أبو الفضائل مهذب الدین الناقد، موسی بن میمون، و کذلک معاصروه أبو المعالی تمام بن هبة اللّه، أبو البرکات القضاعی« المتوفی 1196»، أبو البرکات ابن شعیا: أسعد الدین بن یعقوب، و أخلاقه: إبراهیم بن موسی بن میمون« المتوفی حوالی 1237» و کان طبیب السلطان الکامل و زمیل ابن أبی أصبیعیة فی بیمارستان القاهرة، و ابن عقنین أو عکنین، و دافید سلومو« السدید بن أبی البیان» المولود سنة 1160 م و طبیب البیمارستان الناصری الذی أسسه صلاح الدین سنة 1181 م و مصنف کتاب: الدستور البیمارستانی، الذی نشره حدیثا بول سباط بعنوان:
Paul Sbath, Le Formulaire d hopitaux d'libn Abil Bayan medecin du Bimaristan Annacery au Caire au XIII Siecle, Cire 3391.
و عمران بن صدقة، و هو بکل تأکید نفس موسی بن صدقة الطبیب الیهودی الذی کان أعظم الأطباء بعد موسی بن میمون. ولد فی دمشق 1165 م و درس علی رضی الدین الرحبی الطبیب المشهور، و کان زمیلا لعبد الرحیم الدخوار فی البیمارستان الذی أسسه نور الدین محمود بن زنکی سنة 1154، و توفی سنة 1239 م فی حمص و کان قد دعی إلیها لمشورة طبیة.
و کثیر من کتب الأطباء السماریتانیین من القرنین الثانی و الثالث عشر: صدقة ابن منجی« المتوفی بعد سنة 1223 م»، مهذب الدین یوسف بن أبی سعید بن خلف« المتوفی 1227 م» إبراهیم بن خلف، جزلة بن أبی سعید« المتوفی 1251 م» الذی اعتنق الإسلام و صار وزیرا لسلطان دمشق: الصالح إسماعیل، سنة 1237 م، و کان حامیا للفنون و العلوم، کما کان أستاذا لابن أبی أصبیعة الذی أهدی إلیه کتابه فی طبقات الأطباء، و أخیرا موفق الدین یعقوب بن غنیم« المتوفی 1282 م».
و کوهین العطار و ابن کمونة، أو بعبارة أصح: عز الدولة سعد بن منصور، الذی اعتنق الإسلام سنة 1280 م، و ألف فی الفلسفة، و له کتاب فی أمراض العیون، و السدید الدمیاطی، تلمیذ ابن النفیس و صدیقه و صدیق الصفدی أیضا، و طبیب المملوکی الناصر بن محمد.« و توفی 1339 م».
و ختم المؤلف کتابه بالحدیث عن ابن العبری، الذی« علی الرغم من إلحاد والده» کان نموذجا للعالم الیهودی، فی نهایة عهد کان الیهود لا یزال یسمح لهم فیه أن یقوموا بدور هام فی الحیاة العقلیة بالمشرق».
[208] ( 1) و هو کتاب خلق الجنین .. و کان أشهر المهتمین بعریب بن سعد دوزی الذی نشر قطعا من نص کتاب لعریب فی تاریخ العرب فی الأندلس و أفریقیة- کما نشر نصا عربیا مع ترجمة لاتینیة لکتاب آخر لعریب هو کتاب« الأنواء».
[209] ( 1) یقول الدکتور عبد الرحمن بدوی:
من الأبحاث الجیدة عن الزهراوی:
لو کلیر:« جراحة أبی القاسم» باریس سنة 1861.
Leclere: La Chinurgie d'albucasis, paris, 1681.
جورلت:« تاریخ الجراحة» ج 1 ص 620- 649.
ه. فریلش:« أبو القاسم کجراح حربی» فی« محفوظات الجراحة الإکلینیکیة».
H. Frohlich: Abul Kasim a Kriegschirurg, in Archiv F. Klinische chrurgie, 4881 pp. 463- 673.
ر. فالنس:« جراح عربی: أبو القاسم».
R. Valensi: un Chirurgien arobe: Abulcasis. Montpellier, 8091.
شارل نیل:« جراحة الأسنان عند أبی القاسم و مقارنتها بجراحة الأسنان عند المغاربة« طرازا» فی« مجلة طب الفم و الأسنان» سنة 1911 ص 159- 181 ثم 222- 229.
Ch. Niel, in Revue de Stomatologie.
ک. سود هوف:« فی تاریخ الجراحة فی العصر الوسیط« ج 2 ص 16- 84».
K. Sudhoff: Beitrage zur Gesch. D. Chirurgie in Mittelalter, II Leipzig 8191, PP. 61-
. 48
ه. ب. ج. رینوH .P -Renaud أبو القاسم و ابن سینا و کبار الأطباء العرب هل عرفوا مرض الزهری؟ فقال فی« مضبطة الجمعیة الفرنسیة لتاریخ الطب» سنة 1934 ص 122.
Dull Soc. Frame. de La Medecine, 4391, P. 221.
[210] ( 1) حضارة العرب: جوستاف‌لوبون ص 591.
[211] ( 2) فی کتابه العلوم عند العرب ص 147.
[212] ( 1)
Das bush von genugenden in der wgenheilkand, Jon Haliga Al- Halabi- Ubersetzt und erlauterk Jon J. Hirschberg. J. Lippert und E. Mitlwoch. lebzig 5091.
[213] ( 2)
Beitrage Zur geschichte der chirurgie in Mittelater Jon Karl Sudhof Lip 91912.
[214] ( 1) البرید المرتب و الهول.
[215] ( 2) بیرم کلمة فارسیة بمعنی عتلة.
[216] ( 1) هکذا ذکرL .Leclevco .
[217] ( 2) جفت کلمة فارسیة بمعنی زوج.
[218] ( 1) النشیل السیف الخفیف الرقیق اللسان.
[219] ( 1) السل انتزاعک الشی‌ء و إخراجه فی رفق.
[220] نجار، عامر، فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، 1جلد، دار المعارف - قاهره، چاپ: سوم، 1994 م.
[221] ( 1) المقدح و المقداح و المقدحة و القداح کلها الحدیدة التی یقدح بها و قدح فی القدح خرقة بسنخ النصل.
[222] ( 2) المقذ ما قذ به و السکین.
[223] ( 1) المنقب حدیدة ینقب بها البیطار سرة الدابة( القاموس).
[224] ( 2) التصریف لمن عجز عن التألیف للزهراوی ج 1 ص 2 و ص 3.
[225] ( 3) فی بحث علمی له بدوریة البحث العلمی و التراث الإسلامی الصادرة عن جامعة الملک عبد العزیز ص 219، ص 220 العدد الأول 1398 ه و عنوان البحث« من تراثنا الطبی».
[226] ( 1) الموجز فی الطب ص 106 إلی ص 143 باختصار.
[227] ( 1) المیل: المسبر.
[228] ( 1) الصداع النصفی.
[229] ( 1) الزاج الأبیض.
[230] ( 1) السلعة: ورم غلیظ غیر ملتزق باللحم یتحرک عند تحرکه و جمعها سلع.
[231] ( 2) الحماة: ورم قدر الحمصة یحدث فی الجسم غیر ملتصق باللحم.
[232] ( 3) المدس: آلة مثل الإبرة الطویلة.
[233] ( 4) الزهمی: الدهنی.
[234] ( 1) الودج و الوداج: عرق فی العنق، و هو الذی یقطعه الذابح فلا تبقی حیاة.
[235] ( 1) أول من ترجم للأطباء و الحکماء فی دولة الإسلام فی کتاب خاص بهم هو إسحق بن حنین المتوفی سنة 298 ه و وضع لذلک کتابا هو« تاریخ الأطباء و الحکماء». لکنّا نجد شذرات قبل ذلک تتضمن ترجمة لعدد من الأطباء دون أن یخصصوها فی کتاب مستقل بهم لعدد من المؤلفین مثل حنین بن إسحق المتوفی عام 260 ه و الیعقوبی المتوفی سنة 284.
[236] ( 1) یقول الدومبیلی فی العلم عند العرب ص 397. أن أسرة ابن زهر انجبت سلسلة کاملة من مشاهیر الأطباء و أول شخصیة مشهورة من هذه الأسرة، التی استقرت فی شاطبة منذ أوائل القرن العاشر، هو الفقیه أبو بکر محمد بن مروان، الذی توفی فی تل أعفر»Talavera « سنة 1031 م. عن ستة و ثمانیة عاما.
و کان ابنه أبو مروان عبد الملک طبیبا مشهورا، أقام بعض الزمن بالقاهرة، فلما رجع إلی أسبانیا أقام فی دانیة، حیث توفی سنة 1078 م.
[237] ( 1) الحقیقة أن قمل الجرب عرف علی أنه السبب المباشر فی الجرب سنة 1687 علی أثر الدراسات التی عملها کل من بونو و تشستونی و قد ذکر أیضا أحمد الطبری فی کتابه المعالجة البقراطیة قمل الجرب و المرض الذی یسببه.
[238] ( 1) متنوعات: ص 91.
[239] ( 1) تعبیر غامض جدا رغما من الشرح و اصل التعبیر هو ربط سفینة إلی القوائم التی تربط إلیها السفن عند رسوها( محمد کامل حسین).
[240] ( 2) تعبیر یستخدمه المؤلف حین یکون العلاج غیر مؤکد النجاح.
[241] ( 1) من غشاء سمیک کالجلد.( م. ک. ح).
[242] ( 1) هذه الحالة دخیلة علی الرسالة فأسلوبها و موضوعها و تفکیرها أشبه برسالة بردی أیبرس.( م.
ک. ح).
[243] نجار، عامر، فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، 1جلد، دار المعارف - قاهره، چاپ: سوم، 1994 م.
[244] ( 1) فی الأصل مرض أعالجه و لکن بریستد یری أن هذا خطأ من الناسخ و ذلک تفصیلا الأسباب التی تدعوه لهذا الرأی( م. ک. ح.).
[245] نجار، عامر، فی تاریخ الطب فی الدولة الإسلامیة، 1جلد، دار المعارف - قاهره، چاپ: سوم، 1994 م.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.